الثلاثاء 30-04-2024 09:56:31 ص : 21 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

النظرية السياسية في الإسلام.. أسس، مقومات، غايات، ضمانات (دراسة مقاصدية) (الحلقة الثانية: بناء المجتمع القيمة المحورية)

السبت 17 يونيو-حزيران 2023 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت-خاص | عبد العزيز العسالي

 

أولا، وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم:

بيّن الله عز وجل في القرآن المجيد الغاية الوظيفية من إرسال الرسل عليهم السلام، حيث حددها سبحانه في أربع وظائف تجاه المجتمعات وهي: تلاوة الآيات، التزكية، تعليم الكتاب، والحكمة.

سنقتصر على النص الخاص بالرسول خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ظلال مبين" (الجمعة، 2).

إذن، وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم هي التعليم، والتعليم يعني بناء المجتمع وتنميته. ويمكننا القول إن وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم إجمالا هي وظيفة دينية، ولكن إذا تأملنا نصوص القرآن الهادية نجد أنها تحمل مفاهيم كبيرة واضحة الدلالات والأهداف والغايات، وفي مقدمة المفاهيم أن هناك:
- وظيفة اجتماعية للدين.
- أن الوظيفة الاجتماعية للدين هي بناء المجتمع.
- أن تديّن المجتمع أبرز وسيلة لترسيخ شبكة العلاقات الاجتماعية، فينضبط المجتمع وتستقيم سيرته، وهذه القيمة تعجز عن صناعتها عشرات القوانين ومعسكرات الشرطة والسجون.

ثانيا، بناء المجتمع.. المكانة والأهمية:

من نافلة القول إن المجتمع هو المحور المركزي لبناء النظرية السياسية، وتنبثق عن المجتمع بقية مقومات النظرية.
بناء المجتمع فكريا وثقافيا هو ثاني مقومات النظرية السياسية.
القيم الكونية والخلقية هي مكونات بنية المجتمع، وستكون القيم هي ثالث مقومات النظرية السياسية.

بناء المجتمع جاء لتحقيق أهداف، وستكون الأهداف هي رابع مقومات النظرية السياسية.
منظومة قيم بناء المجتمع صاغها القرآن تحت مصطلح واحد هو "التزكية"، قال تعالى: "ويزكيهم".

منظومة قيم التزكية نوعان:
النوع الأول، القيم الكونية.
النوع الثاني، القيم الخلقية. ومنظومة القيم الكونية والخلقية لها أهداف وغايات.

ثالثا، منظومة القيم الكونية.. نذكرها بإيجاز وهي:

1- التكريم الإلهي للإنسان.. هذا التكريم للإنسان هو القيمة الكونية المحورية، وبقية القيم تنبثق عن قيمة التكريم الإلهي للإنسان من جهة، وفي ذات الوقت هي خادمة لكرامة الإنسان.
2- الكفر بالطاغوت.
3- الحرية.
4- محاصرة الظلم والطغيان.
5- المساواة.
6- العلم.
7.العدل.
8- حماية سائر حقوق الإنسان.
9- الوسطية.
10- الشورى.
11- الإحسان بمفهومه الديني والحضاري، ويعني دقة مراقبة الله، الالتزام، الجودة، الإتقان، الكمال، الجمال، النظام، وحب النظام.

رابعا، منظومة القيم الخلقية:

هي كثيرة، ولكن سنذكر أبرزها بلا ترتيب، وهي كما يلي: الإنفاق، الإخاء، البر، الحب، التعاون، التعارف، التكافل، الصبر، التشاور، رفض الظلم، الحلم، العفو، العقل السنني، الثقة بالله، الاستقامة، عدم الركون إلى الظلمة، أمر بالمعروف، نهي عن المنكر، الوعي الثقافي الأمني الشامل - جغرافيا، اجتماعيا، سياسيا، اقتصاديا، نفسيا، تربويا... إلخ.

خامسا، التأصيل العقدي للقيم:

يجب -عقيدة وشريعة- ربط منظومة القيم الكونية والخلقية بالعقيدة، وتحديدا بركني الإيمان بالله واليوم الآخر.

الانفصال بين منظومة القيم وبين ركني الإيمان بالله واليوم الآخر يؤدي إلى مسخ القيم وتحويلها إلى حركة آلية عقيمة عديمة الجدوى، وهنا يكمن السر لدى كثير ممن يلتزمون أداء الفرائض ولكنهم راسفين في حمأة الأهواء وكبائر الذنوب والإثم والفواحش بأنواعها.

