الإثنين 20-05-2024 20:00:54 م : 12 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

التوغل الإيراني في اليمن.. خطر متصاعد يهدد المنطقة والملاحة الدولية

الثلاثاء 30 أغسطس-آب 2022 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت - خاص | صادق عبدالمعين

  

في تصاعد ملفت وتنام مستمر يزداد توسع نفوذ الجماعة الحوثية وتعاظم شأنها في اليمن منذرا بخطر كبير وشر مستطير، إذ ومع استمرار الحرب وارتفاع سقفها الزمني تتهيأ فرص جديدة للجماعة لتعزيز قوتها العسكرية، وبناء قاعدتها الاجتماعية، واكتساب المزيد من الخبرات العسكرية والسياسية للمناورة والمراوغة من خلال مفاوضاتها الدبلوماسية المتكررة.

ولم يعد ينحصر وجود الجماعة الحوثية في زاوية من زوايا جامع الهادي أو كهوف مران أو حتى في محافظة صعدة نفسها، ولم يعد يقتصر نشاطها على الحلقات المسائية في حوزاتهم أو اجتماعاتهم السرية المغلقة أو الدروس الطائفية، فقد انتقلت الجماعة بثقافتها المستنسخة، وأدبياتها الضالة، وبفكرها الظلامي، ومشروعها الإجرامي، وولاءاتها الخارجية، من الوضع السري إلى العلني، ومن الزوايا الضيقة إلى مختلف المحافظات والمساحات الواسعة والفضاء المفتوح، ومن الملازم إلى وسائل الإعلام المتنوعة، ومن حيز الجماعة إلى هرم السلطة بمؤسساتها ومرافقها المتعددة.

امتداد إيراني

ويأتي هذا التحول في مسار جماعة الحوثي كنتيجة للجهود الإيرانية المتواصلة وتنفيذا لمشروعها التوسعي في المنطقة، والذي يعتبره النظام الإيراني جزءا لا يتجزأ من عقيدته وأدبياته، من أجل تعزيز قوته ونفوذه في المنطقة، باعتبار تلك المليشيا التي يعمل على دعمها وتضخيمها امتدادا لنفوذه وسياسته وأفكاره، وأدوات طيعة وأسلحة تابعة لمؤسسته العسكرية يجيد التحكم بها وتحريكها وفق رغبته وحاجته، ووفقا للزمان والمكان.

وكما جعلت إيران من حزب الله اللبناني -الحليف الإستراتيجي لها في المنطقة- دولة داخل الدولة اللبنانية، وبكل ما تتطلبه الدولة من إمكانيات وميزانية ضخمة، وأجهزة مخابراتية، ومؤسسات مالية وعسكرية، وجيش يفوق جيش الدولة بتجهيزاته وإعداده وأعداده وعتاده، فإنها تسعى أيضا لاستنساخ تلك التجربة وتكرارها في اليمن، من خلال تجهيز وإعداد المليشيا الحوثية وإمدادها بكل أشكال الدعم المالي والعسكري والمعلوماتي.

تطور مخيف

وخلال السنوات القليلة الماضية، طوّر الحوثيون قدراتهم العسكرية إلى حد بعيد، إذ شنوا هجمات بواسطة طائرات مسيرة وصواريخ على أهداف في العمق السعودي وصولاً إلى الإمارات، بالإضافة إلى اكتسابهم خلال تلك السنوات خبرات عسكرية ومهارات حربية، مكنتهم من الصمود في جبهات مختلفة.

وقد أضافت التكنولوجيا العسكرية المتطورة للحوثيين نقلة كبيرة في التسليح والتجهيز بحسب خبراء عسكريين، جعلت منهم خطرا حقيقيا وهاجسا أمنيا مؤرقا لدول المنطقة وشعوبها، فقد جعل هذا التقدم الحوثيين أقل اهتمامًا بإنهاء الحرب، وأكثر تلاعبا بالهدنة التي يتم اقتراحها من قبل جهات أممية، في واحدة من حالات التخاذل الأممي تجاه ما تقوم به المليشيا الحوثية من جرائم بحق الإنسانية، على الرغم من موافقتهم على وقف إطلاق النار لمرات عدة، والتوقيع على إبرام أكثر من هدنة، غير أنها سرعان ما تبادر إلى خرق كل هدنة توقع عليها، وتنقض على تلك الاتفاقيات.

