السبت 27-04-2024 20:38:18 م : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

محمد محمود الزبيري.. تجلي للذات اليمنية الخالدة وامتداد للحركة الإصلاحية

الأربعاء 27 سبتمبر-أيلول 2023 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت - الصحوة نت

  

"الحق.. هو حقُ الشعب، والجمهورية.. هي جمهورية الشعب، والدولة.. هي دولةُ الشعب، والأموال... هي أموال الشعب... وليس فوق شعبنا من قوةٍ إلا قوةُ الله"، هكذا كان يصرخ الشهيد محمد محمود الزبيري في وجه ألف عام العزلة التي فرضها الكهنوت الإمامي على اليمنيين، ملخصاً حاجة اليمنيين إلى الحرية.

كان الزبيري تعبيراً عن أجيال من الحركة الوطنية الإصلاحية التي صنعت تحول ثقافي وفكري وسياسي في مراحل متفرقة من التأريخ اليمني، ومثل لحظة تجلي للذات اليمنية التي تعرضت لعملية هدم ممنهج بفعل سلطة الأئمة خلال قرون طويلة، حولت اليمن الذي عُرف بالمجد تاريخيا إلى سجن كبير لأبنائه.

وعد "الزبيري" بالثورة فأوفى وبعد 61 عاماً منذ اندلاع ثورة 26سبتمبر/ أيلول 1962، مازالت كلماته توقد ثورة في وجدان اليمنيين، وهو القائل بعد أن خرج من السجن متحدياً "نأبى الحياة إذا دنست*** بعسف الطغاة وإرهابها". كان يتصور حالة النزال الأخيرة مع الإمامة والكهنوت ويؤسس لأجبال من اليمنيين مشروع الجمهورية العظيم.

لم يكن فقط ثائر وشاعر حالم، بل كان مناضلاً قادماً من عمق الأحياء اليمنية حيث ولد في صنعاء القديمة، وفي حياته (1910 - 1965) صنع مجد مازلنا نتعلمه لنعرف أبجديات الكفاح، حيث كان مدركا قوة ما يقوم به حيث قال "قوّضتُ بالقلم الجبّارِ مملكةً*** كانت بأقطابِها مشدودةَ الطَّنَبِ".

لم يكن أبو الأحرار رمزًا عاديًا من رموز الحركة اليمنية الإصلاحية التاريخية، بل كان الأبرز.

يصفه باحثون بأنه "معجزة الزمن أبت إلا أن تخرق العادة وتجعل منه أكثر كفاحًا وشهرة بين أقرانه الأحرار، حتى استحق كنية أبو الأحرار". وقال الشاعر الراحل عبد العزيز المقالح "لم يكن الزبيري شاعراً ومناضلاً وحسب بل هو كذلك صحفي وزعيم وطني وروائي وكاتب وشهيد".

اشتعلت الثورة في قلب الزبيري وتوهجت فوصلت إلى قلوب الكثير من أبناء اليمن الأحرار، بشعره وخطاباته ونضاله وكفاحه توهجت الثورة والحرية في قلوب الكثير من أبناء اليمن الاحرار. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل لا يزال وهج الثورة من خلال اشعاره وخطاباته متقدا في اذهان الكثير من أبناء الجيل الحاضر الذي يواجهون الإمامة المتجددة.

 

امتداد نضالي

يقول الباحث الدكتور ثابت الأحمدي، أن الشهيد الزبيري "امتداد نضالي إصلاحي ضد الإمامة لسابقيه الأحرار اليمنيين، منذ الهمداني، مرورا بنشوان بن سعيد الحميري والشوكاني وغيرهم، وانتهاء به، ولا تزال قافلة النضال والكفاح مستمرة حتى اللحظة ضد أسوأ عصابة إمامية عرفها التاريخ".

وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "كان صاحب أفق واسع ونظرة رحبة، يعي تماما ما هي اليمن، وإلى أي مجد تنتمي؟ ويعرف كذلك ما هي الإمامة السلالية الخبيثة وإلى أي وكر تنتمي؟ فكان موقفه ذاك الكفاحي العتيد، من أول كلمة صدح بها، شعرا ونثرا، وحتى آخر قطرة دم سفحت على تراب الوطن".

وأعتبر الأحمدى "أن حياة الزبيري كانت حافلة بالنضال، بالكفاح بالصدق، بالإخلاص، في أندر صورة من صور الوطنية الصادقة التي تنتمي لتربة أرضها ولروح بلادها".

وفي عام 1941 عاد الزبيري إلى المحافظات الشمالية حاملاً معه وثيقة جديدة هي برنامج "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وكانت "أول برنامج يعرض أهداف المعارضة بصورة موسعة"، وتقدم به الزبيري آملاً من الإمام يحيى التجاوب، وتحقيق هذه الأهداف، غير أن الإمام يحيى رفض البرنامج جملةً وتفصيلاً، واتخذ إجراءات تنكيليه بحق الزبيري، وعددا آخر من شباب المعارضة.

كان الادب أحد اشكال الوعي الاجتماعي الذي له أثر مهم وأساسي في توعية الشعب للنضال من اجل الحرية، وفي بلورة الوعي الثوري الحضاري لدى الجماهير. ووفق أستاذ الادب والنقد القديم في كلية الآداب جامعة الملك سعود إبراهيم عتيق، "الزبيري من أبرز الادباء الذين شكل شعرهم وعيا ثوريا وحضاريا لدى الجماهير اليمنية، وقد نال بحق وجدارة لقب شاعر اليمن وشاعر الوطنية ولا يكابر في ذلك أحد".

