السبت 27-04-2024 02:45:53 ص : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

لماذا سبتمبر؟! (الحلقة الثالثة)

الثلاثاء 26 سبتمبر-أيلول 2017 الساعة 02 مساءً / التجمع اليمني للاصلاح - خاص / عبد العزيز العسالي

 

تحدثنا في الحلقة الثانية الهدف الأول من أهداف الثورة 26 سبتمبر، وحصرنا حدثينا حول مخلفات الاستبداد، وأن التحرر من مخلفات الاستبداد كالتحرر من الاستبداد سواء بسواء.


تحدثنا عن عوامل بقاء مخلفات الاستبداد؛ أهمها الجهل - الأمية الحرفية والثقافية لدى غالبية المجتمع-.


وذكرنا دخول الثورة في أزمة حرب مع فلول السلالية، ثم حرب مع الجيران وكانت حرباً عبثية، فشلت كبار العقول في الحيلولة دون وقوع هذه الحرب، وأن الجيش المصري رغم تضحياته مع الثورة اليمنية إلا أنه تدخل في القرار السياسي والإداري والفكري، وأبرز عامل هنا هو منع التعددية السياسية، كما أن هنالك أخطاء وتصرفات طائشة فجة من المحسوبين على الثورة أساءت الى الثورة والجمهورية، واستغلتها السلالية.


الخلاصة: مخلفات الاستبداد باقية، بل ستترسخ أكثر كما سنلاحظ لاحقاً بسبب اختراق الدولة العميقة سلالياً، وبفضل التصاهر بين الدولة العميقة والقبيلة تصاهر (مو جه) لا مجال هنا لتفاصيله؛ تصاهر مدروس بعناية وذكاء وخبرة بنفسية اجتماع القبيلة.

 

الجمهورية الثانية
- كانت الجمهورية بقيادة الأب الروحي للثورة وحامل فكرة الدولة المدنية والتف معه أكثر قوى الشعب في البداية؛ حيث يلاحظ المتتبع أن الشيوعية والبعثية والقبيلة اتفقوا على قيام الجمهورية الثانية. هذا الاتفاق كان سببه الأكبر هو رد الفعل تجاه الجمهورية الأولى التي ألغت التعددية - الإقصاء للآخر- كما أسلفنا، وبدأت ملامح أولية تجاه الدولة المدنية ..ايجاد برلمان بالتعيين، مجلس شورى، مجلس رئاسي مكون من خمسة أعضاء، تشكيل حكومة، إيجاد قانون. اتجه الرئيس الارياني -رحمه الله- لانتزاع فتيل الحرب بين اليمن والسعودية، غير أن هذا أغضب دولة اليمن الجنوبي وأغضب شيوعيي الشمال بطبيعة الحال والقوميين أنصار ناصر في الشمال. لم يكن هناك حزب ناصري يومها وإنما يسمون أنصار ناصر وتشكل الحزب الناصري في عام 1970.

 

ولأن الارياني رئيس مدني وليس عسكرياً فقد تمرد الجيش النظامي الذي كان يرى نفسة حامى الثورة القومية، وتحول الى مليشيا شعبية والتحق بالجنوب ليكون مصدراً لإقلاق الأمن والاستقرار - قتل المشايخ وخصوصاً في المناطق تعز وإب بشكل أخص وصولاً إلى اشتعال الحرب بين الشطرين. ولأن الاتفاق السعودي اليمني نص على عودة كل من كان في صف الفلول الملكية السلالية عدا بيت حميد الدين؛ فاليمن وطن الجميع، عاد أولئك ولهم برنامجهم تحت مظلة الجمهورية، استطاعوا دخول القضاء ومرافق حساسة، وتقاربوا مع القبيلة، كما أن نازحي الجنوب من الحكم الاشتراكي تم استعمالهم أيضاً ضد الجمهورية الثانية، ينتهي الموقف، كما أشرنا تفجير الحرب بين الشطرين.


تحرك الرئيس الارياني لانتزاع فتيل الحرب ووقع اتفاق أولي حول الوحدة (تشكيل لجنة صياغة الدستور)، المهم هو إطفاء الحرب أولاً، غير أن هذا الاتفاق لم يرضِ الجيران كما لم يرضِ نازحي الجنوب، كما لم يرضِ الناصريين؛ كون نظام عدن قضى على القوميين شريحة أنصار ناصر.


كانت فلول السلالية، كل مقاتليها العائدين إلى صنعاء تمد يديها لكل الفرقاء باستثناء التوجه المدني؛ بل تم الزج بعسكريين ملكيين إلى صفوف الجيش بقوة التنسيق السلالي القبلي والدولة العميقة (عفاش نموذجاً ملكي حتى النخاع).


