الإثنين 29-04-2024 19:46:12 م : 20 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ظاهرة قتل الأقارب.. واحدة من ثمار "مسيرة" الإرهاب الحوثية

الأربعاء 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2023 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت-خاص

 

عادة ما تشهد المجتمعات التي تعاني حروبا أهلية أو اضطرابات داخلية فوضى مجتمعية وانفلاتا أمنيا وارتفاع نسبة الجريمة لا سيما الجرائم الجنائية كالقتل والسرقة والسطو والنهب والاختطاف وغيرها، كنتيجة حتمية لغياب الدولة وتعطيل الدستور والقانون.

غير أن ما لا يمكن وضعه في سياقه الطبيعي أو يدخل في إطار المعقول أن تبرز ضمن تلك الجرائم جريمة لا يمكن أن يتقبلها عقل مسلم أو فطرة سليمة، خصوصا في المجتمعات العربية والإسلامية، وهو ما أصبح يعرف بجرائم قتل الأقارب والتي باتت تمثل ظاهرة حقيقية انتشرت مؤخرا في اليمن وتحديدا في المناطق الخاضعة لسلطة المليشيا الحوثية، والتي باتت تؤرق المجتمع وتقض مضاجع مكوناته.

انفلات أمني وأخلاقي

ومنذ أن خضعت مناطق واسعة من اليمن لسيطرة المليشيا الحوثية نتيجة الانقلاب الذي قادته المليشيا أواخر العام 2014 انتشرت في المجتمع ظاهرة قتل الأقارب وبشكل ملحوظ، وهي الجريمة التي لم تكن معروفة في اليمن على هذا النحو من قبل، إذ لا يتخيل عقل أن يصبح الأب أو الأم أو الأبناء عرضة للقتل في أي وقت وعلى يد أقرب المقربين إليهم ولأتفه الأسباب.

الانفلات الأمني لم يكن وحده السائد في البلاد جراء الفوضى والعبث الذي مارسته وتمارسه مليشيا الحوثي في إدارتها للمحافظات الخاضعة لسيطرتها منذ أكثر من تسع سنوات، والذي أدى إلى ارتفاع في نسبة الجرائم وانتشارها على نطاق واسع في المناطق التي تحكم سيطرتها عليها كالقتل والسرقة والسطو والنهب والاختطافات وتهريب المخدرات وتعاطيها وغير ذلك من الجرائم، بل كان هناك -إلى جانب الانفلات الأمني- انفلات أخلاقي وقيمي أيضا، نتجت عنه العديد من الجرائم والظواهر الدخيلة على المجتمع اليمني التي لم يعرفها قبل الانقلاب الحوثي.

ظاهرة خاصة

غير أن اللافت في الأمر هو ارتباط هذه الجريمة بالأفراد المنتمين لمليشيا الحوثي أكثر من غيرهم من الأشخاص، إضافة إلى تفشي هذه الجرائم خلال السنوات الأخيرة في أغلب محافظات اليمن التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي بنسبة أكثر من غيرها، حتى إنه لا يكاد يمر وقت طويل على وقوع إحداها حتى تكون جريمة أخرى مماثلة لها قد وقعت في مكان آخر، في تصاعد مخيف لسلسلة جرائم القتل الأسري.

وبالنظر إلى شخصية الجناة وخلفياتهم الأيديولوجية والمناطق التي تحدث فيها تلك الجرائم، يتضح جليا أنه ليس ثمة ما يتعلق بالحرب كمشكلة عامة والانفلات الأمني والفراغ الذي خلفه غياب الدولة، يمكن القول إنه وراء بروز تلك الظاهرة الخطيرة التي أخذت بالانتشار في عموم مناطق المليشيا الحوثية، فتلك حالة متكررة في العديد من البلدان العربية والإسلامية التي تشهد حروبا وانقلابات واضطرابات سياسية وأوضاعا أمنية متدهورة، فهي وإن ظهرت فيها الجريمة بنسب متفاوتة كنتاج طبيعي لتلك الحالات الاستثنائية من مراحل تلك البلدان، إلا أنه لم يسجل بروز مثل هذه الظاهرة التي فشت وانتشرت في مناطق سيطرة الحوثيين.

منبع الجريمة

ويمكن القول إن انتشار ظاهرة "قتل الأقارب" تعود لأسباب عقدية وفكرية هي الأهم لبروز هذه الظاهرة في الحالة اليمنية وتحديدا في مناطق الانقلاب الحوثي، خصوصا أن كثيرا من حالات القتل التي وقعت كانت لها خلفيات وأسباب متعلقة بالولاء للمليشيا وزعيمها عبد الملك الحوثي والأفكار التي يؤمن بها مرتكبو تلك الجرائم المنتمون للمليشيا، وهو الأمر الذي عملت المليشيا الحوثية على تكريسه في عقول أنصارها من خلال الدورات المكثفة وطريقة إدارتها لسلوك أفرادها في تلك الحرب وفي الحياة عموما.

