السبت 27-04-2024 18:47:48 م : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون والتعليم.. محاولات لطمس الذاكرة الوطنية وتفخيخ المجتمع بصراعات طائفية

السبت 30 يناير-كانون الثاني 2021 الساعة 08 مساءً / الاصلاح نت- خاص- زهور اليمني

 

عمدت مليشيات الحوثي منذ انقلابها إلى تغيير كل مناحي الحياة، بما يتوافق وسياساتها ورؤاها وأفكارها الطائفية، إذ لم تكتفِ بالقتل وتدمير وتخريب البنى التحتية، بل اتجهت إلى تفخيخ عقول الطلاب وغسل أدمغتهم، وتأسيس تجهيل ممنهج من خلال تغيير واسع للمناهج المدرسية، وإخراجها عن إطارها الوطني وتوجيهها لخدمة أهدافها الطائفية، سعيا منها لصناعة جيل بذاكرةٍ وطنيةٍ مشوهةٍ، تؤمن بالعنف وتكفر بالوسطية، تحمل ما يكفي من الإيحاءات المذهبية، في بُعدها العَقَدِي أو الفقهي المعشعش في ذهنية المليشيات.

 

- كتاب مدرسي في كل شهر

أكد حسين العزي، نائب وزير الخارجية في حكومة الانقلاب غير المعترف بها دوليا، أن المليشيا طبعت كتابا مدرسيا يصرف كل شهر لطلاب المدارس، بدلا عن المواد المدرسية المعتمدة في اليمن.

وقال في تغريدة عبر حسابه على توتير: "لا للحقائب الثقيلة، هي صنعاء عاصمة القادة والأفكار الخلاّقة، ومنها دمج المواد الثمان أو التسع في كتاب يميز كلا منها بلون خاص".

وأضاف: "لكل شهر من شهور العام الدراسي كتابا واحدا، بدلا من أن يحمل الطالب ثمانية أو تسعة كتب طوال العام، كل الشكر والتقدير لوزارة التربية والتعليم على ما تبذله من جهود البناء والتحديث".

وقد اعتُمدت الملزمة الشهرية للطلاب بدءًا من السنة الدراسية الحالية 2020/2021 على جميع المدارس كنظام تعليمي طائفي يخدم الفكر الحوثي.

حيث لجأت المليشيا إلى هذا الخيار من أجل تجريف التعليم والدروس الوطنية التي تمجد ثورتي الـ26 من سبتمبر والـ14 من أكتوبر، وكذلك الأهداف التي تم تحقيقها في محاربة الإمامة والرجعية والتخلف، وبناء وطن جديد ديمقراطي يتمتع بكامل الحرية.

تجدر الإشارة إلى أن المليشيات أدخلت دروسا طائفية ومذهبية بما يخدم توجهها، وستقوم بتحديثها كل شهر حسب هواها.

 

- سباق لتزييف الواقع

وجهت ما تسمى باللجنة الثورية العليا الحوثية قطاع المناهج بوزارة التربية والتعليم الانقلابية بضرورة العمل على تعديل المناهج الدراسية وصبغها بطائفية خطيرة، من خلال ربط تلك المناهج بالصراع الديني السياسي، مما يعتبر تسميما وتفخيخا لعقول الأجيال المقبلة.

موجّه التربية الإسلامية الأستاذ (ع. هـ) يتحدث عن خطورة هذا الأمر قائلا: "الحرب الفكرية لا تقل ضراوةً عن الحرب العسكرية، بل هي أبلغ وأبقى أثراً، وأصحاب المناهج المنحرفة يحرصون أشد الحرص على إخضاع خصومهم بنشر مبادئهم وإقناع المجتمع بها، لذا لن يتوقف الحوثيون عن محاولة تغيير المناهج وهوية الشعب اليمني ما دام ذلك ممكناً لهم، فهم يحملون فكراً مذهبياً طائفياً يرتبط بمشروع رافضي، يسعى لتغيير هوية المنطقة بأسرها، وليس اليمن فحسب، وهذا ما حدث بالفعل في الإدخال والحذف في المناهج الدراسية للعام المنصرم، والعام الحالي".

وأضاف: "بما أن فلسفة الحوثيين قتلت اليمنيين أجساداً، فلا شك أنها تمارس الآن قتلهم فكرياً، لذا كانت خطتهم طرح نظام تعليمي مختلف، ينال من القيم ويفخخ المقررات مذهبياً وطائفياً، ويقضي على حالة التعدد في الآراء والمذاهب بالمناهج الدراسية، هذه الخطة استهدفت بالدرجة الأولى كتب التربية الإسلامية والتاريخ، التي تقول المليشيات إنها مليئة بالفكر التكفيري والوهابي لتمرير مشروع التعديل".

وتابع: "هم بكل بساطة يسعون لفصل الأجيال القادمة عن أسلافهم، وتاريخهم الثري بالمفاخر والبطولات، وسعياً لطمس وتغييب مآسي ومؤامرات ما فعله أئمتهم باليمنيين، لذا نجدهم يسابقون الزمن لتزييف الواقع، وفصل اليمن عن هويتها، وحرف مسار التعليم لنشر تاريخهم المزيف المبني على الضلالات والأكاذيب، لعلمهم بانتهاء أمرهم وقرب أجلهم".

