الأحد 28-04-2024 21:53:38 م : 19 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

معاناة النازحين.. بين نهب الحوثيين للمساعدات وفساد المنظمات الإغاثية

الخميس 24 ديسمبر-كانون الأول 2020 الساعة 09 مساءً / إلاصلاح نت-خاص / زهور اليمني

 

أكثر من ثلاثة ملايين و800 ألف مواطن يمني نازح يكابدون معاناة ووجع الحرمان، غادروا منازلهم والمنطقة التي ولدوا وترعرعوا فيها ليبدؤوا حياة جديدة مشبعة بالألم والوجع والحرمان والتشرد، وكان الحوثيون سببا في ما وصلوا إليه، وساعد في مضاعفة معاناتهم الاختلالات في ملف المساعدات والإغاثة الإنسانية المخصصة للنازحين خصوصا من قبل منظمات الأمم المتحدة، التي لم تقم بدورها للحد من معاناتهم.

 

- مآسي مجتمعات النزوح

تتفاقم الصدمة النفسية للنزوح من خلال تصورات النازحين بأنهم عبء على المجتمع، لذا نجد معظمهم يفضلون عدم الاختلاط مع الناس، والعيش في عزلة تكون في أغلب الأوقات سببا في إصابتهم بكثير من الأمراض النفسية كما أشار أبو أحمد، وهو يتحدث عن معاناته، حيث قال: "لم أفكر قط أنني سأعيش في ظل هذه الظروف، فأنا إنسان كانت لي مكانتي في مجتمعي وكانت لي حياتي الخاصة التي كنت سعيدا بها، فكيف يمكنني العيش في مثل هذا البؤس ومواجهة الأشخاص الذين أعرفهم في ظل هذه التغيرات الحياتية التي حصلت لي بعد نزوحي إلى مجتمع ينظر لي أفراده بأنني عالة عليهم وبأنني زدت من أعبائهم المعيشية".

وأضاف بحسرة: "لقد كانت المعونات التي تأتينا من الأمم المتحدة تكفينا ذل السؤال، أما بعد انقطاعها أصبحت أعيش أنا وأسرتي على صدقات الناس، وهذا جعلني أشعر بالخزي والذل وأصبحت أخجل من الخروج ومواجهة الناس، وإذا حدث وخرجت للضرورة أشعر بأن الآخرين ينظرون إليّ باحتقار وعدم احترام، مما تسبب لي بحالة من الاكتئاب أوصلتني إلى التفكير بالانتحار".

وتابع: "لا أنكر أنه في بعض الحارات يوجد تضامن اجتماعي في العلاقة بين النازحين والأسر المحيطة بهم، حتى وصل إلى الزواج المتبادل بينهم، بل وأصبح النازحون هناك لا يفكرون بالعودة إلى مناطقهم التي نزحوا منها، إلا أن معظم النازحين يعيشون نفس حالتي، والكثير أصيبوا بالجلطات وتوفوا نتيجة الحالة المعيشية التي يمرون بها".

انتهى حديثنا مع أبو أحمد وانتقلنا إلى أحد الساكنين المحليين في صنعاء والذي يجاوره كثير من النازحين، بداية حدثته عن معاناة النازحين واتهامهم من قبل الساكنين الأصليين للمنطقة بأنهم عالة على المحيطين بهم، فأجاب بعصبية وصراحة تفاجأت منها: "الأمم المتحدة تمد النازح جاري بالمعونات الغذائية، غير معترفين بأنني أشد حاجة منه لهذه المعونات، فأنا أعيش في ظل حكم الحوثي الذي حرمني من وظيفتي وراتبي، ولدي أسرة كبيرة لا أستطيع توفير الغذاء لها، ومع ذلك لم يتم تحديد وضعي من قبل المنظمات بأنني مؤهل للمساعدة، مع أنني ذهبت إليهم وطلبت منهم أن يأتوا إلى بيتي ويروا حالتي المزرية، إلا أنهم لم يلتفتوا لطلبي لذا تجديني أشعر بالظلم وأن النازحين أخذوا حصتي من المساعدات، ولو كانوا غير موجودين لربما وصلتني المساعدات التي تصلهم".

