السبت 27-04-2024 16:39:49 م : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون وتجنيد الأطفال.. جرائم حرب وتلغيم لمستقبل الطفولة

السبت 26 ديسمبر-كانون الأول 2020 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت- خاص / زهور اليمني
 

 

تتزايد مأساة أطفال اليمن كل يوم بتزايد الانتهاكات بحق الطفولة من قبل مليشيا الحوثي، واستخدامهم في أعمال عسكرية، وتسببها في تشريد الآلاف، وحرمان الملايين من التعليم، وهي جرائم حرب تدينها وتثبت تورطها بتلغيم مستقبل الطفولة.

وبالنظر إلى عدد الضحايا من الأطفال الذين طالتهم انتهاكات مليشيا الحوثي، حسب ما كشفت عنه وزارة حقوق الإنسان اليمنية، بالإضافة إلى حالات توثيق تجنيد الأطفال، يتبين حجم وجسامة الانتهاكات التي مارستها المليشيات بحق الطفولة في اليمن.

- عودة المختطفين مجرد صور

اختطاف الأطفال في وضح النهار من المدارس أو المنازل وأخذهم عنوة من أسرهم، تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب والزج بهم في الجبهات، تعد من أبشع الانتهاكات التي تمارسها مليشيات الحوثي بحق أطفال اليمن، والتي أكدتها مراكز حقوقية وأهالي المختطفين.

أم عبد الله فجعت باختفاء ابنها الذي ذهب للمدرسة ولم يعد، تحدثنا والحزن يملأ عينيها قائلة: "ابني يدرس في الصف السادس، لاحظت عليه قبل اختفائه بأسابيع أنه يميل للعزلة وعدم الحديث معي حيث ووالده قد توفي قبل سنتين، كنت كلما سألته ماذا به يخبرني أنه بخير ولا يوجد شيء، لكن إحساس الأم كان يكذبه ويقول لي إن هناك أمرا يجعله شاردا وكثير التفكير، علمت فيما بعد أنه كان يحضر دورة تدريبية خارج المدرسة، حيث يقوم المشرف الحوثي في مدرسته (طارق بن زياد) مديرية السبعين بأخذه هو ومجموعة من الطلاب من المدرسة إلى مكان مجهول يتلقوا فيه المحاضرات".

وأضافت بحسرة: "في يوم اختفائه بحثت عنه في كل مكان، البعض أخبرني أنهم شاهدوه مع المشرف الحوثي وعندما سألت المشرف أنكر أنه رآه ذلك اليوم، وبعد مرور شهر على اختفائه أتى المشرف إلى بيتي وأعطاني سلة غذائية وقال لي ابنك رجال وهو في الجبهة، لم أصدق ما سمعته منه، صحت به: لا زال طفلا. قال إنه لم يعد طفلا بل أصبح رجلا وسيرفع رأسك عاليا".

وأضافت والدموع تملأ عينيها: "وفي ذلك اليوم جاء المشرف إلى بيتي يخبرني أن ابني أثبت أنه رجل وقاتل حتى قُتِل.. هكذا بكل بساطة أخبرني أن ابني لن يعود إلي سوى صورة، وهذا ما حدث لم أرَ جثة ابني وإنما رأيته صورة تملأ جدران الحارة".

- آلاف الانتهاكات بحق الطفولة

في وقت تتصاعد فيه حدة المخاطر التي يوجهها الأطفال في اليمن، من تفشي الأوبئة وسوء التغذية والحرمان من التعليم، اتهمت تقارير حكومية المليشيات الحوثية بارتكاب آلاف الانتهاكات بحق صغار السن، من بينها التعذيب والتجنيد القسري.

وفي هذا السياق، أفاد مكتب حقوق الإنسان بالعاصمة صنعاء التابع للحكومة الشرعية، بأن المليشيات ارتكبت 24 ألفاً و488 انتهاكاً ضد أطفال العاصمة خلال الفترة من نوفمبر 2019، وحتى نوفمبر 2020.

ونقلت المصادر الرسمية عن مدير مكتب حقوق الإنسان بالعاصمة صنعاء، فهمي الزبيري، قوله إن انتهاكات المليشيات بحق الأطفال شملت حالات قتل واختطاف واعتداء جسدي وتجنيد إجباري، ونهب واقتحام المؤسسات الصحية والتعليمية، وإقامة أنشطة وفعاليات طائفية.