كما أن المليشيا تعيد صياغة عقلية المنتسبين لها بما يضمن إبعادهم عن ثقافتهم وجذورهم الطبيعية في الحياة، وفق منهج يسعى لقطع صلات الفرد النفسية والاجتماعية والعاطفية مع أسرته ومجتمعه، وذلك هو أخطر ما يحدث، إذ إن كثيرا من الأفكار والأدبيات التي يتم تلقينها للمنتمين للمليشيا قائمة بالأساس على أنقاض المنظومة الأخلاقية والقيمية، ثقافة تعمل على تكريس العنف وتمزيق النسيج الاجتماعي، وتفكيك الروابط الأسرية التي تعد من أوثق العرى الإنسانية، سعيا لخلق طبائع نفسية جديدة داخل المجتمع.

دمار نفسي

إن جرائم القتل الأسري التي يمارسها المنتمون للمليشيا الحوثية لا سيما المنخرطون في الدورات الطائفية التي تنظمها المليشيا أو العائدون من جبهات القتال، تكشف جانبا كبيرا من التخريب البنيوي الذي تخلفه تلك الدورات وتلقي الكثير من الأفكار التي تترك أثرا كبيرا لا يمكن معالجته بسهولة، مما يشكل خطرا يهدد المجتمع برمته، وينذر بكارثة محققة، ويؤذن بظهور حالات اختلال على نحو أكبر في المستقبل، في حال لم تنته الأزمة في وقت قريب.

كما أن كثيرا من مقاتلي المليشيا الحوثية أسوياء وفقا لمراقبين، ولا يمكن وصفهم بحالتهم الطبيعية، إذ إن بوسع أي محارب طبيعي مهما كان جنسه وتوجهه أن يفرق بين حياة القتال كمهمة يؤديها والحياة الطبيعية التي يعيشها كجذور نفسية وعاطفية وذكريات خالدة لا يمكنه الفكاك عنها، غير أن ما تعكسه تلك الحالات هو أن المقاتل الحوثي يبدو أسير لتلك الثقافة وفاقدا للإرادة تماما، بسبب التشوه النفسي الكبير الذي لحق به، لذا لا يعد غريبا حدوث كثير من جرائم القتل الأسري على يد المنتمين للمليشيا.

خلخلة المعتقد

ويرى الكثير من الباحثين أن هناك علاقة بين ظاهرة قتل الأقارب التي انتشرت في المجتمع مؤخرا والتعبئة الطائفية التي يتلقاها الشباب المنخرطون ضمن برامج ودورات الحوثيين ذاتها، كما أن تلك التعبئة تكون موجهة بدرجة أساسية ضد المجتمع والأسرة وكل من لا يدين بولاء حقيقي للمليشيا قبل أن تكون موجهة ضد من تسميهم بالكفار وقوى الهيمنة والاستكبار وفق ما يقتضيه شعارهم، والذين لم يطاولهم شيء من التهديد والوعيد الذي يطلقه الحوثيون باستمرار، بقدر ما لحق المجتمع والأسرة من الأضرار والمخاطر نتيجة لتلك التعبئة.

وقد سعت مليشيا الحوثي من خلال برامجها ودوراتها المكثفة التي يتلقاها مقاتلو المليشيا إلى التشكيك في عقيدة وتعاليم الأسرة والمجتمع وتضليل وتسفيه الآباء الذين لا يدينون بالولاء والطاعة لزعيم المليشيا، وشحن المقاتلين بالحقد والكراهية والعداوة للأسرة والمجتمع بدرجة كبيرة تحت ذريعة الجهل والضلال، ليتحول الفرد فيهم من أحد مكوني الأسرة ولبناتها إلى عدو لدود لا يؤمن شره وخصم لا يؤمن غدره وقنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر داخل الأسرة في أي لحظة، لذلك فإنها تعمد من خلال وسائل التحريض والتعبئة وخطاب الكراهية الذي تكرسه من خلال تلك الدورات إلى ترسيخ حالة من المقت والكراهية في وعي المنتسب لها ليتم توجيهه ضد الأسرة والمجتمع الذي ينتمي إليهما.

