السبت 27-04-2024 21:00:09 م : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

بعد أن كانت اليمن إحدى قلاعه.. لماذا حارب الأئمة الاشتغال بعلم الحديث؟! (2-2)

السبت 26 ديسمبر-كانون الأول 2020 الساعة 04 مساءً / الاصلاح نت -خاص / توفيق السامعي

 

تعصب الإمامة وعدم تسامحها المذهبي
ومن الشواهد على تعصب الأئمة وعدم تسامحهم الديني ما جاء ذكره عن سيرة الإمام المهدي محمد بن أحمد بن الحسين في كتاب "طيب الكساء" لـ(أبو طالب) أن فقيهاً من فقهاء "المحرس" خارج صنعاء وصل إلى المهدي "يندد بمظالمه التي ارتكبها حال مروره من تلك القرية [فضرب عنقه] وبرر قتله بأنه من بغضاء آل البيت"( ).
ومن عدم التسامح المذهبي والديني لدى الأئمة وأتباعهم المتعصبين أنهم كانوا لا يقبلون رأياً مخالفاً لآرائهم ومذاهبهم مهما كانت صوابية الرأي المخالف، فيعمدون إلى الإساءة لمن خالفهم ويقتلونهم في أحيان أخرى أو يهجروهم من موطنهم، كما فعلوا مع الشيخ المقبلي. فقد كان الشيخ المقبلي علامة مجتهداً يعتمد الدليل في أبحاثه وعلمه ويكره التقليد، ولقي عنتاً كبيراً من الهادوية وسباً مقذعاً من شعرائهم وشعراء الجارودية والإمامية، ومن ذلك أنه قال أبياتاً من الشعر يذم فيها من يفرق بين قرابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، ومطلع هذه الأبيات:
"قبَّح الإله مفرقاً بين القرابة والصحابة
فأجاب عليه بعض جارودية اليمن بجواب أقذع فيه وأوله:
أطرق كرا يامقبلي فلأنت أحقر من ذبابة
ثم هجاه بعض الجارودية فقال:
المقبلي ناصبي أعمى الشقاء بصره((
ومن الشواهد على التعصب الديني في عصور الإمامة ضد علماء الحديث والسنة ما ذكره المؤلف يحيى بن الحسين في ترجمة العلامة عبدالرحيم اللاهوري الحنفي بالقول: "أخبرني المذكور [اللاهوري الحنفي] أنه اتفق له حال بقائه بضوران بحضرة الإمام أنه صلى في المسجد الجامع، فأقام المؤذن الصلاة، ولم يحضر الإمام الراتب، فقال المقيم والحاضرون: تقدم يا شيخ صل بنا، واتفقوا على حثه على ذلك، فتقدم أمامهم، ووافق إشارتهم، قال: فقلت في نفسي: جميع الحاضرين هادوية، وهم لا يرون الرفع للتكبيرة ووضع الكف على الكف في الصلوات المشروعة، وقد قدموني على هذه الصفة، وغاية الأمر أنها في مذهبي سنة، فالأصلح تركها في هذه الحالة لئلا ينفض هذا الجمع من البعض وقد تغير خاطره مما يألفه، فجزمت بترك الرفع ووضع الكف على الكف في هذه الصلاة وصليت بهم على أحسن صفة"( ).


وقال العلامة السياغي في "الروض النضير": تنبيه: قال القاضي: إعلم أنه قد يعرض في هذه الجهات المنسوبة إلى الزيدية والهادوية والناصرية ما يحسن معه إخفاء هذه السنة العظيمة، وهي رفع اليدين عند تكبيرة الافتتاح، كما يحسن إخفاء سنة وضع الكف على الكف عند السرة في الصلاة أيضاً لوجه، وهو أن عامة الناس يعتقدون أن هاتين السنتين الشريفتين من شعار الأشعرية وأشباههم من مخالفي أهل بيت النبوة في الأصول، فإذا فعلها مصل من المنتمين إلى مذهب العترة –سيما إذا كان من علماء أشياعهم وممن يقتدى به بمرأى ومسمع من العامة- اعتقدوا اعتقاداً جازماً أنه قد خرج من عن مذهب آل محمد -صلى الله عليه وسلم- واختار على مذهبهم مذهب غيرهم، فيكون بفعل هاتين السنتين فاتحاً لباب اعتقاد ما لا يجوز اعتقاده"( ).
لأن ابن الأمير تصدى لإظهار علم الحديث والاشتغال به فقد آذته الإمامة أية أذية خاصة وهو من الأسرة القاسمية وهذا ما ردعهم عنه نوعاً ما، لكنهم تحزبوا ضده أحزاباً..