وفي تصريحات رسمية، أوضحت عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، إشراق المقطري، أن اللجنة عقدت الجلسات منذ بداية نوفمبر تزامناً مع اليوم الدولي لحقوق الطفل الذي يصادف الـ20 من الشهر نفسه من كل عام، واستمعت خلالها إلى 12 طفلاً من ضحايا التعذيب والتشويه والاغتصاب والتجنيد والاختطاف والاعتداء على المدارس.

وإضافة إلى استماع اللجنة إلى آباء وأمهات الضحايا، تضمنت شهادات الضحايا وعائلاتهم تفاصيل وقائع الانتهاكات التي طالتهم، والمتسببين في ارتكابها، وكشف أحداث ومعطيات تلك الانتهاكات، والأسماء والجهات المسؤولة عنها.

وقالت المقطري إن اللجنة حققت منذ نوفمبر الماضي وحتى الوقت الراهن في سقوط 661 طفلاً من الجنسين، نتيجة القصف والتشويه وانفجار الألغام والتجنيد والتعذيب والعنف الجنسي، من بينها 149 حالة تجنيد واستخدام للأطفال في الحرب، و145 حالة قتل بسبب القذائف والألغام، و367 حالة جرح وتشويه، إضافة إلى الاعتداء على 9 مدارس أساسية، وحرمان الأطفال من التعليم فيها.

وكانت تقارير حقوقية يمنية قد اتهمت المليشيات بالاستمرار في ارتكاب الانتهاكات ضد صغار السن، وكشفت عن قيامها بتجنيد أكثر من 4600 طفل من بداية السنة الحالية وحتى نهاية سبتمبر الماضي.

وقال مدير عام المنظمات الدولية بوزارة حقوق الإنسان اليمنية، عصام الشاعري، في تصريحات سابقة، إن المليشيات جندت أطفالاً هذا العام بزيادة بلغت سبعة أضعاف عن الأعوام السابقة. وأشار إلى أن الانقلابيين استغلوا فراغ الأطفال من العملية التعليمية، وزجوا بهم في العمليات الحربية وجبهات القتال.

في السياق ذاته، كان فريق الخبراء الدوليين المعنيين بحقوق الإنسان في اليمن، قد كشف عن توثيق عدد من عمليات التجنيد التي قامت بها المليشيا لأطفال وفتيات، من أجل تنفيذ أعمال عدائية.

وأكد تقرير الخبراء أن المليشيات عسكرت المدارس في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، وأجبرت المدرسين على تلقين الطلاب شعاراتها، مع تحريضهم على الالتحاق بجبهات القتال.

وقال التقرير إن آلية الرصد والتقييم للفريق تحققت من مصادر ووثائق سرية، عن 222 حالة استخدام عسكري لمدارس من قبل الحوثيين، بما في ذلك 21 مدرسة تستخدم خصيصاً للتجنيد والدعاية، بالإضافة إلى تدريب الفتيان والفتيات على منهجيات القتال وتجميع وتفكيك الأسلحة.

وفي تقرير آخر، كانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات قد أفادت بأنها وثقت ارتكاب الانقلابيين لـ65 ألفاً و971 واقعة انتهاك ضد الطفولة في 17 محافظة يمنية، بينها أكثر من 7 آلاف حالة قتل، خلال الفترة من 1 يناير 2015 وحتى 30 أغسطس 2019.

وأكد التقرير أن المليشيات جندت نحو 12 ألفاً و341 طفلاً لا تتجاوز أعمارهم 14 عاماً، وأجبرتهم على القتال في صفوفها.

وقالت الشبكة إن الحوثيين قتلوا خلال الفترة نفسها 3 آلاف و888 طفلاً بشكل مباشر، وأصابوا 5 آلاف و357 طفلاً، وتسببوا بإعاقة 164 طفلاً إعاقة دائمة جراء المقذوفات العشوائية على الأحياء السكنية المكتظة بالأطفال.

- نقصان الغذاء

هيئة إغاثة الأطفال التابعة للأمم المتحدة تقول إن أكثر من 460 ألف طفل في اليمن يعانون من نقص حاد في التغذية.