ومن جانبه، قال الشاعر فؤاد متاش "أن الزبيري ضميرَ اليمن بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فقد نذر نفسَه لوطنِه إنساناً وأرضاً ويُعَدُّ الزبيريُّ أبرزَ شخصيةٍ وطنيةٍ في العصر الحديث وهو رمزٌ عظيمٌ من رموز النضال ضد السلالةِ الكهنوتية".

وأضاف لـ"الصحوة نت"، "أن المؤسسات الفكرية والتعليمية التي أسسها الزبيري هو ورفاقه المناضلون لمواجهة الاستبداد والاستعمار، وأول تلك المؤسسات هي "كتيبة الشباب اليمني" في القاهرة عام ١٩٤٠م لمحاربة الاستبداد في شمال الوطن آنذاك والاحتلال في الجنوب ثم أسس هو والنعمان "حزب الأحرار" عام ١٩٤٤م".

وللزبيري مجموعة شعرية وصفها متاش بأنها "الأعمق تأثيراً في الوجدان الثوري الوطني حتى اليوم"، بالإضافة روايته "مأساة واق الواق" وهي تُعَدُّ من أبرز الروايات اليمنية.

ويضيف متاش، بأن الزبيري "كان شاعرًا ثوريًا بلا منازع كما أن لشعره دويٌ هائل بل أصبح هاجس مخيف للإمامة، فقد كان أديباً مثقفاً حُر الرأي والضمير الحي والشاعر القادر على إثارة الجماهير".

 

صناعة الوعي الثقافي

أسس هو والنعمان أيضاً "الجمعية اليمانية الكبرى" عام ١٩٤٦م وقد وضعت الجمعية نشاطاً لنشر الوعي الثقافي والوطني عن طريق المحاضرات، وأصدرت الجمعية "صحيفة صوت اليمن" في يناير عام 1946م وفي عام ١٩٥١م".

وكان الزبيري من أبرز المشاركين في تأسيس "رابطة أبناء الجنوب العربي" للحفاظ على كيان الجنوب من التجزئة أثناء الاحتلال. ووفقاً للشاعر متاش، فقد "كان لهذه المؤسسة أثرها العميق في صياغة الوعي الثقافي والاجتماعي والفكري والسياسي لدى الخاصة والعامة فقد تكونت لدى المجتمع اليمني في الشمال والجنوب رؤية وطنية عميقة شاملة للتحرر والاستقلال والتغيير والتحوُّل والنهوض".

ويعد من ضمن من أشرفوا المنهج التعليمي في المدراس الحكومية بعد الثورة، عندما كان وزيراً لوزارة المعارف حينها. ورأى الباحث ثابت الأحمدي "أن الزبيري ناضل على أكثر من جبهة: بالخطابة، بالشعر، بالكتابة، بالصحافة، بالرواية، وعندما تعين وزيرا للتربية بعد الثورة مباشرة، رفض أن يدخل مكتبه قبل أن يعمل على تطهير صنعاء ومحيطها من دنس الإمامة، وناضل في مختلف الجبهات القتالية ضد الإمامة حتى استشهد".

ووصف الراحل عبد العزير المقالح الزبيري بأنه "ضمير اليمن الثقافي"، وقال الاحمدي "أنه أفنى حياته كلها من أجل الشعب، وبوسعه أن يثرى لو أنه هادنَ القبح أو تطبع معه كما فعل آخرون؛ لكنه رفض ذلك، وفضل الانتماء لروح الأمة ولضمير الوطن... ومن هذا الصدق وهذا الإخلاص استمد بقاءه خالدا في ضمير الأمة إلى اليوم".

 

حارس الذات الحضارية والهوية

ورأي الباحث خالد الفرح، فإن الزبيري كان "ثالث ثلاثة دافعوا عن الذات الحضارية والهوية الجامعة لأبناء اليمن وأمام نفس السلالة وكانوا علماء وشعراء وهم لسان اليمن الحسن بن احمد الهمداني ونشوان بن سعيد الحميري ثالثهما أبو الأحرار الزبيري".

ورغم أن تجربة "الزبيري" الشعرية تشكلت بين (اليمن- باكستان- مصر) وكان الطابع الوطني المحلي هو الغالب في قصائد الزبيري في صنعاء وتعز وعدن، وفقا للباحث، الذي قال بأن "مسيرة الزبيري النضالية محطة إلهام لأجيال اليمن الجديدة للمضي قدما في مقاومة المشروع الإمامي بنسخته الحوثية، حيث كان مفكراً مبدعا وشاعرا كبيراً ومناضلاً جسوراً".

وأضاف لـ"الصحوة نت"، أن الزبيري "مناضل لا يمكن تقسيم تجربته إلى فترات ومراحل أو توزيع حياته النضالية إلى مفاهيم ومصطلحات لأن نضاله وتجربته قد استوعبت ذلك كله". ووفق ما قاله البردوني، عن الزبيري، بأنه "كرس شعره وحسه للوطنية فكان الوطن ذاته وموضوعه؛ لأنه وهب حياته كلها للقضية الوطنية."

"وكان الشاعر المتصوف الزاهد في الحياة ومناصبها، ولكنه عند التضحية يريد أن يكون دوره الأول، وعند اقتسام المغانم والمناصب يأبى إلا أن يكون الأخير مع انه كان الناطق الأول باسم القضية الوطنية والرجل الذي تهتز لكلماته جبال اليمن"، بحسب الباحث الفرح.

وتابع: "كان صانع أحداث ومواقف لم يساوم في قضية وطنية بل ثبت على مبادئه ولو فتشنا عبر التاريخ اليمني قديمه وحديثه فلن نجد الصورة الزاهية المكتملة الجوانب كالصورة الناصعة التي تتجلى في شخصية الزبيري".

كلمات دالّة

#اليمن