الثلاثاء 19-03-2024 08:22:30 ص : 9 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

تجربة الإصلاح في السلطة والمعارضة.. قراءة في الممارسة السياسية

السبت 27 مايو 2023 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

طوال مسيرته السياسية، قدم التجمع اليمني للإصلاح تجربة سياسية ثرية تنقل خلالها من الشراكة في السلطة إلى المعارضة ثم الشراكة في السلطة مجددا، وأفاد من موقعه سواء في السلطة أو في المعارضة للحفاظ على العملية السياسية من الانهيار وترسيخ التجربة الديمقراطية الوليدة، والحرص على الشراكة والتوافق الوطني، وقدم تنازلات وتضحيات لأجل ذلك وفق متطلبات كل مرحلة.

كما أن انخراط حزب الإصلاح في المشهد السياسي أضفى عليه حركية سياسية فاعلة، حيث أسهم في ترشيد العملية السياسية، وإجبار النظام الحاكم، آنذاك، على احترام الهامش الديمقراطي وعدم وأد العملية السياسية أو خنق حرية الرأي والتعبير، وبنفس الوقت ظل يعمل على توعية الجماهير بأهمية ثقافة النضال السلمي كوسيلة حضارية لنيل الحقوق والحريات، بدلا من ثقافة العنف وما تجلبه من خراب ودمار.

ورغم التجربة السياسية الثرية لحزب الإصلاح، لكنها لم تنل حقها من الدراسة والتقييم، بل إن معظم الكتابات التي تتحدث عنه متحيزة وتنطلق من أحكام مسبقة غير منصفة، وتأتي في سياق العداء والخصومة السياسية والدعاية السوداء، مع أن الممارسة السياسية للحزب، وتجربته في السلطة والمعارضة، وعلاقته مع أحزاب السلطة والمعارضة، تكاد تشكل حالة استثنائية ليس في اليمن فقط وإنما أيضا في العالم العربي.

أُعلن عن تأسيس التجمع اليمني للإصلاح في 13 سبتمبر عام 1990، بعد أشهر قليلة من إعادة تحقيق الوحدة الوطنية في 22 مايو 1990، التي كانت فاتحة عهد جديد في تاريخ اليمن، وكانت إعادة تحقيقها التي ارتبطت بالتعددية السياسية والحزبية استجابة لضغوط الجماهير في شطري البلاد وضغوط كثير من النخب السياسية، قد جعلت شريكي الوحدة يتفقان على أن يتزامن مع إعلان إعادة تحقيق الوحدة اعتماد النظام الجمهوري الديمقراطي التعددي وحرية العمل السياسي وتشكيل الأحزاب السياسية.

 

- إرساء مبدأ المعارضة السياسية

وبعد مرور مدة قصيرة على تأسيس حزب الإصلاح، أصبح الحزب يمثل الصوت الأقوى في المعارضة للحزبين الحاكمين حينها، المؤتمر والاشتراكي، بل فقد كان أول تيار سياسي يمني يرسي مفهوم المعارضة السياسية في أوساط الشعب قولا وعملا، وذلك عندما دعا إلى مظاهرات شعبية رفضا لبعض بنود دستور دولة الوحدة، عام 1991، ليكون بذلك قد أدخل تقاليد سياسية كانت مستحيلة قبل ذلك الوقت، من شأنها تعزير وترسيخ مفهوم الديمقراطية والتعددية السياسية، وتعريف الجماهير بأبرز مضامينها، ثم إنه مارس الرقابة على أداء الحزب الحاكم، رغم أنه كان مشاركا في السلطة، قبل أن يغادرها تماما بعد انتخابات عام 1997 البرلمانية، وتحول إلى حزب معارض مرسخا مفهوم المعارضة السياسية الفاعلة في الأوساط الشعبية.

 

- المشاركة في السلطة

عندما أجريت أول انتخابات برلمانية، عام 1993، كانت المفاجأة أن حزب الإصلاح حل في المركز الثاني، حيث حصل على 63 مقعدا في البرلمان، بعد حزب المؤتمر الذي حصل على 123 مقعدا، بينما حل الحزب الاشتراكي في المركز الثالث بحصوله على 56 مقعدا، وأسفر عن تلك النتيجة اتفاق الأحزاب الثلاثة على الدخول في تجربة ائتلاف ثلاثي، يتضمن تشكيل حكومة ائتلافية وتنسيق برلماني بين الكتل البرلمانية الثلاث.

ورغم التوتر السياسي بين حزب المؤتمر والحزب الاشتراكي، بسبب نتائج الانتخابات وقضايا خلافية أخرى، إلا أن علاقة الإصلاح بالحزبين ظلت متوازنة، في الوقت الذي شهدت علاقته بالاشتراكي تحسنا كبيرا بعد تشكيل الحكومة الائتلافية الأولى. بيد أن تجربة الائتلاف (الحاكم) تلك لم يكتب لها الاستمرار، فانهارت بسبب الأزمة السياسية التي انتهت بحرب صيف 1994 الأهلية وخروج الحزب الاشتراكي من السلطة، في ما يشبه إقصاء سياسي له.