 

- شائعات حول النزوح

يطرح البعض أن ملف النازحين واللاجئين تكتنفه شبهات خطيرة ومنها شبهات مؤامرات لتفريغ مناطق كبيرة من السكان لتحويلها إلى مناطق ميتة فارغة يتم استخدامها في العمليات العسكرية والتحكم بالكثافة السكانية لتغطية احتياجات بعض دول العالم التي ينخفض فيها عدد السكان بشكل يهدد بعضها بالانقراض، والحل الوحيد هو إعادة توزيع الكثافة السكانية في بعض دول العالم ومنها اليمن وبعض الدول الأخرى.

الدكتور (ع.ص) الذي يعمل متطوعا في مجال إغاثة النازحين يجيب عن هذه الشبهات قائلا: "ربما أصبحت هذه الشبهات حقيقة بسبب الاستمرار في اختلالات ملف النازحين دون معالجة سريعة، والتباطؤ في تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة والسريعة لهم والضغط عليهم ليغادروا حدود الوطن وينضموا لقوافل اللاجئين في العالم".

وأضاف: "هناك ملايين الدولارات تم رصدها واعتمادها لإغاثة النازحين في اليمن، إلا أن هذه المبالغ الهائلة لم يكن لها أثر إيجابي ملموس على واقع المواطنين وبالذات النازحين الذين يزداد وضعهم الإنساني تدهوراً رغم ارتفاع المبالغ الممنوحة لتغطية فاتورة المساعدات والإغاثة الإنسانية لهم".

وتابع: "أتذكر أنني اطلعت على كشف يوضح أن المخصص المالي لكل أسرة نازحة لتغطية تكاليف الإيواء خمسة آلاف دولار، ومع ذلك لم يصل النازحين هذا المخصص المالي للإيواء، فلا مخيمات نازحين وفقا للشروط والمعايير العالمية ولا مخصصات مالية لتغطية تكاليف الإيواء لجميع الأسر النازحة، وتم حرمان كثيرين من المبالغ المالية التي تصرفها بعض المنظمات الدولية لنسبة بسيطة من النازحين بمبالغ بسيطة لا تتجاوز 100 دولار لكل أسرة".

لقد قامت بعض المنظمات الدولية بدفع مبالغ نقدية لبعض الأسر النازحة تحت بند إيجار سكن، للهروب من التزامها الإنساني في إقامة مخيمات لإيواء النازحين، وإنشاء تلك المخيمات يكلف مبالغ مالية كبيرة كونها ملزمة بتغطية كافة احتياجات النازحين المقيمين في تلك المخيمات، وللهروب من تلك الالتزامات تم صرف مساعدة تحت بند إيجار، مع أن هناك شكاوى بوجود اختلالات جسيمة في هذا الموضوع، ومنها حرمان الكثير منها وغياب الشفافية في هذا الموضوع".

  

- استغلال الحوثيين معاناة النازحين

قطع عدد من المانحين الدوليين، من بينهم الولايات المتحدة، المساعدات المقدمة للنازحين نتيجة شكوكهم بأن تبرعاتهم السابقة كانت تُعرقل ويجري تحويلها إلى مناطق خاضعة للمليشيات التي تحرم المستحقين من الحصول عليها.

وقال مسؤولون إغاثيون إنهم واجهوا في السابق تأخيرات كثيرة في الحصول على الموافقات والتصريحات اللازمة من قبل المليشيات لتوصيل المساعدات، إلى جانب تعرض موظفيهم للإساءة والاعتقال من قبل مسلحي الحوثي.

وكشفت إحصائية في صنعاء عن أن إجمالي عدد النازحين الذين وصلوا إلى العاصمة صنعاء قادمين من 17 محافظة يمنية جراء حروب وجرائم وتعسفات وانتهاكات المليشيات، بلغ خلال الخمسة الأعوام الماضية أكثر من 980 ألف نازح ونازحة، استُنزفت مواردهم وموارد المجتمعات المحلية التي تستضيفهم مع وصول البلاد بشكل عام إلى حافة المجاعة.

