السبت 27-04-2024 06:40:07 ص : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

وحدة اتحادية

الإثنين 22 مايو 2017 الساعة 05 مساءً / الاصلاح نت - خاص
 

برهنت التجارب السياسية على أن الوحدة الوطنية -لأي شعب-ليست بالضرورة بنداً في دستور أو نصاً في قانون، إنما هي حالة من التوافق الوطني بين كل فئات الشعب وأحزابه في الوطن الواحد، تعززه مرجعيات ديمقراطية حقيقية قادرة على استلهام تطلعات الناس وإعادة بناء نموذجهم السياسي المعبر عن رؤيتهم وتطلعاتهم.

نجح اليمنيون في إعلان وحدتهم في الثاني والعشرين من مايو90، وهو العام نفسه -بالمناسبة- الذي نجح فيه الألمان في توحيد بلدهم الذي مزقته الحرب العالمية الثانية وشطرته إلى قسمين. وفيما أنجز الألمان وحدتهم بصمت ملأ اليمنيون الدنيا ضجيجاً بخلافاتهم التي حملوها معهم إلى الوحدة وساقتهم تالياً إلى الحرب.

بُعيد تحقيق وحدتهم ذهب الألمان إلى الانتخابات (1994) وبالكاد فاز هلموت كول؛ الملقب بمستشار الوحدة الذي يرجع إليه فضل تحقيقها، بنسبة لا تتجاوز 47%. وفي انتخابات 1998 سقط مؤسس الوحدة وبانيها سقوطاً مدوياً ليتوارى بكل هدوء عن المشهد السياسي ويترك فرصة إدارة البلاد لمن اختارهم الشعب، ليتعزز بذلك النموذج السياسي الديمقراطي الذي آمن به بناة الوحدة وكرسوه.

نجح النموذج الألماني لأنه قام على أساس ديمقراطي متين، فيما أخفق النموذج اليمني كونه افتقر إلى ذلك الأساس.

أخفق شريكا الوحدة اليمنية في بناء النموذج السياسي للوحدة كونهما جاءا إليها بعقلية سلطوية شمولية لا تؤمن بالديمقراطية ولا تمَت لها بصلة، رغم مزاعم إقرارها والتعددية السياسية، ونتيجة لذلك ذهب الحزبان الحاكمان وقتذاك (المؤتمر والاشتراكي)، إلى تقاسم السلطة باعتبارها أهم غنائم الوحدة واستحقاقاً حصرياً لهما بحسب رؤيتهما.

لقد أراد شريكا الوحدة آنذاك أن تكون أول انتخابات برلمانية بعد الوحدة مكافأة لهما على ما اعتبراه إنجازاً وحدوياً لتكريس سلطة الحزبين وشرعنة التقاسم، بصرف النظر عن إرادة الناخبين، الذين وجدوا أنفسهم حينها بين سندان المؤتمر ومطرقة الاشتراكي، وعوضاً من أن تُرسخ الانتخابات الديمقراطية الوليدة وتبني مؤسساتها لتقوم بدورها في حماية وترسيخ الوحدة، إذا بها تفجر الصراع وتقود البلاد لمأزق وأزمة سياسية!

إن التنافس على السلطة واللهث وراء مغانمها، ورفض الشراكة ومحاولة كل طرف إقصاء الآخر، والاستئثار بالغنيمة وعدم الانصراف لبناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية لبناء دولة الوحدة، والتلاعب بالعملية الديمقراطية (الشكلية) الناشئة، بل والعمل على وأدها مبكراً لصالح مشروع التوريث (العفاشي) المتلفع بالديمقراطية زورا وبهتانا، كل ذلك خلق نموذج مشوه للوحدة كان لابد من إعادة النظر فيه.

والحق أن الثورة الشبابية السلمية التي اندلعت في 11 فبراير 2011 منحت اليمنيين فرصة إعادة النظر في صيغة الوحدة القائمة والتفكير في نمط وحدوي جديد، وهو ما تم بالفعل في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي جمع كل فئات الشعب وأطيافه السياسية للخروج برؤية جديدة تمثلت في صيغة الدولة الاتحادية ذات الأقاليم.

وقد نصت وثيقة مؤتمر الحوار الوطني على أن اليمن دولة اتحادية مدنية ديمقراطية مستقلة ذات سيادة تقوم على المواطنة المتساوية وإرادة الشعب وسيادة الفانون. وفي الجانب التشريعي نصت على أن السلطة التشريعية تتكون من مجلس النواب، المجلس الاتحادي، الجمعية الوطنية. وفي الجانب الإداري نصت على لا مركزية النظام الإداري والمالي وأتباع مبادئ وأسس الحكم الرشيد.

إن اليمن الاتحادي يمثل بحق أفضل صيغة سياسية توافقية قادرة على الحفاظ وصون وحدتنا اليمنية وإعادة بريقها، وقد توافر لها الأساس السياسي والقانوني المسنود بالإجماع الشعبي، وما يزيدها متانة وشرعية هو أنها نبعت من مرجعيات ديمقراطية تمثلت في مؤتمر الحوار الوطني الشامل والإجماع الوطني الشعبي والسياسي وكذلك في المباركة الإقليمية والدولية.

اليمن الاتحادي معناه توسيع دائرة الشراكة في السلطة وتوزيع الثروة بشكل عادل، إنه تجسيد حقيقي لقيم الشراكة، يتميز بالمرونة والإنصاف وحفظ الحقوق وتوسيع المشاركة الشعبية وكسر المركزية بما يسهم في تعزيز الوحدة الوطنية وإنعاش التنمية وخلق فرص العمل وتقليل مستويات الفساد، وهو نموذج الوحدة الوطنية الاتحادية الذي نسعى إليه.