الإثنين 29-04-2024 09:01:22 ص : 20 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

رمضان في مناطق سيطرة الحوثيين.. أحزان مستمرة وأوجاع متجددة

الإثنين 29 إبريل-نيسان 2019 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت - خاص- زهور اليمني

 

أيام ويحل علينا شهر رمضان الفضيل، لا حضور لأجوائه في أسواق صنعاء وشوارعها، فألم العوز لم يترك متسعاً للإحساس بشيء سوى الحزن، تجده يتحدث إليك في عيون الجميع.

يتحدث عن أب فقد ابنه، وامرأة استشهد زوجها، وأم غيب ابنها في سجون الحوثيين، وطفل دفنت الحرب عائلته تحت الأنقاض، وموظف بلا راتب، ورب أسرة يهيم طوال يومه في الشوارع، ليحصل على ما يسد رمق جوع عائلته، وهكذا تستقبل صنعاء رمضان بقائمة طويلة من هذه الأوجاع.

وبين غصة الفقد وأشواق الفرحة الغائبة وأحزان الذكريات، تظل قضية الأسرى والمختطفين والمخفيين قسريا القضية الأكثر إيلاما لدى أهالي المختطفين. 

ففي الوقت الذي تعلن فيه المليشيات الثامن من شهر رمضان من كل عام يوماً للسجين اليمني، كمزايدة منها أمام الرأي العام المحلي والخارجي، ما يزال الآلاف من اليمنيين يقبعون في معتقلاتها، ومحرومين من أبسط الحقوق التي كفلها القانون اليمني والمعاهدات الدولية.

  

مائدتنا في رمضان ستكون حزينة

لطالما كان شهر رمضان المبارك يمثل فرصة للإفراج عن السجناء، وكثيراً ما كانت أسر تنتظر رمضان من كل عام، لتحظى بعودة أعزاء لها من خلف القضبان.

وكما سبق في الأعوام الثلاثة التي مضت، لن يحدث هذا العام الإفراج عن أي معتقل، في ظل سلطة المليشيات التي تعج سجونها بآلاف المعتقلين والمختطفين والمخفيين قسرياً.

"في السابق كانت صعوبات الاستعداد لرمضان، وتلبية متطلبات الأسرة في ظل غلاء الأسعار المستمر وانقطاع الرواتب، لكن هذا العام بالإضافة لما سبق، لدينا همّ من نوع آخر نحن أسر المعتقلين، إنه هم ترتيب إجراءات الزيارة لابننا المعتقل، وتوفير حاجاته، وضمان وصولها إليه".

بهذه الكلمات بدأت أم يوسف حديثها، والدة أحد الشباب المعتقلين في سجون الحوثيين منذ سنة.

وأضافت الأم قائلة: "تبدلت الأمور بشكل كامل، فلم يعد للشهر لذته، ولم يعد الكثير من أهالي المعتقلين يشعرون بخصوصيته، فكما اعتدنا في رمضان الذي سبق، تتضاعف مشقتنا خلال ترتيب إجراءات الزيارات لابني، وأخذ التصاريح لإدخال مستلزمات الشهر، وفي أحيان كثيرة لا تجدي محاولاتنا نفعا".

وتابعت: "كان عندي أمل مع قدوم شهر رمضان أن يتم الإفراج عن ابني، لكن هذا الأمل تبخر، فالأخبار التي لدينا أنه لن يتم الإفراج عن أي معتقل في سجون الحوثيين، لذا فإن مائدتنا في رمضان للسنة الثانية ستكون ناقصة وحزينة، وقد غاب عنها فلذة كبدي، وترك مكانه فارغا".

وأضافت وهي تحاطبني: "والله يا ابنتي إنني لم أعد أدري ماذا آكل أو أشرب، ففي كل زاوية وركن من البيت أرى ابني، وغالبا ما أصحو من نومي فزعة، لشعوري بأنه يتعذب، وأنه جائع، وأنه (بردان)".

ومضت تقول: "ابني ولد بار بوالديه، ودعواتي ستحفه من كل جانب، وإن غاب جسده عنا في هذا الشهر الفضيل، فهو حاضر بروحه وبحبنا ودعائنا له".

  

اشتقت لزوجي

ستفتقد زوجات المعتقلين والمغيبين في السجون الحوثية أزواجهن في هذا الشهر الفضيل أيضا، بينما الذكريات الجميلة لأعوام مضت عاشتها الزوجات مع رفقاء دربهن تحولت إلى ذكريات أليمة، وغصة حارقة تنزف وجعها على شريك الحياة، الذي غاب سنوات بين وحشة الزنازين وظلم السجان.

