سنن الله في الكون والنفس وفي الاجتماع البشري تمضي في طريقها دون محاباة لأحد كائنا من كان، عدا استثناءات قليلة متمثلة في معجزات الأنبياء فهي تؤكد القاعدة السنينة, ومع ذلك فهي لن تأتي للأنبياء في الوقت الحرج الذي يكون الأنبياء قد استنفدوا كل الوسائل المتاحة في دعوة اممهم.
نعم ..ومن السنن المتصلة بحديثنا في هذا المقام البيت الشعري الخالد للشاعر أبي القاسم الشابي -رحمه الله- اذ قال:

اذا الشعب يوما اراد الحياة         فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل ان ينجلي               ولابد للقيد ان ينكسر!

 ايضا:
ترجمها أبو الاحرار -رحمه الله- حيث قال:
يوم من الدهر لم تصنع اشعته          شمسُ الضحى بل صنعناه بأيدينا
وترجمها الشاعر الفذ عثمان أبو ماهر، وهو الشاعر الوحيد الذي جمع بين القلم والبندقية، حيث قال - رحمه الله:

لا تسلني لا تقل ماذا جرى      فطموح الشعب حكمُ القدر
جدد العزم وسر في دربنا        ياشبابا من سنى سبتمبرِ!

تلك هي سنن الله في الاجتماع شاءت الحكمة الإلهية العليا ان تجعلها بيد الشعوب, قائلة ان النصر لا يأتي للكسالى وانما تصنعه الشعوب التواقة الى الحرية والانعتاق من اسار التخلف, والاستبداد والاستعمار والفقر والجهل والمرض.

دخلت الامبراطورية البريطانية الى الجزء الجنوبي من وطننا اليمني الحبيب.
ولاقت مقاومة بحسب امكانات شعبنا يومها, ومع ذلك ظلت المقاومة هنا وهناك من أبناء القبائل طيلة فترة الاحتلال.

تلاحمت ارادة اليمنيين فتوحد الهدف!

انطلاق ثورة 26 من سبتمبر 1962م في شمال الوطن, فكان اول أهدافها التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما ..

هذا اول ترجمة لتلاحم اليمنيين: وحدة الصف ووحدة الهدف!
وهذه سنة من سنن الاجتماع, فالظلم يجمع المظلومين, فخرج صبيحة ال26 من سبتمبر فيلسوف اليمن واديبها الشاعر البردوني -رحمه الله- يحدو الجماهير:
افقنا على فجر دوم صبي         فيا صحوات المنى اطرَبي
الى قوله:
اتدرين ياشمس ماذا جرى?       سلبنا الدجى فجرٌنا المختبي!
اتدرين انا سبقنا الربيع           نبش بالموسم الطيبِ
وكان النعاس على مقلتيك         يوشوش كالطائر الازغبِ!
الى قوله رحمه الله:
فولى زمان كعرض البغي      واشرق عهدٌ كقلب النبي!

الحقيقة لا تسعفني اللغة ان اقوم بتفكيك البيت الأخير، فالبيت مليء بتصوير عهد ما قبل الثورة واستشراف مستقبل الشعب الذي عاش نكدا وظلما وظلاما وحكما هو خزي وعار لا يشبهه سوى عرض البغِي في مجتمع ملتزم قيميا ودينيا يقدس دعوات الانبياء المكافحين في سبيل الحريات!

هب أبناء المناطق الجنوبية للوقوف في صف ثورة 26 من سبتمبر في الشمال لا يلوون على شيء حتى وصلوا جبال حجة بقيادة البطل غالب راجح لبوزة عليه وعلى كل شهداء الثورة حتى بومنا شآبيب الرحمات.
 

 قرار السلال:
كانت اول حكومة في شمال الوطن اليمني برئاسة المشير عبدالله السلال -رحمه الله- والذي اصدر قراره بإيجاد مقعد في الحكومة اسمه وزارة الجنوب!
هذا التوجه من اللحظات الاولى ان دل فإنما يدل علي رسوخ التلاحم بين أبناء الشعب الوطن اليمني، ولا يعني هذا انه لا يوجد خلاف, فالقول ان الخلاف لا يوجد هو قول مخالف لسنة الله في الاجتماع!
كان هنالك في التفاصيل, وكان هنالك خلاف لدى بعض قيادة الحركات في التفاصيل حول تحرير الجزء المحتل هل بقوة السلاح ام بالحوار، المهم ان الهدف التحرير قائم!
غير ان الشيء الاقوى والافضل والاجمل ان اعضاء الفصائل كانت تخالف قياداتها التي ترى التحرير بوسيلة بالحوار وكانت اول ضربة شجاعة في مطار عدن هي ان الجندي البطل خليفة عبدالله حسن الذي القنبلة على المندوب السامي وسقط نائب السامي قتيلا وعدد من الجرحى، فأفشل الخطة التي تبناها الاحتلال الاجرامي, كان البطل خليفة -رحمه الله- ينتمي الى جبهة التحرير التي ترى قيادتها ان التحرير يكون بالحوار!

اهداف 14 اكتوبر1963
ومن دلالات التلاحم اليمني صفا وهدفا أن ثورة ال14 من اكتوبر هي اهداف ال26 من سبتمبر فقط تم تفكيك الاهداف السبتمبرية الستة الى 10 اهداف جزئية!

 الشهيد لبوزة والسلال:

بعد عام من ثورة ال26 من سبتمبر كان الاحتلال متواطئا مع فلول الإمامة في شمال الشمال لإرباك الثورة من جهة الجنوب فطلب المشير السلال -رحمه الله- البطل لبوزة من حجة والتقى العلمان -رحمهما الله- واتفقا على تفجير الثورة في وجه الاحتلال قطعا لدابر التواطؤ بين الاحتلال والفلول الإمامية, فكان قرارا سديدا بامتياز!
اراد الاحتلال ان ينفخ البالون لكن ارادة الشعب فجرت البالون في وجه الاحتلال!
ولأن الثورات تتعرض للتآمر فان ثورتي اليمن المجيدتين واجهتا انواعا من التآمر الفيروسي والجرثومي!
غير ان كل التآمرات تهاوت امام ارادة الشعب اليمني الذي اصطف ووجه عينه على تحقيق الهدف الاول من اهداف الثورة التحرر من الاستبداد والاستعمار.
نعم لقد تحقق الشق الاول من الهدف الاول لم يتحقق الشق الثاني من الهدف وهو مخلفات الاستبداد والاستعمار وازالة الفوارق بين الطبقات، ذلك ان حكومات ما بعد الثورة لم تتبن برنامجا تثقيفيا في هذا الصدد، وقد عادت فلول الكهنوت في شمال الوطن وجنوبه ولكنا نقول لها: الثورة كالقطار وعلى عربته المناضلون الشرفاء
وهيهات ان تعود الكهنوتية:
شبت عن الطوق ارضي يامراوغها       فانظر لدجلك كهانا وغلمانا
النصر حتما للشعب مهما تعرجت الطريق وتلك سنة الله وان جهلها الاغبياء!
عاش الشعب البطل المكافح
عاشت ثورات سبتمبر واكتوبر وفبراير
الرحمة والمجد والخلود للشهداء الابرار.
العار كل العار والخزي والشنار
ولعنة التاريخ ستلاحق القوة الجاهلة وجرائمها
والى لقاء يتجدد عن انتصارات شعبنا الثائر