 

- فرض أمية معرفية وثقافية على الأجيال

على الرغم من الواقع البائس الذي تعاني منه المؤسسة الحكومية لطباعة الكتاب المدرسي، والذي جعل منها غير قادرة على تلبية احتياجات طلاب المدارس من الكتب المدرسية، تبرز أولوية الطباعة لكتب الحوثيين التي يراد الدفع بها إلى المدارس بحجة العجز عن طباعة الكتاب المدرسي.

فقد أشارت مصادر في مطابع مؤسسة الثورة للطباعة والنشر، التي تم الاستعانة بها لطباعة الكتاب المدرسي، إلى أن المليشيات المسيطرة على المطابع وجّهت بطباعة أكثر من 11 ألف كتيّب صغير تحمل فكر زعيمها حسين بدر الدين الحوثي وشعاراته، وقامت بتوزيعها على أغلب مدارس العاصمة صنعاء.

لم تكتفِ بذلك، بل كان من ضمن الخطوات التي حرصت المليشيا على تنفيذها لتتمكن من تنفيذ مخططها، وتغيير المناهج وفقًا لرؤيتها بعيدًا عن أي رقابة، اللجوء إلى إنشاء مطابع خاصة تستطيع من خلالها طبع المناهج الجديدة، وفي سبيل ذلك دأبت على إغلاق العشرات من دور الكتب والنشر في صنعاء ومناطق أخرى تقع تحت سيطرتها، والاستيلاء على متعلقات ومحتويات من دور النشر والمطابع لاستخدامها في مطابعها، وهو الأمر الذي اعتبره مراقبون عملًا ممنهجًا لحوثنة المجتمع، وفرض أمية معرفية وثقافية على الأجيال، مع بقاء كتب الفكر الشيعي هي المعرفة الوحيدة المتاحة.

 

- استهداف الذاكرة الوطنية

عمدت مليشيا الحوثي إلى تضمين مناهج التعليم الأساسي تعديلات جوهرية، تتطابق مع التوجه الفكري الطائفي لها، حيث أجرت 234 تعديلا على المناهج الدراسية للمرحلتين الأساسية والثانوية دون الرجوع للجنة المناهج، خلال الفترة 2016 و2020، لفرض تعليم طائفي يروج لمفهوم التفوق العرقي والتمييز السلالي.

(ق. ت) مدرس مادة التربية الإسلامية في إحدى مدارس مديرية السبعين، تحدث عن بعض التغييرات التي تمت في مناهج التربية الإسلامية قائلا: "التعديلات التي أجراها الحوثيون على المناهج كثيرة، منها إضافة درس بعنوان "وجوب محبة أهل البيت ومودتهم واتباعهم" في منهج التربية الإسلامية للصف التاسع أساسي في فصله الثاني، هذه الإضافة تحمل بعدا طائفيا وفيها توظيف وتسييس، كونها ترتبط بجعل مسألة السلطة والحكم حصرية للمنتسبين لما يسمى بأهل البيت، وهو ما يعني في النهاية إلغاءً كاملا للحرية والديمقراطية وللمواطنة المتساوية والتداول السلمي للسلطة".

وأضاف: "كما تم تغيير الصور في مناهج القراءة، ووضع صورة تجسد شخصية حسين الحوثي، وتم حذف أسماء أعلام المسلمين، منهم اسم الصحابي عمر بن الخطاب واستبداله باسم "محمود"، كما تم حذف الدرس الثالث في مادة القراءة للصف الثالث الأساسي عن "العشرة المبشرين بالجنة"، وتغيير اسم حفصة أينما ورد في كتاب القراءة للمرحلة الابتدائية، فضلا عن إضافة درس في أحد الكتب بعنوان "بيان فضل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه"، وحذف النشيد الوطني من بعض الكتب الدراسية".

وتابع قائلا: "عمل الحوثيون على تغيير مناهج التربية والتعليم بشكل هادئ، ومن خلال دس نصوص خفيفة تشير إلى معتقداتهم، فهم يُصْدرون مقررات دراسية حديثة بتاريخ قديم، كي لا يتنبه أولياء الأمور إلى ما يدسونه ضمنها، وليخدعوا الناس بأنهم لم يُجروا أي تعديلات فيها، مما يشير إلى أن تعديل المناهج المدرسية بهذا الشكل عمل ممنهج، يستهدف إفراغ التعليم من محتواه الوطني وهويته اليمنية، وصبغه بمحتوى طائفي يعتمد على أفكار مذهبية، وهذه كارثة لها تداعيات خطيرة جدا، أبرزها تنشئة جيل مشبع بفكر الحوثيين، يؤمن بالعنف والطائفية".