هنا تم إزاحة عسكريين كثر ليحل محلهم الجيش القبلي، ولأن كاتب السطور عاش تلك المرحلة فقد كان الجيش الذي يطارد عصابات الماركسية - قتلة المشايخ- كان جيشاً قبلياً من شمال الشمال يقوده ضابط شيخ قبلي خريج عسكرياً وكنت أحمل إليهم الخبز الجاف وأنا صغير السن إلى المواقع..


الخلاصة: كان الجيش القبلي يحمل عقلية طائفية ملكية قبيلة بامتياز.


لقد كان الرئيس الارياني -رحمه الله- (في نظري) الرجل الصح في الزمن الخطأ ؛ حيث إن الوضع الأمني غير المستقر قادم من الجيش المتحلل المتحزب التواق الى الزخم الاشتراكي إعلامياً تجذبه شعارات


براقة .. ولأن التصاهر أثر بقوة بين الدول العميقة والقبيلة ورؤوس الجيش، فقد كانت النتيجة استحواذ شخصيات قبلية على مرافق هامة كادت تصبح مقاطعات خاصة أنه الطعم المقدم من السلالية لتحكم أكثر، بل إن بعض الأسر القبلية تواجدت في أكثر مفاصل الدولة عسكرياً وإدارياً. وحسب مذكرات القاضي الارياني -رحمه الله- فإن خلال فترة حكم السلال -رحمه الله- والذي خضع لتوجهات مصر في منع التعددية هذا المنع الإقصائي لاحظ الارياني ومن على شاكلته – التوجه المدني - كانت الفكرة حسب الارياني إقامة تنظيم مؤتمر شعبي عام يضم كل الأطياف، ولكن هيهات؛ فالسلال لا يمتلك أي قرار في ظل وجود القوات المصرية!
ومثل هذا أيضاً فكرة الحكم الفيدرالي الذي كان الزبيري والنعمان والارياني قد حاولوا تأسيسه.


لاشك أن فكرة إقامة تنظيم الخ.... كانت حاضرة لدى الارياني، لكن العوامل السابقة (التصاهر بين الدولة العميقة والقبيلة) كان حجرة عثرة وإبراز عامل التحزب داخل الجيش والأمن، والذي ظهرت مؤشراته قتل المشايخ وإقلاق الأمن كان هذا مؤرقاً للجميع بلا نزاع، رغم أن اغلب الشباب في تلك الفترة اتجهوا إلى الاغتراب فانعكس هذا إيجابياً على تجفيف منابع القلاقل الأمنية الشخصية، وبقية القلاقل المنظمة ماركسياً.

 

مبادرة الحمدي
ظهرت مبادرة الحمدي خلاصتها: برنامج التصحيح المالي والإداري داخل القوات المسلحة والأمن (لأن الهاجس الأمني أثر في المجتمع). لاشك، ولا ريب، أن مبادرة الحمدي كانت مدعومة من الدولة العميقة والتصاهر القبلي، ولا يستبعد وجود دعم إقليمي ودولي.


الخلاصة: إن مبادرة الحمدي لاقت الترحيب ووافق عليها رئيس الجمهورية، وتم تعيين الحمدى بمنصب في الداخلية، وأعطي صلاحيات تنفيذية، ظل قرابة سنتين يزيح من يراه ويقدم، ويعطل، وكانت الدولة العمية قد تمكنت من تمكين القاضي غالب عبدالله راجح رئيساً


لمحكمة أمن الدولة (الأمن السياسي) فحوكمت شخصيات وسجنت وأعدمت أخرى، وكان يومها الأمن الوطني (الأمن السياسي)، مصدر رعب وأي رعب؟!
كانت الدولة العميقة الباطنية ذراع السلالية في القضاء ومحكمة أمن الدولة متناغمة سلالياً ومذهبياً كلها ساعدت برنامج (مبادرة الحمدي) أن يقترب من التمام، وبقى شيء واحد وهو شخصيات في هيئة الأركان -حسب كلام الحمدي- إنها لا تخضع له إدارياً، فتم تعيينه نائباً لرئيس الأركان، فاستغل صلاحياته وفعل كما فعل تقديماً وتأخيراً في الداخلية.


