السبت 27-04-2024 19:55:09 م : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ما دلالات الانتصارات الأخيرة للجيش الوطني في عدة جبهات؟

الأحد 12 إبريل-نيسان 2020 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص / عبد السلام الغضباني

  

ءحقق الجيش الوطني خلال الأيام الأخيرة انتصارات واسعة في عدة جبهات ضد المليشيات الحوثية، وذلك بعد مدة قصيرة من انسحابه من بعض المواقع في جبهتي نهم والجوف، وهو انسحاب لم تتضح ملابساته بعد من الناحية العسكرية، غير أن الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش في جبهات مأرب والجوف والبيضاء كشفت العديد من الحقائق، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، والتي يمكن على ضوئها الاسترشاد وتحديد مكامن الاختلالات والثغرات التي تستغلها المليشيات الحوثية لتحقيق انتصارات طارئة ومزيفة تستغلها لرفع معنويات مقاتليها.

ففي محافظة الجوف، استعاد الجيش الوطني معسكر اللبنات ومنطقة الجدافر على أطراف مدينة الحزم، ويواصل تقدمه نحو مناطق أخرى لتحريرها، بالإضافة إلى انتصارات يحققها أبطال الجيش الوطني في جبهة صرواح بمحافظة مأرب، مسنودين برجال المقاومة الشعبية.

وفي محافظة البيضاء، واصل الجيش الوطني تقدمه في ثلاثة محاور رئيسية نحو مواقع المليشيات الحوثية، وتمكن في محوري ناطعة والملاجم من تحرير جبال الغدير والوليد وسلسلة جبال البياض في جبهة الملاجم، وأيضا تحرير شعاب أعشار في جبهة ناطع واقترابه من التحام الجبهتين، في حين أطلق لواء الأماجد عملية عسكرية، الأربعاء الماضي، لتحرير مديرية مكيراس قادما من محافظة أبين، بعد تمكنه من تحرير منطقة شرجان والاقتراب من معسكر لواء المجد الذي تسيطر عليه المليشيات الحوثية.

- دلالات الانتصارات

هناك عدة دلالات للانتصارات الأخيرة التي سطرها أبطال الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في عدة جبهات، فيما يلي أهمها:

- أن النصر على المليشيات الحوثية أمر أبسط مما هو متوقع، وكل ما يحتاجه هو القرار السياسي، إضافة إلى تحريك مختلف الجبهات بشكل متزامن، كون ذلك من شأنه تشتيت المليشيات الحوثية وإرباكها، مع ضرورة تزويد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية بالأسلحة اللازمة لحسم المعركة، خاصة أن المليشيات الحوثية ما زالت تمتلك مخزونا مجهولا من الصواريخ البالستية وغيرها، بعضها سلمها لها حليفها السابق علي صالح من مخازن الجيش، وبعضها مهربة من إيران.

- لا يمكن للمليشيات الحوثية تحقيق أي انتصار عسكري إلا في حال الانفراد بجبهة واحدة بعد التأكد من وجود ثغرات يسهل النفاذ من خلالها وتحقيق نصر سريع ومزيف، يتم حشد المقاتلين له من مختلف الجبهات المتسمة بالركود، والتضحية بعدد كبير من المقاتلين من أبناء القبائل الذين يتم حشدهم بالقوة ليكونوا وقودا لمعركة ونصر خاطف ومزيف، بدون تدريب عسكري، وإنما تحت تأثير تعبئة طائفية ومناطقية وعنصرية.

- القرار السياسي وتحريك مختلف الجبهات كفيلان بتفكيك الحاضنة الاجتماعية للحوثيين، ذلك أن المواطنين الذين ضاقوا ذرعا من الانقلاب الحوثي لا يمكن أن يشكلوا مقاومة شعبية مساندة للجيش إلا في حال وجدوا أنهم لن يقدموا أنفسهم وقودا لمعارك ما لم يكن هناك قرار سياسي وتحرك للجيش يضمن تحقيق انتصارات نوعية وسند يحميهم من بطش المليشيات الانقلابية.

