الجمعة 26-04-2024 22:14:24 م : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الاطماع الإيرانية في اليمن.. أدواتها في الشمال والجنوب

الأحد 28 يناير-كانون الثاني 2018 الساعة 10 مساءً / الإصلاح – خاص

 

منذ نجاح الثورة الإيرانية (الخمينية) نهاية سبعينات القرن الماضي بدأ مشروع المد الفارسي يطل بقرونه مباشرة عبر مبدأ تصدير الثورة الى خارج الحدود الإيرانية, فكانت الحرب العراقية الإيرانية أولى بوادر ذلك المشروع التوسعي, وهي الحرب التي استمرت لثمان سنوات متواصلة, وستخرج إيران منها بانهيار كبير وجراح مؤلمة, قبل أن تعود مرة ثانية لمواصلة المشروع الطائفي التوسعي بأطر وأساليب أخرى أكثر احترافية, ما سيجعلها تصل الى عدد من الدول العربية خلال ثلاثة عقود, كان أخرها اليمن عام 2014م, عبر اداة طائفية متمثلة في جماعة الحوثيين المسلحة.

في الحالة اليمنية يمكن فهم التواجد الإيراني - بعد ثورة الربيع العربي - على مستويين, الاول: المستوى المباشر حيث يعتمد على نمط تصدير الثورة من خلال الدعم المباشر والإسناد اللوجيستي والسياسي لجماعة الحوثيين المسلحة, الحليف الاستراتيجي لها في اليمن, وهي الجماعة التي باتت الأن تسيطر على مناطق واسعة في شمال البلاد, قبل أن يتم دحرها من مناطق في الجنوب والوسط بفعل عاصفة الحزم. في ذات السياق لا يخفي الحوثيون علاقتهم بإيران رغم أن الأخيرة تظهر المناصرة والتأييد بشكل علني ورسمي, فيما تقوم بإرسال سفن السلاح بشكل سري عبر البحار وطرق تهريب عالمية ومحلية, وتحدثت تقارير محلية ودولية لهذه القضية التي لم تعد سراً من الأسرار.!

المستوى الثاني: غير مباشر عبر سلسلة من التحالفات الوثيقة في الشمال والجنوب, وهو النمط الذي تعتمد عليه في جنوب البلاد ( المناطق الجنوبية من اليمن) بالدرجة الأساسية, من خلال فتح وربط علاقات وثيقة مع بعض فصائل الحراك الجنوبي المسلح, من يحمل نزعة انفصالية, وستتضح معالم تلك التحالفات لحظة وصول الحوثيين الى مدينة عدن نهاية فبراير/ شباط 2015م, كما سيستمر ذلك التحالف قائماً حتى الآن.

وعندما نقول في المناطق الجنوبية, فنحن لا نغفل أن إيران ذاتها بدأت تحالفات سياسية واسعة مع شخصيات اجتماعية وسياسية يمنية في شمال البلاد ايضاً, وبدأت تخرج الى العلن من فترة وأخرى منذ نهاية الحرب السادسة بصعدة(1), وظهرت عدد من الرحلات بين صنعاء وبيروت ودمشق وطهران زاد نشاطها بعد الثورة الشبابية الشعبية السلمية, الى جانب شخصيات اجتماعية وسياسية سيكون لهم مواقف واضحة من جماعة الحوثيين بعد انقلابها على السلطة عقب الانتهاء من الحوار الوطني(2), وبعضاً من تلك الشخصيات عملت على تلميع صورة الجماعة, امام الداخل اليمني ونجحت في ذلك الى حد كبير.

تسعى إيران بكل صراحة للسيطرة على الممر الملاحي الدولي في باب المندب للتحكم بالتجارة العالمية التي تمر عبر المضيق، ومن أجل الوصول لهذا الهدف الإستراتيجي لجأت ايران الى دعم وتسليح مليشيات الحوثي الحليف لها في اليمن لتنفيذ هذا المخطط ولو على المدى البعيد، ففي كل مرة يحاول الحوثيون إظهار عدم صلتهم بإيران سياسيا او عسكريا أو دينيا خوفا من تركيز العالم عليهم من أن الحقيقة باتت معروفة للجميع, والعلاقة كشفتها عدد من الحوادث والأحداث على مدى الفترة الماضية.

