الأحد 05-05-2024 16:07:20 م : 26 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

القرآن وثقافة الحياة الأسمى (دراسة سننية) (الحلقة الثالثة: أثر الجمال في الحياة الأسمى)

الثلاثاء 22 أغسطس-آب 2023 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت-خاص | عبد العزيز العسالي
 

 


مدخل:
والذي نفسه بغير جمال
لا يرى في الوجود شيئا جميلا
(إيليا أبو ماضي)

مقدمة: إشكالية الجمال عند الفلاسفة

كثيرا ما يقال إن الفلسفة أقوى الآليات التي تساعد العقل على الغوص في سبر أعماق القضايا - خلفيات، وأبعاد، وأسباب، وعوامل، وصولا إلى الحكم المناسب على قضية ما، بل وقبل ذلك تتردد الأقوال إن الفلاسفة -دون غيرهم- هم من لديهم القدرات على وضع التعاريف للأشياء الحسية والمعنوية، فهل تمتلك الفلسفة عصا سحرية تستطيع من خلالها تفكيك القضايا المعقدة وسبر أغوارها... إلخ ما يقال؟

الجواب: إن من يقف على أقوال الفلاسفة في أبسط القضايا يجد الاختلاف الصادم حول معظم القضايا إلى حد عجيب وغريب، ومع ذلك يردد بعض الفلاسفة أن ذلك الاختلاف هو أعظم فضائل الفلسفة، ولا ندري ماهية تلك الفضيلة فضلا عن فائدتها، سيما الفلسفة الحديثة؟

الجدير ذكره أن الفلسفة قديمها وحديثها عجزت عن تقديم تعريف للجمال، وقد حاول البعض تعليل ذلك العجز قائلا: إن وضوح معنى الجمال هو سبب ذلك العجز.. من جهة أخرى وجدنا فلاسفة معاصرين ينكرون وجود أي جمال، معللين أقوالهم إن الجمال نسبي يعود إلى بعض النفسيات، فمن يرى شيئا يعتقد فيه نسبة من الجمال فهناك من يرى ذلك الشيء قبيحا، وهذا النوع من الفلاسفة هم دعاة الفلسفة العدمية.

وحفاظا على قيمة الوقت نريد الانتقال بالقارئ إلى صلب الموضوع متوخين تبسيط الفكرة قدر الإمكان وذلك في تقديم قراءة نسلط من خلالها الضوء على "موضوع الجمال" من زاوية "السنن الإلهية"، ذلك أن موضوع الجمال هو أحد السنن الإلهية في الكون والنفس والاجتماع، فالجمال سنة إلهية لها ميادين، ولها ومقاصد، ووسائل تنمية وترسيخ، ولها ثمار وفوائد عقدية وقيمية وتربوية واجتماعية وذوقية وحضارية.

وبما أن الموضوع طويل، فقد اجتهدت قدر المستطاع أن أقدم المعلومة الأهم والأكثر فائدة وذلك من خلال المحاور التالية:

المحور الأول: الظاهرة الجمالية في الإسلام

يمكننا القول إن القرآن هو أول مظاهر الجمال، كما أن نصوصه زاخرة وهادية، دلالة ومعنى، إلى فلسفة الجمال، وأن للجمال كينونة حاضرة في ذوات الأشياء الحسية والمعنوية - قيما خلقية وتصرفات فعلية وقولية وذوقية.

وإليك أيها القارئ الكريم بعض النصوص العامة حول الجمال لفظا، واشتقاقا، ومعانٍ، وسياقات، قال تعالى: "ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون".
وقال تعالى: "إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين".
وقال تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم".
وقال تعالى: "فاصفح الصفح الجميل".
وقال تعالى: "واهجرهم هجرا جميلا".
وقال تعالى: "وسرحوهن سراحا جميلا".
وقال تعالى: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان".

إذن، النص الأول قرر بوضوح أن الجمال موجود له ماهية، أي ذات قائمة، ولكن مفهوم الجمال واضح من السياق -"ولكم فيها جمال"- فقوله: "لكم" أي أنكم تشعرون بلذة الجمال نفسيا ووجدانيا وعقليا.

ونجد النص الثاني يقرر بدلالة أكثر وضوحا أن للجمال ذاتا وتأثيرا في وجدان وعقول الناظرين: "تسر الناظرين".. أما دلالات الاشتقاق فتتمثل في "الجميل" المشتق من مصدر الجمال - فعل نفسي هو الهجر الجميل، وكذا الصفح الجميل، وهناك فعل متعدي أثره إلى الغير هو "السراح الجميل"، فهذا التصرف - السراح الجميل، فإذا كان الصفح والهجر الجميل له انعكاساته المؤثرة في نفسيات الآخرين، فإن السراح الجميل للزوجة له أثره الطيب أكثر وأكثر.

