الجمعة 06-12-2024 05:27:01 ص : 5 - جمادي الثاني - 1446 هـ
آخر الاخبار

ضرائب الحوثيين.. من إنهاك القطاع الخاص إلى الإضرار بالمواطنين

الأحد 21 يوليو-تموز 2024 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت-خاص

   

 

قرابة عقد من الزمان يعيش اليمنيون في ظل حكم مليشيا الحوثي المتمردة وليس ثمة هم تحمله المليشيا سوى مصادرتها للحقوق واستحواذها على الأموال بأساليب مختلفة وطرق شتى من خلال بسط نفوذها واستيلائها على المؤسسات الإيرادية واستحداثها لكثير من الإجراءات غير القانونية التي باشرت من خلالها جمع الأموال وتحصيل الجبايات.

مسلسل نهب مستمر

واستمرارا لمسلسل النهب والجبايات تحت مسمى ضرائب، فرضت مليشيا الحوثي، مطلع الشهر الجاري، 20 ريالا كرسوم جديدة على كل "كرتون" (صندوق) مياه معدنية لصالح ما تسميه دعم صندوق المعلم( حتى فواتير الكهرباء والماء أضافوا إليها رسوم ما يسمى صندوق المعلم) الذي يرأسه شقيق زعيم المليشيا يحيى الحوثي، رغم التراجع الاقتصادي الكبير وعدم قدرة أغلب المصانع على صرف رواتب موظفيها.

وبالنظر إلى القيمة المضافة على كل صندوق ماء وبنسبة 20 ريالا قد يبدو المبلغ بسيطا، إلا أنه وعند إجراء عملية حسابية لإجمالي ما يتم جمعه من مبالغ من ضريبة الماء ستتغير المعادلة تماما، فلو تم ضرب الـ 20 ريال في 200 ألف هي متوسط ما ينتجه مصنع شملان، فإن النتيجة ستكون 4 ملايين ريال يومياً، أي ما يساوي 120 مليون شهرياً، ومليار و440 مليون سنويا، وهو ما سيتم جنيه من رسوم جديدة على كل صندوق ماء شملان فقط باسم صندوق دعم المعلم، خلافا عن مصانع أخرى مثل مصنع بلادي ومصنع حدة وغيرهما من المصانع والشركات المنتجة للمياه.

وتحت الذريعة نفسها فرضت المليشيا، في أغسطس الماضي، ضرائب إضافية على استهلاك الكهرباء والهواتف المحمولة لصالح ما يسمى "صندوق دعم المعلمين"، بمزاعم تغطية العجز في الصندوق، وصرف حوافز بسيطة للمعلمين، بعد أن وُجهت عائدات الصندوق لتمويل مدارس التعليم الطائفي.

ووفقا لوثيقة صادرة عن وزير المالية في حكومة الانقلاب الحوثية، فقد تم فرض ريالين على كل كيلوواط من استهلاك الكهرباء لصالح ما يسمى "صندوق دعم المعلمين".

كما أظهرت وثيقة أخرى، صادرة عن وزير الاتصالات في حكومة الانقلاب، أنه تم فرض ضريبة مقدارها ريال على الهواتف المحمولة، والتي يزيد عدد المشتركين فيها عن 7 ملايين مشترك.

بعيدا عن دستور البلاد

وعلى الرغم من مسارعة مليشيا الحوثي منذ وقت مبكر لانقلابها بإصدار سلسلة من القرارات المتلاحقة لرفع نسبة الضريبة في مختلف الأنشطة والقطاعات، فقد أقرت المليشيا تعديل مجموعة من القوانين الضريبية والجمركية، مُنح الحوثيون بموجبها لرئيس مجلس حكمهم الانقلابي الحق في فرض ضرائب جديدة، أو رفع الضرائب والرسوم الجمركية المعمول بها حالياً، الأمر الذي من شأنه أن يفتح الباب أمام سلسلة جديدة من الجبايات على السكان الذين يعاني أغلبيتهم من أوضاع اقتصادية صعبة جراء سياسة الحوثيين.

وقد صوّت أعضاء مجلس النواب الموالين للمليشيا بصنعاء، أواخر العام الماضي 2023، على مقترح تقدم به وزير المالية في سلطة الانقلاب رشيد أبو لحوم يمنح رئيس المجلس الرئاسي الانقلابي في مناطق الحوثيين سلطة تعديل القوانين، وفرض أو تعديل الرسوم الضريبية والجمركية بناء على اقتراح الوزير، ودون تدخل من الحكومة أو ما يسمى مجلس النواب، خلافًا للدستور اليمني الذي يمنع بشكل قاطع فرض أي رسوم ضريبية إلا بقانون.

