الأحد 05-05-2024 18:05:15 م : 26 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

اليدومي.. رائد النضال السلمي على قاعدة الحوار والشراكة

الأربعاء 23 أغسطس-آب 2023 الساعة 01 صباحاً / الإصلاح نت - خاص

 


للأستاذ محمد عبد الله اليدومي (1947)، رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، حضور فاعل في الحياة السياسية اليمنية، مكنه من التأثير في مختلف الأحداث ومحطات التحول التي شهدتها البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى اليوم، لا سيما بعد توليه قيادة حزب الإصلاح، إثر وفاة رئيسه السابق الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، رحمه الله، حيث قاد الأستاذ اليدومي حزبه في وقت شهدت فيه البلاد انعطافات سياسية خطيرة، كان أبرزها ثورة 11 فبراير الشعبية السلمية (2011م)، وما تلاها من انقلاب مليشيا الحوثيين الإرهابية على السلطة الشرعية (2014م)، وعلى العملية السياسية وتنصلها من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني (18مارس2013-25يناير2014)

يمثل الاستاذ اليدومي نموذجا للسياسي الذي يجعل من نهضة وطنه قضيته الأساسية، مترفعا عن المناكفات السياسية التي كانت عنوانا لبعض محطات التحول السياسي في اليمن، حريصا على وحدة الصف الوطني، وترشيد الحياة السياسية وفق مسار توافقي يجنب البلاد الصراعات المدمرة، واستطاع، بفضل حنكته السياسية ومرونته، وإيمانه بقواعد اللعبة السياسية وفق مسار ديمقراطي تشاركي لا اقصائي، أن يحظى باحترام الجميع، من قيادات الدولة والاحزاب السياسية والمكونات الاجتماعية. في الواقع فإن هذه السياسات المتبعة من قبل الاستاذ اليدومي هي جوهر استراتيجية الحزب ورؤيته التي لا يزال يتمسك بها رغم كل الصعاب والتحديات.

 

- النهج السياسي

يمتاز اليدومي بكونه رجل حوار يحرص على التوافق السياسي وعلى المصلحة الوطنية العليا وينبذ الخلافات والمهاترات التي تزيد الصف ضعفاً وتمزقاً، ولذا لا غرابة أن تحرص القيادات السياسية من مختلف المكونات، إضافة إلى الدبلوماسيين الأجانب، على الالتقاء به والنقاش معه حول كل ما يتعلق بمستجدات الشأن اليمني، سواء ما يتعلق منها بالسلام أو توحيد الجهود لاستعادة الدولة، بعد انقلاب مليشيا الحوثيين على السلطة الشرعية.

على أن السيرة السياسية للأستاذ اليدومي شديدة الارتباط بالسيرة السياسية للتجمع اليمني الإصلاح، لجهة دوره الفاعل في رسم مسار الحزب وصوغ سياسته منذ تأسيسه في 13 سبتمبر 1990م وحتى اليوم، ويعد أحد أهم الشخصيات السياسية التي توارثت وأصَلت النهج الاصلاحي والامتداد الفكري لحركة الإصلاح اليمنية بعراقتها الاسلامية، التي قام عليها الإصلاح فيما بعد كحزب سياسي يمني الانتماء والجذور.

ويعد اليدومي من الرعيل الأول من السياسيين اليمنيين المخضرمين الذين عاصروا أحداثا جساما شكلت وعيهم السياسي مبكرا، ثم كان لهم بصماتهم في العمل على الانتقال بالوطن من عهد التشطير والصراعات إلى عصر الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي والأمني والمعيشي، بيد أن التحديات التي ظهرت تباعا وأعاقت عملية البناء والتنمية والتغيير، تراكمت فصولها حتى صار الوطن على ما هو عليه الآن، تنهشه المليشيات وتعيث فيه فساداً، وهنا تقع على عاتق الأوفياء للوطن مهمة تاريخية تتطلب حشد كل الجهود والطاقات في معركة استعادة الدولة والجمهورية، وهذا ما يكرس له حزب الإصلاح كل جهوده بقيادة اليدومي ورفاقه، وبالتعاون مع شركاء النضال الوطني.