 

- المنهج الدراسي حامل الرداء الإمامي

أشرف على إعداد مناهج التعليم في اليمن علماء ومختصون، ينتمون لكل التيارات المذهبية والفكرية، رسخت قيم المواطنة والمساواة والهوية الحضارية، وبعد انقلاب الحوثيين وتولي يحيى الحوثي وزيرا للتربية والتعليم الانقلابية، أوقف عمل لجنة المناهج، وشكّل لجنة بديلة مكونة من 50 أكاديميا موالين للحوثيين، لإجراء التعديلات المطلوبة من قبلهم، والتي كان لها أبعاد كثيرة منها تقويض عرى الدولة والمجتمع اليمني، واستهداف هويته.

حول هذه الموضوع يحدثنا الدكتور في جامعة صنعاء (ن. ك) حيث قال: "لا شك أن هناك أبعادا ودوافع لمليشيا الحوثي من تغيير المناهج التعليمية التي حافظت على الوسطية، منها اختراق المفهوم السيادي المرجعي للدولة والمجتمع اليمني، وتسكين مبدأ الولاية كفكرة سياسية عليا وترسيخها في الناشئة، باعتبار أن الحوثي هو الإمام والمرجع والمُشَرِّع، والعمل على ضرب المرتكزات التاريخية والحضارية للشعب اليمني، وإحياء الدور التاريخي للإمامة الكهنوتية، إضافة إلى تمزيق النسيج الاجتماعي الوطني، وإعادة صوغ المهام اليمنية على النحو الذي يؤدي إلى خلق قدر من التباين، لضرب المجتمع بعضه ببعض".

وأضاف محذرا: "الحوثي يسعى من خلال هذه التعديلات إلى ضرب مرتكزات التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية، والتشكيك بعدالة الصحابة تمهيداً لنشر النظرية الإمامية ونظرية البطنين، وتسويق مرجعياته، كما أنه يسعى إلى‎ شيطنة الثورة اليمنية ورموزها وضرب مركزها، وإبهات هيبة الرموز الوطنية والأحرار في نفوس اليمنيين، وإدراج مناسباتهم وشخصياتهم بديلاً عنها، وجعل المنهج الدراسي حامل الرداء الإمامي إلى مناطق يمنية لم يكن للمذهب فيها حضور، وإيجاد جيل متعصب مسلح بالأفكار الطائفية المذهبية، ينفذ الفكرة بحقد وعنف".

 

- الخوف على الأبناء

لقد سعى الحوثيون من خلال تحريف المناهج إلى استقطاب الآلاف من الشباب والفتيان، والزجِّ بهم في جبهات القتال، مستغلين التعليم في الاستثمار وتمويل مجهودهم الحربي، من خلال تجريف منظم للقطاع التعليمي يهدف إلى دفع الطلاب خارج مقاعد الدراسة، وإفراغ العملية التعليمية من مضمونها.

يحدثنا ولي أمر الطالب إبراهيم عن مخاوفه إزاء التغييرات التي حدثت في المناهج قائلا: "إن التغييرات في المناهج تعبر عن مدلولات طائفية في العملية التعليمية، وربطها بالصراع الديني السياسي تماما كما حدث قبل عدة سنوات من تغيير المناهج الدراسية في محافظة صعدة، التي كانت قائمة على النفس الضيق وعلى الأفكار الطائفية والمرجعية الشيعية، حتى تحولت المدارس إلى أجهزة للتوجيه المعنوي مهمتها تجييش الأطفال من أجل الحرب، والنتائج والمخرجات لتلك المدراس ما نلاحظه الآن على الساحة، لذا أكثر ما أخشاه أن التعديلات التي قام بها الحوثيون على المناهج الدراسية قد تؤدي إلى الاحتقان المجتمعي وتمزيق النسيج الاجتماعي، وتؤدي إلى صراعات طائفية مذهبية لم تعرفها اليمن من قبل".

وأضاف: "لقد أرسلت أبنائي للمدرسة ليدرسوا العلوم الإنسانية التي تخدم المجتمع، وليس لتعليمهم المواضيع والقضايا الخلافية الدينية التي تقود للتعصب والتطرف، لذا أشعر بالخوف على مستقبل أبنائي، خصوصا أن التغييرات والتحريفات التي مارسها الحوثيون بحق المناهج استهدفت المواد المرتبطة بالجوانب العقائدية، كاللغة العربية ومادة القرآن الكريم والتربية الإسلامية والتربية الاجتماعية، في حين أن المواد العلمية لم تشهد أي تغيير أو تحريف، مما يعد دليلا واضحا على حرصهم على إضافة تغييرات ذات أبعاد وخلفيات عقائدية طائفية، وليست تغييرات تهدف إلى تحسين وتطوير المناهج".

 

الخلاصة:

يبقى واقع الحال التعليمي اليوم، وخصوصا في مناطق سيطرة الحوثيين، مُرّاً على كلا الجانبين، فمن لم تجبره ظروف الحرب على التوقف عن تلقي التعليم، يجد نفسه في مدارس أصبحت أشبه بمحاضن حوثية، مجبرا على تلقي مناهج تعليمية تم تعديلها وتكييفها لتتماشى مع فكر ومذهب طائفي ضيق يكرّس الخلافات لا التعدد المذهبي الذي امتاز به اليمنيون على مدى خمسة عقود.