الإثنين 29-04-2024 16:21:22 م : 20 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

صراع العوائل السلالية.. لماذا يقتل الحوثيون بعضهم بعضا؟

السبت 07 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 الساعة 07 صباحاً / الإصلاح نت – خاص / عبد الرحمن أمين

  

ما زالت قضية اغتيال القيادي في جماعة الحوثي والوزير في حكومة الانقلاب "حسن زيد" سيالة بالأصداء والتداعيات والتحليلات، وما زالت تتكشف الكثير من الحقائق والأسرار، بالرغم من إغلاق جماعة الحوثي للملف بكل أسراره ورموزه بعد مرور 24 ساعة فقط من اغتياله، في خطوة وصفها مراقبون بالمهزلة، إذ أعلنت عن مقتل المتهمين بتنفيذ عملية الاغتيال وبوقت قياسي.

هذا ما دأب عليه الجناح الأقوى في جماعة الحوثي الانقلابية، إذ لم تكن حادثة الاغتيال هذه هي الأولى، ولم يكن السيناريو هو الأول من نوعه، بل جاء على نفس المنوال ونفس الأسلوب الذي اعتادت الجماعة التعامل به مع حوادث الاغتيال المشابهة التي تأتي ضمن سلسلة الاغتيالات والتصفيات الداخلية بين أجنحة الجماعة، والتي عادة ما تتسم بالغموض وتترك أسئلة وملفات مفتوحة، وحدها الأيام هي الكفيلة بالإجابة عنها.

فعمليات الاغتيال والتصفيات للقيادات الحوثية رغم تكرارها وتشابهها إلا أن ملفاتها تبقى مفتوحة، والتحقيقات الصورية التي عادة ما تشرع بها الجماعة تظل دون نتائج، مما يعزز قناعة الكثير من المتابعين والمهتمين بملف الاغتيالات والتصفيات الداخلية في أوساط جماعة الحوثي أن هذه العملية تأتي في إطار التآكل الداخلي للجماعة.

ومن المرجح جدا أن تشهد المرحلة القادمة موجة من الاغتيالات، تزامنا مع وصول الحاكم العسكري الفعلي في صنعاء "حسن إيرلو" الذي عينته إيران كسفير لها في العاصمة صنعاء، والذي سيتركز دوره على إدارة الملف الأمني، فالرجل له خلفية أمنية ولا علاقة له بالسياسة والدبلوماسية من قريب أو بعيد ولم يتقلد أي منصب دبلوماسي من قبل، وهو ضابط كبير في فيلق القدس، كما أن شقيقه "حسين إيرلو" أحد أبرز القادة العسكريين الذين لقوا مصرعهم في الحرب العراقية الإيرانية.

وبحسب دراسة لـ"مركز المعلومات حول الاستخبارات والإرهاب"، فإن إيرلو يعتبر مرشدا إيرانيا ومدربا كبيرا على الأسلحة المضادة للطيران.
وتقول الدراسة إن "إيرلو" كان قائد التدريبات على الأسلحة المضادة للطائرات في معسكرات تدريبية لتأهيل وتدريب عناصر من حزب الله اللبناني عام 1999.

وتوقع خبراء ومحللون أن الأشهر المقبلة ستزيح الرؤوس السياسية عن المشهد تماما، وستتخلص منها بعمليات مشابهة لسابقاتها حتى لا تشكل عائقاً أمام مخططات "الحاكم العسكري" وتنفيذ أجندته المشبوهة.

وتشهد المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا صراعا صامتا بين عدد من الأجنحة الحوثية، يتمحور حول إدارة الملف الأمني والهيمنة على النفوذ والسلطة والمال وبسط السيطرة على أراضي الدولة في المناطق الخاضعة لسلطة الحوثيين، والاستحواذ على تجارة المشتقات النفطية واحتكار استيراد المواد الغذائية وإدارة اقتصاد الحرب.

ويعتبر تصاعد وتيرة عمليات الاغتيال مؤشرا على طفو الصراع على السطح، فبعد أن كان الاقتتال والتناحر على مستوى الصفوف الثانية والثالثة، ها هو الصراع يشهد تطورا جديدا انتقل إلى الصفوف الأولى، فإن الصراع بين أقطاب وأجنحة المليشيا الحوثية يكون قد انتقل إلى مرحلة متقدمة من الصعب التكهن بمآلاتها حاليا، نظرا للسجل الإجرامي للجماعة والذي شمل خصومها وحلفاءها ومؤيديها وقادتها على حد سواء، فالعلاقات البينية لأجنحة الجماعة لن تكون بعد حادثة اغتيال "زيد" كما كانت قبلها، خصوصا أن الحادثة وقعت في منطقة تخضع لإجراءات أمنية مشددة لأن معظم القيادات الحوثية تقيم فيها.

وتعكس عملية تصفية القيادي "حسن زيد" حجم الخوف والقلق والريبة والتوجس التي تعيشها قيادات الحوثيين، والطريقة الخفية التي يعتمد عليها الحوثيون في التنقل داخل العاصمة، إذ يستخدمون سيارات صغيرة مدنية ودون أي موكب، تقودها نساء خشية اغتيالهم.
إذ كانت ابنة حسن زيد هي من تقود السيارة، فيما كان شقيقها بجوارها ووالدها بالكرسي الخلفي.

وتقول مصادر إن كثيرا من القيادات الحوثية دربت بناتها على قيادة السيارات للتمويه على تحركاتها والهروب من مخططات التصفية الداخلية.

ورغم هذه الترتيبات والاحترازات إلا أن الأمر كان مكشوفا، نظرا لوجود عمليات الرصد والاختراقات البينية.

