الأحد 28-04-2024 22:19:02 م : 19 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

أسباب الاضطراب السياسي في تعز (التوازنات السياسية، خطر الإقصاء، الحاجة للإجماع)

الأحد 28 إبريل-نيسان 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص- محمد المياحي


تبدو قضية تعز شديدة التعقيد، فنحن أمام أكبر محافظة شمالية تشهد عدم استقرار سياسي منذ خمس سنوات، وحتى بعد تحرير الجزء الأكبر من المدينة، لم تستقر المحافظة سواء على الصعيد الأمني أو السياسي، وللأمر أسباب كثيرة ومتداخلة.

بداية، من المهم التأكيد أن مدينة كتعز تنطوي على عناصر نجاح كبيرة لمشروعها يؤهلها للنهوض، وفي ذات الوقت فهي مؤهلة للفوضى أيضًا، بما تمثله من نقطة تجاذبات متعددة، ويكمن السر في استقرار المحافظة أو اضطرابها في كيفية إدارة هذه المدينة الحيوية سياسيًا والتخلص من عوامل الفوضى فيها والعوائق التي تربك مشروع المدينة.

بالإمكان إذن أن تشكل تعز قاعدة الانطلاق نحو مشروع الدولة، ولكي تكون كذلك وكما أسلفنا، فهي بحاجة لإدارة ذكية تعمل على استثمار نقاط قوتها، سياسيا ومجتمعيا، وهذا لن يتحقق إلا بوجود شخصيات إدارية على إدراك جيد بتناقضات المحافظة ولديها استشعاراً دقيقاً إزاء خصوصيتها، ومتى ما تمكن مسؤولوها من إدارة اللعبة بشكل متوازن سوف تنجح في استثمار حيوية المحافظة لتعزيز حضورها أكثر وبما يصب في صالح المدينة وأبنائها ومشروعهم، وصولا لمشروع الدولة ككل وفي كامل تراب البلد.

 


 اضطراب سياسي دائم

في 31 ديسمبر/كانون الأول، صدر قرار رئيس الجمهورية بتعيين محافظ جديد لتعز، المحافظ الجديد هو نبيل شمسان الذي مضى حوالي أربعة أشهر على تعينه،
وبالعودة للوراء قليلًا يعد قرار تعين شمسان محافظاً جديداً لتعز هو ثالث قرار يصدر بشأن تغير رأس السلطة المحلية في المدينة منذ بدء عاصفة الحزم.

حيث كان المحافظ الأسبق علي محمد المعمري (2016م)، هو أول محافظ بعد انطلاق عاصفة الحزم، استمر حوالي سنتين في منصبه، ثم تلاه الدكتور أمين أحمد محمود 2018م، ليصدر لاحقًا قرار بتغييره، بعد عام واحد قضاه في منصبه، وهذا الأخير كان أكثر المحافظين إثارة للجدل والانقسام في المدينة وللسبب ذاته تم استبعاده من منصبه.

هذه التغييرات المتتالية لمنصب "محافظ تعز " كانت وما زالت تطرح سؤالا ملحًا حول أسباب عدم استقرار هذه المحافظة سياسيًا، ولماذا فشل كل المحافظين السابقين في البقاء في مناصبهم، وصولًا إلى محافظها الحالي، الذي يبدو أنه لم يتجاوز مشكلة سابقيه، وبهذا فهو يعيد الاستفهام حول نقطة السر المركزية التي يخفق هؤلاء الإداريون في اللعب عليها؛ كي ينجحوا في مهامهم.

فأمام الارتباك الأخير الذي عاشته المدينة، برزت هذه التساؤلات للواجهة، حول أسباب هذا الاضطراب الذي تعانيه تعز وما هي مفاتيح الحل التي يتوجب التركيز عليها لمعالجة الأزمات السياسية في المدينة.

وفي النقاط التالية سنحاول الإجابة عن هذا الاستفهام العريض، واستقراء العوامل التي يتوجب التركيز عليها من قبل أي إدارة سياسية للمحافظة كي تتمكن من تحقيق حالة من الاستقرار للمدينة.

 

 أسباب الفشل السياسي للمحافظين

استقراءً لفترات حكم المحافظين السابقين، يمكن القول إن السبب المركزي للاضطراب السياسي في تعز يتعلق أولًا بالسلوك السياسي للإداريين الذين يتربعون على قمة الهرم الإداري بالمحافظة، فجميع هؤلاء كانوا يغفلون عن التنبُّه -بوعي أو بدون وعي- لنقطة مهمة تتعلق بالخصائص السياسية لهذه المحافظة وعدم قابليتها لأي تلاعب إداري على أي صعيد، ويستتبع ذلك الإغفال إخفاق في عملهم وبالتالي تصاعد الاضطرابات وفشل استقرار المدينة.

