الإثنين 29-04-2024 11:18:01 ص : 20 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

حاكم عسكري إيراني في صنعاء.. إلى أين تتجه الأوضاع في اليمن؟

الأربعاء 11 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد السلام الغضباني

 

اتخذت إيران خطوة تصعيدية ضد اليمن وجواره العربي من خلال تعيين سفير لها لدى مليشيات الحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء، حيث تعكس مثل هكذا خطوة اعتقاد إيران أن الصراع في اليمن قد انتقل إلى مرحلة متقدمة تصب في صالحها، كما أن هذه الخطوة تعد إعلانا بانتصار المشروع الفارسي في اليمن، وليست فقط مجرد محاولة الترويج للحوثيين دبلوماسيا كما يرى بعض المتابعين.

ومن أجل الحفاظ على المكاسب التي حققتها طهران فإنه لا بد من خلط الأوراق من خلال تعيين "سفير" إيراني لدى الحوثيين في صنعاء بصلاحيات حاكم عسكري يتعامل مع مناطق سيطرة المليشيات الحوثية في اليمن وكأنها أصبحت مقاطعة إيرانية، أي أن المسألة تتعدى مجرد "الاعتراف" بالحوثيين كحكام شرعيين في صنعاء إلى التعامل مع الأزمة من منظور واقع جديد تكون فيه إيران هي المتحكم الرئيسي في كل صغيرة وكبيرة، وما مليشيات الحوثيين إلا مجرد أداة بيد طهران تسيرها كيفما تشاء.

ولعل أكثر ما شجع إيران للإقدام على مثل هكذا خطوة استفزازية، طول أمد الحرب وغياب أي مؤشرات لحسم المعركة ضد الانقلاب الحوثي، وظهور عدة مليشيات لا تعترف بالسلطة الشرعية وتحاربها في أكثر من جبهة، مقابل الوحدة الظاهرية لمليشيات الحوثيين، كل ذلك جعل إيران تعتقد أن مسار الأزمة اليمنية يمضي في صالحها.

ولهذا، فقد رأت طهران أن تعيين حاكم عسكري في البلاد يحمل صفة "سفير" من شأنه الحفاظ على المكاسب التي تحققت ونقل الصراع إلى مراحل متقدمة رغم التعثر العسكري لمليشيات الحوثيين وعدم قدرتها على التوسع جغرافيا منذ عدة أشهر، والخيار البديل هو استغلال الثغرات والخلافات بين مكونات الطرف الآخر الرافض للحوثيين وللمشروع الفارسي في اليمن والمشرق العربي بشكل عام بهدف تحقيق تقدم عسكري لصالح المليشيات الحوثية وحليفتها إيران.

 

- حلم الإمبراطورية

عندما اختارت إيران سفيرا لها لدى مليشيات الحوثيين في العاصمة صنعاء، التي تسيطر عليها المليشيات منذ انقلاب 21 سبتمبر 2014، فإنها لم تختر شخصا قدم من الحقل الدبلوماسي، وإنما اختارت شخصا ذا خلفية عسكرية، وهو مؤشر بأن مهمته في صنعاء ومختلف مناطق سيطرة الحوثيين ستكون مهمة عسكرية بحتة، لا شأن لها بالعمل الدبلوماسي، خاصة أن حكومة الحوثيين الانقلابية غير معترف بها دوليا.

وتفيد مصادر سياسية وإعلامية أن السفير الإيراني لدى الحوثيين حسن إيرلو يعد من أبرز قادة ما يسمى الحرس الثوري الإيراني، وهي قوات عسكرية إيرانية تتمثل مهمتها الرئيسية في الحفاظ على النظام الطائفي الحاكم في طهران والتدخل العسكري في البلدان الأخرى ونشر وحماية مبادئ وأفكار الثورة الخمينية، وتذكر بعض المصادر أن "إيرلو" خبير عسكري ويقيم في مناطق سيطرة الحوثيين منذ سنوات، ويشرف على عمليات تطوير وتصنيع صواريخ بالستية وطائرات مسيرة بواسطة خبراء إيرانيين، وتستخدمها مليشيات الحوثيين لتنفيذ هجمات متتالية في عمق الأراضي السعودية.

تتعامل إيران مع الأزمة اليمنية ومختلف أزمات دول المشرق العربي من منظور إمبراطوري بحت، وهو ما عبر عنه مسؤولون إيرانيون بعد سيطرة مليشيات الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014، بقولهم إن صنعاء رابع عاصمة عربية تسقط بيد طهران، وإن الإمبراطورية الفارسية عادت وعاصمتها بغداد.

والقصد من ذلك أن إيران أصبحت تُحكِم سيطرتها على أهم المناطق الجغرافية التي وصلت إليها الإمبراطورية الفارسية قبل ظهور الدعوة الإسلامية، ثم انهارت أثناء حركة الفتوحات الإسلامية، مما ولد أحقادا تاريخية عميقة لدى الفرس بإشعال الحروب في العالم العربي، من خلال استغلال الانقسامات المذهبية والطائفية والنفخ فيها.

وبتعيين إيران حاكم عسكري في صنعاء يحمل صفة "سفير" للتمويه وعملا بمبدأ "التقية" السياسية، فإن حلم الإمبراطورية الفارسية يكون قد انتقل من مرحلة التنظير إلى مرحلة التطبيق العملي وحصد المكاسب التي تحققت خلال السنوات الماضية، خاصة أن إيران باتت تنظر للعراق وسوريا ولبنان بأنها أصبحت ضمن الإمبراطورية الفارسية وأن المساومة عليها مستحيلة.