تهديد الملاحة الدولية

يأتي هذا التحول في الوقت الذي كشفت فيه صحيفة "نيويورك تايمز" أن إيران دمجت الحوثيين في شبكتها من الجماعات المسلحة لتهديد دول الخليج العربي والملاحة الدولية قرب مضيق باب المندب، بحسب ما أوردته الصحيفة في أبريل الماضي.

وتضيف الصحيفة أن الحوثيين يقومون أيضًا "بتجميع طائرات من دون طيار طويلة المدى الخاصة بهم، والتي وسعت نطاق وصولها عبر شبه الجزيرة العربية ما يضخم تهديدات القوى الخليجية العربية مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة".

ويرجع الفضل في التطور السريع لقدرات الحوثيين إلى حد كبير إلى المساعدات العسكرية السرية والمعلومات الخاصة التي تقدمها إيران، وإرسال الخبراء العسكريين إلى اليمن، للقيام بمهمة التجهيز والتدريب، وفقًا لمسؤولين ومحللين أمريكيين.

تأتي هذه الخطوة سعيًا وراء طرق جديدة لتهديد دول المنطقة، خصوصا خصومها الإقليميين، بقيام إيران بدمج الحوثيين في شبكة المليشيا التابعة لها وبناء قوة للحوثيين تتمكن في إحداث تخريب البنى التحتية لجيرانهم بأسلحة رخيصة نسبيًا، وإقلاق الأمن والسكينة، وإحداث خسائر بشرية ومالية.

تحالف مع الإرهاب

ووفقا لباحثين متخصصين في الشأن اليمني فإن المحاولات الإيرانية الحثيثة للتغلغل في اليمن -سياسياً وإعلامياً وأمنياً- "لم تعد خَفية، أو تحتاج إلى الكثير من المهارة لرؤية ملامحها، فقد باتت إيران تستغل الضعف الكبير الذي تعانيه الدولة اليمنية خلال هذه المرحلة خصوصاً حالة الفوضى التي نتجت بفعل تمرد الجماعات الخارجة على القانون، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية السيئة لأبناء الشعب اليمني من فقر وبطالة.

وبحسب الباحثين فإن "إيران تسعى لخلق منطقة نفوذ في هذا الجزء المهم من العالم بأي ثمن، حتى وإن تطلّب الأمر مد جسور التواصل مع تنظيم القاعدة التي يمكن أن تمثل حليفاً مرحلياً مهماً يشاركها الأجندة ذاتها، وإن اختلفت الأهداف".

مبالغ خيالية لنشر الفوضى

ويقول أكاديمي يمني -فضل عدم ذكر اسمه- إن "الدور الإيراني في اليمن يعكس نوايا أكثر خطورة، من خلال استهداف المليشيا الخارجة على القانون، ودعم الجماعات الإرهابية والمسلحة"، مضيفا أن "إيران تدرك تماما أن تحقيق نفوذها في اليمن لا يمكن أن ينجح في ظل وحدة مجتمعية ودولة قوية مهيمنة ومستقرة، لذلك فهي تسعى في سبيل تقوية حلفائها إلى إيجاد بيئة مضطربة وغير مستقرة، وتفجير الأوضاع العسكرية في اليمن، لخلق حالة من الفوضى العارمة التي يمكن معها إعادة صياغة موازين القوى".

ويضيف أنه "إذا كانت إيران قد أنفقت في العام 2012 ثلاثة بلايين دولار لدعم مخططاتها التخريبية، فإن ذلك المبلغ سيكون رمزيا، مقارنة بجهودها المكثفة وسعيها الحثيث لنشر الفوضى وخلق البلابل منذ ذلك التاريخ وحتى هذه اللحظة، إذ أنه سيكون من المنطقي جدا أن تكون إيران قد أنفقت مبلغا خياليا لدعم مثل هذه المخططات".

وقد كشفت صحيفة السياسة الكويتية نقلا عن مصدر حكومي يمني وصفته بـ"الرفيع"، أواخر العام 2012، أن إيران أنفقت نحو بليون دولار لدعم مخططها لفصل الجنوب، وأنها رصدت ضعف هذا المبلغ لمواصلة تنفيذ المخطط وإقامة دولتين.

واتهم المصدر -الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه- طهران بـ"استغلال الأزمة والأوضاع الاقتصادية المتردية التي مرَّ بها اليمن عام 2011، وأنها قامت باستقطاب نحو 1200 شاب من صنعاء وعدن وتعز وصعدة، ومناطق أخرى، من بينهم شيعة وسنة، وإرسالهم إلى سوريا وبيروت، لتلقي تدريبات عسكرية على يد مقاتلي (حزب الله)، وأنها نقلتهم إلى مدينة (قُم) الإيرانية لمواصلة دارستهم الدينية هناك".

