السبت 27-04-2024 09:04:29 ص : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

في ذكراها الثالثة عشرة.. ثورة الـ 11 من فبراير بين الأمل المتجدد والحلم المغدور

الإثنين 12 فبراير-شباط 2024 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

أكملت ثورة 11 فبراير الشبابية السلمية 13 عامًا منذ انطلاقتها في 11 فبراير/شباط 2011 في اليمن، التي شهدت خلالها أطول وأكبر احتشاد سلمي في ساحات الحرية والتغيير.

مع كل ذكرى تحل لهذه الثورة المجيدة، يتجدد الجدل عامًا بعد أخر حولها، خاصة مع ما آلت اليه الأوضاع، حيث يحملها خصومها مسؤولية كل ما تشهده البلاد اليوم من حروب وصراع وإخفاق في بناء الدولة، ويرون بأنه لولا الثورة لما وصل الحال في البلاد إلى ما هو عليه اليوم، رغم معرفتهم الكاملة ببراءتها من تداعيات ما يمر به الوطن وان الانقلاب الحوثي وحده هو من يتحمَل وزر كل هذه المآسي التي لا تخفى على أحد.

اليوم تأتي هذه الذكرى لثورة 11 فبراير 2011، وهناك جدل وجدل مضاد بشأن هذه الثورة وما تبقى منها بعد انقلاب الحوثيين في 21 سبتمبر في 2014، الذي يرى بعضهم أنه لولا "11 فبراير" ما قام هذا الانقلاب أصلا، وينسى أصحاب هذا الطرح أن الحوثية ليست سوى رداء لفكرة الهاشمية السياسية الموجودة منذ عقود، وكانت قبل هذه الثورة قد شنت ست حروب لإسقاط الجمهورية وإسقاط ثورة 26 سبتمبر.

وهذه الجدلية طبيعية، ولا تخلو من بعض الصواب هنا والمغالطات والتضخيم هناك، كطبيعة أي حدث في التاريخ له ارتداداته السلبية والإيجابية، وليس منطقيا أن يتحقّق أي إجماع حول أي فكرة في التاريخ، فطبيعة الأفكار التغييرية أنها جدلية بالأساس، ينقسم حولها الناس بين فريقٍ يرى فيها منقذة له وفريقٍ آخر يراها سالبة لمصالحه وامتيازاته وفقا للسياسي اليمني نبيل البكيري.

لكن على الرغم من كل تلك التحولات والأثمان التي دفعها اليمنيون طوال السنوات الثماني الماضية، فإن الشباب ما زالوا متمسكين بثورتهم، التي قدّمت صورة مختلفة عن المجتمع اليمني، تجاوزت تلك الصورة النمطية المقدمة عنه كمجتمع قبلي تنتشر فيه ملايين القطع من السلاح.

 

مرحلة هامة من تاريخ اليمن

وفي هذا الصدد، يشير سفير اليمن في المملكة المتحدة الدكتور ياسين سعيد نعمان إلى أن الذكرى الثالثة عشر لفبراير هذا العام تمر وسط صمت يلف أحداث مرحلة هامة من تاريخ اليمن المعاصر، مستغربا من هذا الصمت الذي قال "إنه لا يبدو أن هناك مبرر له، سوى أن حالة من اللاوعي قد استجدت لتبث فكرة خاطئة، وهي أن ما وصل إليه حال البلاد كان بسبب هذا اليوم، وهي ما أخذ يفسح لها مساحة في الوعي السياسي العام".

 

ولفت ياسين في مقال له تحت عنوان "بعض مما يمكن أن يقال في الذكرى الـ 13 لفبراير 2011"، إلى أن "الصمت، أياً كانت دوافعه أو أسبابه، ومنها بالطبع حالة الاحباط التي تملكت الكثيرين، لا يصب في خانة المراجعة الموضوعية التي لا نتوقف بها أمام هذا الحدث فحسب، ولكنها لا بد أن تشمل طائفة واسعة من الأحداث التي صنعت تاريخ اليمن المعاصر".