"من خلف حواجز السجن قلت لزوجي: مبارك عليك قدوم الشهر المبارك، فطل عليّ بوجه شاحب، آثار الحزن والتعب بادية عليه: كل عام وأنت بخير".

بهذه العبارة الحزينة بدأت أم ياسر، زوجة أحد المعتقلين، حديثها معي.

ثم أضافت تصف شعورها إزاء غياب زوجها، لا سيما مع اقتراب دخول الشهر الفضيل: "كنا نلتف جميعا أنا وزوجي والأولاد حول سفرة الإفطار ننتظر الأذان، و قبله يكللنا زوجي بدعائه الحنون".

وتابعت تقول: "في كل عام، ومع قدوم رمضان كنت أتقن تهيئة بيتنا لدخول الشهر الكريم، لم أعد أهتم بذلك منذ أن اعتقل زوجي قبل ثلاثة أعوام. أصبح همي الوحيد وكل تفكيري هو كيف سيمر رمضان على زوجي للمرة الثالثة وهو خلف القضبان". 

ومضت تقول: "كنت وقبل حلول رمضان بأيام، أتفق أنا وزوجي حول العبادات التي سنقوم بها معا، لكن رمضان هذا اختلف كما رمضان الذي مضى، ولم أعد أشعر بتلك السعادة وأنا أخطط لأداء تلك العبادات، بدون أن يشاركني إياها زوجي. كان هو من يوقظ فيَّ استشعار أيام وليالي رمضان، فكيف أستطيع فعل ذلك بدونه؟".

وبدأت بالبكاء بحرقة، أبكت قلبي حزنا عليها، وأضافت: "اشتقت له، أفتقده كثيرا، ومع دخول رمضان يزداد افتقادي لقربه، وحاجتي لأن يكون معي".

  

فقر وعوز

وهناك معاناة من نوع آخر، ابتلي بها المواطن اليمني مع قدوم شهر رمضان، بالإضافة لما سبق من معاناة أهالي المعتقلين، إنه نصف الراتب، الذي سيواجه به الموظف أعباء حياة تمتد لـ6 أشهر، منذ آخر نصف راتب صرفته المليشيا الحوثية. 

هكذا أحالت المليشيا حياة اليمنيين إلى جحيم لا يطاق، بالذات في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

"لا يوجد لدينا ما نأكل، فيكف نستطيع توفير إيجار المنزل؟"، بهذا التساؤل بدأ محمد حديثه، وأضاف: "منذ ثمانية أشهر ونحن في انتظار صرف نصف راتب، لكن للأسف لا يمكن أن نقتات من وعود الصرف، رغم كثرتها، ولم نعد نملك غير الصبر الإجباري الذي نحافظ به على قليل من التفاؤل المصطنع بانتظار صرف حقوقنا".

وتابع: "ضاق بنا الحال، وانقطعت بنا سبل العيش، ومع قدوم رمضان فأنا مضطر لترك منزلي، هروبا من مالك البيت الذي يطالب بالإيجار، وصاحب البقالة، وبائع الخضروات بالحارة".

يصمت محاولا ترتيب الكلمات، لعل شكواه تكون واضحة هذا المرة، ثم يعود صوته الشاحب: "لن نعيش روحانية رمضان، إننا نعيشه كذكرى أليمة، وحتى لا نموت من الجوع سوف نفترق وأسرتي، أنا سوف أذهب إلى بيت أبي، وزوجتي إلى بيت أبيها".

وبعد أن أنهى حديثه تساءلت: إلى متى سوف يستمرون في مساعدته في ظل هذا الصراع الذي يقذف بشريحة كبيرة من المواطنين إلى رصيف الجوع والتسول؟

  

مكرمة الحوثيين لليمنيين

وعلى أبواب رمضان فإن نصف الراتب، الذي يعول عليه في تحمل أعباء تراكمية كبيرة، لا يتجاوز لدى صغار الموظفين حدود الـ15 ألف ريال.

نصف راتب لمواجهة ديون عام كامل، أصبح في مناطق سيطرة الحوثي "مكرمة رمضانية" كما يرغب أنصاره في تسويقه، الأمر الذي يفاقم أزمة موظفي الدولة في مناطق الانقلاب، ويضعهم في مأزق حقيقي مع تزايد المعاناة في ظل حكم المليشيا، التي حرمتهم من رواتبهم لأكثر من ثلاث سنوات.