"ومما زاد في تحزب بيت القاسم وحقدهم على ابن الأمير أن عالماً من تهامة يدعى حسين النعمي وفد إلى صنعاء وعينه العباس إماماً لمسجد القبة الذي انتهى من بنائه حديثاً، فإذا بهذا الوافد يقرأ كتب السنة ويعلمها للناس، وكثر الآخذون عنه من الخاصة والعامة، وأصبح الجامع الكبير ومسجد القبة يأخذان بتلابيب المتزمتين في صنعاء، وكانت المظهريات التي يحرص عليها دعاة المذهب – تلك التي يتمسكون بها ويستقرئون منها ولاء العامة لهم وارتباطهم بهم- قد بدأت أفكار العامة تتسع لها ولغيرها، فكنت ترى المصلين يتجاورون في تسامح اخوي، بعضهم يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، وآخرون يتركون ذلك..هؤلاء يضمون الأيدي عند القراءة وأولئك يرسلون، وكان هذا في نظر المتاجرين بالحكم كبائر ترتكب ومنكرات تستحدث لأنها تفسد البقرة الحلوب على حالبيها( ).


كتب علماء برط إلى علماء المدن أن حسين النعمي (والسيد البدر محمد بن إسماعيل الأمير خالفا المذهب فوصلت رسالة منهم إلى المهدي وإلى بعض الحكام وعرضت على علماء صنعاء وعلماء مدينة ذمار ومدينة حوث، فأجاب العلماء في المدن المذكورة بجوابات مقنعة وأعظمها جواب السيد العلامة إمام العلوم زيد بن يحيى بد أمير الدين عالم حوث والمرجع فيها، ثم وبخهم أن يصلحوا أنفسهم عن خروجهم من بلادهم لنهب الرعايا والمحارم).
وحرر البدر الأمير رسالة ذكر فيها من قال بالتأمين من أهل لبيت. وأجاب حسين النعمي عن المعترضين وأطال الكلام فقنعوا بالجواب مدة ثم بدا للمهدي أن يرضي حسن أحمد البرطي لكثرة الخوض منه بمنع التأمين. فأمر المهدي متولي وقف صنعاء الشيخ عبدالله محيى الدين العراسي أن يأمر المؤذن بجامع صنعاء أن يعلم الناس بذلك"( ).


"ومنع عامة الناس بصنعاء حتى الشافعية والحنفية، فقيل له في ذلك، فقال: من كان مذهبه قولها قالها سراً، فتحزب الناس حزبين"( ).
وحدث أن زار قاضي حضرموت الطاغية يحيى وأثناء رحلة القاضي من تعز إلى صنعاء مر بمدينة ذمار، وكان الرجال الذين عينوا لمصاحبته من الشافعية وهو أيضاً شافعي المذهب، وعند الصلاة في مسجد ذمار جهروا بقول: آمين، وبعد أن انتهت الصلاة استنكر المتزمتون ذلك من الضيف وصحبه قائلين: "موسيقى في المسجد"؟!


وعدما دخلوا على الطاغية كان أول سؤال لهم: زرتم ذمار؟ نعم..وقلتم: آمين؟! نعم قلنا!( ).
وعمل الأئمة على مضايقة السنة ومخالفيهم حتى أحرق بعضهم مؤلفات وكتب بعض علماء السنة كما فعل الإمام القاسم بن محمد مع كتب الحسن الجلال وخاصة كتاب "ضوء النهار"، وحينما حاول إحياء هذه الكتب وتدريسها ابن الأمير الصنعاني، تم زجره ومضايقته من قبل الإمام القاسم الرهيب، "ويرسل إليه القاسم أحد أمرائه ليقول له على لسانه سيده: "كيف تدرس في كتاب أحرقه الإمام القاسم بن محمد؟!"، فيسخر ابن الأمير من جهل الرسول وجهل سيده ويقول له:

