السبت 27-04-2024 16:24:33 م : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

المرأة اليمنية في ثورة 11 فبراير.. شجاعة نادرة وتضحيات جسيمة

السبت 13 فبراير-شباط 2021 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت-خاص/ زهور اليمني

  

في المسيرات ‏والمستشفيات الميدانية، واللجان الأمنية في الساحات، وقوائم الشهداء والجرحى، ومن تعرضوا للاعتقال، كانت المرأة حاضرة، حتى صارت الثورة امرأة، والحرية امرأة، والكلمة امرأة، وهو ما أوصلها إلى ‏منصة التكريم العالمي.

لقد شكلت ثورة 11 فبراير منعطفا جديدا في تاريخ المرأة اليمنية وتحولا جديدا في حياتها، فظهرت إلى جانب شقيقها الرجل للمطالبة بالتغيير، والبحث عن ميلاد جديد لوطن ظل خلال 33 عاما يرضخ تحت المعاناة، والاستبداد، والظلم، والتجهيل.

لقد وجدت المرأة في ثورة فبراير نقطة مضيئة، أعادت لها حقوقها وحضورها السياسي، إذ ساهمت في كل اللجان والتكتلات الثورية، وألغت بذلك بعض المفاهيم التي كانت سائدة قبل الثورة، التي كشفت عن وجوه مشرّفة سيسجلها التاريخ كصفحات تتشرف بها اليمن.

الدكتورة أمة السلام الحاج، إحدى الثائرات التي كان لها حضور لافت في ساحات الحرية، تحدثنا قائلة: "كانت الساحات البيت الذي جمعنا، وغرست فينا الأخلاق التي ستبقى في نفوس كل من شارك وأسهم في إسقاط ‏النظام.. فرضت المرأة الثائرة نفسها في الساحات، وأوجدت لها مكانا لتشارك ‏وتقف مع الرجل، مما أعطاها المجال للإبداع في كل شيء، حيث كسرت حاجز الصمت وما يسمى بالعادات والتقاليد، التي كانت تعيشها في ظل مجتمع ذكوري يسيطر على معظم النشاطات، لذا مثلت الثورة ولا تزال الانتصار لحقوقها، فقبل الثورة كان هناك تغييب لدور المرأة، وبعد الثورة فرضت ‏حضورها وشهد لها كل العالم بذلك".

وأضافت: "الثورة كانت فرصة للكثير من النشاطات، كالعمل الحقوقي والسياسي لأن تبصر النور، وأثبتت المرأة قدراتها على الكفاح والنضال والمواجهة، وكذا التضحية التي لا يمكن إجمالها في سطور، لعل أبرزها التضحية بالنفس والاعتصام في الساحات للمطالبة بالتغيير ورحيل النظام الفاسد، علاوة على قيادة التظاهرات والاحتجاجات الثورية، فكوّنت ثورة بذاتها قادرة على التغيير".

الثورة وتغيير موقع المرأة في المجتمع اليمني:

إضافة إلى دورها المباشر في الثورة، ثمة دور أوسع غير مباشر مرتبط بالمجهود الذي بذلته الأمهات والأخوات والزوجات نيابة عن "الثائر" الذي بقي معظم وقته في الساحات، في واحدة من أطول ‏الاعتصامات.

أروى عبد العزيز، إحدى الثائرات التي كان لهن دور في إمداد الثوار بالطعام، تحدثنا قائلة إن "ثورة 2011 مثّلت متنفساً للمرأة للتعبير عن ‏نفسها، وإثبات أنها قادرة على صنع التغيير وليس المشاركة فيه فقط، فنشاطات المرأة خلال أيام الثورة غيّرت من ‏موقعها في المجتمع اليمني، ولم تعد تلك الخجولة التي لا تخرج إلا للدراسة والعمل، ولم تعد تلك الأنثى الضعيفة، بل أصبحت تعبّر عن رأيها وموقفها بكل شجاعة وقوة.".

وأضافت: "لم أكن أحضر باستمرار للمشاركة في الاعتصامات، فكان دوري أنا ومجموعة من النساء هو إعداد الطعام للمعتصمين، وكان لهذا العمل دور كبير في مؤازرة الثوار وحثهم على الاستمرار حتى تحقيق الهدف. لم نكتفِ بذلك، بل كنا نخرج في كل المسيرات، فرأيْنا أمامنا الجراح والدماء، ورأينا الأشلاء والشهداء، لكننا قاومنا سلاحهم بسلميتنا، وغدرهم بوفائنا".