 

أدوات التواجد الإيراني في جنوب اليمن

من المعروف أن اغلب الدراسات الاجتماعية والسياسية عن التواجد الإيراني في اليمن قد انصبت على شمال البلاد, بحكم الحالة السياسية الجديدة (الطارئة) التي يمثلها الحوثيون, وهي الجماعة المتمردة المسلحة التي لا تخفي علاقتها الصريحة بدولة إيران الصفوية, كون هذه العلاقة تعود الى عقود طويلة, بعضها الى منتصف ثمانيات القرن الماضي.(3) أضف الى أن باب المندب قد أخذ الشطر الأكبر من تلك الدراسات وهو الممر المائي الذي يستهوي عدد من الدول محلية وإقليمية.

 

الحراك الجنوبي المسلح

في اواخر يونيو/ حزيران 2013م خرج تصريح للأمين العام للمجلس الأعلى للحراك الجنوبي قاسم عسكر، قائلاً " أن بعض الشباب في الحراك ذهبوا إلى إيران للتدريب، وبالتالي بحثوا عن التمويل والتدريب من أجل مواجهة ما اسماه بالاحتلال الشمالي, وفي ذات التصريح اشار عسكر إلى أن " بعض القادة البارزين في الحراك ذهبوا إلى الحوثيين من أجل الحصول على السلاح، ونحن حذرناهم بأن يتوقفوا".

وبحسب القيادي الجنوبي قاسم عسكر أيضا، قدم حزب الله بعض التمويل لقيادة الحراك، وحصلوا على التدريب الإعلامي للقناة التلفزيونية (عدن لايف)، التابعة للحراك والمناوئة للحكومة اليمنية، والتي تبث من بيروت.(4)

على الجانب الحراكي نشرت كثير من وسائل الإعلام تصريحات كثيرة تؤكد حُسن العلاقة بين الحِرَاك الجنوبي والحوثيين، فقد كشف القيادي البارز في الحِرَاك الجنوبي، حسن زيد بن يحيى، عن زيارات متبادلة لناشطين في الحِرَاك الجنوبي وقيادات حركة الحوثي، معتبراً أن الحوثيين رفاق نضال مشترك، وأن تلك الزيارات تعبير صادق على عمق العلاقة النضالية بين الطرفين، مؤكداً أن هناك تحالفاً استراتيجياً بين الحوثيين والحِرَاك الجنوبي، وأنه ذاهب نحو التطور (حوار مع القيادي في الحِرَاك الجنوبي حسن زيد بن يحيى في صحيفة أخبار عدن، في تاريخ 28/1/2012م). بل إن ممثل جماعة الحوثي في الحوار الوطني الراحل عبد الكريم جدبان، أكد وجود علاقة بين جماعة الحوثي والحِرَاك الجنوبي، حيث وصفها بـ "الجيدة"، وأنها تجمع طرفين "تعرضا للظلم من قبل السلطة".

 

النظام السابق (نظام علي عبدالله صالح)

سبق الإشارة الى أن إيران اعتمدت فيما يخص اليمن مستويين اثنين من التواصل المباشر وغير المباشر, فالأول كان مع جماعة الحوثيين الشيعية في الشمال وكان هناك ادوات عدة في التواصل, والثاني مع تنظيمات سياسية متداخلة في جنوب البلاد, غير أن ادوات الربط والتواصل سيكون للنظام السابق يد طولى في ذلك. ويعد عبدالحافظ السقاف قائد قوات الامن الخاص واحداً من عرابين تلك العلاقة, كما أن تواصله المباشر مع القيادي العسكري البارز لدى الحوثيين أبو علي الحاكم كانت واضحة, تحدثت عنها عدد من التقارير الصحفية المحلية والدولية.

لم يقتصر الأمر على السقاف فقط, بل هناك عناصر أخرى استطاعت إيران أن تمد معها جسور للتواصل, تبين دورها أبان التواجد الحوثي في مدينة عدن وعدد من مدن الجنوب, وهو ما سيجعل المقاومة الشعبية الى اتهام عدد من العناصر الجنوبية في ايواء ودعم التواجد الحوثي صراحة ابان الغزو الحوثي, الى جانب فتح علاقات وتواصل وزيارات بين بيروت وطهران ايضاً.

وسائل إعلام إيرانية تعمل منذ سنوات, حيث يمكن رصد مفردات الخطاب الذي توجهه بخصوص اليمن، والذي يستهدف في الغالب تسليط الضوء على الحرب في شمال اليمن بالمقام الاول والجنوب ايضاً،, ويتعزز ذلك الخطاب الطائفي من خلال تناول الحوثيين على أنهم طائفة زيدية مظلومة, والتي هي إحدى الفرق الشيعية كما هو معروف.

