الجمعة 19-04-2024 01:30:21 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

المواطنون في مناطق الحوثيين.. أزمات وكوارث إنسانية منسية

الأربعاء 30 نوفمبر-تشرين الثاني 2022 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت- خاص | مدين قاسم

 

"صنعاء تحتضر، وناسها يموتون ببطء"، بهذه الكلمات أفصح صحافي يمني عن معاناة سكان العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثيين الانقلابية، مؤكدًا -في منشور له بصفحته على فيسبوك- أن الجميع يشتكي، ولم يعد يفرق الحال بين رجل الأعمال وعمال الأجر اليومي، فالمعاناة باتت واحدة، والهمّ أضحى مشتركا.

تأتي هذه الأوضاع المعيشية الصعبة للمواطنين في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين، في ظل تجاهل تام للمليشيات الانقلابية التي بات همّها تطييف المجتمع، دون النظر إلى المعاناة التي لم تعد تخفى على أحد، فحسب تعبير الصحافي أحمد الواسعي، فإن "الجميع مختنق، بينما آخرون -في إشارة للحوثيين- منهمكون في الحفاظ على الآداب العامة، وهم يكادون لا يتنفسون من التخمة"، حسب وصفه.

ليس هذا الأمر بالجديد، لكن -حسب استطلاع أجراه المحرر لعدد من سكان العاصمة من مهن مختلفة- الأوضاع زادت تدهورًا خلال الأشهر الماضية بشكل ربما لم يعهده السكان منذ بداية الحرب التي تشهدها البلاد منذ ثماني سنوات، خصوصًا مع استمرار الهدنة، ورفض المليشيات الانقلابية صرف رواتب الموظفين، الأمر الذي ينذر بكارثة إنسانية لا مثيل لها.

أوضاع مأساوية

لم يعد يخفى على أحد تدهور الأوضاع المعيشية التي تشهدها العاصمة صنعاء على كافة المستويات، نتيجة ارتفاع الأسعار، وانعدام مصادر الدخل، وحملات الجباية التي تنفذها المليشيات على التجار ورؤوس الأموال بشكل غير قانوني، ورفع الضرائب والجمارك، دون أن يلمس المواطن أي أثر لتلك الأموال التي يتم تحصيلها تحت مسميات مختلفة.

يؤكد أحد الوجهاء في صنعاء، وهو يستعرض وضع الناس المأساوي، وعدم قدرة كثير من الأسر على تعبئة إسطوانة الغاز المنزلي، لعدم وجود المال لديها، الأمر الذي أدى إلى وجود فائض في كل حصة تحصل عليها حارته.

ويؤكد معرفته بأسر كثيرة في منطقته، كانت من ذوي الدخل المرتفع، وكان لدى بعضهم استثمارات، بعضها اليوم باتت عاجزة عن تعبئة إسطوانة الغاز للمنزل، رغم توزيع الكروت لهم، مجددًا تأكيده بالقول: "هذا الوضع بات لا يُحتمل ولا يُطاق"، وأبدى مخاوفه من اندلاع ثورة لا ترحم إذا استمر الوضع كما هو عليه، لأن "صبر الناس له حدود"، حسب قوله.

المشاريع الصغيرة في خطر

بدوره، أكد جميل محمود، وهو شاب في العشرينيات من عمره، يمتلك بقالة لبيع المواد الغذائية في أحد الأحياء بمنطقة الستين، أن بقالته باتت معروضة للبيع منذ عدة أشهر ولم يجد من يشتريها، ويعزو الشاب جميل قرار بيع بقالته إلى انخفاض معدل الدخل بشكل كبير جدا، وارتفاع نسبة الضرائب والجمارك، فالجنود يتسابقون إليه كل يوم بمبرر جديد للبحث عن جباية تحت مسميات مختلفة، حسب قوله.

لم يكن جميل وحده من قرر ذلك، فالشاب عبد الله العنسي، ذو الـ33 عامًا، لم يكن بأفضل حال من صديقه جميل، فهو الآخر اضطر لبيع بقالته في شارع 20 بصنعاء، ولجأ للعمل في بيع القات بشارع هائل، مؤكدًا أن السبب يعود إلى ارتفاع الأسعار، وانخفاض نسبة المبيعات، في ظل ارتفاع الإيجارات والضرائب والجمارك وغيرها.

ويؤكد هذا الأمر "مرتضى" (اسم مستعار)، والذي يعمل في مجال بيع العقارات، مؤكدا أن الأوضاع المعيشية الصعبة التي باتت تعانيها كثير من الأسر بصنعاء لم تعد تخفى على أحد، كون هذا الأمر انعكس على حدوث الكساد الاقتصادي الذي تشهده العاصمة في كل شيء، مشيرا إلى أن نحو 5 مشاريع صغيرة، بقالات وغيرها، باتت معروضة لديه للبيع نتيجة عدم قدرة أصحابها على الاستمرار.