وبحسب تقارير محلية ودولية، فقد أدى انقلاب الحوثيين منذ أربع سنوات إلى ارتفاع نسبة الفقر بشكل غير مسبوق، ووصلت إلى أكثر من 85% كما تحدثت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، وأضافت المنظمة أن أكثر من 82% من اليمنيين بحاجة إلى مساعدات إنسانية، نتيجة لتردي الأوضاع المختلفة في البلاد.

كما أفاد تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، بأن انقطاع رواتب الموظفين الحكوميين أحال حياة الملايين إلى جحيم لا يطاق، وقذف بهم في دوامة الجوع والعوز.

وأضاف التقرير: "لقد دفع انقطاع الرواتب بملايين اليمنيين للعيش في فقر شديد، والوضع يزداد سوءا مع استقال شهر رمضان المبارك، إذ تزداد متطلبات الإنفاق في رمضان لدى معظم الأسر اليمنية، بينما لا تتوفر سيولة مالية لديها، بعد أن فقدت مداخيلها الشهرية واستنفدت كل مدخراتها، وتراكمت ديونها".

  

بضعة أشياء بمئة وعشرة آلاف ريال

استوقفتني علامات الغضب البادية على أحد المواطنين، الذي كان منهمكاً في شراء احتياجات رمضان، حين كان يعد نقوده ليسلمها لصاحب أحد المحلات التجارية.

أشار نحو سيارته ردا على سؤالي حول الوضع والأسعار قائلا: "انظري، بضعة أشياء بمئة وعشرة آلاف ريال"، ثم أضاف: "جشع التجار اللامحدود، وانعدام الرقابة من الانقلابيين على التجار، ضاعف من أسعار المواد الغذائية على وجه الخصوص، ومن أمن العقوبة أساء الأدب"، مستشهدا بالمثل الشعبي.

وعندما سألته: هل استلمت الراتب؟ أجاب: "نعم استلمت راتبي، فانا أعمل لدى منظمة أجنبية، ورغم أن راتبي يعتبر كبيرا، إلا أنه لن يكفيني خلال شهر رمضان كما أعتقد".

وختم حديثه بمطالبة التجار بمراعاة الناس خلال شهر رمضان، على أقل تقدير، ومراعاة انقطاع رواتبهم، فحرام عليهم أن يزيدوا من معاناة الناس، فما فيهم يكفيهم، حسب قوله.

  

الحوثيون يلتزمون الصمت

وحتى كتابة هذا التقرير، لا زال الحوثيون ملتزمين الصمت التام حيال صرف الرواتب، بينما يرى مراقبون أن انقطاع الرواتب أدخلهم في مأزق فهم غير قادرين على توفيرها باعتبارهم سلطة أمر واقع.

وكما أخبرني أحد موظفي البنوك في صنعاء، فإن جماعة الحوثي تشعر بمأزق حيال توفير رواتب آلاف المقاتلين الذين تم إلحاقهم خلال الحرب، والذين كان يتم الدفع لهم من ميزانية الدفاع.

  

عزوف أهل الخير عن مساعدة المحتاجين

غالبية المواطنين هنا في صنعاء أصبح حالهم يرثى له، كحال "فاطمة"، فنسبة كبيرة منهم لم يعد بمقدورهم توفير احتياجات شهر رمضان، في ظل ازدياد أعداد الفقراء والمعوزين وانقطاع الرواتب، وعزوف أهل الخير عن مساعدة الناس، كما هو معتاد قبل دخول رمضان.

تقول فاطمة: "رمضان هذا العام يأتي والناس في حالة يرثى لها من الفقر والحاجة، حتى أهل الخير، والناس الذين كانوا يساعدون الكثير من الفقراء، وأنا إحدى الأسر التي كانت تتلقى المساعدة من أهل الخير، لم أرَ واحدا منهم إلى الآن، وأعتقد أنهم أيضا قد ضعف اقتصادهم ودخلهم، وهذا يزيد من حالة الفقر لدى بعض الناس، الذين فقدوا حتى المساعدات التي كانوا يحصلون عليها في رمضان بالسابق".