هنا امتلك الثقة لدى الجهات الداعمة لمبادرته قبلياً، كان البعث العراقي حاضرا بقوة في مفاصل الدولة وعلى المستوى القبلي، فتم العزف على الوتر الحساس جهوياً وطائفياً بطريقة ذكية حيث تم توظيف هذا بإيعاز ذكي من الدولة العميقة، وأن الوضع العسكري خصوصاً بحاجة إلى شخصية عسكرية تضبطه.
كانت التناقضات القبلية (حاشد بكيل) ترفض رئاسة شخص من ذروة القبيلتين، كما أن مشكلة الرئيس السلال العسكري والجيش المصري كانت حاضرة مخاوفها بقوة لدى القبيلة، غير أن النفوذ البعثي القبلي (بيت لحوم) المدفوع من الدولة العميقة بقوة استطاع إقناع حاشد أن الحاكم العسكري القادم لن يكون من الذؤابة العليا للقبيلتين، وإنما شخص عادي يتبع القبيلتين. كان شعار الارياني -رحمه الله- (رفض إراقة دم ديك في سبيل الكرسي)، لكنه لم يترك القبيلة تستمتع بشهر عسلها القادم، حيث قال للقبيلة: نحن متفقون نحكم سوياً أو نخرج سوياً، فوقع المشايخ محضراً على الخروج سويا!


خروج القبيلة هنا أزاح من طريق الرئيس القادم أكبر الصخرات.

 

الحمدي من المبادرة إلى الطموح
كان رئيس هيئة الأركان العامة – محمد عبدلله الارياني في أجازته السنوية، والرئيس الارياني قدم استقالته، فخرجت الدبابة بقيادة نائب رئيس هيئة الأركان العقيد الحمدي ومعه عدد من الضباط الى جوار الجرش مجلس الشورى مطالباً القبيلة ومجلس الشورى بتسليم الحكم للجيش؟ لم تجد القبيلة أمامها إلا الرضوخ، كيف لا والارياني قد دبسها في المحضر؟!

- تسلم الجيش الحكم، وأصبح الجيش يمشى بالريموت الجديد!
شعرت القبيلة وأنها قد حكمت على نفسها بالإعدام، غير أن الدولة العميقة التوت تجاه القبيلة محرضة إياها ان تدق جرس الإنذار للرئيس الحمدي انه لابد أن يأخذ فترة أربع سنوات ثم يخضع للانتخابات من جهة مجلس الشورى (كلمة حق أريد بها باطل). هذه المناقشة بين القبيلة والرئيس الحمدي في المقايل حسب كلام الشيخ سنان أبو لحوم في مذكراته.
ينتهي الشيخ سنان إلى القول: إن الحمدي كان يرد قائلاً: "من سينتخبني"؟!
- سنان: مجلس الشورى
- الحمدي: يعني المشايخ؟!
- قلنا: إن الجهل المجتمعي كان من الأسباب البارزة – الأمية الحرفية الثقافية.
بدأ الحمدي بتعداد سكاني، وكان المؤشر التعليمي 20 %! أردفها بانتخابات مجالس محلية – هيئة التطوير- وكان قراراً ذكياً جداً، حيث استشعر المواطن أن الثورة جاءت اليوم وأن المواطن أصبح هو صاحب القرار، فقدم الموطن الأموال لإصلاح الطرقات وبناء المدارس في أغلب المناطق، كما أن قرار الانتخابات المحلية كانت بمثابة مسبار (ترمومتر) اختبار لوعي الشعب؛ فقد تكشفت الانتخابات المحلية على رقم مفزع – تمثل في فوز ساحق للمشايخ وكان حظ المتعلمين من الفوز ثلاثة أشخاص على مستوى الجمهورية العربية اليمنية!
النتيجة: الحمدي يحل مجلس الشورى، ويعلق الدستور، بالمقابل مد يده الى سالم ربيع علي في خطوة نحو الوحدة، المواطن مرتاح، الأمن مستتب، عائدات الطفرة النقدية من المغتربين كانت خرافية، لكن الدولة العميقة (البعث آل لحوم) أقيلوا من مفاصل الدولة. الخارج قلق
من التقارب بين الشطرين. نازحو الجنوب أيضا قلقون. القبيلة تلاحمت. حتى أن شيخاً من تعز رد على مشايخ صنعاء "قلنا لكم: ارضوا بالإرياني وعمامته، قلتم لا: نريد عسكري معه دبابة"!
وإبرم الاتفاق ببيت أمين عام حزب البعث على تصفية الحمدي، ونجحت الدولة العميقة ذراع السلالية في فتح باب الدموية الانقلابية، سيكون عفاش الملكي على صلة بالدولة العميقة (قاتل الحمدي والغشمي)، ليدخل الوطن بعدها في حكم عائلي ولكن على نار هادئة بفضل الذراع السلالية التي انتهت بعفاش إلى إحياء السلالية وتسليمها الدولة ومقدرات الأمن والوطن جيشاً وثروة مما تبقى فقد سرقها عفاش طيلة دورة فلكية كاملة.