السبت 27-04-2024 15:01:16 م : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

محافظة إب.. عقد من الفساد الحوثي والانتهاكات الجسيمة (2-2)

الجمعة 22 مارس - آذار 2024 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت-خاص
 

 

يشهد التعليم في محافظة إب تدهورا كبيرا وتراجعا خطيرا وانتكاسة غير مسبوقة، كنتيجة حتمية لما خلفه الانقلاب الحوثي من المشاكل والأزمات التي مرت وتمر بها البلاد طيلة مدة الانقلاب.

وقد حذر خبراء حقوقيون من تدهور المنظومة التعليمية في اليمن، وتسرب الطلاب من المدارس في جميع مراحل التعليم بسبب الحرب الدائرة منذ 9 سنوات، مما ينذر بكارثة تعليمية كبيرة، نتيجة استغلال مليشيا الحوثي للأطفال وتجنيدهم، مضيفين أن التعليم أصبح مستحيلاً بسبب انتهاكات المليشيا للأطفال، وتحويل المدارس إلى ثكنات ومعسكرات تدريب ومراكز لبث الأفكار المتطرفة.

مستقبل مجهول

ويكشف مسح للجهاز المركزي للإحصاء أجراه في وقت سابق حول وضع العملية التعليمية في اليمن، التي تضررت نتيجة الحرب التي أشعلها الحوثيون، أن طفلاً من كل 4 في مرحلة التعليم الأساسي، وأكثر من نصف الأطفال في مرحلة الثانوية خارج المدارس.

وحذر مدير مكتب حقوق الإنسان بأمانة العاصمة صنعاء، فهمي الزبيري، من تدهور العملية التعليمية نتيجة الأوضاع التي تمر بها البلاد، مشيرا إلى أنه ومنذ سيطرة الحوثيين بقوة السلاح على مختلف المؤسسات اليمنية، عملت المليشيا على تدمير المنظومة التعليمية واستهدفتها بصورة ممنهجة.

ويقول مدير مكتب حقوق الإنسان: "يواجه التعليم تحديات صعبة، بعد إحكام الحوثيين قبضتهم عليه في ظل انهيار كل المؤسسات والبنية التحتية والصحية".

وأوضح أن من أبرز التحديات التي يواجهها الطلاب وأولياء الأمور "فرض رسوم ومبالغ وجبايات مخالفة للقانون في المدارس، خاصة في ظل تدهور الوضع الاقتصادي، وارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية"، مشيراً إلى أن هناك 2.5 مليون طفل لا يذهبون إلى المدارس بسبب الحرب، وعدم القدرة على تغطية تكاليف الدراسة.

ويؤكد الزبيري أن الحرب "أدت إلى تدمير أو إغلاق أكثر من 3500 مدرسة، مما يجبر الطلاب على ترك الدراسة أو التزاحم في فصول ضيقة أو الدراسة في خيام أو ملاجئ، مما يؤكد أننا بحاجة إلى تدخلات عاجلة من المنظمات الأممية والدولية".

وأوضح أن الحوثي "استهدف بعض المناطق بالمقذوفات الصاروخية، وشن هجمات عسكرية وزرع الألغام، مما يهدد حياة الطلاب والمعلمين، وخلق حالة من الخوف تؤدي إلى ترك التعليم وإغلاق المدارس واستمرار النزوح والتشريد القسري".

ويرى ناشط سياسي -طلب عدم الإفصاح عن اسمه بسبب سكنه في محافظة إب- أن "من أبرز الأسباب التي أدت إلى تراجع العملية التعليمية في محافظة إب والانتكاسة التي تعرضت لها هو الوضع القاتم وخيبة الأمل التي مني بها طلاب الجامعات الذين وصلوا إلى طريق مسدود، وتوقف التوظيف بشكل نهائي وازدياد المحسوبية، وحصر الأعمال الوظيفية على المنتمين للمليشيا الحوثية، واتساع رقعة الفقر، الأمر الذي أدى إلى عزوف كثير من الطلاب عن الدراسة، وانشغالهم بتوفير لقمة العيش".

فساد في القطاع الصحي

الجانب الصحي هو الآخر لم يكن أحسن حالا من غيره من مجالات الحياة المختلفة التي أفسدها الحوثيون ونالت من العبث ما لم تصله من قبل، فكما عبثت المليشيا بأموال ومخصصات القطاع الصحي فقد طال العبث أيضا أرواح الناس وحياة كثير من المرضى في المحافظة، من خلال تعطيل العديد من المرافق الصحية، وفرض شخصيات غير مؤهلة محسوبة على المليشيا بقوة السلاح لإدارة بعض المرافق الصحية الهامة، ونهب كثير من المخصصات وميزانيات تلك المرافق، وحرمان المواطنين من الخدمات الصحية.

وتنشط مليشيا الحوثي بين الحين والآخر في هوايتها المفضلة المتمثلة بالنهب وفرض الجبايات على منشآت صحية وطبية مختلفة، فقد استهدفت تلك المليشيا العشرات من المنشآت الصحية، إضافة إلى عشرات المؤسسات الدوائية في محافظة إب بشكل متكرر، وذلك بإجبار ملاكها على دفع مزيد من الجبايات المالية تحت مسميات وذرائع متعددة.

