السبت 27-04-2024 23:45:55 م : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الصنمية الثقافية المعاصرة.. الحلقة الأخيرة: هدم الصنمية

السبت 30 يناير-كانون الثاني 2021 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت-خاص / عبد العزيز العسالي

 

أولا، عرفنا في الحلقات السابقة الأوضاع الثقافية والاجتماعية التي استقبلت بذور الصنمية مبكرا والتي تمثلت في:

أ- المحدودية الزمنية للتجربة العربية فكريا وسياسيا وثقافيا وتشريعيا واجتماعيا، والتي اندفنت بانتهاء فترة الخلافة الراشدة.

ب- عامل توسع الدولة الإسلامية في زمن قياسي، وهذا أثّر سلبا على حداثة التجربة الإسلامية.

ج- عامل العدوى الثقافية وخصوصا مجال الحكم والتوريث.

د- دور الإقطاعية الفارسية في ترويض الثقافة الإسلامية بل ودفنها، ولم تكتفِ بالدفن، وإنما أضفت الطابع الديني والتشريعي على الصنمية الاجتماعية.

والمحصلة النهائية هي بقاء بذور التجربة النبوية الراشدية في طور الجنينية، حسب فيلسوف الإسلام محمد إقبال، رحمه الله.

ظلت بذورا مطمورة فلم تنبت ولم تترعرع فضلا عن بلوغ الرشد.

ثانيا، الدور المطلوب هو مواجهة داء التعصب المذهبي بالوظيفة النبوية، وهي تعليم المجتمع حكمة الشريعة الإسلامية.

يتم تنمية فاعلية القيم المجتمعية ولن يكون هناك فاعلية بدون أن يعرف المجتمع وظيفة الأنبياء المتمثلة في تعليم المجتمع حكمة الشريعة.

إذن، يجب أن تتجه الجهود نحو بناء مجتمع القيم، لأن الإسلام دين القيم الكونية المقدسة، وذلك من خلال تنمية مدخلات قيم الإسلام عقديا وتربويا وفكريا وثقافيا واجتماعيا وحضاريا وترسيخها في الوعي المجتمعي، وفي طليعتها القيم التالية:

1- العيش للقيم والمبادئ لا للأشخاص.

2- ربط القيم والمبادئ بعقيدة التوحيد.

3- تعريف المجتمع بكرامة الإنسان أيا كان عموما دون استثناء، "ولقد كرمنا بني آدم".

4- توعية المجتمع أن هذه القيم والمبادئ هي إرادة الله وقضاؤه الكوني وإرادته التشريعية، وإنها متسقة مع إرادته التسخيرية الكونية في خدمة الإنسان فردا واجتماعا
وحضارة.

5- أن تعليم هذه القيم والمبادئ والمفاهيم هي وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم التعليمية. قال سبحانه: "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين".

6- تحصين المجتمع: نخاطب المجتمع بأن حكمة التشريع هي حماية مصلحة الإنسان دنيا وأخرى.

7- أن هذه المبادئ والقيم بلغة الثقافة هي تحصين المجتمع حتى لا تطاله يد الظلم والعسف والسلطة والتسلط، وأن المجتمع مطالَب أن يسعى إلى تجفيف منابع الاستبداد والظلم والطغيان والفجور، ومحاصرة جذوره أيا كانت، سياسية أو دينية أو اجتماعية.

8 - نخاطب المجتمع أن هذه القيم والمبادئ هي سنن الله التي قدرها ووضعها لحماية مصالحك أيها المجتمع وإنما أنت الذي تصنعها.

ثالثا، بناء المؤسسات الراشدة:

في سبيل تنمية الفاعلية لدى المجتمع كي يحصن ذاته يجب علينا:

1 - أن يظل صوت الحرية والمساواة مدويًا في الوسط الفكري الثقافي والسياسي والاجتماعي والتشريعي والتربوي.

2- توعية المجتمع بأن بقاء صوت الحرية والمساواة هو السبيل الأمثل للوصول إلى بقية الحقوق.

3- يجب أن يترسخ في الوعي المجتمعي أن المجتمع هو مالك الشرعية السياسية، وأنه مصدر السلطات، كونه صاحب المصلحة، وأن السلطات بأجهزتها التنفيذية يقيمها المجتمع لخدمة مصالحه.

4- أن من حق المجتمع أن يختار ما يراه مناسبا أو أكثر حماية لمصالحه من الوسائل الفكرية والتربوية والمؤسسية والإجرائية والإدارية.

