الإثنين 29-04-2024 18:05:27 م : 20 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

إصلاح الخطاب الإسلامي (2-5)

الأربعاء 04 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد العزيز العسالي
 


حفريات معرفية:

المقصود بالحفريات المعرفية هو البحث في أعماق اللاوعي الفكري والثقافي عن الأسباب والعوامل والأفكار اللاعقلانية التي تسللت إلى العقل المسلم، وأصبح رازحا تحت أفكار مرهِقة.

ومهما كانت محاولات التخلص يجد نفسه مكبلا باللغة الملغومة والثقافة السلبية المستندة إلى فهم ديني لم يكن فهما سليما، وإنما أقل ما يقال عن هذا الفهم أنه أفكار ناتجة عن صراع حصل في القرون الغابرة حول قضايا ليست من العقيدة ولا من الشريعة، وإنما هي صراعات سياسة ألبسوها لباس العقيدة.

ولما دخل العقل المسلم نفق التقليد والجمود، واستمر راسفا في قيود الجمود والتقليد طيلة قرون، تحولت تلكم الصراعات إلى عقائد محل تسليم.. أليست أركان الإيمان معروفة في القرآن والسنة؟

لكن إذا نظرنا في كتب التراث العقدي (العقيدة الطحاوية نموذجا) سنجد 215 عقيدة وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة.

الثقب الأسود:

أخطر الأفكار التي أصبحت محل تسليم عقدي وفكري وثقافة وسلوكا هي:

1- الأسباب بين مدرستي السنة والاعتزال:
تصارع الفرقاء خدمة للسلطان.. فاستدلت مدرسة الاعتزال بأن الله خلق الأسباب وأجراها باضطراد تعمل ليل نهار فمن تعاطى معها بإحسان وإجادة توظيف استجابت معه دون محاباة، يستوي في ذلك المسلم والوثني والبوذي وغيرهم.

2- مدرسة السنة:
بطبيعة الحال فقد خالفت مدرسة السنة ليس لقوة دليلها وإنما الصراع جعل مدرسة السنة تتعسف الأدلة راكبة الصعاب والذلول بهدف نقض القول بالأسباب، ومن خلال جدل عقيم حاكمت خصومها إلى مفهوم ليس محل خلاف بين الفريقين قائلة: إن الله الذي خلق الأسباب هو قادر على تعطيلها، واستدل أهل السنة بمعجزات الأنبياء التي خرقت نواميس الأسباب.

وهذا المفهوم لا خلاف عليه بين الفريقين، لكن الضربة السياسية التي وجهها الخليفة الصبي المتوكل العباسي لمدرسة المعتزلة فانتهزت مدرسة السنة الموقف مكرسة استدلالها السقيم أن الأسباب لا وزن لها ولا أثر وأن القول بتأثير الأسباب نوع من الشرك والوثنية والعقائد المجوسية ومناقض لأركان الإيمان، وأن الالتفات إلى الأسباب والتعاطي معها فساد في المعتقد لأن الأسباب مخلوقة.. فكيف نترك الخالق ونتعلق بالمخلوق؟ أجزم أن هذا الاستدلال إرهاب فكري بامتياز، فانزوى العقل المسلم إلى دهليز الجمود خوفا على دينه ومعتقده.

3- الإنسان مسيّر:
خلا الجو لمدرسة السنة التي اشتهرت بعد ذلك بمتكلمي الأشاعرة.. وهذه المدرسة استوعبت فقهاء المذاهب الفقهية السنية والظاهرية بنسبة 97% تقريبا.

مدرسة الحديث انساقت مع من سبق عدا قلة قليلة في مدرسة الحديث خالفت الأشاعرة.. ولكن اضطربت أقوال بعض رجالاتها إلّا النادر منهم.

4- التصوف الفلسفي:
تكبل العقل المسلم بالجمود المذهبي الفقهي.. والمدرسة الكلامية الأشعرية.. غير أن ثالثة الأثافي القاتلة تسلل التصوف الفلسفي الهندي الفارسي، الدروشة والخرافات، والذي انغمس في أوحال الفلسفة اليونانية الغنوصية والهرمسية الوافدة القائلة بوحدة الوجود أي لا فرق بين خالق ومخلوق وبين الله والكون تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

5- التصوف الفلسفي تسلم "راية التزكية":
صدر مرسوم عال قضى بعدم قبول فتيا الفقيه مهما علا كعبه وبزّ أقرانه أو رسخت علومه، إلا بشرطين،
الأول: دخوله مدرسة التصوف المتخصصة بالتزكية القلبية عقيدة وسلوكا. والشرط الثاني الحصول على "الخرقة" قطعة قماش ذات لون مميز يمنحها شيخ الزاوية للفقيه يثبتها فوق كتفه.

ومهما تغيرت ملابسه لا بد من نقل المرقّعة مهما تهالكت إلى ملابسه الجديدة.. هذه المرقّعة هي الشهادة العلمية دون سواها.

6- أحادية التلقي:
هذه العاهة المدمرة مظهر لتطور الانحطاط الفكري والتربوي والعقلي في المدرسة الصوفية، تمثلت هذه العاهة في مفهوم تربوي صوفي مفاده: الذي له شيخان كالمشرك بالله.