وقد اتهمت تقارير حقوقية المليشيا الحوثية بممارسة النهب في هذا القطاع على نطاق واسع، وذكرت أن المليشيا وعبر حواجز تفتيش تابعة لها، أقدمت على نهب ومصادرة وإتلاف أكثر من 260 قافلة إغاثية وشحنات طبية خلال الفترة من 2014 حتى 2021.

ولم يقف الحال عند هذا الحد من حجم جرائم المليشيا الانقلابية بحق هذا القطاع، فقد عملت طوال 8 سنوات على تدمير القطاع الصحي في إب وبقية مدن سيطرتها وحرمان السكان من الحصول على أدنى الخدمات الطبية، وشكت مصادر طبية بأن المليشيا وسعت من حجم ذلك الاستهداف الذي طال أكثر من 25 مستشفى، و45 مستوصفاً صحياً، و88 مركزاً طبياً، إضافة إلى كثير من شركات الأدوية الواقعة جميعها في نطاق مركز محافظة إب و 22 مديرية تابعة لها.

وقد شكل مكتب الصحة الخاضع لإدارة مليشيا الحوثي في إب مطلع العام الماضي 2023 ما يزيد عن 22 لجنة تحت اسم "لجان الدعم والمساندة" تضم كل لجنة العشرات من المنتمين والموالين للمليشيا، لغرض استهداف المؤسسات الطبية والدوائية في المحافظة ذاتها، كما شرعت تلك اللجان بتنفيذ حملات ابتزاز ونهب ميدانية واسعة طالت العشرات من تلك المؤسسات في إب، بمبرر دعم ما تسميه "المجهود الحربي" لمقاتليها في الجبهات، الأمر الذي قال عنه أطباء وصحيون بأنه سيشكل تضييقا على مَن تبقى من منتسبي القطاع الأهلي الطبي، واستفزازا للسكان وحرمانهم من تلقي العلاج في تلك المنشآت الصحية، وتوفير بيئة مناسبة لتفشي مزيد من الأمراض والأوبئة.

وفي الوقت الذي يرضخ فيه كثير من ملاك المشافي والمراكز الصحية والمؤسسات الدوائية لضغوط المليشيا ومطالبها، وذلك من خلال دفع إتاوات تتراوح بين 100 ألف ومليون ريال، يحذّر ملاك مؤسسات دوائية استهدفتها المليشيا الحوثية بالنهب والابتزاز في إب من استمرار المليشيا في نهجها المتمثل في النهب والتعسف والإغلاق والمصادرة للمنشآت الطبية والدوائية الخاصة في المحافظة وغيرها، مؤكدين أن استمرار مليشيا الحوثي في استهداف القطاعين الطبي والدوائي في محافظة إب في هذا الظرف العصيب "سيزيد من تدهور الخدمات الصحية، وسيتسبب في مضاعفة معاناة المرضى وآلامهم، وزيادة نسب الوفيات وتفشي عدد جديد من الأمراض والأوبئة".

وفي سياق جرائم المليشيا الحوثية المتعددة فقد سبق لعناصرها الإرهابية أن داهمت بقوة السلاح مرافق ومستشفيات عدة أهمها "مستشفى الجبلي للعيون" ومستشفى "دار الشفاء الأهلي"، وقامت بتعيين حارسين قضائيين مزعومين على المستشفيين، كما اقتحمت عددا من المؤسسات الطبية بمحافظة إب منها مستشفيات "المنار" و"الأمين" و"السلامة" ومستوصف "الخنساء الطبي" وغيرها، وشرعت بإجراءات نهبها ومصادرتها من خلال تعيين ما يسمى "الحارس القضائي"، كما أغلقت المليشيا أكثر من 8 مستشفيات أهلية وخاصة، بعد سحب تراخيصها، كما تم إغلاق قسمي العمليات والعناية المركزة في 25 مستشفى أهلي وحكومي.

كارثة أخرى

ولم تستثن موجة الفساد الحوثي جانبا من جوانب حياة اليمنيين إلا وطاله نصيب من ذلك الفساد والإرهاب الممنهج، فقد ركزت المليشيا على التعليم بكافة مستوياته وأشبعته عبثا وفسادا وإفسادا، فلم تكتف بإخراج اليمن من تقييم جودة التعليم الصادر عن مؤشر دافس الذي أظهر الترتيب العالمي للدول حسب تطور جودة التعليم لديها في نهاية العام 2019، وإدخال اليمن عهدا آخر من الظلام ومرحلة جديدة من الانهيار في مجال التعليم الجامعي، بل واصلت عبثها الممنهج بالعملية التعليمية، ومضت بالإجهاز على ما تبقى منها غير آبهة بالمخاطر على مستقبل التعليم الجامعي، كسياسة متعمدة للتجهيل والحد من تنامي الوعي في المجتمع اليمني.