- الهزائم المتلاحقة للحوثيين أمام أبطال الجيش، تؤكد أن استمرار الانقلاب وإطالة أمد الحرب واستخدام إيران للأراضي اليمنية منطلقا لمهاجمة السعودية بالصواريخ البالستية، كل ذلك يحدث ليس بسبب قوة الحوثيين، ولكن بسبب أخطاء الطرف الآخر، الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها، ويأتي في مقدمتها تجزئة المعركة وتقسيطها وإطالة أمد الحرب، بذريعة أن ضغوطا دولية تحول دون الحسم العسكري، وهي ضغوط تجاوزها عامل الزمن، ويمكن التنصل منها وتجاهلها بذرائع أبسطها أن كلفة إطالة أمد الحرب والتعويل على الحل السياسي صارت أكثر بكثير من كلفة الحسم العسكري ضد الانقلاب.

- انكشاف الزيف

شكلت الانتصارات الأخيرة للجيش الوطني صدمة كبيرة للمليشيات الحوثية، بعد مدة قصيرة من الانتشاء بسيطرتها على مركز محافظة الجوف ومناطق أخرى، مما أجبرها على العودة مجددا للمراوغة والإيحاء بجنوحها للسلم والحوار، ساعدها على ذلك دعوة المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث ما يسميها كافة الأطراف لوقف القتال والتفرغ للتصدي لفيروس كورونا الذي انتشر في معظم دول العالم.

ورغم تجاوب الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها مع تلك الدعوة، إلا أن مراقبين يرون أن الأمر ليس سوى إنقاذ للحوثيين من هزائم متلاحقة في عدة جبهات، وجعل الهدنة بمثابة "استراحة محارب" للحوثيين لاستعادة أنفاسهم وترتيب صفوفهم من جديد، استعدادا لجولات جديدة من الحرب، مستندين في ذلك إلى مواقف سابقة مشابهة، ذلك أنه كلما اشتد الخناق على الحوثيين، تنشط الأمم المتحدة في الدعوة للسلام والحوار وإيقاف إطلاق النار، وهي الدعوة التي يُظهِر الحوثيون الاستجابة لها، قبل أن ينقلبوا عليها بعد إعادة ترتيب صفوفهم.

كما أن الانتصارات الأخيرة للجيش الوطني أحبطت آمال المرجفين الذين علت أصواتهم بالتشفي والسخرية من الجيش بعد سيطرة المليشيات الحوثية على مدينة الحزم مركز محافظة الجوف، وكشفت عن الموقف الحقيقي لكثير من الشخصيات والجهات التي تقنعت بأقنعة الوطنية ومناهضة النفوذ الإيراني في اليمن ومواجهة انقلاب المليشيات الحوثية، بينما هي في الحقيقة تعمل لصالح المليشيات الحوثية الانقلابية ولصالح إيران جهارا نهارا، ويأتي في مقدمة ذلك مليشيات ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، التي احتجزت في محافظة لحج تعزيزات عسكرية مقدمة من تحالف دعم الشرعية إلى الجيش الوطني بمحافظة البيضاء، بعد اشتداد وتيرة المعارك هناك.

هذا الموقف من قِبَل مليشيات المجلس الانتقالي ليس طارئا، ولكنه موقف ثابت منذ سنوات، حيث احتجزت تلك المليشيات عدة تعزيزات عسكرية ومنعت وصولها للجيش الوطني في تعز، وهو موقف أقل ما يوصف بأنه تعاون مع المليشيات الحوثية ومع إيران ومشروعها التخريبي في اليمن والمنطقة بشكل عام، مع أن طبيعة المعركة تقتضي أن يدعم الجميع الجيش الوطني وبقوة في جبهات تعز والبيضاء على وجه الخصوص، لأن الجيش في هاتين المحافظتين يشكل حائط صد أمام تقدم الحوثيين نحو المحافظات الجنوبية، وإذا سيطر الحوثيون على تلك المحافظتين فإن الهدف التالي لهم المحافظات الجنوبية مباشرة.

وفي المحصلة، لقد أحيت الانتصارات الأخيرة للجيش الوطني الآمال لدى أبناء الشعب الذين ضاقوا ذرعا بالمليشيات الحوثية، ذلك أن هذه الانتصارات أعادت التأكيد بإمكانية القضاء على المليشيات الحوثية في حال توفرت الإرادة السياسية والدعم الكافي للجيش، كما كشفت تلك الانتصارات هشاشة وضعف المليشيات الحوثية، وأن بقاءها ليس بسبب قوتها، وإنما بسبب تقسيط وتجزئة المعركة ضدها، بذريعة أن ضغوطا دولية تحول دون الحسم العسكري ضد الانقلاب، وجعل المعارك مجرد ضغوط عسكرية لأجل الحل السياسي وليس لأجل الحسم العسكري.