بوادر سيئة

وبموجب التعديلات التي أُدخلت على قوانين الضرائب والجمارك والمالية العامة، فقد اعتبر اقتصاديون ذلك تمهيدا لحزمة من القرارات الجائرة في مناطق سيطرة الحوثيين، ومزيدا من الضرائب والجبايات، مضافة إلى الجبايات والرسوم الأخرى التي فرضت من قبل خلافًا للقانون، عبر المنافذ الجمركية التي تم استحداثها بين المحافظات، أو رسوم النظافة وتحسين المدن والمجالس المحلية، وصولًا إلى الجبايات الخاصة بالمناسبات الطائفية، وغير ذلك من الإتاوات التي أثقلت بها المليشيا كاهل المواطنين.

وبحسب وسائل إعلام حوثية فإن حكومة المليشيا الانقلابية وافقت على المشاريع التي قدمها الوزير أبو لحوم والذي يعد أحد أبرز رجال المليشيا الحوثية المكلف بانتزاع الإيرادات، تنص على تعديلات قانون ضرائب المبيعات رقم 19 وضرائب الدخل رقم 17 وقانون الجمارك رقم14.

وتذكر تلك الوسائل أن الهدف من التعديلات على ضرائب المبيعات والدخل والجمارك هو حماية المنتج المحلي أمام السلع المستوردة، زاعمة أنها ستحقق الاكتفاء الذاتي، بينما يذهب اقتصاديون إلى أن التعديلات ستضيف أعباء جديدة على التجار والاستيراد في ظل انهيار شامل للاقتصاد في مناطق سيطرة الحوثيين.

التاجر مدان حتى تثبت خسارته

وإمعانا في حربها على القطاع الخاص أصدرت ما تسمى بمصلحة الضرائب الخاضعة للحوثيين بصنعاء، في مارس من العام الماضي 2023، تعميمات جديدة تحض على رفع نسبة الضرائب بنسبة تقدر بـ500%، مستهدفة قطاعات العقارات والزراعة والبضائع المحلية والمستوردة تحت مزاعم تحسين الإيرادات.

وشكا تجار وملاك محلات في عدة محافظات ضمن مناطق سيطرة الحوثيين من خمول غير معهود في النشاط التجاري مع استمرار كساد بضائعهم وعدم قدرتهم على بيعها، حيث كانت في فترة ما قبل الانقلاب تشهد حركة ونشاطاً تجارياً واسعاً وكبيراً، كما أجبرت الأوضاع المتدهورة -نتيجة استمرار الحرب- مئات التجار على إغلاق متاجرهم وتسريح الآلاف من موظفيهم وعمالهم نتيجة لعوامل عدة، وفقا لاقتصاديين، في مقدمتها تدهور الاقتصاد بشكل عام، وتراجع القوة الشرائية لدى السكان، إضافة إلى الإجراءات الجبائية غير القانونية المفروضة على التجار.

ويقول "محمد" صاحب محل سابق للإكسسوارات في مدينة إب: "أصبح كل تاجر في مناطق سيطرة الحوثيين مدان حتى تثبت خسارته، أو يحتفظ بأمواله في خزينة الحوثيين. أصبحت التجارة هنا نوع من العبث وإهدار للمال دون فائدة، فنحن أمام مليشيا لا تعرف غير الفيد، دون مراعاة لأية ظروف يمر بها المواطنون".

مناسبات ضريبية

وقد دأبت مليشيا الحوثي على استغلال العديد من المناسبات الدينية والوطنية التي استحدثتها لإصدار كثير من القرارات وتفعيل السابقة منها لبسط يد النهب وإشهار سيف الضرائب من خلال تلك القرارات.

ففي أواخر العام 2023، كانت ذهنية الفيد حاضرة لدى المليشيا، وكالعادة فقد نشطت المليشيا بمناسبة احتفالها بما تسميه المولد النبوي في فرض جبايات جديدة على التجار في مناطق سيطرتها تحت مسمى الجمارك والضرائب.

وبحسب مصادر إعلامية فقد فرض نافذو مليشيا الحوثي وفرق الضرائب التابعة لها زيادة في جباياتها غير القانونية، موضحة أن الجبايات المفروضة على التجار جاءت بمباركة من الغرفة التجارية الصناعية المعينة من قبل المليشيا، عقب اقتحام مقر الغرفة التجارية بصنعاء قبل شهرين من الحملة، ومن ثم الانقلاب على قيادة الغرفة بقوة السلاح.

وتشير المصادر إلى أن المليشيا فرضت في الرسوم الجمركية والضريبة والقيمة المضافة وضريبة الدخل وضريبة الأرباح التي تم رفعها بنسبة وصلت إلى 140%.

