السبت 27-04-2024 03:32:51 ص : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الصيام وتهذيب النفس قولاً وعملاً

الجمعة 25 مايو 2018 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت– خاص/ فهد سلطان


يدور جدلٌ قديم وجديد بين علماء التربية والأخلاق مفاده "هل الأخلاق سلوك فطري في الإنسان، بحيث أن ما يصدر من الإنسان في لحظة غضب أو تكبّر وغيرها لا يستطيع التخلص منها أو تغيرها, وبالتالي: لا يمكن للإنسان – هنا - أن يغيّر هذه الطباع الصادرة منه، ويكون مفهوم التهذيب والتزكية ضرب من الترف الفكري أو مفهوم في الذهن ولكن لا مصداق له في الخارج(1)
أم أن الأخلاق عملية مكتسبة يمكن للفرد أن يكتسبها بعدد من الوسائل ابتداء بالمحيط الاجتماعي وأساليب التربية والتثقيف وصولاً إلى التزكية والحزم مع النفس.
بالعودة إلى القرآن الكريم واستنطاق كثير من نصوصه وخاصة تلك التي تعرضت لجانب الأخلاق, إضافة إلى نصوص في السيرة النبوية, يؤكد أن الأخلاق مكتسبة, حيث يمكن للشخص تعديلها، فالنفس ذاتها تحتاج الى ترويض وجهد وتعديل وتقويم، وهنا يسهل إدارتها والتحكم فيها متى ما كان هنا إرادة حقيقية مصداقاً لقول الله تعالى: {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}. (2)
ومفهوم الآية كما في كتب التفسير "قد أفلح من زكَّى الله نفسه، فكثَّر تطهيرها من الكفر والمعاصي، وأصلحها بالصالحات من الأعمال"، وهنا يعينه الله مباشرة – ولذلك تزكية النفس - تأتي لاحقة لجهد الفرد, يقول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}(3)
وهذه الآية تؤكد، وبدلالة واضحة، أن الإنسان هو المبادر في الاختيار, وفي جانب الخير يكون التوفيق بحيث يأتي لاحق للعبد للمسار الذي اختاره, وعكس ذلك أيضاً صحيح يقول تعالى: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم ۖ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ۚ والله لا يهدي القوم الفاسقين}(4)
هذه الآيات وغيرها تؤكد أن الإنسان مسؤول مسؤولية كاملة عما يصدر عنه وهو من يتحمل تبعاته, يقول الله تبارك وتعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}(5)
وقال في أية أخرى {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}(6) وهذه أيضاً تؤكد دلالتين؛ الأولى: أن الإنسان يتحمل تبعات الطريق الذي اختاره هو بمحض إرادته، والثاني: أن الله جعل للإنسان طريقا للخير وطريقا للشر وأعطاه الإرادة الكاملة في الاختيار.

 

الصيام وتطهير النفس


يعد الصيام عاملاً مباشراً في تزكية النفس وتهذيبها، فالشهوات بكل أنواعها تعزز لدى الإنسان نوازع النفس، وتذهب به بعيداً عن السمو الذي أراده الله له, وتأتي العبادات والشعائر لتهذب النفس وتعيدها الى المسار الصحيح، الذي يحقق للإنسان السعادة في الدنيا والآخرة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (7)
فالصوم الى جانب كونه رحلة روحية للشخص وتصفية للنفس فهو ايضاً تهذيب للسلوك, وهو دورة عبادة للأغنياء أيضاً في التعرف على معنى الجوع وهذه الطريقة بعد أن تكون قد أحدثت جانب مهم في الشعور لى الشخص تعيد له شيء من السمو في النظر الى الآخرين والأوضاع التي يمرون بها, ثم يعقب هذه العبادة مباشرة الجانب العملي في هذا الشهر الفضيل وهي الزكاة بما يعرف زكاة الفطر, ليكتمل صيام رمضان قولاً وعملاً، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
........................
هوامش:
1- مقالة للدكتورة "فلسفة الأخلاق في الإسلام" فاضل علوي
2- الآية (9) سورة الشمس
3- الآية (17) سورة محمد
4- الآية (5) سورة الصف
5- الآية (8) سورة الشمس
6- الآية (3) سورة الإنسان
7- الآية (183) سورة البقرة
8- الآية (103) سورة التوبة