وتتمثل النقطة التي فشل المحافظون السابقون بالتركيز عليها، في كيفية إدارة التوازنات السياسية الخطيرة في هذه المحافظة الحساسة بحيث تمنح كل قوة سياسية حجمها في إطار السلطة، بدلًا من محاولة ترجيح قوة طرف على حساب الآخر، وتجاهل حقائق الوجود السياسي والمجتمعي للقوى الأكثر فاعلية في المحافظة، بما يستتبع ذلك من سياسات انحياز مشبوهة تخل بمبدأ التوازن، وهي النقطة التي إذ لم يتمكن أي محافظ من إدارتها بشكل جيد يفقد السيطرة على الواقع السياسي في المدينة.

 

 حساسية المجتمع السياسية

من المعروف أن تعز المحافظة الأولى على صعيد النشاط السياسي، سواء من حيث تواجد القوى السياسية المتعددة فيها بكل ما تحمله من توجهات متناقضة وما يولده هذا التواجد من صراعات مصالح متضاربة، أو فيما يتعلق بطبيعة المجتمع التعزي النشط، هذا النشاط الذي يجعله يقظًا تجاه أبسط السلوكيات السياسية للمسؤولين بما يصعب تمرير أي سياسات بعيدًا عن مجهر المراقبة الشعبية، وبالتالي حالما حاول أي محافظ اللعب بالأوراق من تحت الطاولة وبما يناقض إرادة المزاج الشعبي، سرعان ما يقع في فخ الصدام مع المجتمع وترتبك اللعبة عليه ويفقد الانسجام المطلوب للعمل فتدخل المحافظة في حالة اضطراب يصعب معه تحقق أي نجاح.

وقد تجلى هذا الأمر بوضوح في صراع المجتمع التعزي مع المحافظ السابق، كما أن سلوك المحافظ الحالي، في الأزمة الأخيرة، ظهر في مواقفه مؤشرات مماثلة في هذا الاتجاه، تتعلق بتناقض قرارات السلطة المحلية في تعاملها مع العناصر الخارجة عن القانون، الأمر الذي يثير الاستياء لدى مجتمع عيونه مفتوحة على أدق تفاصيل الإدارة، وتبقى الكرة في ملعب المحافظ، للنأي بنفسه عن أي سياسات تفقده ولاء المجتمع ودعمه.

 

 خطر الإقصاء

عطفًا على ما سبق، وبناء على هذه الخصوصية السياسية والمجتمعية لهذه المدينة، فإن أي إداري يفشل في إدارك هذه الطبيعة الخاصة بالمحافظة ويحاول فرض سياسة متصادمة مع فصيل معين أو انتهاج سياسيات استفزازية في أي مجال من المجالات الإدارية أو تجاه أي ملف من ملفات اللحظة في تعز، فإنه بذلك يستدعي حالة سخط فورية ثم يتبعها انقسام سياسي، وينتهي الأمر بحالة فشل سريعة. ولعلّ المحافظ السابق أبرز نموذج في هذا الاتجاه، حيث عمل الرجل على استعداء أطراف أصيلة في المدينة، واتباع سياسة تعيينات متحيزة ضد طرف ما، إلى جانب الدخول في صدام مع المؤسسة الأمنية والعسكرية، الأمر الذي جعله يفشل في احتواء المحافظة وينتهي بالإقالة.

ومن هنا، يتوجب على المحافظ الجديد أن يستفيد من تجربة الفشل للمحافظ السابق؛ كي يتمكن من تجنب المزالق التي وقع فيها وبالتالي ينجح في تحقيق حالة استقرار سياسي في المدينة كأهم خطوة ستجعله يتحرك بهدوء ويقطع شوطًا في مشروع تنمية المدينة وتجسيد نموذج أنجح من سابقيه.

 

 أصعب مهمات المحافظ وأولها

استخلاصًا مما سبق، يمكننا القول إن أي محافظ يتولى شؤون هذه المحافظة ما لم ينجح في بناء حالة إجماع شعبي وسياسي عام لجواره فإنه سوف ينتهي كسابقه، وسوف تستمر المحافظة في حالة دائمة من الانقسام، ولن يتمكن أي شخص من إدارتها وفقًا لسياسة مزاجية أو عبر أجندات خارجية تتصادم مع مشروع المدنية وحلم الدولة الذي ناضل أبناؤها من أجله كثيرا.

وانطلاقًا من هذه الحاجة الأساسية، فإن أول مهمة ماثلة أمام المحافظ الذي ما زال في بداية مشواره، هو العمل على خلق حالة اصطفاف سياسي في المحافظة وإنهاء حالة الاستقطاب الشعبي وتحشيد المجتمع خلف الإدارة الجديدة؛ ليتمكن من العمل في محيط منسجم والتفرغ للملفات العالقة التي تنتظره.

ولن يتأتى ذلك إلا عبر اتباع رؤية سياسية جامعة تنتهجها إدارة قائمة على الشراكة والكفاءة والشفافية، وفي نفس الوقت من الجيد أن يكون حذرًا من الوقوع في أي سياسة معاكسة للتوجه الشعبي كالتورط في الإقصاء أو الاستفراد بالقرار أو التساهل تجاه أي أجندة مستفزة لأبناء المحافظة.

كلمات دالّة

#تعز #اليمن