 وأضاف، "ولذلك لا يمكن أن تمر هذه المناسبة دون أن نعيد الحديث عنها بدوافع لا يقصد منها سوى التذكير بأنها محطة هامة في الحياة السياسية اليمنية، لا يمكن إغفال ما أحدثته من تغيرات، كان أهمها على الإطلاق تقديم ذلك النموذج من الفعل الثوري الذي حول الصراع إلى توافق وطني عبر الحوار".

وتابع الدكتور ياسين مقاله بالقول: "كما أنه لا يمكن أن تمر ذكرى هذا الحدث دون مناقشة ما يوجه له من نقد غير موضوعي على أنه حلق خارج الحاجة الفعلية للبلاد، فيما تقول الوقائع انه سيظل حلقة هامة من حلقات التاريخ التي لم تصنعها الانقلابات ولا الغلبة، وإنما جاء ليصنع مساراً مختلفاً لبناء الدولة، وأن ما حدث بعد ذلك هو الفعل المضاد الذي تسلل إلى داخل الحدث".

واستعرض أبرز انجازات فبراير التي انتهت بمخرجات مؤتمر الحوار بالقول: "إن الانتفاضات الشعبية التي تنتهي إلى حوار شامل لكل القوى السياسية والاجتماعية، كتلك التي انتهت إليها فبراير، جديرة ببقاء صفحتها مفتوحة لاستيعاب حقيقة أن التفاهم والتعايش والقبول بالآخر هو الحل الذي يحتاجه اليمن لمواجهة كل ما تعرض له من كوارث في تاريخه. غير أن هذا المنهج الرشيد كان يجب أن تحميه قوة رشيدة". حسب قوله.

 

لحظة انسداد سياسي

لم تكن ثورة 11 فبراير 2011م خياراً ضمن قائمة خيارات متاحة أمام اليمنيين حينها، فقد كانت لحظة انسداد سياسي وتاريخي عاشها الجميع ليس في اليمن وإنما على امتداد الجغرافية العربية، كانت لحظة تاريخية بكل ملابساتها، وتعقيداتها ومألاتها اليوم، لا يملك أحدُ حق إلغائها من تاريخ اليمن، أو مصادرتها أو حتى ادعاء حقاً حصرياً لها، وستبقى محطة تاريخية خاضعة للدراسة والتقييم وفقاً للحظتها تلك وليس للحظتنا هذه، وفقا للكاتب والسياسي اليمني نبيل البكيري.

ويضيف البكيري في مقال نشره على صفحته في "الفيس بوك"، "من حقك أن تكره تلك اللحظة، ومن حقك أن تحبها أيضاً، لكن ليس من حقك أن تلغيها وتتجاوزها أو تمحيها من التاريخ، هي جزء من ذاكرة الناس بكل سلبياتها وايجابياتها، ولا يمكن الخروج من مأزق هذه اللحظة اليمنية إلا بقراءة كل لحظة ومحطة وتجربة وفقا لسياقاتها المولدة لها بعيداً عن لغة العواطف والمشاعر المُبغضة أو المُحبة فهذه ليست من أدوات قراءة التاريخ والاجتماع البشري مطلقاً".

وقال البكيري، "سواء أحببنا أو كرهنا فلن يزيد كرهنا أو حبنا شيء في ذلك، هي لحظة تاريخية عاشها الناس جميعاً ويمتلكون ذاكرة قوية تستذكر كل ملابساتها، ولدى الناس تقييم لها كل حسب زاوية نظره التي نظر منها للحدث، فلا أعتقد أن أحدُ يمكنه توجيه الناس واعتساف ذاكرتهم ووعيهم حول حدث لا تزال ذاكرة الناس طرية ومليئة بتفاصيله اليوم".

 

بين ثورة فبراير وانقلاب 21 سبتمبر

وبالعودة إلى محاولة 11 فبراير الثورية، ستبقى واحدةً من أعظم لحظات اليمنيين التاريخية، والتي شكّلت إجماعا وطنيا شعبيا جماهيريا، بمعزل عن انقسامات النخبة، لأول مرة في تاريخ اليمنيين، على أهمية التغيير وإنقاذ اليمن من مستنقع الفساد والسقوط والتوريث، بغض النظر عن نتائج هذه المحاولة، والتي لا يمكن القياس عليها لإثبات فشل "فبراير" أو نجاحها، لأن ارتدادات هذه الثورة لا تزال حاضرة، وتعتمل على الأرض حربا طاحنة بين مشروع فبراير والمشروع المضاد له، وإن كان الأخير ممثّلا بمشروع الإمامة الطائفي واحدا من أهم أدوات الثورة المضادة يمنيا.