 

أهمية اليمن لإيران

تتحدث وسائل إعلام إيرانية أن نسبة الشيعة في اليمن تصل إلى 20% وهذا يعد سبب كافي لتحظى اليمن بأهمية الجمهورية الإسلامية وهي النسبة التي تؤهل شيعة اليمن لأن يصبحوا "الفرع اليمني لحزب الله" أي جماعة "الحوثيين" فيما الحقيقية أن المذهب الزيدي لا يمثل هذه النسبة وهو الذي لا يمثله الحوثيون باستثناءات قليلة, في حين أن الحوثيين حتى الأن يسيطرون على المناطق الزيدية.

على الجانب الاقتصادي ترى إيران أن خليج عدن من الممكن أن يكون سوقاً كبيراً لنقل البضائع الإيرانية للعالم، خاصة وأن الحوثيين سيمثلون قلب إيران في تلك المنطقة وسيقفون لكل معارضيها, وعندما خسرت الحوثيون الحرب في 2015م عادت إيران عبر اذرعها المتحالفة معها من الكيانات الانفصالية. هذه النظرة الاقتصادية تحدث عنها بعض المحللين الإيرانيين, وهو سباق نفوذ يشاركها دول اقليمية ودولية على ذات السبب, اضف الى أن المكانة الجيواستراتيجية لليمن مع بقاء الحوثيين مسيطرين على مدينة الحديدة بعد خسارتهم لمنطقة مضيق باب المندب سيؤثر على الاحلام الواسعة على البحر الأحمر، بانتظار حسم محافظة الحديدة والتي لن ينعكس اثرها على الشمال بل والجنوب معاً والتواجد الإيراني بالكامل في اليمن.

 

عاصفة الحزم تفشل الأطماع الإيرانية

واحدة من أهم الأهداف التي تحققت نسبياً حتى الآن هو قطع الأطماع الإيرانية في اليمن, فقد مثلت عاصفة الحزم الضربة التي هوت على "الرأس" وبددت كثير من الأحلام والأطماع الإيرانية في اليمن, رغم أن العاصفة لم تكمل أهدافها حتى النهاية, فلا يزال الحوثيون يمارسون سلطة امر واقع على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية في الشمال وشمال الشمال.

.................... 

هوامش:

1-    بدأت في أغسطس/ آب 2009م واستمرت لمدة ستة أشهر حتى فبراير/ شباط 2010م.

2-    بدأ أول جلسات مؤتمر الحوار الوطني الشامل في 18 مارس/ اذار 2013، بالعاصمة اليمنية صنعاء, والتي تصادف الذكرى الثانية لمجزرة جمعة الكرامة بساحة التغيير في, وأستمر الحوار بين الفرقاء السياسيين لمدة عشرة أشهر حتى 25 يناير/ كانون الثاني 2014م.

3-    خبر في وكالة الأنباء اليمنية الرسمية "سبأ" نشر بتاريخ 1 مارس/ اذار 2015م التي تخضع لسيطرة الحوثيين، حيث ذكرت في تفاصيل الخبر إن هيئة الطيران اليمنية وقعت مع نظيرتها الإيرانية مذكرة تفاهم "في مجال النقل الجوي تمنح بموجبها شركتي الخطوط الجوية اليمنية و(ماهان إير) الإيرانية، حق تسيير رحلات مباشرة بين البلدين"، وحسب الوكالة، فإن المذكرة تنص على "تسيير 14 رحلة أسبوعياً في كل اتجاه لكل شركة، على أن تدخل المذكرة حيز التنفيذ من تاريخ التوقيع عليها". وقع المذكرة رئيس الوفد اليمني إلى طهران، القائم بأعمال رئيس الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد الجوية، الذي كلفه الحوثيون، محمد عبدالقادر، وعن الجانب الإيراني نائب رئيس سلطة الطيران المدني الإيراني كهرد كرماني.

4-    موقع قناة العربية الإخباري نشر خبراً تحت عنوان " إيران تدرب مئات من عناصر الحوثي والحراك الجنوبي باليمن. في وقت تستمر فيه مطالبات صنعاء لطهران بالكف عن "تدخلاتها السافرة".