أما دلالات المعنوية للجمال نجدها في النص "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"، فهذا النص وأمثاله قد تحول في الثقافة الإسلامية إلى مثل عربي سائر يقول: "جُبِلتْ القلوب على حب من أحسن إليها".

ولك أخي القارئ أن تتأمل أن المثل مقتبس بصورة مكثفة تعكس قوة استناد الثقافة الإسلامية إلى مصادرنا المقدسة.

المحور الثاني: ميادين الجمال

يمكننا القول إجمالا إن ميادين الجمال ثلاثة هي: الكون، والنفس البشرية "أحسن تقويم"، والقيم والأخلاق.. ويتفرع عن كل ميدان فروع وجزئيات كثيرة سنشير إليها لاحقا.

بعض أدلة الجمال الكوني:

قال تعالى: "ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح".
وقال تعالى: "إنا زينا السماء الدنيا بزينةٍ الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد".
وقال تعالى: "الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار".
وقال تعالى: "أولم يروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج • والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج".. فالزوجية ذات بهجة - جمال يهز النفوس من جهة، كما أن الزوجية لا زالت أرض بكر مكتنزة الأسرار - الذرة الفيزيائية نموذجا.

دليل الجمال في ميدان النفس البشرية، قال تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا".
وقال تعالى: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون".
وقال تعالى: "يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم • الذي خلقك فسواك فعدلك".

وفي ميدان القيم والتصرفات الخلقية يقول تعالى: "إن الله يحب المحسنين".
وقال تعالى: "إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون".
وقال تعالى: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان".
وقال تعالى: "وللذين أحسنوا الحسنى وزيادة".

والنصوص كثيرة جدا.. الجدير ذكره أن النصوص المتعلقة بجمال الإنسان والقيم دلالتها الجمالية واضحة، وكذا سنن التأييد الرباني - معية الله مقترنة بجماليات التقوى والإحسان.

غير أن النصوص المتعلقة بجمال الكون لا شك أن لها عدة أبعاد مقاصدية، وهذه الأبعاد هي موضوع المحور التالي.

المحور الثالث: الجمال مقصد، وسنة، وثمار:

الإسلام دين الجمال وحضارته هي حضارة الجمال في ميادين الحياة المختلفة، هذا من جهة،
ومن جهة أخرى -وهي الأهم- أن الجمال هو مقصد بذاته، وفي ذات الوقت هو "سنة إلهية" لها أثرها العظيم في بناء العقيدة وترسيخها وأيضا في تكوين الحياة الأسمى - تربية وقيما خلقية وجمال حسي ومعنوي.

غير أننا سنسلط الضوء على مقاصد الجمال الكوني وأثره العقدي والقيمي، وسنؤجل الجانب التربوي والخلقي... إلخ، إلى المحور القادم.

النصوص الهادية إلى جمال الكون كثيرة، وقد تجلت خريطة النصوص الهادية إلى الجمال في حبكة دلالية جمالية تهز الوجدان وتوجه النظر والعقل والوجدان، كيف لا، وهي قد جمعت الدليل على الجمال كسنة إلهية، ومقصدٍ مطلوبٍ لذاته، والثمار العقدية في آن.

ولأن الحيز المتاح لا يسمح باستعراض النصوص كون النص الواحد يتضمن عددا من الآيات، الأمر الذي يجعلني أستسمح القارئ بإيراد بعض النصوص فيما يلي: من سورة آل عمران الآيات 190 وحتى نهاية الآية 195.. قال تعالى: "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب • الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار • ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار • ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار • ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد • فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض"... إلخ الآية 190.

ابتدأت الآيات بتقرير يلفت أنظار ذوي الألباب - تقرير يحمل إيقاعا يلفت البصر والبصيرة والوجدان: "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لآيات لأولي الألباب".. شريطة أن يكون ذو اللب محترما لعقله وتفكيره مقدرا ذلك التكريم الإلهي له على سائر المخلوقات، ثم ينتقل النص عبر الاسم الموصول: "الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم".

فالنظر إلى جمال الكون انتقل بهم إلى المقصد العقدي - ذكر الله قياما... إلخ، وفورا ينتقل بهم إلى قيمة "التفكير" الخادم للمقصد العقدي أيضا: "يتفكرون في خلق السموات والأرض".. وعلى الفور ألسنتهم تلهج ملحة بالدعاء الصادر عن يقين راسخ: "ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار".. تعقيب بالفاء - فقنا، إنه الإلحاح المصحوب بالانكسار "ربنا" ويتكرر الانكسار في ندائهم، ربنا، ربنا، 5 مرات.. وهكذا انتقل النص من جمال الكون إلى مقصد بناء العقيدة أولا، وترسيخها ثانيا، وإرساء قيمة التفكير فهي قيمة حاضرة في القرآن استغرقت 361 آية باللفظ والمعنى.

