الإثنين 29-04-2024 00:14:43 ص : 20 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

11 فبراير.. ثورة مستمرة لاستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي

الأربعاء 16 فبراير-شباط 2022 الساعة 02 مساءً / الإصلاح نت – خاص / زهور اليمني

 

يبدو الحديث عن أي إنجاز لثورة 11 فبراير بشكل عام مستفزا للبعض، ومثيرًا للسخرية لدى البعض الآخر، وثمة من يحملها وزر ما يحدث اليوم، وأعني هنا أولئك الذين لا يستطيعون رؤية إنجازات فبراير ولا يرونها إلا من خلال الحرب الناشبة منذ سبع سنوات وهي منها براء، فالحرب إفراز حصري بنكبة 21 سبتمبر الحوثية وانقلابها على الشرعية، أما ثورة فبراير السلمية فقد أنجزت مهمتها بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة وفاق وطني وتوجت ذلك بمؤتمر حوار وطني شامل وضع اللبنات الأساسية ليمن اتحادي.

أعلم أنه ليس من السهل بعد مرور 11 عاما على ثورة فبراير تقييم منجزاتها، خاصة في ظل حرص الناقمين عليها تحميلها مسؤولية تدمير البلاد، وتمكين مليشيا الحوثيين من السيطرة على عدد من المحافظات، وإعادة فرض نظام الإمامة، وتكريس القمع والاستبداد ومصادرة الحريات وتدمير الدولة وتجريف العملية السياسية.

لكن في المقابل هناك الكثير ممن يرون أنّ الأمر يختلف كلياً، ويؤكدون أن عودة نظام الإمامة بنسختها الحوثية الأكثر تخلفا وبشاعة إلى المشهد السياسى اليمني بدأ قبل ثورة 11 فبراير بسنوات.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء الدكتور (ب. ش) يتحدث حول هذا الموضوع قائلا: "لا يمكن أن نحمل ثورة 11 فبراير مسؤولية ما حصل بعدها، فلقد كانت الترتيبات التوافقية قد جرت مسبقاً مع السلاليين الذين تمكنوا من الاستحواذ على مناصب كبيرة في الدولة وجيشها، فجاءت ثورة 11 فبراير وقلبت الطاولة على الجميع، ليظهر على السطح كل ما كان يدور في الخفاء.

وأضاف: "لا يمكن اعتبار ما يحدث في اليمن نتيجة لثورة فبراير إلا من وجه واحد، وهو أن الانقلاب والحرب كانت طريقة الثورة المضادة في مواجهة فبراير وأهدافها، حيث لم تكن مليشيا الحوثي تمتلك الجرأة على ممارسة أي نشاط معلن داخل أي محافظة يمنية قبل الثورة، ومنذ 11 فبراير بدأت بالتسلل إلى صدارة المشهد الثوري عبر تأييد الانتفاضة ظاهرياً لتعمل من داخلها على إعاقتها لتسقط البلاد برمتها على النحو القائم اليوم. ومع ذلك أستطيع القول إنه مهما كان الواقع كارثيّا، فثمة إنجازات غير مرئية استطاعت ثورة فبراير تحقيقها، هذه الإنجازات وإن كانت غير مؤثرة بشكل مباشر على حياة الناس، لكنها مهمة بل ومركزية على المدى المتوسط والبعيد لمستقبل الأمة اليمنية ككل، كما أنه لا يمكن لأي شعب أن يحقق نهوضا راسخا بدونها".

وتابع: "قبل 11 فبراير كان المجتمع اليمني في حالة غيبوبة شاملة عن الوضع العام، كان الناس يعانون بصمت، وكان الحديث عن التغيير والثورة يبدو أمرًا مثاليّا، بل إن أحدًا لم يكن يتخيل إمكانية حدوث ثورة بالمفهوم التاريخي لها. وعندما يسجل في التاريخ مشهد المجتمع وهو يحتشد في عشرات الميادين ويصنع التغيير بنفسه، هنا تسقط حالة الجمود التي صبغت المجتمع بحالة من اليأس وصوّرته كمجتمع عاجز ومفكك".

وأوضح قائلا: "إنه مشهد حسم قدرة المجتمع على التحرك وإحداث التغيير، بعد أن كان مجرد تصور إمكانية تحرك المجتمع صعبا قبل الشرارة الأولى للثورة، وهذا هو الإنجاز الأكبر والأهم للثورة، وهو العامل الذي يجعل المجتمع فاعلا على صعيد الواقع، وقادرا على قلب كل المعادلات في أي لحظة، وبالتالي أصبحت فكرة الثورة هاجسًا حاضرا بشكل دائم في الخيال الشعبي".