"أبلغ الخليفة أن هذا الكتاب لم يكن مؤلفه موجوداً في دولة الإمام القاسم". إذ كان المعروف أن الجلال كان معاصراً للمتوكل إسماعيل وأنه ولد في عام 1013هـ وتوفي في عام 1084هـ"( ).
كما أنه من شواهد عدم تسامحهم المذهبي والديني وإمعاناً في ذلك الأمر، لم يقبلوا -في زمن المتوكل إسماعيل- شهادة قاضي تعز الفقيه علي المخلافي الشافعي في إثبات هلال عرفة سنة 1083هـ رغم تعزيز تلك الشهادة والرؤيا من بعض أهالي صنعاء، واعتمدوا شهادة علي بن جابر الهبل (الرافضي) في ذلك وأَعْيَدوا في غير ذلك اليوم!!

 


مضايقة علم الحديث في عصرنا
وفي التاريخ الحديث، وصراع الأئمة وحقد بعضهم على أصحاب المذاهب الأخرى، وخاصة الشافعية وعلوم السنة، فقد تعرض جامع ومدرسة الأشرفية في تعز للتخريب ومحاولة إسقاط هذه المعالم الإسلامية التي مثلت تاريخاً مشرقاً لليمن في عهد الدولة الرسولية، فقد ذكر ابن الديبع في كتابيه "قرة العيون" و"بغية المستفيد" أن المطهر بن شرف الدين أخرب الكثير من هذه المدارس أو شوهها كالعامرية والمنصوريات في عدن وتعز، وكذلك فعل بعض الأئمة من بعده.


وقد ذكر المؤرخ إسماعيل الأكوع أن "المطهر بن شرف الدين كان سعى في خراب مدرسة العامرية فسلبها محاسنها. وذكر أيضاً: "كان أول من سعى في خرابها الإمام المهدي محمد بن أحمد بن الحسن (صاحب المواهب) المتوفى سنة 1130هـ. فقد أراد هدمها لأنها في زعمه واعتقاده من آثار كفار التأويل، وهم لا قربة لهم، فتصدى له القاضي علي بن أحمد السماوي المتوفى برداع سنة 1117 هـ، وحذره من عاقبة عمله إن هو أصر على خرابها، وتلا عليه قول الله تعالى: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها). فتوقف المهدي عن خرابها مكتفياً بهدم معظم شرفاتها تحلة ليمينه: فقد كان أقسم- كما يقال - بأنه سيهدمها"( ).


"وعندما دخل علي الوزير إلى تعز سنة 1337هـ هاجم عسكره مسجد الأشرفية وبددوا تلك المكتبة ومزقوا كتبها شر ممزق، ووصل بهم الأمر أنهم قاموا بكشط الذهب الذي يزخرف القباب من الداخل، كما كسروا النجف المصنوعة من الجص داخل المسجد اعتقاداً منهم بأن فيها أموالاً وذهباً.. فكان وهماً مدمراً، ثم مزقوا مكتبة الأشرفية تمزيقاً بغيضاً وكانت عامرة بروائع كتب الحقب والمخطوطات النادرة حتى أنه لم يبق منها أثر. ولما ظلت المدرسة صامدة تبادر إلى ذهن الإمام أحمد حميد الدين – سامحه الله - أن يقيم في مؤخرتها مدبغة للجلود، وهذه أقرب الطرق المؤدية إلى انهيار المبنى ونفذ الفكرة بخبث عجيب، وقد حدث إلى حد ما ما أراد، وحدثت تصدعات كادت تذهب به"( ).
كما عمل الأئمة في تعز مثلاً على طمس وتدمير المدرسة المظفرية بكل معالمها، وأبقوا فقط على الجامع الذي غير الإمامان يحيى وابنه أحمد حميد الدين كثيراً من مخطوطاته وزخارفه ومعالمه.


وحينما تولى الإمام أحمد ولاية العهد وولاية تعز دخل مدرسة الأشرفية وكسر محتوياتها وخزائنها ونهب كل وثائق المدرسة ومخطوطاتها، كما روت للكاتب مصادر حية من سكان حارة الأشرفية، وتعرضت المدرسة في عهده لمحاولة هدم بطريقة خبيثة، وأهان مكانة المدرسة العلمية وحولها مدبغة للجلود، وحتى تأتي أملاح المدبغة على أساساتها وتجعلها تنهار تلقائياً.
عملت المليشيا الحوثية (الإمامة الحديثة) على السير بذات النهج القديم فقد نسفت كل محاضن علوم الحديث والعلوم الشرعية السنية، كدار الحديث بدماج، ودار الحديث بكتاف، ومدارس تحفيظ القرآن في صعدة وعمران وصنعاء وذمار، وجامعة الإيمان.


