الخميس 28-03-2024 21:54:15 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

امهات المختطفين.. معاناة على أرصفة السجون

السبت 11 فبراير-شباط 2017 الساعة 09 مساءً / التجمع اليمني للإصلاح - خاص - ذكرى الواحدي

  

يترافق الحزن في وجه أم معتقل أمام مبني الأمن السياسي.. تسيل هناك الفجيعة.. تدفق لا ينضب. ولعل تجاعيد وجهها الحزين يلخص مثل هذا الحزن المشبوب والدائم الاتقاد في قلوب الأمهات.
منذ صباحها الباكر جلست أمام "المتارس الإسمنتية" لمبنى الأمن بحدة تنظر الى حراسها المتحجرين الشاخصين اليها. كبومة تنعق في كومة أحزانها. فدموعها السائبة كرماد جمر يكشف حزنها الدفين على ولدها المعتقل. فمنذ 2014م أخفت جماعة الحوثي "محمد" لعامين متتالين مما حطم قلب أمه العجوز، وأصابها بأمراض عديدة!!
إعتادت والدته على المضي بخطى واهنة الى السجن ورؤية وجوه سجانيه الصلبة، كلما ذهبت لرؤيته وتسألهم فينكرون وجوده، فأنينها المتواصل ونحيبها وتوسلاتها وتجاعيد وجهها المنهكة لم تجدِ نفعا لاستعطاف تلك الوحوش وتهتز فيهم مشاعر الرحمة.
تضطر "أم محمد" لافتراش الرصيف القريب من المبنى لمراقبة البوابة فربما تلمح ابنها الغائب خلف قضبانها بعينيها الضعيفتين.
تقول باكية، وشفتاها ترتجفان: "لم أر ابني منذ اعتقاله الا مرتين.. لم اشف حنين قلبي إليه فهو ولدي الوحيد، من يحمل ضعفي وتعبي وشيبتي.. قدم الى صنعاء يبحث عن عمل حتى يستطيع إجراء لي عملية بالعيون لأني أعاني من "المياه البيضاء" ولا بد أن أجرى عمليه قبل ان أفقد بصري نهائيا.
ارتفع نحيبها حتى تسابقت عبراتي قبلها, مضيفةً: "جاءتني أخبار بعد شهر من ذهاب ابني للمدينة، ان الحوثيين اعتقلوه والى اليوم لم يقولوا لي ما تهمة ابني الذي أبعدوه عني". مسحت دموعها بيدها المرتعشة لتخفي ما تبقى من جهد لتحمل فراق ابنها.
تضيف: "تعرض ولدي للتعذيب والضرب كما وصلني، ونقلوه لسجن الأمن السياسي وطيلة تلك الفترة، لم أره الا مرتين"، اختنقت بالدموع وقالت: "رأيته مصفراً ضعيف الجسد، شاحب اللون، فملامحه تبدلت لم تعد كما هي"، تساقطت دموعها لتنحدر بقوة على تجاعيد وجهها الغائرة وهي تقول: "لم أستطع حتى احتضانه"! ثم قالت بلهجة حنين: "كم انا فاقدة له".
ذاكرة معذبة
المأساة التي تعصف بأمهات المختطفين أصبحت جرحاً يجعلهن لا يستطعن النوم وهن يعالجن الصور والذكريات والاحتمالات التي ناوشتهن في ايامهن السوداء التي لا تبدو أن لها نهاية في القريب.
يتوزع الحزن على الأمهات اللواتي ينتظرن أبناءهن المختطفين في معتقلات الحوثي، يقضين أوقاتهن بالبكاء، ليدحرجن جلاميد الحزن المعتمل في الذاكرة المعذبة.
على أبواب "سجن الامن السياسي" يوجد الكثير من امهات المختطفين والمعتقلين يلتحفن بالصمت ويتآكلن داخل ثيابهن، ينتظرن أحبتهن المخطوفين والمعتقلين.
"معمر" طفل لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره اختطفته ميلشيات الحوثي بثياب المدرسة وحقيبته معلقة فوق ظهره. اقتاده راسا الى سجنه الملفوف بمئات من مآسي المختطفين والمعتقلين.
تقول أمه: "لأكثر من شهر لم نعرف بالضبط أين هو ولدي، وبعد التواصل عرفنا ان ولدي الصغير في ذلك المبنى المظلم المليء بعالم من الوحوش..
تتنهد: "كيف أصفح التي ونفسيتي وصغيري بعيد عنى، اتفقد مرقده كل يوم وهو خالي، وأتساءل كيف ولدى في هذا الصقيع؟ّ! وتتضارب الذكريات في رأسي ويأتي خياله أمامي وهو راجع من مدرسته بوجهه المتعب، المضحك يداعبني ويحدثني عن يومه الشاق وأصدقائه ومعلميه".
تنزل دموعها "افتقد لكل شيء فيه"!
تتابع بغضب: " ولدي الذي يدرس في ثالث اعدادي متهم لدى مليشيات الحوثي بأنه عنصر في خلية إرهابية".
تضيف: "ذهبت لرؤية طفلي بعد أشهر من اختطافه كي اتذوق ولو قليلا من الطمأنينة عليه، وكانت بعد محاولات عديدة لزيارته السماح برؤيته، كان بثياب المدرسة التي لا تزال عليه منذ اختطافه، فاشتعل قلبي حزناً عليه وأنا أرى وجهه الطفولي خلف القضبان، فأي جرم هذا؟! الله لا سامحهم كما أحرقوا طفولة ولدي".
معاناة أخرى ترويها إحدى أمهات المعتقلين: "م،ه" والتي اختطف ابنها من جانب مركز "ستي مارت" بشارع الدائري وهو عائد لأمه، ببعض مصاريف المنزل التي دونتها له.
"م،ه" طالب جامعي بسنته الاولى بكلية الإعلام، كان يحلم بمستقبل متألق في عالم الاعلام , لكن مليشيات الحوثي اختطفه مع حلمه الى غياهب السجن. بغضب يشوبه البكاء تقول امه: "سنة ونصف وابني مرمي في معتقل الامن الساسي، طالب في سنته الاولى، أي جرم ارتكبه كي يحرم من مستقبله وحياته؟!". وبعاصفة حزن تتابع: "كلما أرى ابني في الزيارات المتباعدة، وعيونه التي خفت فيها الامل والحياة، أشعر بسكاكين تقطع قلبي، وتصبح ليالي سوداء لا أذوق فيها النوم او الراحة، قلبي معلق عند ولدي. لم يعد ابنى كما عهدته مفعماً بالحياة، أسالك بالله تذهب سنين عمره ودراسته بأي ذنب؟!
ولدى لا يعرف حتى حمل سلاح والآن متهم بأنه "داعشي وقائد خلية ارهابية؟! مهازل انسانية تنتهك كل حقوقنا وتحكم علينا بالموت بأية تهمة يريدونها".
ثم اردفت مستجمعة قواها: "والله ثم والله سوف يحاكموا ولن تسقط جرائمهم حتى لو سقطت بميزان الارض لن تسقطها عدالة السماء".