  

هكذا يتبخر نصف الراتب

عبد الخالق، جندي في جهاز الشرطة، ومعيل لأسرة من ستة أطفال وأمهم، لديه التزامات عديدة، منها إيجار منزل، يحدثنا عن متطلبات رمضان الكثيرة التي تنتظره قائلا: "يبلغ راتبي 38 ألف ريال، ومع المكرمة الحوثية الهزلية، سأستلم 19 ألف ريال، وسعر كيس الدقيق 9 آلاف ريال وسعر القطمة الأرز خمسة آلاف ريال وسعر علبة الحليب 8 آلاف ريال، وسعر قطمة السكر 3 آلاف ريال، وهنا أكون قد تجاوزت نصف الراتب بألف ريال".

وتابع: "الراتب حق ونحن نعمل دون توقف، ورواتبنا استولت عليها مليشيا الحرب والجوع والمرض، وتصرف لنا نصف راتب كل نصف عام".

  

سبحان الذي غير منطقه ومعتقده

بات جميع موظفي الدولة ضحايا لمليشيا الحوثي الانقلابية، حتى أولئك الذين كانوا يؤيدونها في السابق بعد اجتياح صنعاء، ويدافعون عن أهدافها المزعومة.

خطيب، وموظف في وزارة التعليم العالي، عمل جاهدا في الترويج للمليشيات الحوثية، التي كان يرى أنها تعرضت للظلم والاضطهاد، وأنها ستأتي لرفع الظلم عن الشعب اليمني، وغير ذلك من الشعارات، أصبح اليوم يرى أنه وجميع الموظفين والشعب بأكمله ضحية لجماعة نازية، تريد أن تلتهم الأخضر واليابس، ومصادرة رواتب الموظفين متى ما أرادت، كونها ليست ملكا للموظف، وإنما للدولة التي يديرونها هم، وبالتالي هم يمتلكون القدرة على تقرير متى يجب أن تصرف، ومتى يجب أن تصادرها الدولة.

  

الوجع ذاته يجمعهم

تتشابه قصص كل موظفي المناطق التي تسيطر عليها مليشيات الحوثي، والذين يجمعهم الوجع ذاته، ولكن مع اختلاف درجاته، والذي يشتد يوما بعد آخر مع كل يوم يمر عليهم، دون أن يكون هناك ريال واحد في منزلهم.

ومع كل ذلك لا زالت المليشيات تواصل العبث بحياتهم، حيث تطالبهم بالدوام المتواصل، في الوقت الذي ترفض صرف رواتبهم وحوافزهم، واكتفائها بصرف نصف راتب كل ستة أشهر لتهدئة غضبهم. 

يقول "مطيع": "رغم أن هذا الوعد لا يمثل سوى نصف راتب فحسب، إلا أن المليشيا لم تفِ بما أعلنت عنه إلى حد الآن، من قيامها بصرف نصف الراتب، رغم أنه لم يتبقّ لدخول رمضان سوى أيام قليلة، وهذا يكشف حقيقة استمرار المليشيا في تعذيب الموظفين، واستخدام الراتب كسلاح بيدها لأدلجة الموظفين في المحافظات الخاضعة لسيطرتها".

وأضاف: "هي تتلاعب بأوجاعنا من خلال أكاذيبها السمجة، في الوقت الذي تشعر فيه أن ثورة جياع على وشك الاندلاع".

  

الحكومة الشرعية لم تفِ بوعودها

الناشطة الحقوقية أحلام الشميري، إحدى الموظفات الحكوميات، تشير إلى أن "ثمانية أشهر مرت دون أن نستلم راتبا، بعد أن كان الناس قد استبشروا خيرا بقرار الحكومة الشرعية بصرف الرواتب للموظفين في المناطق المحتلة من قبل الحوثيين، وتفاءلوا بهذا القرار كثيرا، وأحسوا ببعض الأمان".

وتضيف: "لكن مع الأسف لم تكن الحكومة على قدر المسؤولية التي تحملتها، ولم تف بوعدها في صرف رواتب الموظفين مع اقتراب شهر رمضان".

وطالبت الشميري الجهات المعنية بتحمل مسؤولياتها، ممثلة بالحكومة الشرعية، وبسلطة الأمر الواقع في صنعاء، والنظر بمسؤولية لمعاناة المواطن البسيط، الذي كان فيما سبق يطالب بالصحة والتعليم والأمن، وأصبح اليوم يطالب براتبه، ويعتمد عليه في معيشته ومعيشة أسرته.

ودعت جميع المتضررين إلى الاستمرار في المطالبة بحقوقهم بما فيها الراتب الذي هو حق شرعي، وفقدانه يعني التسبب في معاناة كبيرة لمئات الآلاف من الموظفين، حسب تعبيرها.

كلمات دالّة

#رمضان #اليمن