ياسر طفل يبلغ من العمر عشر سنوات، فجأة ظهر لديه ألم شديد في عظامه مع عدم القدرة على الحركة، تحدثنا والدته قائلة: "ظل ابني فترة يعاني من ألم في سائر جسده، ومرات كثيرة يعجز عن الحركة تماما، وعندما ذهبنا به إلى الطبيب قال إنه يعاني من سوء تغذية ولا بد أن نهتم بتغذيته وإعطائه مجموعة من الفيتامينات".

وأضافت: "لقد طلب منا الطبيب ما نعجز عن توفيره، فنحن لا نملك المال الذي من خلاله نستطيع توفير الشاي والخبز الذي أصبح طعامنا منذ سنتين، حيث إن زوجي كان يعمل جنديا، وبعد انقلاب الحوثيين قاموا بفصله من عمله وبدأت معاناتنا التي أعتقد أنها لن تنتهي، فهو لم يستطع الحصول على عمل رغم أنه طرق كل الأبواب، وأصبحنا نبيع مدخراتنا التي لم تكن كثيرة لنطعم بها أولادنا، انتهت تلك المدخرات فقمنا ببيع بيتنا واشترينا بيتا أصغر منه حتى نستطيع ببقية المبلغ نطعم أولادنا، وهذا المبلغ هو الآخر انتهى ولم نعد نملك ريالا واحدا".

وأضافت: "ليس ابني الوحيد الذي يعاني من سوء التغذية، أنا أيضا أعاني منها وتسبب ذلك في عدم قدرتي على استخدام يدي اليمنى وها هي يدي اليسرى لم أعد أستخدمها هي الأخرى بصورة طبيعية، وكلما ذهبت للعلاج يخبرني الأطباء بأنه لا بد من التغذية الجيدة، فمن أين آتي بهذه التغذية التي تعيد العافية لابني ولي؟".

- مليونا طفل في سوق العمل

كشف وزير حقوق الإنسان الدكتور محمد عسكر في الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي، أن ميلشيا الحوثي لجأت إلى استخدام الأطفال لزرع الألغام في المناطق التي يطردون منها، حيث قال: "المليشيات كلفت الأطفال بزرع الألغام سواء في المناطق التي يطردون منها، أو على الحدود اليمنية السعودية، وأدت إلى مقتل الكثير منهم".

وحول كيفية استدراج هؤلاء الأطفال لأداء هذه المهام، قال الوزير: "استغلت مليشيا الحوثي الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة والطبيعة القبلية المتشابكة في اليمن لاستقطاب وتجنيد الأطفال، وفى هذا السياق تقدم الإغراءات المالية والوظيفية لتجنيد الأطفال حيث يتم استغلال الفقر، وتدنى الحالة الاقتصادية، إذ تقوم العديد من الأسر بإرسال أبنائها للانضمام إلى المليشيات مقابل الحصول ما يقرب من 50 ألف ريال يمني شهرياً في محاولة لتوفير موارد مالية تساعدهم على توفير الحد الأدنى المطلوب من احتياجاتهم اليومية، خاصة في بعض العائلات التي يصل عدد أفرادها إلى 15 فرداً بحسب مقابلات تم عملها مع الأطفال المجندين وأسرهم، يضاف لذلك عمليات التعبئة الدينية التي تقوم بها المليشيات، خاصة في محافظة صعدة، حيث لجؤوا إلى تخصيص حصص أسبوعية لطلاب المدارس تتحدث عما يسمونها فضائل الحروب".

المدير التنفيذي للتحالف اليمني مطهر البذيجي بدوره أكد في تصريح له أن مليشيا الحوثي مارست شتى أنواع الاستقطاب للأطفال بالترغيب والتعبئة الفكرية أو بالتجنيد الإجباري، وكشف عن أن عملية التجنيد الإجباري للأطفال يرافقها كثير من الانتهاكات أبرزها حرمان الأطفال من التعليم والاستغلال الجنسي من قبل المجندين الأكبر سناً، وكذلك تم قتل الكثير من الأطفال أثناء اشتراكهم بأعمال عسكرية.