وقال: "هذا الأمر يجعل المجتمع حارسًا لمكتسباته، ويعزز ثقة الناس بكونهم المرجعية الأولى في الشأن العام، ويرفع يقظة المجتمع المدني كسلطة شعبية ضابطة للسياسة، ويصبح حلم الثورة باقيا ما بقيت الحاجة للتغيير الجذري والشامل في المجالات كافة السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

كسرت حاجز الخوف:

دفعت الأوضاع التي يعيشها اليمن في الوقت الراهن، البعض من الشباب الذين شاركوا في الثورة، إلى إبداء حالة من الاستياء والإحباط، واستنكار إصرار البعض على الاحتفاء بذكرى الثورة، باعتبارهم يبيعون الوهم ولا بدّ لهم من الاعتراف بفشلها.

 أحمد المسوري أحد شباب الثورة الذي يتفق مع هذه النظرة للثورة، حيث يقول: "الأحلام التي ارتفعت في مختلف ميادين الثورة اليمنية مطالبةً بالدولة المدنية، ورؤية شكل آخر للنظام الذي كنا نعيشه، قد باتت اليوم بعيدة المنال بعد الاعتداء على السياق الثوري الذي حدث في حينه والاستيلاء عليه، والسقوط المدوّي لمؤسسات الدولة في قبضة مليشيا الحوثيين التي تعمل جاهدة على سحق الهوية أيضاً، مما يجعل مسألة استعادة ملامح الدولة التي كانت قائمة على الأقل قبل عقد من الزمن شبه مستحيلة، أو بحاجة إلى عقود أخرى وليس مجرد سنوات".

وأضاف: "لقد كان أحد أبرز إنجازات الثورة هو كسر جدار الخوف، ومع عودة ذلك الجدار والقمع من قبل المليشيات، واستحالة خروج تظاهرات ضدّهم، أو ضد المليشيات الحاكمة للمطالبة بإسقاطها، يكون من الواجب علينا أن نعترف بالفشل، وهذا ليس عيباً بل يتوجّب علينا البحث في الأسباب التي أوصلتنا إلى هكذا وضع".

الناشط عادل الحمدي وهو أحد شباب الثورة، له وجهة نظر مغايرة لما يعتقد المسوري، حيث يقول: "بعد كل هذه الحرب على الجميع أن يتذكروا أن الثورة سلمية، ومهما بحثوا عن سلام مستورد ومشروط، إلا أنه كان بإمكانهم الإيمان بالثورة وسلميتها وما أنتجته من حوار وطني. لا الثورة المضادة والانقلاب، ولا إضعاف الدولة والتدخلات الدولية في شؤونها، تعني أن الثورة قابلة للهزيمة، فثورة 11 فبراير تجدد نفسها رغم كل الجراح والتشرد والدماء، وإذا كان من الطبيعي وجود الرأي الذي يسعى لتحميل ثورة الشباب المسؤولية عما آلت إليه البلاد، فهناك الكثير ممن يؤكد على أنها كانت محاولة لتصحيح الوضع المختل في الأساس".

وأضاف: "أعتقد أن الثورة المضادة ممثلة بمليشيا الحوثيين وحلفائها هم من أوصلوا اليمن إلى ما وصل إليه الآن، ولو استمر وضع البلاد من دون تلك الانتفاضة لكانت مآلات الأوضاع أشد مأساوية وقتامة ودمارا مما هي عليه الآن".

واختتم حديثه بقوله: "يشكّل مسار التّحدّيات القاسي الذي واجهته ثورة 11 فبراير، والظّروف التي واجهتها، نموذجًا بالغ الدّلالة حول عبء الاستبداد، وميراث تاريخ طويل من المُمارسات الشّموليّة، لذا أجد أنه من الطبيعي أن يكون أعداء ثورة فبراير ومنتقديها، هم من فقدوا المصالح التي ظلوا يستأثرون بها دون باقي الشعب".