والسبب هو أن التصوف الفلسفي أحدث انفصالا بين منظومة القيم والعقيدة، فمهما ارتكب الشخص الموبقات فهو في حضيرة الإسلام، وهنا نتساءل: أين هو خلق التقوى؟ أليس التقوى هو خلق القرآن؟ أليس التقوى أعظم ناظم للأخلاق قرآنا وسنة؟

ربط منظومة القيم بعقيدة الإيمان أمرنا الله به في آيات كثيرة: "والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل".
الفصل بين القيم وعقيدة الإيمان هو عين الإفساد في الأرض بنص القرآن: "والذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار". والكفر بالطاغوت هو الدليل القاطع على وجوب الصلة بين عقيدة التوحيد ومنظومة القيم.
إذن، حسبنا أننا فتحنا للقارئ نافذة على الوظيفة المجتمعية للدين استوعبت أبرز مجالات الحياة.

سادسا، مقاصد التزكية:

مقاصد منظومة القيم الكونية:

1- تجسيد قدسية كرامة الإنسان وحماية حريته وسائر حقوقه.

2- ربط منظومة القيم الكونية بعقيدة التوحيد، الأمر الذي يعني أنها التدين العملي - الوجه الآخر للتوحيد.

3- مناعة دينية سلوكية: من مقاصد التزكية إكساب الفرد والمجموع مناعة دينية، سلوكية، حتى لا يقع فريسة للطاغوت والطغيان من جهة، ومن جهة ثانية نجد أن الله دعانا إلى التدين العاقل - العقلانية المؤمنة - حسب د. محمد عمارة، رحمه الله، فالله لا يريد أن نكون كائنات دينية سهلة الانقياد للكهنوتية أو الطغيان والطاغوت اتخذت مسميات كهنوتية مغلفة بالزيف ورجس الزور السلالي المفتري على الله والرسول صلى الله عليه وسلم.

4- رفض الإمعية: من مقاصد التزكية رفض لغة الإمّعة وخلق اللامبالاة، ذلك أن من جاهد فإنما يجاهد لنفسه.

5- وضوح الأهداف: من مقاصد التزكية ربط القيمة بمقصدها وحكمتها الشرعية الاجتماعية الحامية للمجتمع من السقوط في سنن السابقين.

6- وعي العبرة والاعتبار، فهي مقاصد قصص القرآن: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب".. "فاعتبروا يا أولي الأبصار".. "إن في ذلك لعبرة لمن يخشى".. هكذا جمع القرآن مقاصد القصص دنيا وأخرى.

7- التزام المجتمع بالسنن الحاكمة للاجتماع، صيانة للمجتمع من التحلل والسقوط في وهاد التمزق والشتات والدمار.

8- العيش للمبادئ لا للأشخاص: رفض الإمعة، وتقديس الأشخاص، وهذا يعني العيش للمبادئ وفي مقدمتها عدم مخالفة السنن الحاكمة للاجتماع، والمؤمن الحق من يقول بملء فيه: "لاااااااء".

9- تحويل القيم إلى ثقافة سننية، نعم، هذا المقصد له وجهان: سلوك ديني، وثقافة عقلية سننية ناقدة واضحة الأهداف والنتائج، وتلك هي تعاليم القرآن - توحيد، قيم، تدين، ثقافة سننية، حماية مجتمع.. وصدق الله القائل: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم".. "يهدي إلى الرشد".

سابعا، مقاصد القيم الخلقية.. إليكم أبرزها:

1- تهذيب النفس المؤمنة.
2- تهذيب بناء السلوك الاجتماعي السليم لدى الفرد والمجموع.
3- ترسيخ خلق الرحمة والتعاون.
4- غاية مقاصد التزكية، بناء شبكة العلاقات الاجتماعية، وهذه الغاية تقود إلى الغاية التالية:
5- حماية النسيج المجتمعي.. الطاغوت والطغيان والطغاة يسعون دوما إلى تمزيق النسيج المجتمعي وتدمير شبكة العلاقات الاجتماعية (فرّق تسد).

اقرأ معي: "إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا".. طبقات - أسياد وعبيد.. جهوية قبلية عشائرية، شمال، جنوب، مذهبية، طائفية، تدميرا لثقافة الأمة وهويتها، ثم بعد كل ذلك يدعي وبكل وقاحة أنه الدستور، وأنه الوطن، وأنه القانون، وبعض حمير الطاغوت ظهر بالأمس القريب مخللا لسانه بأسوأ رجيع أنه ليس هناك سوى شخص السيئ فقط والكل تبع له.

الخلاصة: استعرضنا عددا من قيم بناء المجتمع، وبها نكون قد بلورنا أولى مقومات النظرية السياسية الإسلامية.

من خصائص تعاليم القرآن أنه يأمرنا بالتزام قيمة، وهي في ذات الوقت هدف، وسنة كونية، وهي غاية، وضمانة، وهي إحدى مقومات النظرية السياسية.. وصدق الله: "تبين الرشد من الغي".. وهذا سيلاحظه القارئ في الحلقات القادمة.. نلتقي بعونه سبحانه مع بقية المقومات.

كلمات دالّة

#اليمن