 

- الحفاظ على المكاسب

ومع خفوت العمليات العسكرية في اليمن ضد الحوثيين، وتوقف مختلف الجبهات إلا في حال كانت الحرب دفاعا ضد محاولات الحوثيين التقدم هنا أو هناك، فإن إيران رأت بأنه حان الوقت للتصلب في اليمن وعدم التفريط بما تحقق من مكاسب والاستماتة في الحفاظ عليها، وأن ذلك لن يتم إلا بالحضور العلني داخل البلاد، وعدم المبالاة بالقوانين الدولية التي تجرم مثل هكذا أفعال، وأيضا عدم المبالاة بردود أفعال اليمنيين وتحالف دعم الشرعية إزاء هذه الخطوة.

وقد أغرى حكام طهران للإقدام على مثل هكذا خطوة، تحويل مليشيات الحوثيين مناطق سيطرتها إلى مسرح لنشر الأفكار الطائفية والسعي لطمس هوية اليمنيين وإلغاء الآخر عقيدة ومذهبا وفكرا، وشمل ذلك المدارس والجامعات ودور العبادة وغيرها، ولم تسلم حتى الجدران وواجهات المباني من الشعارات الطائفية، وهو ما لم يسبق أن حدث في أي بلد عربي تتواجد فيه مليشيات طائفية موالية لإيران وتأتمر بأمرها، سواء في لبنان أو العراق أو سوريا.

ويعني ذلك أن مليشيات الحوثيين أثبتت ولاءها للمشروع الإيراني التخريبي أكثر من مثيلاتها في البلدان العربية المذكورة، واندفعت لتطييف المجتمع اليمني وإرهابه ونهبه بشكل لم تجرؤ على فعله المليشيات الطائفية الموالية لإيران في لبنان وسوريا والعراق، بل فمليشيات الحوثي مستعدة أكثر من مثيلاتها لخوض معارك عسكرية غير متكافئة (الانتحار العسكري) خدمة لإيران، كما هو الحال في استفزازها للسعودية منذ المناورة العسكرية بالقرب من حدودها الجنوبية مع اليمن قبل عملية "عاصفة الحزم" وحتى يومنا هذا.

 

- إلى أين؟

من المؤكد أن تعامل إيران مع الأزمة في اليمن لن يكون بعد تعيين سفير لها لدى الحوثيين كما كان من قبل، وسيكون التصعيد العسكري في جبهات الداخل والجبهات الحدودية مع السعودية هو عنوان المرحلة المقبلة، كما سيتم تهريب الأسلحة بكثافة للحوثيين عبر الزوارق البحرية التي يصعب رصدها وتتبعها، وباستخدام أساليب تمويه مختلفة.

وتبدو الظروف الراهنة ملائمة للتصعيد الإيراني الحوثي ضد الحكومة الشرعية وضد السعودية، نظرا لتعثر تنفيذ "اتفاق الرياض" الموقع بين الحكومة الشرعية وما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، واستمرار المعارك المتقطعة بين الطرفين في محافظة أبين، وغير ذلك من الملفات الشائكة التي لم تحسم.

كما أن خيار التصعيد العسكري، الذي سيكون بتخطيط وإشراف مباشر من قبل خبراء عسكريين إيرانيين، يأتي في وقت شهدت فيه مليشيات الحوثيين انتكاسة كبيرة إثر محاولتها السيطرة على محافظة مأرب، وتقهقرها في محافظة الجوف، وعدم قدرتها على التقدم في جبهات تعز والبيضاء وغيرها، ولعل ذلك أثار مخاوف إيران من انهيار معنويات المليشيات الحوثية، فكان لا بد من دعمها من خلال تعيين "سفير" بمثابة حاكم عسكري في البلاد، وربما تم إرسال عدد كبير من الخبراء العسكريين والمقاتلين لتعزيز المليشيات الحوثية.

 

- ما سبل المواجهة؟

تؤكد المعطيات على أرض الواقع أن إيران ماضية في مشروعها التوسعي والتخريبي في العالم العربي ما لم تكن هناك قوة ردع موازية تضع حدا للأطماع الإيرانية والقضاء التام على المليشيات التابعة لها والمنتشرة في عدة بلدان عربية، ذلك أن المعركة بالنسبة لإيران ومليشياتها تعد معركة مصيرية ذات دوافع عقائدية تتمثل في ما يسمى الحق الإلهي في السلطة والتفوق العرقي والسلالي.

ونظرا لخطورة المشروع الإيراني الطائفي الذي لا يهدد اليمن فقط وإنما يهدد جواره الإقليمي العربي بشكل عام، وعدم وجود أي أفكار ورؤى مشتركة يمكن البناء عليها لمصالحة سياسية طويلة الأمد تنهي حالة العنف القائم، فإنه لا توجد خيارات متعددة للمواجهة سوى الحسم العسكري ضد إيران ومليشياتها الطائفية في كل بلد توجد فيه، ويأتي في مقدمتها اليمن، كون مليشيات الحوثيين وخطرها على المجتمع اليمني وعلى دول الجوار بلغ مداه، وتجاوزت بشاعتها بشاعة كل المليشيات الطائفية المماثلة لها في البلدان العربية الأخرى.

كلمات دالّة

#اليمن #صنعاء