وتأتي هذه الحادثة بعد 14 شهرا من مقتل القيادي الحوثي "إبراهيم الحوثي" شقيق زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، والذي قتل نهاية العام الماضي، في حادثة لا تزال تفاصيلها غامضة حتى هذه اللحظة، وتقول بعض المصادر إن الرجل تم العثور عليه مقتولا في أحد منازل منطقة حدة محافظة صنعاء، ضمن عمليات تصفيات داخلية.

القيادي البارز "عبد الكريم جدبان" عضو مجلس النواب وأحد مؤسسي حركة الشباب المؤمن والذي يعتبر الرجل الثاني بعد حسين بدر الدين الحوثي في الحركة كان ضمن من التهمتهم رحى الاغتيالات على خلفية مواقفه المعارضة للكثير من أفكار الجماعة.

فقد سبق وأن استقال من الحركة مع القيادي محمد عزان بحجة أن الحركة خالفت الكثير من أفكار المذهب الزيدي، ولم يشفع له دوره في إنعاش الحركة الحوثية ودفاعه عنها في مؤتمر الحوار الوطني أن يكون هدفا للتصفية على أيدي فريق الاغتيالات السري التابع للجماعة.

الدكتور أحمد شرف الدين الأكاديمي والقيادي في الجماعة كان أيضا ضمن هذا الموكب، فأفكاره وأطروحاته لم تنسجم مع أفكار الجماعة وسجلها الدموي، إذ تم التخلصه منه لإتاحة المجال للجناح العسكري والذي يتلقى أوامره مباشرة من طهران وضباط حرسها الثوري، ليصرح حينها السفير الأمريكي في صنعاء متهما الحوثيين بالوقوف خلف عملية اغتيال الدكتور شرف الدين.

المرتضى المحطوري وعبد الكريم الخيواني ويحيى موسى وعباس المغربي وغيرهم من القيادات البارزة في الجماعة تم اغتيالهم ودفنهم مع ملفاتهم بتفاصيلها.

ومما يلفت النظر هو طول القائمة للقيادات والرموز والشخصيات الحوثية من الصف الأول، ناهيك عن قيادات الصف الثاني والثالث والتي تمت تصفيتها والتخلص منها ضمن صراعات المصالح والنفوذ وتناقض الرؤى في إدارة الملفات الحساسة.

وتعود أسباب الصراع إلى بروز التنافس بين أقطاب الجماعة وتعدد أجنحتها وتباين رؤاها وتعدد العائلات السلالية الطامحة للسيطرة على السلطة مثل عائلة آل المتوكل وعائلة آل الشامي وعائلة آل شرف الدين وآل الحوثي وغيرها، والتي تحاول إزاحة عائلة آل الحوثي من المشهد من خلال التحالف مع بعض قادة المليشيات من وراء ستار.

وترى أسرة آل الحوثي أنها أحق بالزعامة للجماعة من غيرها من الأسر الهاشمية كونها هي صاحبة الشرارة الأولى والمؤسسة لهذه الجماعة وهي التي ضحت وقدمت أبرز شخصيات الأسرة ورموزها، فهي تريد تطويع بقية العوائل السلالية لخدمتها وعدم منافستها.

في المقابل تنظر بقية الأسر إلى أسرة آل الحوثي بنظرة دونية، وتبدي الكثير من الامتعاض بسبب تحكمها بالقرارات المصيرية والاستحواذ عليها، فهي وفق منظورها لا تفقه في السياسة شيئا وليست مخولة بقيادة الجماعة وإدارة الحرب والملفات الأكثر تعقيدا خاصة في ظروف كهذه، وهذه النظرة والعداء هي التي جعلت الكثير من قياداتها أهدافا للقتل والتصفية بإيعاز إيراني، فقيادات آل الحوثي هي التي تحظى بالمباركة والدعم والتأييد نتيجة ولائها المطلق لملالي طهران.

وتفيد بعض المصادر أن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي بدأ بتلميع وتأهيل نجله "جبريل" ليكون زعيما للجماعة في حال وفاته أو قتله، وهو ما أثار غيض أخيه يحيى الحوثي الأكبر منه سنا، الذي تم تعيينه وزيرا للتربية والتعليم، وهي وظيفة -رغم أهميتها- إلا أنها لن تمكنه من بناء نفوذ شخصي في أوساط القبائل والمليشيات التابعة للجماعة.

هذا الانطباع يوجد أيضا لدى هاشميي صنعاء الذين يرون في هذه الإجراءات تهميشا وإقصاء لهم رغم الدور الذي يقومون به، ورغم المكانة والأهمية التي يحظون بها وفق الترتيب والتصنيف السلالي.

وبالمجمل نستطيع القول إن حدة الخلافات والصراعات في أوساط مليشيا الحوثي كانت أقل حتى لحظة انقلابها على حليفها الإستراتيجي "علي عبد الله صالح" في العام 2017، فبعد أن دب الخلاف والصراع بين الحليفين وانتهى بمقتل "صالح" انتقل الصراع مباشرة إلى أوساط جماعة الحوثي نفسها، لتبدأ بعدها الشكوك والاتهامات المتبادلة التي أفضت إلى المزيد من عمليات الاغتيال والتصفيات.

الحرب الدائرة بين أقطاب وأجنحة المليشيا الحوثية وإن كانت تتسم بطابع الصمت إلا أنها مؤشر على تآكل هذه الجماعة وانهيارها نتيجة رؤاها المتناقضة وتربص كل جناح بالآخر وتعدد المتارس الداخلية، والاتهامات المتبادلة بالتخوين والعجز والضعف والفشل، من الصعب في حالة كهذه أن تظل محتفظة بتوازنها وتماسكها لأعوام.

كلمات دالّة

#اليمن