الأحد 28-04-2024 01:53:45 ص : 19 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تعز واستمرار الحصار الحوثي.. الثمن المُر لضريبة الحرية والكرامة

الأحد 14 فبراير-شباط 2021 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت-خاص / عبدالسلام الغضباني

 

تواصل مليشيا الحوثي حصارها لمدينة تعز والمناطق المحررة في المحافظة، وتمعن في ارتكاب الجرائم البشعة ضد المدنيين العزل في الأجزاء التي تسيطر عليها من المحافظة، كما حدث في منطقة الحيمة قبل نحو شهر، فضلا عن استمرارها في قنص المدنيين العزل من أطفال ونساء، واستمرار القصف العشوائي الذي يستهدف الأحياء السكنية، وتفجير منازل المواطنين، وسط صمت مريب من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية، وغياب منظمات الإغاثة عن المحافظة التي تشهد أزمة إنسانية مروعة جراء حصار مليشيات الحوثي لها منذ بداية الحرب.

إن ما يحدث في تعز يجسد الأزمة اليمنية بكل تفاصيلها، ويعيد تعريف طبيعة الصراع، ويكشف حقيقة المواقف الضبابية لبعض القوى التي تجيد التلون، ويؤكد ذلك تكالب المؤامرات على تعز من قبل عدة أطراف، غاضها صمود تعز الأسطوري، وكونها السباقة في إشعال ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية ضد مشروع الحكم العائلي، والسباقة في التصدي للانقلاب السلالي الكهنوتي الحوثي، والعصية على المشاريع الأجنبية التخريبية في البلاد، ولذا فإن تعز تختصر تعقيدات الأزمة اليمنية، وتجعل كل طرف يكشف عن حقيقته، سواء كان مليشيات مسلحة، أو حزب سياسي، أو حتى منظمة مجتمع مدني، وبنفس الوقت، فإنها تعمل جاهدة على إعادة توجيه بوصلة الصراع إلى مسارها الصحيح، وتذكير الجميع بالعدو التاريخي لليمن ولجواره الإقليمي.

- ما دلالات استمرار الحصار الحوثي؟

تتعامل مليشيات الحوثيين مع محافظة تعز بعداء منقطع النظير، فرغم أنه تم طرد المليشيات الحوثية من عدة محافظات منذ بدء الحرب، وطردها من أجزاء كبيرة من محافظات أخرى، وتكبدها خسائر فادحة في مختلف الجبهات، إلا أن عداءها لتعز لم يتكرر إزاء أي محافظة أخرى باستثناء محافظة مأرب، ويعني ذلك العداء أن المليشيات الحوثية موجوعة من تعز أكثر من وجعها من أي محافظة أخرى، لدرجة أنها تحرض على القتال ضد محافظة تعز في المساجد وفي الدورات الطائفية لمقاتليها، ووصلت الوقاحة بخطيب حوثي أن قال في إحدى خطب الجمعة بأحد مساجد صنعاء إن قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب ينتمي لمحافظة تعز وأنه يلقب بـ"الأصبحي".

كانت مليشيات الحوثيين تنظر لمحافظة تعز في بداية الانقلاب على أنها الهدف الأسهل والسيطرة عليها ستكون بدون إطلاق رصاصة واحدة، خصوصا أن تعز كانت مطوقة بألوية عسكرية تتبع ما يعرف بالحرس الجمهوري الموالي لصالح وعائلته، وتتواجد داخلها قوات أمنية ومعسكرات أخرى ينتمي معظم أفرادها إلى محافظات ذمار وصنعاء وعمران، التي تمثل معظم مديرياتها حاضنة اجتماعية للحوثيين، وكان هناك اعتقاد لدى الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح أن تعز يمكن السيطرة عليها بـ"طقم" عسكري واحد فقط، نظرا لمدنيتها وسلميتها وعدم انتشار ثقافة القتل وحمل السلاح فيها.