عبد العزيز الذي كان يمتلك محلا للبرمجيات في محافظة صعدة نزح إلى صنعاء قبل ثلاث سنوات، يحدثنا حول الاختلالات والسرقات التي تتعلق بمعونات النازحين قائلا: "الجميع يعلم أن هناك تلاعبا وعبثا كبيرين من قبل الحوثيين فيما يتعلق بالمساعدات الغذائية، والأمر لم يعد سرا، مما اضطر الأمم المتحدة إلى تعليق عمل توزيع المعونات وحرمان النازحين منها، مع أنه من المفترض أن يتم اتخاذ إجراءات وقرارات صارمة حيال الحوثيين، وليس معاقبتنا وحرماننا من المواد الغذائية التي هي المصدر الوحيد الذي نعيش عليه".

وأضاف: "لا شك أن إيقاف المعونات الغذائية والدوائية في هذا الوقت الحرج من فصل الشتاء وحرمان النازحين منها يعد عقوبة نزلت بنا، فنحن بلا بطانيات وغذاء ودواء، ولك أن تتخيلي الحالة التي يعيشها النازحون".

وتابع: "الكثير منا لم يحصل على أي مساعدة منذ السنة الماضية بحجة أنها لا تكفي وغيرها من الأسباب التي تختلقها المليشيات، لكن الحقيقة هي أن الحوثيين يستغلون حاجتنا نحن النازحين للمعونات الغذائية، والدليل على ذلك أن الأسر التي حرمت من المساعدات رفضت التحاق أبنائها بالجبهات، أما التي رفدت الجبهات بأبنائها فقد تم صرف مستحقاتها من الغذاء والدواء دون انقطاع".

 

- غياب المنظمات

إحدى الأسر مكونة من 11 شخصا في غرفة واحدة، حتى السجون الانفرادية ليست بهذا الضيق، الحمام عبارة عن حاجز في طرف الغرفة من قماش مهترئ، أما المطبخ فهو عبارة عن قطعتين من الطوب متجاورتين في وسط الغرفة ليتم وضع قدر من الحديد فيه بعض الأرز مع بعض الماء فقط، وتحته يتم إشعال كراتين ليتم طباخة طعام الأسرة.

أبو ناصر اضطر مرغما العيش هو وأسرته داخل هذه الغرفة التي منحه إياها أحد فاعلي الخير، يجاوره مقلب للنفايات، ومع كل هذا البؤس لم تلتفت إليه المنظمات التي تدعي أنها أتت إلى اليمن لإغاثة النازحين.

يحدثنا أبو ناصر قائلا: "نزحت إلى صنعاء منذ أربع سنوات هروبا من جحيم الحرب وانتهاك الحوثيين لآدميتنا، بعد أن تعرضت لكثير من المضايقات لأنني سلفي كما يقول الحوثيون الذين قصفوا بيتي، واخترت صنعاء لأنه لا أحد يعلم من أنا ومن أين أتيت ولم أجد إلا هذه الغرفة لأسكن فيها أنا وأسرتي".

وأضاف: "لست الوحيد الذي يسكن في هذه المكان المليء بالنفايات، فكما ترين هناك الكثير من النازحين، إلا أننا لم نرَ منظمة قامت بزيارتنا أو تقديم المساعدات الغذائية للأسر التي تعاني من الفقر والمرض معا".

وتابع: "بين وقت وآخر يأتي فاعلو الخير يوزعون لنا بعض المواد الغذائية، بالإضافة إلى تكفل مطعم قريب من هنا يمدنا يوميا بقليل من المرق والحلبة".

  

- تجنيد الأبناء مقابل الغذاء

بحسب إحصائيات محلية، يوجد أكثر من 60 ألف أسرة نزحت خلال العام الماضي إلى صنعاء، وباتت تعتمد اليوم في معيشتها بشكل أساسي على ما يقدم لها من معونات دولية إغاثية، والتي خفضت معوناتها إلى النصف منذ أبريل الماضي.