الكهرباء معاناة لا تطاق

بدوره، يؤكد منير، يمتلك محل خياطة ملابس، أن الكساد الحاصل هذه الأيام لم يعرفه أبدا، وأن أوضاع الناس باتت لا تطاق، ويشير إلى أنه بات يفكر في بيع المحل وشراء فيزة والذهاب للغربة في المملكة العربية السعودية.

يتساءل منير قائلا: "هل تعلم أنني أسدد كهرباء في الشهر بأكثر من 150 ألف ريال، والعمل ضعيف، وأصبحت الديون تتراكم عليّ، ولا أدري هل أسدد إيجارات أو ضرائب أو كهرباء أو عمال... إلخ، ولذا باتت المغادرة من البلاد هي الحل الأنسب قبل أن يجدني أهلي مجنونا في الشارع"، حسب وصفه.

هذه المعاناة هي ذاتها التي يشترك فيها منير مع أم مهند، والتي تعمل في مجال خياطة الملابس النسائية، وتحديدا إنتاج الحقائب النسائية اليدوية، مؤكدة أن الشيء الذي يدفعها للاستمرار في مشروعها هو عدم وجود مصدر دخل بديل لديها، خصوصًا بعد فقدانها وظيفتها كمعلمة في إحدى المدارس في محافظة الحديدة، بعد انقطاع الرواتب.

وأكدت أن إجمالي فاتورة الكهرباء التي تسددها شهريا أرهقت كاهلها وبدت عاجزة عن الاستمرار في المشروع، مع كل هذه الأعباء التي تتحملها، موضحة أن إجمالي ما تسدده شهريا يبلغ نحو 180 ألف ريال، قيمة تشغيل مكينة الخياطة، وهو سعر خيالي جدا مقارنة بنسبة الأرباح والمبيعات، حسب قولها.

حالة اضطراب ومعاناة

يأتي هذا في ظل تحذير تقرير استخباراتي أمريكي من احتمال تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن وأن تصل إلى مستويات متدنية صحياً وإنسانياً، واستمرار حالة الاضطراب والمعاناة التي يعاني منها الشعب اليمني بسبب الحرب، متهما مليشيات الحوثيين بالوقوف وراء الأزمة الإنسانية في البلاد.

التقرير الذي نشرته صحيفة "الشرق الأوسط"، أكد أن الحالة الصحية والإنسانية التي تعد الأسوأ في العالم في اليمن، ستتواصل وتستمر بفعل الحرب، متهما الحوثيين بالوقوف خلف هذه الأزمة وسيطرتهم على أكثر المناطق الحضرية في اليمن.

في حين كشفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مطلع نوفمبر الماضي، عن جيوب جديدة شبيهة بالمجاعة عادت للظهور في ثلاث محافظات واقعة تحت سيطرة مليشيات الحوثيين للمرة الأولى منذ عامين. وأكدت أن معدل سوء تغذية الأطفال يعد من أعلى المعدلات، بينما لا تزال معدلات سوء التغذية بين النساء من أعلى المعدلات ارتفاعا في العالم.

انزلاق نحو المجاعة

وتوالت التحذيرات الأممية من انزلاق اليمن نحو المجاعة بفعل استمرار الحرب التي تشهدها جراء الانقلاب الحوثي على الدولة، خصوصا في ظل انقطاع الرواتب، ونهب المليشيات الحوثية للمساعدات الإنسانية، والتي وصفها تقرير فريق الخبراء في مجلس الأمن الدولي "بأنهم يسرقون اللقمة من أفواه الجائعين".

وكرر برنامج الغذاء العالمي تحذيراته من انزلاق اليمن نحو المجاعة، مؤكدا أن أكثر من 5 ملايين شخص معرضون لخطر المجاعة في بلد لا يزال يشكل إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وذلك مع مواجهة أكثر من نصف السكان لجوع حاد، و5 ملايين معرضين لخطر المجاعة، و2.3 مليون معرضون لخطر سوء التغذية.

وحسب التقرير فإن الاستهلاك الغذائي غير الكافي، وهو أحد مقاييس الجوع التي يتتبعها البرنامج، آخذ في الارتفاع، مما يعكس مدى أهمية المساعدة الغذائية للأسر، ومدى عدم استقرار حالة الأمن الغذائي، مؤكدا أن سبع سنوات من الصراع لم تظهر أي علامة على انحسار الجوع، مع استمرار القتال في تشريد عشرات الآلاف وتعطيل وصول الملايين من الأشخاص إلى الغذاء.

كلمات دالّة

#اليمن