ونقلت الصحيفة عن المصدر "مخاوفه من تحويل هذا العدد الكبير من شباب اليمن إلى خلايا تخريبية تتحكم فيها إيران للقيام بأعمال تجسسية وتخريبية تخدم مصالح طهران عندما تعيدهم إلى بلادهم".

دلائل

وقد اتهم الرئيس السابق "عبد ربه منصور هادي" في خطاب متلفز له قبل ثلاثة أعوام بمناسبة ذكرى قيام ثورة 14 من أكتوبر في جنوب اليمن، اتهم إيران بالاستمرار في دعم أطراف جنوبية، على غرار الدعم الذي تقدمه للمليشيا الحوثية في شمال اليمن، مؤكدا في الوقت نفسه امتلاك قيادات جنوبية حسابات في بيروت وميزانيات معتمدة من إيران، مشيرا إلى أن قناة "عدن" التي كانت تبث من بيروت هي أكبر دليل على دعم إيران وذراعها (حزب الله) لأطراف جنوبية.

وكشف الرئيس اليمني عن وجود معتقلين لدى الجيش الوطني اليمني من الحرس الثوري الإيراني، و"حزب الله" اللبناني، ويجري التحقيق معهم.

وفي العام 2018، جدد هادي اتهامه لإيران بالوقوف وراء التصعيد حينها في جبهة نهم شرقي العاصمة صنعاء، بقوله إنه جاء "بتوجيه من طهران كردة فعل على مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني".

وأكد خلال لقائه بقائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال كينيث ماكينزي والسفير الأمريكي لدى اليمن كريستوفر كينزل أن "مصلحة اليمن والمجتمع الدولي، تقتضي وقف التغوّل الإيراني في المنطقة"، مضيفا أن "إيران تسعى للسيطرة والتحكم بالملاحة البحرية من خلال مضيقي هرمز وباب المندب".

دعم متواصل

ولم يتوقف التموين الإيراني للمليشيا الحوثية ولم ينقطع الدعم لعمليات التخريب في والعمليات الإرهابية المتواصلة في اليمن والمنطقة عموما، ففي بداية عام 2022، أثناء قيام السفينة الحربية الملكية البريطانية "إتش إم إس مونتروز" بعمليات أمنية بحرية روتينية، صادرت أسلحة إيرانية من زوارق سريعة عبر مهربين في المياه الدولية جنوب إيران، وشملت تلك الأسلحة المضبوطة صواريخ أرض - جو ومحركات لصواريخ كروز المستخدَمة في الهجمات البرية، في مخالفة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 لعام 2015.

وبحسب تقرير نُشر على الموقع الرسمي للحكومة البريطانية، فإن هذه العملية تعتبر المرة الأولى التي تعترض فيها سفينة حربية تابعة للبحرية البريطانية سفينةً تحمل مثل هذه الأسلحة المتطورة من إيران.

وجرت عمليتا الضبط اللتان وقعتا في 28 يناير و25 فبراير شباط 2022 في الساعات الأولى من الصباح، بعد أن اقترب فريق من مشاة البحرية الملكية من السفن الصغيرة على متن قاربَين صلبَين قابلَين للنفخ قبل نشر عناصر الأمن على السفينة وتفتيشها، فتم اكتشاف عشرات الطرود التي تحتوي على أسلحة متطورة ومصادرتها وإعادتها إلى "مونتروز".

وكانت الحكومة اليمنية قد أعلنت عن ضبط سفينة إيرانية تحمل اسم "جيهان1" كانت في طريقها إلى اليمن، وعلى متنها شحنة من الأسلحة المتنوعة والمتطورة، كانت مخصصة للمليشيا الحوثية.

وفي حوار نشرته صحيفة السياسة الكويتية يقول رئيس جهاز الأمن القومي الدكتور علي الأحمدي إن المعلومات الاستخباراتية تشير إلى أن السفينة "جيهان1" التي ضُبطت في الـ23 من يناير 2013 سبقتها سفينة واحدة على الأقل وصلت اليمن دون أن يتم اكتشافها، فيما سفينة أخرى مجهزة في إيران تنتظر عودة طاقم السفينة "جيهان1" لاستلامها.