المرأة شريكة في التغيير:

المرأة الثائرة التي تركت هدوء المنزل وراحة الفرش الناعمة، واختارت خيام التغيير في ساحات الحرية والعزة، لعبت دوراً بارزاً في ثورة 11 فبراير بأشكال مختلفة، من حيث المشاركة في المظاهرات والفعاليات والنشاطات المختلفة.

المحامية ابتسام السندي، تحدثنا عن ذلك الدور الذي لعبته المرأة، قائلة: "لم يكن أحد يعتقد أن ‏المرأة اليمنية ستكون شريكة أساسية في التغيير وستخرج بذلك العدد الكبير، لقد أيقن المجتمع أن المرأة شريك أساسي، وأصبح يدفع بنسائه للمشاركة ما دامت ‏لديهن القدرة على فعل ذلك".‏

وأضافت: "لقد كانت مشاركة المرأة اليمنية في المسيرات والتظاهرات صورة ‏ولوحة مميزة، مثلت صورة لافتة لإرادتها الثورية، ففي تلك المسيرات كانت ألوان العلم الوطني التي ترتديها الثائرات أكثر بريقاً وأعمق دلالة، وهومرفوع على رؤوس الحرائر، ومرسوم على أكفهن ووجوههن".

وتابعت: "لقد تحولت المرأة إلى ناطقة باسم الثورة ومعبرة عن أهدافها وطموحاتها، فأنشأت المدونات وصفحات الفيسبوك، وأسهمت من خلال وسائل الإعلام الحديثة في تعزيز الوعى بمفهوم الحريات والتحرر، والدفاع عن حقوق النساء وحرية الرأي والتعبير، انطلاقاً من اقتناعها بأن المشاركة في مسيرة التحول الديمقراطي، هي الوسيلة الرئيسية التي يمكن أن تكفل لها حقوقها".

واختتمت حديثها قائلة: "بهذه الانطلاقة، وتجاوزها المعوقات التي كانت تواجهها قبل ثورة فبراير، أصبحت المرأة صوتاً وسوطاً واحداً، يشارك بقوة وفاعلية الرجل ضد الظلم والاستبداد، ولتصنع الغد جنباً إلى جنب مع أخيها الرجل".

المرأة شهيدة:

الأصوات النسائية الثورية في خضم الثورة السلمية لم تخفت أو تضمحل، بل كانت صرخة قوية ساعدت في تحطيم قواعد كرسي النظام المستبد، فأصمتت صرخاتها القوية أسلحة صالح الذي خرج يقتل بها الثوار، وأصمت صرخاتها آذانه التي لم يستطع تحملها، فأظهر حقده من خلال مليشيا أرسلت رصاصاتها الغادرة إلى صدور الثوار بما فيهم المرأة التي سقطت شهيدة وجريحة في سبيل تحقيق الحلم، وتهديم قواعد عرشه المستبد.

تؤكد إحصائيات أن عدد شهيدات الثورة بلغن 19 شهيدة، لكل واحدة منهن قصة مع النضال والتضحية تزخر أحرفها بالثورة، تحكي تفاصيل عظمة المرأة اليمنية الخالدة، التي سطرتها خلال الثورة.

"عزيزة المهاجري"، أول شهيدة في ثورة فبراير، أصابتها رصاصة القناص أثناء مشاركتها في تظاهرة سلمية انطلقت من ساحة الحرية بتعز، مروراً بعدة شوارع بالمدينة ومنها "وادي المدام"، وهو آخر الأماكن التي وطأتها أقدامها، حيث أقدمت قوات الأمن التابعة لعلي صالح على إطلاق النار تجاه المسيرة مما اضطر الشباب إلى الانسحاب، غير أن عزيزة تقدمت إلى الأمام في المسيرة، تصرخ مخاطبة مطلقي النار: "يا ناس حرام عليكم، هؤلاء شباب وأطفال لماذا تطلقوا النار عليهم؟ ماهو ذنبهم؟ حرام عليكم حرام".

 لم تكمل عزيزة عبارتها حتى اخترقتِ الرصاصة جمجمتها من الخلف، لتنفذ من مقدمة رأسها وترتقي شهيدة.

