مثخنة بالجراح ملقاة على رصيف النسيان، محدّقة في الأفق البعيد بوجه شاحب كئيب، تتنازعها كل شاردة وواردة من نوائب الزمان، غارقة في دوامة الأطماع والمؤامرات، لسان حالها "ليس بالإمكان أفضل مما كان".

هكذا تبدو اليمن عامة، وهكذا تبدو عاصمة السلام محافظة إب على وجه الخصوص، غداة تفشي الأوبئة الفتاكة، في ظل حرب طاحنة لم تبق ولم تذر، وفي ظل انقلاب على دولة يعول عليها كباقي دول العالم توفير الاحتياجات اللازمة والضرورية لمواجهة فيروس عابر للقارات، وعصابة تحكم قبضتها وسيطرتها على المحافظة، متجردة من القيم والمسؤلية والضمير الحي.

ففي الوقت الذي تواصل فيه مليشيا الحوثي إنكار وجود الإصابات والوفيات الناجمة عن فيروس كورونا المستجد بمحافظة إب، تأتي ومن مصادر مختلفة تأكيدات طبية تفيد بتسجيل حالات مؤكدة ووفيات بالفيروس.

فقد أكدت مصادر مطلعة وجود 20 حالة إصابة في مستشفى جبلة العام خاضعة للحجر الصحي، بينما أكدت مصادر أخرى دفن جثامين لحالات وفاة أصيبت بفيروس كورونا، في ساعات متقدمة من الأيام الماضية وفي جنح الظلام، حيث جرت عمليات دفن في مدينة إب بحضور فريق صحي وعناصر من مليشيا الحوثي وبحضور أفراد محدودين من أقرباء الحالات المتوفية.

مصادر أخرى أكدت خروج ثلاث سيارات إسعاف من مستشفى جبلة في الساعة الأولى من فجر يوم الخميس بصحبة أطقم حوثية، وعلى متنها 5 جثث توفيت داخل الحجر الصحي بمستشفى جبلة متأثرة بوباء كورونا.

وقال سكان بمنطقة جرافة إنهم شاهدوا سيارة إسعاف وعددا من الأشخاص وعليهم ملابس وكمامات وقائية يقومون بدفن جثث في مقبرة جرافة بمدينة إب، في الوقت الذي تواصل فيه مليشيا الحوثي إنكار وجود حالات إصابة بالوباء في المحافظة، رغم تأكيدات مصادر طبية متطابقة بتسجيل عدد من الحالات، مما ينذر بكارثة محققة نتيجة التكتم الشديد واللامسؤول، وانعكاسات سيئة على المجتمع، في ظل انعدام وسائل الوقاية والاحترازات، إذ كان المفترض الإعلان عنها في وقت مبكر.

وفي مديرية النادرة، قالت مصادر إن خمسة أشخاص على الأقل من أبناء المديرية أصيبوا بالفيروس، وجرى نقلهم من قبل المليشيات إلى مستشفى الكويت في صنعاء.

وبحسب المصادر فإن الحالات المصابة هم أشخاص تلقوا دورات حوثية، ومن بين المصابين إحدى القيادات الحوثية المحلية بمديرية النادرة، في حين توفي شخص بالوباء.

ووفقا لبعض المصادر، فإن حالات اشتباه عالية بعدد من المواطنين بمحافظة إب بفيروس كورونا، وسط تكتيم من قبل المليشيا الحوثية، وتتعامل مع الوباء تعاملا سياسيا بدلا من التعامل معه طبيا ومصارحة المواطنين بالحقيقة كي يتخذوا إجراءات وقائية.

مصادر طبية أخرى تحدثت عن وفاة حالة وصلت المستشفى وهي ذات اشتباه عال جدا وتعاني من أعراض فيروس كورونا وتم تحويلها إلى الحجر الصحي بمستشفى جبلة، غير أن الحالة توفيت بالطريق ولم تصل الحجر.

وفي صباح الأربعاء، أغلق الحوثيون جامع الجبانة العليا وسط مدينة إب مع قيام فرق بتعقيم حارة الجبانة العليا بالكامل بعد صلاة الفجر بعد وجود حالة اشتباه بوباء كورونا نقلت إلى مستشفى جبلة، وسط تكتم المليشيات ورفضها الإفصاح عن وجود حالات إصابة بعدد من مديريات المحافظة رغم تأكيدات مصادر طبية بتسجيل عدد من الحالات.

وكانت الأقسام الطبية في مستشفى جبلة بمحافظة إب قد علقت تقديم خدماتها الطبية والاكتفاء باستقبال الحالات المصابة بوباء "كورونا".

وقالت مصادر طبية إن كافة الخدمات الصحية التي كان يقدمها مستشفى جبلة الجامعي التعليمي جرى تعليقها حتى إشعار آخر في إطار الإجراءات الاحترازية لمواجهة الوباء.

منظمة "أنقذوا الأطفال" قالت في بيان لها إن اليمن غير مجهز للتعامل مع تفشي واسع النطاق لفيروس كورونا.

وقال "كزافييه جوبيرت" المدير القطري لمنظمة أنقذوا الأطفال: "هذا هو السيناريو الأسوأ الذي نخشاه.. ينتشر فيروس كورونا في جميع أنحاء البلاد، وقد وصل الآن إلى شمال اليمن، موطن بعض الأطفال والأسر الأكثر ضعفاً في هذه الكارثة الإنسانية".

ووفقا لوكالة "رويترز" للأنباء، فقد علقت منظمة الصحة العالمية نشاط موظفيها في مراكزها بالمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، على خلفية عدم شفافية الحوثيين إزاء الحالات التي يشتبه إصابتها بفيروس كورونا.

الأسلوب المتعمد الذي انتهجته المليشيات في التعامل مع بعض الحالات المبلغ عنها والذي يعكس همجية هذه الجماعة، من شأنه أن يفاقم المشكلة أكثر ويزيد الأمر سوءا، إذ تلجأ المليشيات إلى أسلوب الترهيب والتخويف وإرسال الحملات الأمنية وإغلاق المنطقة المشتبه بوجود حالات إصابة فيها، وأخذ المريض المشتبه فيه بأسلوب همجي وحشي قمعي، كما لو كان المريض أحد المجرمين الفارين، مما جعل كثيراً من الحالات لا تستطيع الإفصاح عن وضعها الصحي.

وتتهم الحكومة اليمنية مليشيا الحوثي الانقلابية بالتستر على الحالات المصابة بالفيروس في مناطق سيطرتها، في ظل أنباء عن إصابة العشرات وتسجيل حالات وفيات في عدة محافظات بينها محافظة إب.