5- توعية المجتمع بأهمية الدور القيمي في تنمية المجتمع وصناعة الاستقرار والسلم والسلام والتنمية.

6- أن سكوت المجتمع عن الظلم والطغيان والاستبداد يقوده إلى هوة الركون إلى الظلمة والتي تجعل المجتمع وقودا للنار والظلم والتعسف والقتل والنهب والحروب المهلكة للحرث والنسل والدمار المجتمعي، والواقع صارخ بالدروس والعبر.

7- القيام بالقسط: يجب أن يتركز الحديث بل ويتكرر وبصيغ مختلفة، بأن المجتمع ملزم تجاه ذاته وذلك من خلال ثقافة ممارسة القيام بالقسط، وعلى المجتمع أن يفهم جيدا أن قيمة القيام بالقسط هي الهدف الذي جاءت من أجله الرسالات السماوية.

رابعا، القيام بالقسط.. مكوناته ووسائله:

هذا المبدأ يحتاج إلى كتاب كامل، ولكننا سنشير بإيجاز في السطور التالية:

1- حق الاختلاف، هذا الحق هو سنة كونية. قال سبحانه: "ولكلٍّ وجهة هو موليها"، "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا".

وعليه، يجب أن يعي المجتمع أن التعايش هو القيمة التي يجب أن تسود المجتمع كتجسيد عملي لقيمة الحرية والمساواة.

- أن الحوار الهادئ هو السبيل في معالجة قضايا المجتمع.

- أن الولاء للأمة واحترام إرادتها هو المبدأ الذي يصنع السلم والسلام.

خامسا، مجال التربية والتعليم:

هذه مهمة النظام السياسي للدولة ممثلة برجال الفكر السياسي والتربوي والاجتماعي أن تتسق الجهود في بناء جيل على أسس القيم الحضارية وإماتة كل ما من شأنه يستنبت بذور الطائفية والمذهبية والجهوية والعشائرية والقبلية.

وتدور الأعمال التربوية حول: الوطن، الأمة، السلم، السلام، الاستقرار، التنمية، بناء الدولة، وحسن الجوار بين الدول والمجتمعات.

في مجال التاريخ يجب الاقتصار على كل ما هو مشرق في حضارتنا وأخذ الدروس والعبر فقط من القرآن والواقع المعيش، وإحالة ما سواه لذوي التخصص.

والقرآن العظيم قدم لنا أمثلة مشرقة للاعتبار والاهتداء وسنقتصر على مبدأ غاية في بناء الفكر المشرق أنه إذا أردنا بناء الأمة يجب العودة إلى الأصول المؤسسة لتكوين الأمة لبناء الأهداف التربوية. قال سبحانه: "ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل".

انظروا كيف أن القرآن أغفل قرونا كثيرة بيننا وبين إبراهيم، ووضع جسرا مستقيما بيننا وبين أبينا إبراهيم عليه السلام.

ملة أبيكم.. هكذا.. أتريدون معرفة السر؟ إن إغفال تاريخ تلك القرون الطويلة لأنه ليس فيها ما يفيدكم يا أصحاب الشريعة الخاتمة قطعاً، ولقد اقتصرنا على ما هو مفيد في قصص بني إسرائيل وكفى، فلا تبحثوا فيما تم إغفاله فهو ملوث أي تلويث؟

يجزم الفيلسوف محمد عابد الجابري، رحمه الله، أن الغرب الحديث قد استفاد 100% من هذا الإغفال.

السلالية الإرهابية:

قلت ونحن على العكس قمنا باجترار الصنمية العبرية والكنسية إلى ثقافتنا، وها هي الصنمية تطل بقرونها السلالية العفنة والقذرة بإرهابها العقدي المتوارث طيلة 1100 عام.. أحكمك يا شعب أو أقتلك، وكل شيء مباح لها في ثقافتها السلالية المتعصبة.

الخلاصة: يجب علينا السير عكس ما تراكم في تراثنا من موروثات مكرسة للصنمية أيا كانت: سلالية.. دينية.. سياسية.. اجتماعية بشتى صورها، ونعود إلى القيم والأصول التي أسست ووضعت البذور ونعيد بناء المجتمع بمؤسساته الراشدة الحامية لكرامة الإنسان وحقوقه فردا وأمة.. والله من وراء القصد.

كلمات دالّة

#اليمن