لم تقف انتهاكات مليشيات صالح عند هذا الحد، حيث لحقت بعزيزة ثلاث من الشهيدات في مجزرة 11 نوفمبر 2011، في جمعةٍ سماها ثوار تعز "لا حصانة للقتلة"، وهن "تفاحة العنتري" و"زينب العديني" و"ياسمين الأصبحي"، اللاتي استشهدنَ في مصلاهن وأثناء هتافهن للقتلة "لا نريدكم تحكمونا"، وكل واحدة منهن لها قصة نضال.

"تفاحة العنتري"صاحبة الشخصية القيادية بالفطرة، كانت أول المرابطين في ساحة الحرية وأكثرهم نشاطاً، وبصمودها الذي فاق صمود الرجال أطلق عليها لقب "أم الثوار"، ولم تكن نشاطاتها محصورة في إعداد الكعك وتقديم الأكل للثوار في الساحة، والتنظيم من خلال لجنة النظام في الساحة، وتعاونها مع لجان الخدمات والدعم وغيرها من اللجان، بل تقدمت الصفوف في تلك المسيرات التي شهدتها تعز طيلة أيام الثورة، رغم آلة الإجرام القمعية، إلا أنها لم تكن تهاب رصاصات الخوف والخنوع التي تسقطها عصابة صالح على المحافظة.

تفاحة التي تمنت الشهادة منذ أول يوم خرجت فيه إلى الساحة، كان لها ما تمنت وحقق الله أمنيتها يوم الجمعة أثناء أدائها الصلاة في الساحة.

"ياسمين الأصبحي"، إحدى فتيات تعز الثائرات، من أول يوم اندلعت فيه الثورة توقفت عن دراستها لتشارك أبناء وطنها ثورتهم.

كان لها نشاط كبير وملفت للنظر في الساحة، وبعد محرقة ساحة الحرية في 29 مايو 2011، سعت ياسمين جاهدة لإعادة وهج الساحة ونشاطها من خلال المشاركة في المسيرات اليومية الصباحية والمسائية.

تمنت ياسمين أن يقام عرسها في الساحة، فباعت دبلتها وجمعت التبرعات لإعادة منصة ساحة الحرية أفضل مما كانت، وكان لها ما أرادت وزفت من الساحة شهيدة في يوم الجمعة.

"زينب العديني" الحافظة لكتاب الله والحاصلة على إجازة مفتية من عدة مشايخ، لم تعشْ حياتَها لوحدها، بل عاشتْها لمجتمعٍ بأكمله، فقد كانت نموذجا في الفكر والدين والأخلاق، ساعية للخير، تمسح دمعة اليتيم وتساعد الفقير والمحتاج، واختتمت مسيرة حياتها الحافلة بالبذل والعطاء بأن قدمت روحها هدية لوطنها الكبير.

عشقت زينب ساحة الحرية وخيامها، ووضعت بصماتها في كل عبارة ثورية خطتها أناملها، فقد كانت صاحبة الخط الجميل والذوق الرفيع والصوت الشجي وهي تتلو آيات من القرآن الكريم.

في جمعة "لا حصانة للقتلة" أمطرت قوات صالح سماء تعز بالقذائف، مستهدفة ساحة الحرية وقت صلاة الجمعة، وأثناء سماعها للخطبة تسقط إحدى قذائف الغدر والعار في المكان الذي تتواجد فيه، حيث استقرت إحدى الشظايا في قلبٍ أودع فيه القرآن، منهية حياة حافلة بالخير والعطاء والصبر والكفاح لترتقي بعدها زينب ورفيقاتها شهيدات، وتبدأ معهن رحلة الخلود إلى النعيم الأبدي وتلقى ربها وهي راضية عما قدمته وهو راض عنها.

أخيرا، هذه التضحيات والبطولات الخالدة للمرأة اليمنية، تؤكد بأن ثورة 11 فبراير لم تخفت جذوتها، بل ازدادت اشتعالا بكل قطرة دم سفكت، وبأنها لا زالت تواصل نضالها ضد السلالية والطائفية، ولم تبرح وتتخلى عن مواقعها الثورية، فكانت أم الشهيد وأم المختطف في سبيل استعادة الدولة، وإعادة تثبيت جذورها للأرض، ولأجل ذلك ارتقت أطهر الأرواح وأنقاها.

إنها المرأة اليمنية، الثورة والثائرة في صنعاء، حين اختفت مظاهر الثورة فيها بتشريد رجالها، واختطافهم، وقتلهم، فمهما عظمت التضحيات، فالكرامة لا تفاوض فيها أبدا.

كلمات دالّة

#اليمن