إبراهيم أب لتسعة من الأبناء، نزح مع عائلته من الحديدة قبل عام متجها صوب صنعاء، يشكو من تخفيض الوكالات الإغاثية معوناتها الإنسانية إلى النصف، ويخشى في الوقت ذاته أن يؤدي ذلك إلى انقطاعها بشكل كلي، خصوصا أنه وأسرته يعتمدون بشكل كلي على ما تقدمه تلك المنظمات من مساعدات غذائية.

وتابع حديثه قائلا: "لم أعد أحصل على نصيب أسرتي من السلال الغذائية منذ ستة أشهر، نتيجة استمرار توقف صرف المساعدات توقفا شبه كلي وادعاء المليشيات أن الأمم المتحدة هي من أوقفتها، رغم أنهم يصرفون لبعض الأسر بحجة أن أبناءهم في الجبهات، حيث سبق وفاوضوني بإرسال اثنين من أبنائي مقابل حصولنا على السلال الغذائية، لكنني رفضت ذلك فتم حرماني من حصتي الغذائية".

أما أبو خالد وهو نازح من الحديدة أيضا، فأخبرنا أنه استلم آخر مرة سلة غذائية منذ أربعة أشهر وكان ينقصها الأرز والسكر، في إشارة منه إلى سرقتها من قبل الحوثيين الذين يتحكمون بآلية صرف وتوزيع تلك المعونات.

ياسر هو الآخر نازح من محافظة الحديدة، يسكن في دكان هو وأسرته المكونة من عشرة أفراد في حي هايل، لم تمنحه المنظمات الإغاثية أي مساعدات طوال الثلاث السنوات التي مضت، يحدثنا قائلا: "أنا وأسرتي نعيش على المساعدات التي يقدمها لنا السكان، ورغم أنني قدمت إلى أكثر من منظمة إلا أنني لم أتلقَ أي مساعدات، وثمة من يطلب مني الذهاب للقتال مقابل توفير المساعدات لنا بشكل دائم، لكنّني مريض ولا أقوى على القتال وأولادي صغار ومع ذلك يعملون في تنظيف السيارات أمام المطاعم والمراكز التجارية الكبيرة".

  

- النازحون وخطر كورونا

حذر منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في أبريل الماضي من أن 31 من أصل 41 برنامجا إنسانيا رئيسيا في اليمن سيتم تقليصها أو إغلاقها، ما لم يتم الحصول على التمويل بصورة عاجلة. وقالت مفوضية اللاجئين إن النازحين سيكونون من بين الأكثر تضررا من نقص التمويل، وإن مليون نازح من الفئات الأشد ضعفا في اليمن مُعرضون لخطر فقدان مأواهم، والمساعدات النقدية الحيوية لشراء المواد الأساسية كالغذاء والدواء، وغيرها من المساعدات.

وقالت المفوضية إنها تلقت 28% فقط من التمويل المطلوب لعام 2020 لحماية النازحين ومدهم بالمساعدة الأساسية، وإنه منذ أوائل 2020، أوقفت عدة حكومات مانحة التمويل في الشمال بسبب القيود المتزايدة التي فرضها الحوثيون، وإن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية علقت 73 مليون دولار على الأقل من أصل 85 مليون دولار للبرامج الإنسانية في الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون، وبعد احتجاج مجموعات إنسانية على ذلك القرار، أعلنت الولايات المتحدة في 6 مايو الماضي عن 225 مليون دولار من المساعدات الغذائية الطارئة لليمن.

وحذرت المفوضية من أن النازحين هم الأكثر عرضة للخطر جراء انتشار فيروس كورونا، حيث يتواجد معظمهم في مخيمات مكتظة بشكل خطير، مع رعاية صحية دون المستوى المطلوب، وتعذّر الحصول على المياه النظيفة، والصرف الصحي، والخدمات الأساسية الأخرى، أو القدرة على اتباع المبادئ التوجيهية للتباعد الاجتماعي أو العزل الذاتي في حال تفشي المرض.