في إطار ذلك كشفت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل اليمنية، الدكتورة ابتهاج الكمال، أن الحوثيين جندوا أكثر من 23 ألف طفل بصورة مخالفة للاتفاقيات الدولية، وقوانين حماية حقوق الطفل، منهم ألفان و500 طفل منذ بداية العام الحالي.

وأشارت إلى استمرار مليشيا الحوثي في تجنيد الأطفال والزج بهم في المعارك، واختطافهم من المدارس والضغط على الأسر وأولياء الأمور لإرسالهم إلى المعارك تمثل جرائم حرب، ومخالفة لكل القوانين الدولية الخاصة بالطفل، مؤكدة أن مليشيا الحوثي الانقلابية تسببت في دفع ما يزيد عن مليوني طفل إلى سوق العمل، جراء ظروف الحرب.

وتابعت: "حرمت مليشيات الحوثي أكثر من 4.5 ملايين طفل من التعليم، منهم مليون و600 ألف طفل حرموا من الالتحاق بالمدارس خلال العامين الماضيين"، كما اتهمت المليشيات بقصف وتدمير ألفين و372 مدرسة جزئيا وكليا، واستخدام أكثر من 1500 مدرسة أخرى كسجون وثكنات عسكرية.

- تجنيد أكثر من 20 ألف طفل

يمنع القانون اليمني التجنيد دون سن 18 عاما في المؤسسات الحكومية الرسمية، إلا أن مليشيا الحوثي لا تعير أي اهتمام لجميع تلك القوانين، ولعل الجريمة الكبرى هي عندما يزج بهؤلاء الأطفال في جبهات القتال ويتم الدفع بهم إلى الصفوف الأمامية، مما تسبب في مقتل آلاف الأطفال في الصفوف الأولى في تلك المعارك.

المحامي والحقوقي عبد الرحمن برمان يقول: "مليشيا الحوثي لا تزال تستغل الأطفال وتقوم بتجنيدهم في مخالفة صريحة للقانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان والقوانين المحلية أيضا، والأرقام مخيفة بالنسبة لمن التحقوا بجبهات القتال، حيث تتهم منظمات يمنية محلية الحوثيين بتجنيد أكثر من 20 ألف طفل منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء، ليتصدر اليمن قائمة الدول المستغلة لوضع الطفولة".

وأضاف برمان: "تعد مشاركة الأطفال في الحروب خرقا واضحا لاتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الأمم المتحدة، ووقعت عليها اليمن في مايو 1991، والتي نصت المادة (38) منها على حماية الأطفال خلال الحرب، وعدم تجنيد من هم دون الـ15 من العمر بأي شكل من الأشكال، ومع ذلك هناك تقارير تشير إلى أن هناك آلاف الأطفال الذين تم تجنيدهم من دون علم أسرهم، وغالباً ما ينضم هؤلاء إلى القتال نتيجة التغرير بهم أو الوعود بمكافآت بمالية أو مراكز اجتماعية، ويتم إرسال العديد منهم على وجه السرعة إلى الخطوط الأمامية لجبهات القتال، وهي جريمة مكتملة الأركان ضد الإنسانية".

وتابع: "لقد دفع الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه معظم العائلات اليمنية إلى عدم الاكتراث لحال أبنائها، حيث عجزت عن الوفاء بمسؤولياتها تجاه الأبناء، وهو ما جعل الأطفال عرضة للاستخدام كوقود للحرب، حيث إن معظم هؤلاء الأطفال ينحدرون من مناطق ذات نمط اجتماعي فقير، وهو ما يشير إلى أن أجندة رسمية تتبعها المليشيات في عملية استقطابهم".

وأفاد أن ما تقوم به مليشيا الحوثي بحق الأطفال في اليمن يمثل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتهديدا للأمن والسلم إقليميا ودوليا ويستوجب ملاحقة مرتكبيها وتقديمهم للمحكمة الجنائية الدولية.

واختتم حديثه قائلا: "لا بد أن يكون هناك قانون واضح مفعل يمنع تجنيد الأطفال ويحرك العالم باتجاه إنقاذ أطفال اليمن، لأن تداعيات وجودهم كأدوات للحرب تؤثر ليس فقط على الطفل ولكن على مستقبل اليمن وعلى أجياله وتعرضهم وتعرض اليمن لمخاطر نفسية وسلوكية واجتماعية وأخلاقية يصعب تجنبها".