وعادة ما تتبع مليشيا الحوثي في تعبئتها الطائفية أسلوبا تحريضيا موغلا تقوم من خلاله بتحريض الشخص المنتمي لها ضد أسرته أولا خصوصا والده ووالدته، تحت ذريعة أنهما يعيقانه عن فريضة الجهاد ويحولان دون دخوله الجنة بحسب تلك الثقافة، ومن هنا تبدأ عملية خلخلة المعتقدات الذهنية للفرد، الدينية والأخلاقية، ليتم غرس قيم جديدة عوضا عنها في وعيه، قيم لا تكون أخلاقية بالضرورة وتتسم بالعدائية والعنف والكراهية، ليجد المنتسب للمليشيا ذاته بالمزيد من التعبئة والتطرف انتقاميا وغير متورع عن ممارسة القتل حتى ضد أقاربه.

طاعة عمياء

ولا يخفي البعض أفكاره وبعض ما يؤمن به أمام الناس بل أصبح البعض يجاهر بتلك الأفكار والقناعات بل ويباهي بها صراحة، والتي تعتبر أحد دوافع القتل وحوافز الجريمة، فقد تناقل ناشطون ما تفوه به بعض المجرمين من أن زعيم المليشيا يعتبر المقدس الأول وأنه لا يصل إلى مقامه أحد من الناس وإن كان الآباء والأمهات أنفسهم، وهو ذات السبب الذي دفع العديد من المجرمين للإقدام على ارتكاب الجريمة وقتل آبائهم وأمهاتهم بتهمة التقليل من شأن زعيم المليشيا.

وقد تناقل ناشطون بعض التسجيلات ومقاطع الفيديو التي يظهر فيها بعض عناصر المليشيا الحوثية وهم يتلفظون بألفاظ نابية تحمل السب والشتم لوالديهم، معلنين طاعتهم وولاءهم المطلق لزعيم المليشيا عبد الملك الحوثي، معتبرين أنه أغلى وأهم وأقدس في نظرهم من الوالدين وغيرهم، وأن كل من يخالفه مستحق للقتل كائنا من كان، وهو الأمر الذي أكدته الحادثة التي وقعت في يناير من العام الجاري 2023، والمتمثلة بإقدام مسلحين حوثيين على قتل والدهم ضرباً حتى الموت في مديرية المدان بمحافظة عمران شمالي اليمن.

وذكرت مصادر حقوقية ومحلية متطابقة أن مواطنا من أبناء منطقة الأهنوم بمحافظة عمران قتل على يد أبنائه بعد إقدامهم على ضربه ضربا مبرحا حتى فارق الحياة، على خلفية نصحهم بعدم القتال مع مليشيا الحوثي، مما أثار حفيظة أبنائه الذين لم يجدوا ردا على والدهم سوى القتل بتلك الطريقة.

ملازم الجريمة

ويرى أستاذ الفكر التربوي في جامعة صنعاء ومؤلف كتاب "الظاهرة الحوثية"، الدكتور أحمد محمد الدغشي، أن ملازم مؤسس المليشيا حسين الحوثي "تحمل مضامين غاية في العنف والكراهية، وتدعو لقتل المخالف لمجرد الاختلاف معه بأي من طرق الاختلاف السلمية، فمضمونها يحمل معنى الحق المطلق، وقائلها رجل خارق لا يكاد يقول إلا الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو القرآن الناطق، ولا يسع أحد مخالفة ملازمه، ومن خالفها فقد خالف الحق، ومن ثم فحكمه النفاق، وإذا أصر على ذلك وأبى إلا أن يحتفظ برأيه فقد يصل الأمر معه إلى مرحلة استحلال دمه وعرضه حتى وإن كان من أقرب الناس إليه، ومن هنا وصلنا لمرحلة لماذا يقتل الولد أباه؟".

ويضيف الدغشي أنه ومن خلال اطلاعه على ملازم حسين الحوثي فإنها تحمل "تضمينا صريحا أو ضمنيا على تنزيل آية الجهاد والقضاء على الكفر والتبرؤ من الكافرين والمشركين والمنافقين على كل من خالف قائد هذه المسيرة أو مشرفيها أو أفكارها حتى لو كان أقرب الناس أبوه أمه أخوه أو حتى زوجته، ومن ثم يحدث ما يحدث من عنف يصل إلى حد القتل".

واستدل الدكتور الدغشي بقسم الولاية الحوثي الذي يعلن بشكل صريح أن من يختلف مع زعيم المليشيا أو الملازم أو يختلف مع هذه المسيرة فإنه عدو لله ولرسوله ولعبد الملك الحوثي "وكأن النص جاء به قرينا لله ولرسوله ولعلي رضي الله عنه"، مؤكدا أن تعبئة مثل هذه الأفكار لا يمكن أن ينتج عنها إلا عنف وقتل واستحلال للدماء.