وفي أواخر العام 2015 الذي أعلنت قيادة تحالف دعم الشرعية الذي تقوده السعودية اعتراض سفينة إيرانية في بحر العرب، على بعد 150 ميلا جنوب شرقي صلالة العمانية، وعلى متنها 14 إيرانيًا، وأكثر من 100 قطعة من القذائف والصواريخ المضادة للدبابات، وأنظمة توجيه نيران، ومنصات إطلاق، مشيرة إلى أن السفينة جرى تفتيشها من منظمة الموانئ والجمارك في محافظة سيستان بلوشستان ومنحتها ترخيصًا للإبحار في منطقة صيد، ويملكها مواطن إيراني اسمه هوجان حوت، حسب الوثائق التي أعلنتها قوات التحالف.

وأوضحت أن السفينة كان على متنها 18 قذيفة "كونكورس" مضادة للدروع، و54 قذيفة "BGM – 17" مضادة للدبابات، و15 طقم بطارية للقذائف، و4 أنظمة توجيه للنيران، و5 بطاريات مناظير، و3 منصات إطلاق، وحامل منصة إطلاق، و3 بطاريات.

خطان متوازيان

ويعمل الإيرانيون بشكل حثيث وجهود مكثفة على ضمان تدفق السلاح إلى الحوثيين، سواء عبر تهريب شتى أنواع الأسلحة إلى اليمن، أو عبر الدعم المالي لشراء السلاح من الأسواق اليمنية، أو إنتاج بعضها محليا بالتعاون مع خبراء ومتخصصين إيرانيين ولبنانيين.

وكغيرها من الدول ذات الأطماع التوسعية تسعى إيران جاهدةً إلى فرض نفوذها وهيمنتها على المحيط الجغرافي المجاور لها، وكأنها بذلك تحاول إبراز ورقة أخرى من أوراق القوة والضغط، بالتوازي مع سرعة تقدمها في إنجاح مشروعها النووي.

ويرى رئيس مركز "أبعاد" للدراسات الإستراتيجية عبد السلام محمد أنه "سيكون لإيران بعد الاتفاق النووي وفرة مالية كبيرة، وأنها ستحتاج لبضع سنوات فقط لتكون قوة اقتصادية في المنطقة، فقد عملت على تعزيز برنامجين عسكريين مهمين خلال فترة العقوبات الدولية، وهما برنامج الصواريخ والبرنامج النووي، وربما أنها ستعلن انضمامها لنادي الدول التي تمتلك السلاح النووي".

وبحسب رئيس مركز أبعاد، فإنه ومن من خلال تتبع سلوكيات إيران فإن الحكم الطائفي في إيران قائم على العنف، ولا يمكن أن يستقر بدون حروب ومهددات، لكن لا يمكنها المغامرة بعد الاتفاق مباشرة، ولذلك لدى إيران خيارات عدة، من بينها أن تدعم طهران حروبا في المنطقة من خلال مليشياتها لتبقي حالة التهديد لها مرتفعة، حتى تواصل الحفاظ على نظامها الطائفي من خلال إبقاء المهددات الخارجية، وقد تنفذ ميلشيات الحشد في العراق أو الحوثيين في اليمن هجمات على دول الخليج أو تحصل مواجهات بين إسرائيل وحزب الله أو الجهاد".

جماعة وظيفية

ويحذر مراقبون من التهوين من شأن التنامي الحوثي المستمر في اليمن، مؤكدين أن "الذين سخروا من قوة الحوثي، وهوّنوا من خطورته -ولا يزالون- فمشكلتهم نابعة من سوء فهمهم للجماعات الوظيفية العقائدية، وخطورة توظيفها في حروب رسم الخرائط، إذ تتحول الجماعات الوظيفية مع الأيام إلى منصّة لتمرير مؤامرات الغير".

فاستخفاف السوفييت بقدرة الأفغان على مواجهة إمبراطوريتهم المحروسة بسبعة ألف رأس نووي -يضيف المراقبون- "جاء نتيجة سوء تقدير لخطورة الجماعات الوظيفية، وكيف تحوّل الأفغان إلى منصّة لإطلاق صواريخ "ستينغر الأمريكية" التي دمّرت الطائرات الروسية، وأذلّت الروس، إذ لم يكن ينقص الأمريكان أكثر من جماعة وظيفية تجيّش البشر لتركيع خصمها العنيد".

كلمات دالّة

#اليمن