كما لفتت المصادر إلى أن الزيادة الجمركية بلغت 100%، وبلغت الزيادة في ضريبة المبيعات 100%، في الوقت الذي فرضت فيه زيادة في رسوم القيمة المضافة، ورسوم مقدمة دفعة تحت الحساب في المنافذ وميناء الحديدة، بالإضافة إلى زيادة رسوم بنسبة 2% من كل بيان جمركي لصندوق دعم المعلم والتعليم، وزيادة 2% من كل بيان جمركي لصندوق دعم أسر قتلى المليشيا، إضافة إلى زيادة ضريبة في صندوق النظافة والتحسين وزيادة في صندوق السرطان وصندوق النشء والرياضة وصندوق المعاقين.

اقتصادات موازية

ونظرا للحجم المهول للإيرادات التي تجنيها مليشيا الحوثي من وراء الضرائب ومصادر أخرى، فقد أعد فريق لجنة الخبراء التابع للأمم المتحدة المعني بالملف اليمني تقريرا كشف فيه عن أرقام صادمة لحجم النهب الذي تمارسه المليشيا تحت بند ما يسمى الضرائب.

ويقول التقرير الذي صدر العام الماضي 2023، والخاص فقط بالعام 2022، أن المبالغ المهولة التي تجنيها مليشيا الحوثي الارهابية، من قطاعات الاتصالات والجمارك والزكاة والخُمس وتهريب المخدرات، علاوة على الرسوم الجمركية للمشتقات النفطية والمواد الغذائية في موانئ الحديدة، والاستيلاء على أراض واسعة، تشكل اقتصادات موازية وأرقاما كبيرة.

ووفقا للتقرير فإن الرسوم الجمركية والضرائب الأخرى "تشكل 70% من إجمالي الإيرادات الضريبية لليمن، بما في ذلك الرسوم الجمركية، من المناطق التي تسيطر عليها المليشيا"، مؤكداً أنه يجري في صنعاء "تنفيذ الأنشطة الرئيسية للمصارف والصناديق المختلفة، بما في ذلك صناديق التقاعد، وشركات الصرافة، وشركات الاتصالات، والمستوردين، والشركات الكبرى، والكيانات التجارية الأخرى"، مشيرا إلى أن "معظم الشركات الصناعية موجودة في منطقة الحوبان في تعز، ومحافظات الحديدة وإب وذمار".

ويذكر التقرير أنه في يونيو 2020 فرض الحوثيون ما سموها ضريبة الخُمس أو 20% على العديد من الأنشطة التجارية والاقتصادية، من بينها قطاعات المعادن والنفط والمياه والصيد البحري، مؤكداً أن "المستفيدين من الضريبة الجديدة هم عائلة الحوثي، والعديد من الموالين لجماعته".

ويوضح تقرير الخبراء أن المليشيا عملت بشكل غير قانوني على إيجاد جمارك برية ونقاط تفتيش على مداخل المحافظات بحكم الأمر الواقع، وتحصيل رسوم جمركية وضرائب وغيرها من الرسوم غير القانونية على البضائع المستوردة والمحلية، بالرغم من أن الحكومة تقوم بتحصيل الضرائب على هذه البضائع في ميناء الاستيراد الأول.

ويؤكد فريق التحقيق أنه تلقى معلومات تفيد بأن الحوثيين "كانوا يفرضون ضرائب بشكل انتقائي، ويحصلون رسوما غير قانونية من عدة مستشفيات وصيدليات خاصة، بل وأمرت بإغلاق العديد من الصيدليات، وأن وثيقة صادرة عن مكتب ضرائب أمانة العاصمة، كشفت عن فرض المليشيا الحوثية ضرائب إضافية على 13 مستشفى محددا في صنعاء، وعن كل عملية جراحية يتم إجراؤها في المستشفيات ضريبة بنسبة 4%، هذا في حالة وجود رقم ضريبي لموظفي المستشفى، أما في حالة عدم وجوده فتفرض 15%، لافتا إلى أن الفريق تلقى معلومات بأن المستشفيات الخاصة الأخرى المملوكة لقادة الحوثيين البارزين لم يتم إدراجها في القائمة.

تساؤلات مفتوحة

وفي وقت سابق، قال البرلماني الموالي لمليشيا الحوثي في صنعاء بسام الشاطر، خلال مداخلة له في برلمان الانقلاب، إن "سلطة الحوثيين تفرض رسوماً وجبايات هائلة خارجة عن القانون والدستور"، مؤكدا أن "الجبايات التي تنتزعها المليشيا في موانئ الحديدة ارتفعت بنسبة 140% عما كانت عليه في السابق وفق آلية جديدة أنشأتها المليشيا".