يمكن للفقيه أن يكون له 100% شيخ أو أكثر في الفقه واللغة والحديث والتفسير.. لكن في التزكية القلبية السلوكية لا يجوز أن يكون له شيخان أبدا.

وبما أن المرقعة يمنحها الشيخ الأوحد فلا مجال للفقيه إلا الخضوع للقول الأوحد.. وإذا مال إلى غيره وقع في الشرك.

7- وراثة الزاوية:
كما توارثت القرشية الخلافة.. فقد أصبح إرث منصب القضاء وقيادة الجيش والوزارات وكذا الزاوية الصوفية.. محنة التوارث أفسدت الوسط الفكري والفقهي والتربوي الصوفي، ذلك أنه في البدايات كان يتربع على المناصب شخصيات ذات كفاءة علمية وتزكية... إلخ. لكن محنة التوارث أوصلت أجهل الجهلاء إلى سدة المدرسة الصوفية.. فهل فاقد الشيء يعطيه؟

8- خرافات وسخافات:
تربع الجهلاء على قمة الزوايا الصوفية.. وليس لديهم أثارة من علم عدا خرافات وسخافات ومنامات- مدخلات ثقافية حول خوارق الشيوخ والكرامات الخارقة للأسباب وسبل الوصول إليها، مستحضرين عداوة خيالية لمدرسة الاعتزال والتي يجب محاربتها بإثبات عكس مذهبها المتمسك بالسنن والأسباب حفاظا على العقيدة.. وأنى لطالب التزكية وخرقه المرقعة مهما علا كعبه في العلوم أن يبدي رأيا.. فإن شيخه الأوحد سيسحب منه العلوم والمعارف كلها في لحظة.

9- تربية منحطّة:
ابتكرت الزاوية أسلوبا تربويا في غاية الانحطاط المنافي للكرامة الإنسانية فضلا عن تكريم العلم وحامله، تمثل هذا الأسلوب التربوي المنحط أنه في حالة صدور خطأ من طالب الخرقة التزكوية تجاه زميل له.. فالشيخ يصدر حكما تربويا ضد الطالب أن يحمل جميع نعالات زملائه بخيط ينتظمها على رقبته21 يوما ينام ويأكل ويصلي في المسحد ويحضر موارد الماء بأمر الشيخ أمام النساء والفلاحين ويرتاد الأسواق والمجالس مطوقا بالنعالات.. وما لم فالشيخ سيذهب بعلمه كله، ولنا أن نتصور نتائج وثمار هذه المدخلات التربوية؟
أيّة عزّة؟ أيّة عقليّة؟ أيّ تفكير إبداعي سيتمخض عن هذا السقوط بإنسانية الإنسان؟ باختصار، هذا السقوط هو مراد الله وقضاؤه وقدره.

10- إسقاط المسؤولية:
بما أن كل ما سبق هو الدين وهو العقيدة وهو التزكية الصادر عن الشيخ الأوحد.. كل ذلك مراد الله.

إذن الكفر والفسق والفساد والإفساد والطغيان والتخلف واحتلال أرض المسلمين ونهب خيراتها من قبل أعداء الإسلام كل ذلك مراد الله وقضاؤه.

والقول بغير هذا هو اتهام لله عز وجل بالعجز أي أنّه يُعصى رغما وخارج عن إرادته.. تعاليت ربي وتقدست أسماؤك.

وأقبح وأسوأ وأسقط نتيجة وصلت إليها مدرسة إنكار الأسباب وإسقاط المسؤولية قولها والعياذ بالله واستغفر الله.. إن الفاعل في الحقيقة هو الله.. يا لطيف اللهم اغفر لنا.. القاتل هو الله وليس المباشر.. وكل الجرائم فاعلها في الحقيقة.. استغفرك ربي.

النتيجة: إسقاط المسؤولية عن المجرم عقيدة وتزكية وإن كان الفقيه يؤمن بها كشريعة قانونية فإن التزكية هي الأساس في تكوين شخصيته العلمية.. استمرت الزاوية مصدرا للانحطاط على امتداد العالم الإسلامي وحتى اللحظة.

والدنيا ملعونة وإهانة النفس بتلك الطريقة المنحطة هو تكريمها.
الكفر بالأسباب..
الكفر بإنسانية الإنسان..
إسقاط المسؤولية عن المجرم..
الالتفات لشيخ آخر شرك بالله..
هذا هو الإيمان الحق وهذه هي التزكية الحقة التي أرادها الله..

وليس أخيرا، فقد تم تطويع آي القرآن وصحاح السنة بتأويلات عفنة، كي تتناسب مع ذلك العته.. ويصل الأمر بداية وأثناء وفي النهاية إلى القول: النص مظلة للفهم فاعتمد مقولة شيخك تسلم.. وأعلم أن أهل الجنة هم المجانين فإياك تعترف أنك عاقل.. وإياك ثم إياك أيها المسلم أن تسأل عن مقاصد التشريع وأسراره.. فالشريعة مجموعة ألغاز والتعامل مع النصوص مباشرة مظلة أفهام.

نلتقي بعونه سبحانه مع معالم تجديد الخطاب الإسلامي المنشود.

كلمات دالّة

#اليمن