الشعب كان المحرك الرئيسي للأحداث:

وفيما تسود حالة من الإحباط لدى البعض من شباب الثورة، جراء الوضع الذي آلت إليه البلاد، ويعترفون بأن ثورتهم قد تعثرت، يؤكد الناشط والصحفي نبيل البكيري أن اللحظة الأولى للتغيير صعبة، فهي تحتاج لظرف خاص حتى يتحرك مجتمع لم يتحرك لعقود، حيث قال: "يدرك الجميع اليوم تعقيدات الوضع في اليمن وكيف تناسلت الحرب حروباً أخرى، حرب تلد أخرى، هذا المشهد الأكثر سوداوية حتما يحمل في أحشائه نافذة ضوء للمستقبل، فالحروب هي حالات استثنائية في حياة الشعوب والأمم، والسلام دائماً هو الحالة الطبيعية، على الرغم من أن حجم التضحيات التي يقدمها اليمنيون اليوم لاستعادة دولتهم وجمهوريتهم ووحدتهم كبيرة وباهظة. تضحيات ينبغي أن تكون نتيجتها تليق بها، دولة تليق باليمن وتضحيات أبنائه".

وأضاف: "في كل تجارب الثورات الشعبية على امتداد التأريخ، تكون اللحظة الأولى للتغيير صعبة، فهي تحتاج لظرف خاص، حتى يتحرك مجتمع لم يتحرك لعقود، لذا كانت الشرارة الأولى لثورة 11 فبراير حدثا فارقا في تأريخ الشعب اليمني، حيث تحرك المجتمع وكسر حاجز الخوف، واستطاع أن يحدث تغييرا مرحليا مهمًا، وبهذا التحرك يكون المجتمع قد خرج من دائرة السلبية ودخل في دائرة الفعل كمحرك رئيسي للأحداث وصانع حقيقي للتغيير، وهذا الأمر يعد خطوة مهمة وإنجازا معنويا حاسما تتأسس عليه كل خطوات التغيير اللاحقة".

تعثرت ولم تسقط:

الإعلامي محمد حمزة على قناعة بأن ثورة 11 فبراير يوما ما ستؤتي ثمار تحقيق الدولة المدنية التي طال انتظارها، حيث يقول: "ثورة الشباب ستظل أنقى الثورات على مر التاريخ اليمني الحديث، لأنها قدمت الصورة الحقيقية للشعب اليمني الضارب في أعماق التاريخ، وجسدت تاريخ بلاد العرب قولاً وفعلاً، فهي لم تكن ثورة حزب أو فئة أو جماعة، بل كانت ثورة شعب خرج بكل فئاته في مواجهة الطغيان، وعلى خطى ثورة سبتمبر 1962".

وأضاف: "شباب الثورة لم يسقطوا مؤسسات الدولة ولم يفجّروا البيوت ولا فجّروا المساجد والمدارس، ولم يقطعوا الرواتب ولم يغلقوا الجامعات، ولم يزرعوا الألغام ولم يقتلوا رئيساً ولم ينهبوا المصارف. شباب الثورة لم يفتحوا أسواقا سوداء ولا سجنوا النساء ولا مارسوا العنصرية والطائفية، ولا تحالفوا مع الإماميين لإسقاط الدولة ولا تاجروا بأعضاء البشر".

وتابع حديثه: "لقد كانت ثورة سلمية جميلة بجمال روح الشعب اليمني الثائر، لذلك سميت بثورة الربيع، ودورها كبير في إتاحة حرية أكبر أمام اليمنيين، فضلاً عن تعزيز الوعي الجمعي وروح المقاومة ورفض الاستبداد. صحيح أن الثورة المضادة قد اتخذت طابعا عنيفا في انقلابها على ثورة فبراير السلمية مما جعلها تتعثر، لكنها لم تسقط، فالشباب الذين خرجوا يومها بصدور عارية، هم اليوم من الأحرار الذين يقاومون الطغيان، ويحملون السلاح مدافعين عن الثورة، ويواجهون الانقلابيين من الإماميين الجدد في كل الميادين.

إن ما أحدثته ثورة 11 فبراير على الصعيد المعنوي، تعد مكاسب مهمة وعوامل أساسية تجعل الشعب مؤهلا لخوض معركة التغيير، وتسهم في صنع أجواء شعبية ملائمة للمشروع النهضوي، فالثورات هي مشاريع تغيير بطيئة لكنها عميقة، وما تحدثه في بنية المجتمعات يؤتي حصاده ولو بعد حين، وهنا تكمن عبقرية 11 فبراير وأثرها على المدى المتوسط والبعيد.

ثورة فبراير وحدت الشعب ورسمت خطاه ووضعت أهدافه في مشروع وطني كبير تقصر دونه كل المشاريع الصغيرة، مشروع دولة المواطنة المتساوية والحقوق والحريات والعدالة والمساواة.

                       

كلمات دالّة

#اليمن