وأشار إلى أن التجار "يدفعون إتاوات بأضعاف ما كانت عليه في موانئ عدن، وبالاستناد إلى الفواتير فإن من كان يدفع ضرائب وجمارك وقيمة مضافة بمبلغ 22 مليون ريال في موانئ عدن والمنافذ الحوثية المحاذية للمناطق الشرعية، صار يدفع في موانئ الحديدة 54 مليون ريال أي قرابة 100 ألف دولار بسعر صرف العملات في مناطقهم".

وفي الجلسة ذاتها يتساءل البرلماني عزام صلاح عن مصير الإيرادات والجبايات التي لا نهاية لها في مناطق سيطرة الحوثيين، وماذا تقدم منها للمواطنين، كما تساءل عن إيرادات تراخيص الجيل الرابع التي مُنحت لأربع شركات اتصالات بمبلغ قدره مليار و200 مليون دولار، وفق مساءلة له نقلها التلفزيون الرسمي للحوثيين.

مبالغ مهولة

وقد ذكرت الحكومة اليمنية في تصريحات سابقة أن إجمالي إيرادات خزانة الحوثي خلال 2022 - 2023 من قطاعات الضرائب والجمارك والزكاة والأوقاف والنفط والغاز بلغت 4.6 تريليون ريال، أي ما يقارب 8.7 مليار دولار، "وهي ثلاثة أضعاف إيرادات الدولة عام 2014 التي بلغت تريليون و739 مليار ريال، أي ما يقارب 3.2 مليار دولار، شكل بند المرتبات والأجور في الجمهورية منها 927 مليار ريال يمني أي نحو 1.7 مليار دولار.

ووفقا لتصريحات الحكومة اليمنية الذي ورد على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني، في أغسطس الماضي، فإن "تريليوناً و600 مليار ريال يمني هو حجم إيرادات المشتقات النفطية الواردة عبر ميناء الحديدة وحدها منذ إعلان الهدنة الأممية في أبريل 2022"، أي ما يقارب 3.2 مليار دولار بسعر صرف الدولار في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا، في إشارة إلى أن الإيرادات الفعلية أعلى بكثير في تقدير الحكومة مما تدعي المليشيا.

ويذكر وزير الإعلام أن "الإيرادات التي تجنيها مليشيا الحوثي من المشتقات النفطية الواردة عبر ميناء الحديدة تكفي لتمويل مرتبات موظفي الدولة والمتقاعدين، بانتظام، في المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها".

وبحسب خبراء اقتصاد فإن حصيلة الموارد الضريبية في حكومة الحوثي في الأعوام القليلة الماضية شهدت نمواً كبيراً رغم أنها مقتصرة على مناطق السيطرة لسلطتهم فقط.

ورأى الخبراء أن الإجراءات الإدارية والأمنية الصارمة التي صاحبت عمليات تحصيل الضرائب في مناطق سيطرة الحوثي قد أدّت إلى مستويات عالية للضرائب المحصّلة من المكلّفين والتي تصل أحياناً إلى أكثر من ضعف ما دفعه بعضهم عن السنة السابقة.

جشع بلا حدود

وعلى رغم من حجم المبالغ التي تجنيها مليشيا الحوثي من وراء الضرائب المفروضة، إلا أن المليشيا اتخذت إجراءات جديدة لجني أموال وإيرادات إضافية من خلال فرض رسوم أخرى، وضرائب وجمارك إضافية على المستوردين والتجار الذين يستوردون بضائعهم عبر المنافذ البرية أو البحرية الواقعة تحت إدارة الحكومة الشرعية مرة أخرى بنسبة 100% عند وصول البضائع إلى أول منطقة ضمن الأراضي التي تسيطر عليها المليشيا الحوثية.

وتؤكد وثيقة حوثية موجهة من وزارة المالية إلى مصلحة الجمارك، وجوب تحصيل الرسوم الضريبية والعوائد الأخرى على كل السلع المستوردة عبر المنافذ البرية كما في ميناء الحديدة بنسبة 100% ابتداء من الثامن من أغسطس 2023، وهي الخطوة التي اضطرت كثيرا من التجار إلى تحويل وجهتم في الاستيراد إلى ميناء الحديدة، فيما تكتظ المنافذ البرية التي استحدثتها المليشيا بمئات الشاحنات المحملة بالبضائع الآتية من مناطق الشرعية، رفضاً لقرار الحوثي المعلن برفع الضرائب عليها.

كلمات دالّة

#اليمن