وبعد تسهيل علي صالح للحوثيين السيطرة على العاصمة صنعاء، كان الهدف التالي هو السيطرة على محافظة تعز، ووجّه علي صالح قوات الحرس الجمهوري بإخماد أي مقاومة شعبية تعترض طريق مليشيات الحوثيين إلى تعز، وهو ما حدث في مدينتي يريم إب، وكانت تلك التوجيهات نابعة من أحقاد علي صالح على المحافظة التي أشعلت ثورة 11 فبراير 2011 وكانت عمودها الفقري في عدة محافظات يتواجد فيها مواطنون من تعز، ثم وجّه قوات الأمن والجيش المرابطة داخل تعز ومحيطها بتسهيل سيطرة الحوثيين على المدينة، وعندما واجهت مليشيات الحوثيين وقوات صالح المظاهرات السلمية الرافضة للانقلاب بالرصاص الحي، حمل أحرار المحافظة السلاح وأعلنوا الحرب دفاعا عن كرامتهم وحريتهم ورفضا للانقلاب على السلطة الشرعية.

لم تكن المعركة في محافظة تعز مجرد نزهة لمليشيات الحوثيين وقوات علي صالح، الذي ظهر في خطاب تلفزيوني يحث أتباعه على القتال ضد أحرار تعز قائلا: "دقوهم بالقناصات"، فالمحافظة المعروفة بمدنيتها وسلميتها عندما حمل أحرارها السلاح أصبحت عصية على الانكسار أكثر من المحافظات القبلية التي ينتشر فيها السلاح بمختلف أنواعه، وتمكن أحرار تعز من تحرير المدينة ومديريات أخرى شارعا شارعا وبأسلحة خفيفة وبدائية، وكان الطريق المؤدي إلى تعز يضج يوميا بذهاب المسلحين الحوثيين للقتال هناك وعودة قوافل القتلى وافتتاح المقبرة تلو المقبرة لقتلى المليشيات في تعز، لدرجة أنه في محافظة ذمار لوحدها استحدثت المليشيات في أول سنتين من الحرب 15 مقبرة لقتلاها في جبهات محافظة تعز.

ولذا، فإن استمرار الحوثيين في حصار محافظة تعز، وارتكابهم مختلف الجرائم ضد المدنيين هناك، يعكس أحقادا ضد المحافظة التي كسرت المشاريع السلالية والعائلية، ومنعت تقدم المليشيات الحوثية جنوبا، وتشكل حجر عثرة أمام المشروع الحوثي السلالي الكهنوتي ومن ورائه المشروع الإيراني الطائفي التخريبي في اليمن ومنطقة المشرق العربي بشكل عام، ويستهدف بدرجة رئيسية المملكة العربية السعودية، والبداية بتطويقها بمليشيات طائفية موالية لإيران من عدة جهات.

- الثمن المُر للحرية والكرامة

عندما وجدت مليشيات الحوثيين أن القتال في تعز يعود عليها بالخسران المبين، وأن أي مواجهة عسكرية هناك سيكون ثمنها فقدان عدد كبير من مسلحيها بين قتيل وجريح، لجأت إلى فرض الحصار على المدينة والمناطق المحررة من المحافظة، كخيار بديل عن المواجهات العسكرية، رأت فيه وسيلة لحشر تعز في حالة من الموت البطيء، وزاد من فضاعة الأمر تواطؤ عدة أطراف محلية وأجنبية مع ذلك الحصار، بما في ذلك المبعوثون الأمميون إلى اليمن ومنظمات الإغاثة ومنظمات المجتمع المدني.

لم تستسلم تعز أمام محاولات تركيعها، وخاضت مواجهات عنيفة مع مليشيات الحوثيين حتى تمكنت من فك الحصار يشكل جزئي، فواجهت مليشيات الحوثيين ذلك بمزيد من القصف العشوائي ضد الأحياء السكنية وقنص المدنيين واستهداف مرافق حيوية من حين لآخر، فتعددت جراء ذلك أوجه معاناة المدنيين، وازدادت الأوضاع الإنسانية سوءا، وتزداد المعاناة كلما طال أمد الحرب، وطال معها صمت المجتمع الدولي عن الإرهاب الحوثي بحق أبناء المحافظة.

وتكشف تقارير حقوقية مدى بشاعة الإرهاب الحوثي بحق أبناء تعز، والثمن المر الذي تدفعه المحافظة كضريبة للحرية والكرامة ورفض الانقلاب على السلطة الشرعية ورفض المشروع الإيراني التخريبي في البلاد.