فالإسلام دين العقل والتفكير والوجدان.. وبعد إعلان الانكسار جاء الجواب مقترنا بحرف الفاء، "فاستجاب لهم ربهم"... إلخ.. إننا أمام لوحة جمالية تتقاصر دونها كل اللوحات -أستغفر الله- لا مجال للحديث. ومن سورة الصافات، الآية 4 إلى الآية 11، قال تعالى: "إن إلهكم لواحد • رب السموات والأرض ورب المشارق • إنا زينا السماء بزينة الكواكب • وحفظا من كل شيطان مارد • لا يسّمّعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب • دحورا ولهم عذاب واصب • إلّا من خطِف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب • فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب".

يتجلى الجمال كالمعتاد أولا في تقرير وحدانية الله عز وجل "مركزية التوحيد" أن إلهكم لواحد الذي هو رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق.

وثانيا تبدأ تجليات الجمال بالاقتصار على ذكر المشارق، لما للشروق من بهجة في النفوس بعد ظلام الليل، ثم ينتقل إلى تقرير جمالٍ آخر ينبثق ليلا من خلال جمال "زينة السماء بزينة الكواكب"، وأن هذا الجمال له مقاصد - زينة السماء، وحفظا لها من مردة الشياطين، ومقصد نفي الشبهات عن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم المعصوم بالوحي المقدس.

وثالثا يتجلى الجمال في الحركة المشهدية - لا يسّمّعون، بل ويقذفون، من أين يأتيهم القذف؟ من كل جانب، قذف -دحورا- تدميريا مصحوبا بعذاب واصب حركة جمالية مشهدية أخاذة بجوانب الأفئدة والعقول، ويزداد توكيد جمال الحركة المشهدية بتقرير أن الشيطان لو حصل أن اختطف الخطفة فله تعذيب خاص -شهاب ثاقب يثقبه- يقضي عليه.. وعلى الفور تنتقل الحركة المشهدية من الكون إلى الأرض وعبر أداة تعقيب وهي الفاء، فاستفتهم - استفت كل من لم يحترم عقله هل هو أشد خلقا، أم ذلك الكون العظيم.. إنهم مخلوقون من مادة ضعيفة - طين لازب - وأين ذلك من خلق الكون الباهر "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس". ومن سورة ق، 6 - 11، قال تعالى: "أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج • والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج • تبصرة وذكرى لكل عبد منيب • وأنزلنا من السماء ماءً مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد • والنخل باسقات لها طلع نضيد • رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج".

ابتدأ النص بلفت الأنظار إلى السماء.. لماذا السماء؟ لأنها فوقهم.. وهذه الفوقية تقتضي إعمال العقل والتفكير إزاء البناء المحبوك: "والسماء ذات الحبك". ليس البناء فحسب وإنما أيضا زيناها وليس هنالك فتحات - فروج - ذات صلة بالزينة.. فالزينة بعيدة جدا عن السماء: "وكل في فلك يسبحون".

وتنتقل الحركة بالنظر صوب الأرض القريبة - ممدودة أمام النظر، بل كيف يغفل العاقل عن الجبال الرواسي، وتنتقل الحركة من مشهد الرواسي إلى النبات البهيج المحدث انشراحا في النفوس.. وفورا ينتقل إلى المقصد - تبصرة وذكرى، ولكن لمن؟ لكل عبد منيب أسلم قياده إلى هداية النصوص فهو مناوب - متكرر الاقتراب من الله، فمثله "كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء • تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها".

وتعود حركة جمال المشهد مرة ثانية إلى إنزال الماء المبارك فلا ضرر فيه، والبركة متعددة الأبعاد منها إنبات جنات - حدائق متنوعة، وإنبات الحب المحصود الذي يقتاتون منه ويدخرون... إلخ.

وتنتقل جماليات الحركة المشهدية إلى النخل الباسقات -ما أروع التعبير بالباسقات- ذات الطول المرتفع بعيدا وكأن رأس النخلة لم يعد له علاقة بالأرض، والأكثر جمال ذلك الطلع - الثمار المنضّدة المنظّمة - ترتيبا فوق بعض، وفوق كل ذلك أن في النبات والنخيل رزقا للعباد، وفورا يعود المشهد إلى إنزال الماء أنه أحيا بلدة ميتا، وينتقل بسرعة مذهلة إلى قيمة فكرية - المنهج الاستدلالي البرهاني - قياس الغائب على الشاهد - كما تحيا الأرض بالماء كذلك يكون خروجكم من القبور.