ويرى مراقبون أن ثورة 11 فبراير، كأي حدث ثوري، لا تخلو من الأخطاء غير المقصودة التي قادت البلاد وثورتها بعيدا عن الأهداف المرجوة من هذه الثورة الشعبية السلمية، التي نجحت في تجنب العنف وعدم الوقوع فيه، في مجتمعٍ مفخّخ بالعنف والسلاح والصراعات التي انفجرت فجأة في وجه شبابها ليتطاير شرره على اليمن بأكملها. 

فحسب الناشط هشام المسوري، فإن ثورة 11 فبراير لم تكن خيارا ترفياً بل ممر إجباري، المبرر لها هي الضرورة ذاتها، وكانت مفاجأة حتى للثوار أنفسهم الذين أشعلوا شرارتها وذلك بالضبط لأن طبيعة الثورات تجئ بشكل عفوي وفجائي وتفقد كونها ثورة بمجرد أن تحتكم لتوقعات أو قوالب نظرية مسبقة.

 

11 فبراير ومشروع التغيير

يؤكد مراقبون أن ثورة فبراير أنجزت مشروعها الوطني الذي خرجت لأجله، وهو تغيير النظام، حيث جاءت برئيس منتخب وحكومة توافقية، وقدمت عبر مؤتمر الحوار الوطني الشامل رؤى وحلول تقدمية فيما يخص إشكالات اليمن المتراكمة مثل القضية الجنوبية وقضية صعدة وشكل النظام السياسي ومسودة الدستور والكثير من الرؤى في مختلف نواحي الحياة.

كما يرى مراقبون، أن ثورة فبراير نجحت في إعادة صنع اليمن وفق رؤى وأهداف الثورة. وعندما جاءت حكومة الوفاق الوطني التي اشركت الحزب الحاكم بنصف مقاعدها شرعت تلك الحكومة بتنفيذ مشروع ثورة التغيير وحققت الكثير من الأهداف في غضون عامين فقط، بما يوازي ما حققته حكومات سابقة في سنوات كثيرة.

ومن تلك الإنجازات على سبيل المثال لا الحصر، توظيف 60 ألف من خريجي الجامعات في مختلف المحافظات اليمنية بما فيهم عمال النظافة، إضافة إلى أنها ثبتت العملة عند ٢١٤ ريال للدولار ومنعتها من التدهور، واستعادت ميناء عدن، وعدلت سعر الغاز من دولارين ونصف للمتر المكعب الى تسعة دولار ثم إلى ١١ دولار، إضافة إلى صرف مستحقات المقاولين والتجار بقيمة ٥٠٠ مليار ريال.

خلاصة القول إن ما تشهده اليمن اليوم من وضع مزرِ، وتراجع كبير عما كانت تؤمله جماهير الشعب لا تتحمل مسؤوليته ثورة فبراير؛ بل الثورة المضادة التي يقف على رأسها الحوثيون فهم من أفشلوا الثورة السلمية وانقلبوا عليها، وصادروا إرادة الجماهير لحسابات طائفية ضيقة، وعادوا باليمن قرن من الزمان إلى الوراء، وهم وحدهم من يتحمل مسؤولية ما يعاني منه الشعب اليمني اليوم وليس ثورة فبراير.

ومن الإنصاف اليوم ونحن نستعيد ذكرى ثورة فبراير أن نحدد من هم المتسببين بما يعاني منه الشعب اليمني، وبالتأكيد علينا ألا نغفل في هذا السياق عن الدور الحوثي الذي ابتلع الثورة الشبابية السلمية، وعسكر الحياة السياسية وقام بتجريفها، وركب موجة الثورة وانحرف بها بعيدا عن أهدافها المشروعة إلى أهداف مشبوهة ذات اجندة إيرانية لا تخفى على أحد، غدرت بحلم اليمنيين رغم أملهم المتجدد بأن أهدافها ستصبح يوماً واقعًا معاشاً مهما حاول البعض الغاءها أو تجاوزها.

كلمات دالّة

#اليمن