وتتنوع أشكال الاستهداف للتعليم في اليمن بمستوياته وأقسامه المختلفة، ما بين إدخال لمناهج جديدة لبعض الأقسام والتخصصات في الجامعات تتسم بالطائفية وتحمل الرسالة ذاتها، وتعيينات واستحداثات وتغييرات للعمادة والمدرسين على أساس طائفي، ورفع لرسوم الدراسة بنسب غير مسبوقة، وعسكرة الجامعات وفرض الرقابة المشددة على الأنشطة والفعاليات، وتطييف العملية التعليمية داخل الجامعات، وغير ذلك من مظاهر الفساد والإجرام.

مهازل وانتهاكات

وتشهد جامعة إب إقبالا ضعيفا على التسجيل في ظاهرة تتكرر كل عام، مقارنة بأعوام ما قبل الانقلاب، وسط فشل إداري في معالجة الأسباب الحقيقية وراء ذلك، إلى جانب انتهاك قانون الجامعات الحكومية.

وتقول مصادر إدارية في جامعة إب إن إدارة الجامعة قبلت العديد من الخريجين قبل حصولهم على استمارة الثانوية، إضافة إلى إلغاء اختبارات القبول في عدد من التخصصات بما فيها الهندسة.

وتضيف المصادر أن جامعة إب لجأت خلال الأعوام الماضية إلى تخفيض نسبة القبول في الكليات والأقسام التابعة للجامعة وتمديد فترة الالتحاق، إلى جانب تأخير إعلان نتائج العام الدراسي السابق، موضحة أن كثيرا من الطلاب شكوا من عدم انتظام الجدول الدراسي، حيث أخذت المادة من 5-7 محاضرات في الترم الواحد بدلاً من 12-15 محاضرة في المعدل الطبيعي كما كان يحدث في السابق.

وتذكر المصادر أن جامعة إب "فتحت مراكز لتدريس دبلومات تقنية ومهنية في مخالفة واضحة لقانون تنظيم المعاهد والمراكز التابعة لوزارة التعليم الفني والتدريب المهني، كما استقطبت الكادر التعليمي من المعاهد الخاصة".

وأضافت أن الجامعة "لا تمتلك الحد الأدنى من الإمكانيات والمعامل الخاصة بالتطبيق العملي في تخصصات مثل الصيدلة والتمريض والقبالة ومساعد طبيب والإدارة الصحية".

ويقول مستشار محافظ محافظة إب لشؤون الإعلام إبراهيم عسقين إن مليشيا الحوثي استحدثت مادة جديدة في كلية الطب بجامعة إب لا علاقة لها بالتخصص، موضحا أن المادة تحمل مسمى الصراع العربي الإسرائيلي ويقوم بتدريسها القيادي الحوثي عبد الفتاح غلاب، والكتاب من إعداده وتأليفه.

صناعة العبيد

وبحسب الدكتورة والأكاديمية أروى الخطابي، فإن مليشيا الحوثي "بدأت منذ اللحظة الأولى بتدمير التعليم، وهذا ليس بجديد، فالإمام يحيى عندما وصل إلى الحكم، في عام 1918، كان أول عمل له إغلاق المدارس الرشدية، التي كان الأتراك قد فتحوها، وبدأ بفتح المعلامات، لكي يعلم الأطفال الجهل والتخلّف، ومليشيا الحوثي عملت نفس الشيء، وهي سياسة ممنهجة من قِبل هذه المليشيا، لأن هدفها ليس الإنسان وإنما استعباد اليمنيين".

وتضيف الخطابي: "هذه المليشيا تدرك بأنها لن تتمكن من استعباد شعب حر ومتعلم، وأنها ستتمكن من استعباد الشعب الجاهل، الذي يتم حشو رأسه بالأشياء، التي لم تعد مناسبة للزّمن، لذلك هي تستهدف التعليم، وليس فقط التعليم الجامعي، وإنما أيضا التعليم الأساسي".

وتتابع بالقول إن "مليشيا الحوثي أغلقت أقساما مهمة كالتاريخ والفلسفة واللغات، التي تربط اليمنيين بالعالم، واتجهت لتدريس اللغة الفارسية، التي لن تقدِّم لليمنيين أي شيء، وليس في فارس حتى مغترب يمني واحد، وكل ما لديها هو هذه المليشيا التي تسلطت على رقاب اليمنيين".

وبينت أن الأمر "لن ينتهي عند هذه النقطة، فالتعليم بالنسبة لمليشيا الحوثي هدف إستراتيجي أخطر من الأهداف العسكرية، لأن بالقضاء عليه سيولد لها العبيد، فالتعليم الذي لا يولد أحرارا سيولد عبيدا، وهذا ما تريده سلالة الحوثي".

وتساءلت: "إذا كان البروفيسور تحول إلى عامل وخباز ويجمع بقايا البلاستيك، فماذا سيعطي من أمل للطالب؟ وإذا كان الطالب يشعر بالانتكاسة عندما يرى الأستاذ الجامعي يتحول إلى متسوِّل، ما الذي سيدفعه للالتحاق بالجامعة؟".

كلمات دالّة

#اليمن