فخلال الأعوام من 1986م وحتى قيام الوحدة عام 1990م بدأت المضايقات للمعاهد العلمية ومركز الحديث في دماج من خلال الحصار أحياناً، والاعتداء المباشر بالنهب والإغلاق أو الاعتداء على المدرسين والطلاب بالضرب، كما حدث في أكثر من مكان، ولعل أبرز تلك الأحداث ما حدث في مديرية المحابشة عام 1987م من فتنة أوقدها المدعو صلاح بن أحمد فليتة (والد المدعو محمد عبدالسلام الناطق الرسمي باسم المتمردين)"( ).
عمد الحوثيون إلى الطعن في الأحاديث والرواة وجندوا لذلك بعض سفهائهم عبر وسائل الإعلام أو الزوايا الصوفية لأتباعهم، الجنيدة في تعز مثلاً.
إذ ظهر في عقد التسعينيات محمد يحيى الجنيد وعبدالمعطي الجنيد وأنشأوا زاويتهم الصوفية يقيمون فيها الأنشطة الثقافية وتسللوا من خلالها إلى الطعن في الأحاديث والرواة وخاصة أبا هريرة، ومن خلال الطعن في الرواة طعنوا في الأحاديث، وكان هذا المدخل مدخلاً لضرب ثقة السنة بكتبهم وثقافتهم وأعلامهم سعياً لاستقطاب الناس إلى الحوثية والفكر الاثنى عشري وكان مقدمة لتهيئة الظروف للحروب العسكرية المختلفة التي شنوها وصولاً إلى الانقلاب، وكان الجنيدة في طليعة المقاتلين المسلحين للحوثيين الذين فتحوا لهم أبواب تعز ثقافياً وعسكرياً.


ولما استولى الحوثيون في الثلاثين من ديسمبر نهاية عام 2013 على منطقة كتاف بصعدة قاموا بتفجير مسجد ودار الحديث فيها الذي كان السلفيون يدرسون فيهما علوم الحديث والقرآن الكريم، ونسفوا المكانين وهم يرددون صرختهم المعروفة.
لم تترك المليشيا الحوثية مكاناً يدرس فيه علم الحديث في مناطق سيطرتها إلا وفجرته وألغت مختلف مؤسسات التعليم السني.
حينما غزت المليشيا صنعاء كانت تدمر في طريقها كل المؤسسات الدينية ومدارس تحفيظ القرآن والمساجد ودور الحديث، والمعاهد العلمية، ففي عام 2014 فجر الحوثيون مدرسة دار الحديث ومساجد في منطقة الصرم بهمدان وحولوا بعض المساجد إلى استراحات للهو والرقص الشعبي، كما فجروا دار الحديث بعاهم من محافظة حجة، وكذلك فجروا دار الحديث في آنس بمحافظة ذمار، ومؤخراً قاموا بإلغاء قسم الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء، كما دمروا جامعة الإيمان تدميراً كاملاً والتي كانت تتبنى العلوم الشرعية ومنها علوم الحديث.


كما أحرقوا الكتب والمكتبات السنية في دماج وكتاف وصنعاء ودار الكب بأمانة العاصمة ومكتبة أقدم مساجد سنحان وكذلك كتب دار الحديث بآنس.
لم تكتف المليشيا الحوثية بتدمير محاضن العلوم الشرعية وإلغاء تلك العلوم ومحاربتها، بل حتى الجهات التي كانت تدرس تلك العلوم والتي عقدت اتفاقيات سلام وتبعية للمليشيا الحوثية كجماعة السلفية التابعة لمحمد الإمام بمعبر نقضتها بعد عامين واستولت على مدرسة الحديث هناك وشردت كافة الجهات والجماعات التي هي على خلاف مذهبي معها حتى لو لم تتدخل بالسياسة ولم تعارضها ولم تقف ضدها.
كما قامت المليشيا الحوثية بإحراق أرشيف وزارة الأوقاف ولذي يحتوي وثائق تاريخية وآثارية وشرعية هامة لمحو سجلات الأوقاف تمهيدا للسيطرة على مختلف قطاعات الأوقاف.