ففي منتصف ديسمبر الماضي، أكد تقرير لمنظمة "رايتس رادار" لحقوق الإنسان ﻣﻘﺘﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﺛﻼﺛﺔ آلاف ﻣﺪﻧﻲ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﺳﺘﻬﺪﺍﻑ ﻣﻠﻴﺸﻴﺎت ﺍﻟﺤﻮﺛﻲ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﺗﻌﺰ.

ﻭﻗﺎﻟﺖ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﺇﻥ ﺍﺳﺘﻬﺪﺍﻑ مليشيات ﺍﻟﺤﻮﺛﻲ ﻟﻸﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺴﻜﻨﺔ ﻋﺸﻮﺍﺋﻴﺎً، ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﻘﺬﺍﺋﻒ ﺍﻟﻤﺪﻓﻌﻴﺔ ﻭﺍﻟﺼﺎﺭﻭﺧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﺑﺎﺑﺎﺕ، ﺃﺳﻔﺮ ﻋﻦ ﻣﻘﺘﻞ 691 ﻣﻮﺍﻃﻨﺎً ﻣﻨﺬ ﺑﺪﺀ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻌﺎﻡ 2020، ﻣﻨﻬﻢ 338 ﺭﺟﻼ،ً ﻭ252 ﻃﻔﻼ،ً ﻭ101 ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ، ﻛﻤﺎ ﺃﺳﻔﺮ ﻋﻦ ﺟﺮﺡ 2898 ﻣﺪﻧﻴﺎً، ﻣﻨﻬﻢ 1013 ﻃﻔﻼً، ﻭ1606 ﺭﺟﺎﻝ، ﻭ279 ﺍﻣﺮﺃﺓ.

ﻭﻧﺪﺩت ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺔ -ﻣﻘﺮﻫﺎ ﺃﻣﺴﺘﺮﺩﺍﻡ في ﻫﻮﻟﻨﺪﺍ- ﺑﺎﻻﻧﺘﻬﺎﻛﺎﺕ ﺍﻟﺠﺴﻴﻤﺔ ﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺭﺗﻜﺒﺘﻬﺎ مليشيات ﺍﻟﺤﻮﺛﻲ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﻌﺰ، ﻭﻃﺎﻟﺒﺘﻬﺎ ﺑﻀﺮﻭﺭﺓ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ، ﻭﻛﺬﺍ ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻫﺪﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻗﻌﺘﻬﺎ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺧﺼﻮﺻﺎً ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺤﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ.

ﻭﺍﺳﺘﻨﻜﺮت ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﻴﻦ ﻗﺼﻒ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺴﻜﻨﻴﺔ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﺗﻌﺰ ﻣما ﻳﺴﻔﺮ ﻣﻦ ﺣﻴﻦ ﻵﺧﺮ ﻋﻦ ﺳﻘﻮﻁ ﺿﺤﺎﻳﺎ ﺑﻴﻦ ﻗﺘﻴﻞ ﻭﺟﺮﻳﺢ ﻭﻟﻸﺳﻒ ﻏﺎﻟﺒﻴﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻃﻔﺎﻝ.

- صمود استثنائي

تسطر محافظة تعز صمودا استثنائيا في وجه مليشيات طائفية إرهابية تناصب المحافظة العداء بشكل منطقع النظير، وأفرغت أحقادها في محافظة معروفة بمدنيتها وسلميتها، لكنها حملت السلاح في لحظة عصيبة تصدرت فيها الصفوف لحماية المشروع الوطني، وملهمة لكل أحرار الوطن في التصدي للمليشيات الظلامية السلالية التي تحمل مشروعا تدميريا يستهدف اليمن حضارة وتاريخا وعقيدة وثقافة خدمة لملالي إيران.

وتواصل تعز صموها منفردة، وسط خذلان من قبل الجميع تقريبا، وحتى المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، لم تقم بدورها في إدانة استمرار الحوثيين في حصارهم لتعز، وأيضا استمرارهم في ارتكاب مختلف الجرائم بحق أبنائها، مثل القنص والقصف العشوائي وتفجير المنازل ونهب الممتلكات والاختطاف والتعذيب وغير ذلك، وسط صمت وتخاذل المجتمع الدولي، وتواطؤ عدة أطراف فاعلة في اليمن مع الإجرام الحوثي بحق تلك المحافظة الصامدة.

كلمات دالّة

#اليمن