والخروج من القبور يعني البعث بعد الموت، وقضية البعث غائبة عن الأعين، فجاء المقصد الجمالي لإرساء عقيدة البعث الصادرة عن الإله العظيم القدير جلت وعزت قدرته.

وفي سورة الغاشية، من الآية 10 - 22، قال تعالى: "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت • إلى السماء كيف رفعت • وإلى الجبال كيف نصبت • وإلى الأرض كيف سطحت • فذكر إنما أنت مذكر • لست عليهم بمسيطر".

ابتدأ المقطع بالدعوة إلى التعليل النظري إلى الأبعاد الغائبة الكامنة وراء خلق الكون المشهود، حيث ابتدأ المنهج الاستدلالي من الشيء الأقرب - الإبل التي يركبون عليها- كيف خلقت؟ ولأن المخاطب الأول هو العربي الذي يمتطي ظهر الناقة في الصحراء فلا يشاهد غير الإبل والسماء فوقه، ثم إذا اجتاز الصحراء يصطدم نظره بالجبال المنصوبة ولكن تلك الجبال لم تكن مانعة من سير الإبل، فالأرض ممتدة كالسطح فتنطلق الإبل في سيرها دون توقف.

وعليه، فمن احترم تفكيره فقد أنقذ نفسه، ومن أبى فلست يا محمد جبار ولا مسيطر عليهم، إنما أنت مذكر لا غير، ومن أعرض وتولى وكفر سيناله العذاب الأكبر.

إذن، وباختصار شديد، فالنصوص السابقة جعلت من الجمال مقصدا بذاته مؤثرا في النفوس والعقول... إلخ، كما جعلت الجمال سنة هادية إلى مقصد عقدي، ومقصد قيمي - تعقل، تفكير، ومنهج استدلالي برهان في آن.

المحور الرابع: التربية الجمالية

تتعدد أنواع الجمال بين الحسي والمعنوي والذوقي والأدبي والقيم الخلقية والفنون رسما وخطوطا ولباس ونظافة وأناقة إلى غير ذلك.

وعليه يمكننا القول إن التربية الجمالية في الإسلام قد استوعبت الكثير من فروع الجمال المعنوي والحسي، فالجمال المعنوي ينضوي في إطاره أنواع كثيرة - القيم الخلقية ويبلغ عددها 22 قيمة تبدأ بالتقوى، وهو "مصطلح" قرآني تعود إليه كل القيم الخلقية - صدق، كرم، حلم، عفو، صبر، إنفاق، تعاون، حب الخير، تواضع، أخوة، سماحة، قسط، إلى غير ذلك، إلى جانب قيم التفكير والمنهجية - النظر العلمي... إلخ القيم الحضارية كالعدل والحرية وقدسية الحقوق والبر... إلخ.

والطريق إلى ما سبق هي التزكية، والتزكية تتكئ على عملية إجرائية دقيقة وذكية تتمثل في التربية الشاملة وبها يترسخ الجمال المعنوي، وهذا هو المقصود بالتربية الجمالية في هذا المجال، فإذا انتقلنا إلى الجمال الحسي سنجد أن الإسلام دين الجمال والنظافة والطهارة والحضارة الفائقة الجمال المادي والمعنوي، كيف لا والطهارة -الطهور شطر الإيمان- الوضوء للصلاة وطهارة الثوب، والبدن والمكان والاغتسال من الجنابة والحيض، والاغتسال للجمعة والعيدين، وسنة السواك، والأمر بالزينة عند كل مسجد، ونظافة المنزل، بل وقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن من سل سخيمته، أي أفرغ بطنه في الطريق وموارد الناس وأماكن المياه وأماكن الظلال، بل وقبل ذلك القرآن حرم وطء المرأة الحائض، وأيضا سن الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر بمشط الشعر، وشبّه صلى الله عليه وسلم الذي لم يمتشط بأنه يأتي كالشيطان.

والقرآن أمرنا بأن نقول للناس حسنا، وصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الله جميل يحب الجمال، كريم يحب الكرم، عفو يحب العفو".

وقال صلى الله عليه وسلم إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده بدون اختيال ولا إسراف.

والصيام هو فريضة يلجم نزوات النفوس كالغضب والانفعال والطيش، وإذا جاء من يسب الشخص فليقل إني صائم ثلاثا، تذكيرا للنفس أنه ملتزم بأدب الصيام للحصول على خلق التقوى، علما أن خلق التقوى متصل دلاليا بعدد من القيم الكبرى ذات الأثر الإيجابي الموصل إلى الحياة الأسمى.

باختصار شديد تلكم هي مقاصد سنة الجمال وأثره في الحياة الأسمى.. نكتفي بهذا القدر على أمل اللقاء بكم بعونه سبحانه مع الحلقة الرابعة بعنوان: الاستقامة والقصد وأثرها في الحياة الأسمى.

كلمات دالّة

#اليمن