 

- النضال السياسي السلمي

بدأ الأستاذ محمد اليدومي نشاطه السياسي منذ العام 1985 عندما أسس صحيفة "الصحوة" لتكون لسان حال التيار الوطني(الإسلامي) الذي يمثل الامتداد الفكري لحركة الإصلاح والتجديد اليمنية، وترأس تحريرها حتى عام 1994، وهو العام الذي انتُخِب فيه أمينا عاما مساعدا للتجمع اليمني للإصلاح، ثم انتخب أمينا عاما للحزب لأكثر من دورة.

وفي 6 يناير 2008، ترأس الأستاذ اليدومي حزب الإصلاح، حيث أقرت الهيئة العليا للحزب تكليفه بمهام رئيس الهيئة العليا (المكتب السياسي) خلفا للشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر، رحمه الله، الذي وافته المنية في 29 ديسمبر 2007. وفي مؤتمره العام الرابع-الدورة الثانية- التي انعقدت بصنعاء في مارس 2009م، تحت شعار" النضال السلمي طريقنا للإصلاح الشامل" حدد الأستاذ اليدومي مفهومه لمبدأ النضال السلمي الذي اتخذه الحزب شعاراً له فقال" إن النضال السلمي لا يعني السهولة والدعة، فبدون الاستعداد والتضحية وامتصاص الصدمة يتحول النضال السلمي إلى شكل من أشكال المهادنة مع الظلم والفساد". ودعا اليدومي كافة القوى السياسية إلى طاولة الحوار لإخراج البلاد من الأزمات الماثلة آنذاك، ودعا أعضاء المؤتمر ان يجعلوا هذا المؤتمر "محطة ومنطلقا لوثبة أكبر في العمل والنضال السلمي نحو تحقيق غايات وتطلعات الشعب"، ودعا الأطراف السياسية والاجتماعية الى "طرح أجندتها على الطاولة بشفافية وصدق لإدارة حوار جاد ومسؤول يفضي الى ما من شأنه اخراج البلاد من أتون أزماتها القائمة".

في عام 2003، شارك الإصلاح بقيادة اليدومي في تأسيس تكتل أحزاب اللقاء المشترك، التي مثلت أول تجربة معارضة سياسية فاعلة بالأدوات السلمية، وضمت أحزابا من مختلف المشارب الفكرية والمدارس الأيديولوجية. وفي 11 فبراير 2011 اندلعت الثورة الشبابية السلمية، اعقبها عملية سياسية توافقية برعاية إقليمية ودولية كانت ستنقل اليمن إلى مرحلة جديدة من التغيير، لكن التجربة تعثرت نتيجة انقلاب مليشيا الحوثيين الإرهابية على السلطة الشرعية والتوافق السياسي، بدعم من إيران، وهو ما استدعى القيادة السياسية لطلب تدخل عملية "عاصفة الحزم" بقيادة المملكة السعودية لمساندة السلطة الشرعية ضد الانقلاب الحوثي.

وفي تلك الأحداث، كان لحزب الإصلاح بصماته فيها، وكان الأستاذ محمد اليدومي أبرز راسمي سياسات الحزب، المرتكزة على البعد الوطني في مواقفه من القضايا المحلية، مبدياً حرصه على أن تظل الخلافات في الإطار السياسي، وألا تنزلق نحو العنف والمواجهات المسلحة، وأن يكون النضال السلمي الأداة الحضارية الوحيدة للمطالبة بالحقوق ونيل الحريات. لكن المليشيات الحوثية فرضت خيار المواجهة المسلحة بانقلابها العسكري واستيلائها على السلطة، واصرارها على فرض أجندتها السياسية والفكرية بالقوة، الأمر الذي جعل الإصلاح يسارع إلى اعلان مؤازرته التحالف العربي لاستعادة الدولة والشرعية والنظام الجمهوري. وأما مواقف حزب الإصلاح من القضايا الخارجية وتفاعلاتها، فقد حسم أمره بشأنها بأن تكون مواقفه السياسية متوافقة والمواقف الرسمية للدولة.