وسائل لتكريس العنف

وفي الوقت الذي يحاول الحوثيون التنصل من المسؤولية عن تلك الجرائم وفشو تلك الظاهرة بالقول بأن دوافع تلك الجرائم إنما هي ناتجة عن حالات نفسية يعانيها أولئك الأشخاص الذين يقدمون على ارتكاب تلك الجرائم، ولا علاقة لها بالفكر والمعتقد الذي يحملونه، يؤكد مختصون نفسيون أن للتعبئة والتنشئة دورا في حرف نفسيات الجناة لتحويلهم إلى عناصر تشكل خطرا على الأسرة والمجتمع.

وبحسب مدربة الدعم النفسي، ليلى خليل، فإن للأفكار الضالة والتعبئة العنفية التي يتلقاها عناصر المليشيا في الدورات التعبوية للحوثيين دورا تجاه مخالفيهم في المعتقدات في تفشي قتل الآباء والأمهات والأقارب.

وتقول مدربة الدعم النفسي إن الحوثيين استخدموا وسائل عديدة لتكريس العنف لدى أتباعهم، مستخدمين في ذلك الدورات الثقافية والمساجد ووسائل الإعلام والزوامل ووسائل التواصل الاجتماعي والمخيمات الصيفية، وكرسوا لغة الكراهية وشجعوا على ترك الدراسة والالتحاق بمعسكراتهم حيث تتم تنشئة الأطفال على ثقافة القتل وسفك الدماء لتحل في قلوبهم محل مشاعر الرحمة والإنسانية.

وأكدت أن الحوثيين يقومون بتحريض الأطفال على تكفير غيرهم ممن لا ينتمي لعقيدتهم، مما يؤكد أنهم ينشئون جيلا يتحدث باسم القتل والحرب والانتقام.

ويؤكد باحثون أن انتشار العقاقير والمخدرات والمنشطات وحبوب الهلوسة واستخدامها من قبل مليشيا الحوثي في أوساط المقاتلين التابعين لها لتحقيق أهداف عسكرية سريعة، يعتبر أحد العوامل المهمة في تغيير نفسيات الشباب الذين يرتكبون مثل تلك الجرائم.

وهذا ما ذهب إليه الباحث محمد الأحمدي الذي أشار إلى وجود دور للعقاقير المستخدمة من قبل الجماعات المتطرفة في التأثير على أدمغة أتباعها ونفسياتهم، والتي تجعلهم في لحظة من اللحظات يفقدون السيطرة على أنفسهم.

أرقام وإجرام

وقد شهدت المحافظات الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي انتشارا ملحوظا لـ"الجريمة المنظمة" لا سيّما الجرائم الأسرية وقتل الأقارب، في ظل تقارير تتحدث عن ارتباط معظم هذه الجرائم بالملتحقين بالدورات التعبوية للحوثيين خصوصا في الأعوام الثلاثة الأخيرة.

ووفقا لتقارير حقوقية وأخرى صحفية فقد شهدت الأعوام الثلاثة الماضية 2020 – 2022 ما يقرب من 300 جريمة قتل واعتداء قاتل بحق أقارب، كانت النسبة الأعلى في العام 2020 والذي شهد 105 جرائم قتل، يليه العام 2021 والذي بلغت الجرائم فيه 102 جريمة قتل، ثم العام 2022 بواقع 89 جريمة قتل.

ومع أن هذه الإحصائيات ليست نهائية نظراً لاعتماد راصديها على ما وصل إلى وسائل الإعلام فقط، إلا أنها تظهر حجم الانتشار الكبير لهذه الجريمة والتي باتت تثير قلق المجتمع في المحافظات الخاضعة للحوثيين.

وقد تعددت جرائم قتل الأقارب وشملت محافظات عدة من بينها الجوف وصعدة وعمران وصنعاء وذمار وإب وغيرها، وتنوعت بين قتل الآباء والأمهات والأبناء والأخوات وغيرهم من الأقارب الذين قضوا على أيدي أقاربهم.

وتعد آخر تلك الجرائم هي الجريمة التي ارتكبها مسلح من أبناء مديرية جهران محافظة ذمار في منتصف نوفمبر الجاري والذي أقدم على قتل وإصابة عدد من أفراد أسرته.

ووفقا لمصادر محلية فإن مسلحا أقدم على قتل والده وشقيقيه وإصابة شقيقته وابنه بجروح في مديرية جهران جنوبي المحافظة.

وقد سبقت هذه الجريمة جريمة أخرى بنفس المنطقة وفي فترة وجيزة، حيث أقدم مسلح على قتل والده قبل أن يقدم على الانتحار عقب الجريمة، يأتي ذلك بعد يوم واحد من إقدام قيادي حوثي على قتل زوجته، بعد أن تقدمت إلى المحكمة بطلب الطلاق منه، في مديرية الحزم بمحافظة الجوف.

كلمات دالّة

#اليمن