 

- تحذير مبكر من عودة الإمامة

اتسم الأستاذ محمد اليدومي برؤية ثاقبة وقراءة متفحصة للأخطار المحدقة بالوطن، ومن ذلك تحذيره المبكر من الإمامة الكهنوتية السلالية العنصرية وخرافة الاصطفاء الإلهي والحق المقدس في الحكم، جاء ذلك في مقال نشر في صحيفة الصحوة، العدد (284) عام 1991، حيث قال الأستاذ اليدومي في مقاله المذكور: "واجبنا أن نقدم الإسلام للبشرية نظيفا كما نزل من السماء، وعلينا أن نزيل عنه ما لحق به من أدران الجاهلية في عصور التخلف، وما سعى له أصحاب الأهواء ومرضى الذات من محاولات للي عنق قواعده وأسسه تطويعا لخدمة طموحاتهم، وتسخيرا لتنفيذ مآربهم في الاستعلاء والاستكبار على بقية خلق الله".

وأضاف اليدومي في مقاله محذرا من عودة الإمامة: "إننا في حاجة إلى وقفة جادة ودراسة متفحصة لكل الأسباب التي دفعت وتدفع بالملكيين (الإمامين) في الماضي والحاضر إلى استمرار إصرارهم على ترسيخ الطائفية السياسية فيما بيننا في كل مجالسهم وكتاباتهم وخطبهم وفتاواهم، ورغبتهم في أن يبقى الهادوي هادويا والشافعي شافعيا، ويقاومون بكل إمكاناتهم أي محاولة تهدف إلى اقتلاع جذور الطائفية السياسية والخلاف المذهبي".

وشدد اليدومي حينها على المسار الوطني الذي يجب التمسك به بناء على الفلسفة الإصلاحية التي تم بناؤها في وقت مبكر، وقال: "إن الثورة والجمهورية خيارنا، ففي ظل الثورة والجمهورية تعلمنا بعد تجهيل، وفهمنا إسلامنا فهما نقيا بعد غياب للوعي فرض علينا عمدا لسنوات شكلت قرونا من الماضي، وخرجنا منطلقين إلى الحياة بعد أن كنا قابعين مكبلين بقيود التخلف في مغارات الانحطاط".

جاء تحذير اليدومي المبكر من الكهنوت السلالي في سياق ادراكه العميق لمخاطر الفكر الإمامي الكهنوتي على اليمن، وحرصه على الوطن ومكتسبات ثورة 26 سبتمبر التي تحققت بفضل تضحيات الأحرار اليمنيين الأوائل، وفي المقدمة منها الجمهورية والديمقراطية والوحدة والتعددية السياسية والمساواة وغيرها، وهي ذات الصرخة التي كان اطلقها من قبل أبو الأحرار الزبيري في التحذير من مخاطر الإمامة على وحدة اليمن، ودعوته اليمنيين للوقوف صفا واحدا للتصدي لها. وبعد انقلاب مليشيا الحوثيين الإرهابية على الدولة والنظام الجمهوري ومحاولاتها الحثيثة إعادة الإمامة بوجهها القبيح، كان حزب الإصلاح بقيادة الأستاذ محمد اليومي في مقدمة القوى الوطنية التي رفضت الانقلاب السلالي، وأعلن تأييده للسلطة الشرعية وللتحالف العربي الداعم لها، وما زال حزب الإصلاح، بقيادته، يدعو إلى توحيد الصف الجمهوري ونبذ الخلافات والعمل معا لاستعادة الدولة والجمهورية من مخلفات الإمامة الكهنوتية وإعادة بناء اليمن الجديد.

 

كلمات دالّة

#اليمن