وبعد الحرب، تم تشكيل ائتلاف ثنائي جمع حزب المؤتمر وحزب الإصلاح، لكن سرعان ما دبت الخلافات بين الحزبين وانهار التحالف بينهما، بسبب تبنى حزب المؤتمر، آنذاك، سياسة الإقصاء، وتحجيم الشركاء، والتخلص من مشاركة الإصلاح، وبدأ بمحاربة وزراء الإصلاح بتقليص صلاحياتهم، واشتدت حملات القمع وارتفاع حدة الفساد، وتضييق الهامش الديمقراطي، وحصول المزيد من الانفلات الأمني والإداري، وانهيار الأوضاع المعيشية.

 

- مغادرة السلطة إلى المعارضة

لم تدم شراكة حزب الإصلاح كثيرا في السلطة، إذ غادرها بعد انتخابات 1997 البرلمانية، وبدأ العمل على إرساء تقاليد ديمقراطية تنهض بالعملية السياسية وتمارس دور الرقيب على أداء النظام أو الحزب الحاكم، فخاض الإصلاح حوارا مع الأحزاب السياسية التي كانت منضوية في "مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة"، وهي: الحزب الاشتراكي، والتنظيم الناصري، وحزب البعث القومي، واتحاد القوى الشعبية، وحزب الحق.

وبالرغم من خروج الإصلاح من السلطة، وتحوله إلى حزب معارض، إلا أنه أعلن دعمه لعلي عبد الله صالح في الانتخابات الرئاسية عام 1999، والهدف من ذلك الحفاظ على العملية السياسية حتى يقوى عودها، لأنه كان من الصعب تصور قبول علي صالح بنتائج الانتخابات إذا قدمت المعارضة مرشحا قويا وفاز في الانتخابات الرئاسية، والخشية من أن يؤدي ذلك إلى انتكاس العملية السياسية، وإلغاء الديمقراطية والأحزاب، والعودة إلى الحكم الفردي الشمولي.

لقد كانت انتخابات 1999 الرئاسية آخر محطة تحالف بين حزب الإصلاح وعلي صالح، وسرعان ما اتخذ الحزب موقفا معارضا لحزب المؤتمر وعلي صالح بعد الانتخابات المحلية والاستفتاء على الدستور في العام 2001، واستمر الحوار واللقاءات بين حزب الإصلاح وبقية أحزاب المعارضة، حتى الإعلان عن تكتل أحزاب اللقاء المشترك، في العام 2003. وكان تشكيل ذلك التكتل نقلة نوعية في الحياة السياسية اليمنية، حيث انتقلت أحزاب المعارضة إلى مرحلة جديدة من النضال السلمي ضد النظام الحاكم، الذي كان يعمل على إفراغ التجربة الديمقراطية من مضمونها، وازدادت وتيرة النضال السلمي بعد انتخابات 2006 الرئاسية والمحلية.

 

- تنازلات الإصلاح للحفاظ على العملية السياسية من الانهيار

اتسمت الممارسة السياسية لحزب الإصلاح منذ تأسيسه بتقديم تنازلات كثيرة للحفاظ على العملية السياسية من الانهيار والانزلاق في مربع العنف والفوضى ووأد التجربة الديمقراطية في مهدها، ومن نماذج ذلك أنه بعد انتخابات عام 1993 تراجع عمدا من المركز الثاني إلى المركز الثالث، وهو ما انعكس على حجم مقاعده الوزارية، مقارنة بحجمه في البرلمان، وذلك للحيلولة دون تعثر العملية السياسية، بعد تفاقم الخلافات التي برزت بقوة بين حزبي المؤتمر والاشتراكي.

وبعد الأزمة السياسية واندلاع حرب صيف 1994، طرح حزب الإصلاح في مؤتمره العام الأول، عام 1994، ضرورة حل القضية الجنوبية بعد حرب صيف 1994، سعيا منه لاحتواء الأزمة ومنع تفاقمها بما قد يعطل تطور العملية السياسية مستقبلا، وهو ما حدث بالفعل، حيث تنامت مشكلة الجنوب وصولا إلى تفجر القضية الجنوبية وتدشين فعاليات الحراك الجنوبي التي بدأت شرارتها الأولى مع إعلان ملتقيات ما عرف حينها بالتصالح والتسامح، مطلع العام 2006، ثم انطلاق الحراك الجنوبي عام 2007، وكان ذلك مؤشرا واضحا على تعطل الحياة السياسية وجنوحها صوب العمل الشعبي الجماهيري.

في عام 1997، كانت العملية السياسية مهددة، بسبب مقاطعة معظم الأحزاب للانتخابات البرلمانية في ذلك العام، وفي مقدمتها الحزب الاشتراكي اليمني، حيث هدد رئيس البلاد حينها، علي عبد الله صالح، بإلغاء التعددية السياسية، ولم يكن أمام الإصلاح من خيار سوى المشاركة في الانتخابات رغم علمه المسبق بأنها لن تكون نزيهة، حيث كان أمام خيارين أحلاهما مر، فإما المشاركة في الانتخابات المعروفة نتائجها سلفا، وإما نسف العملية السياسية كما هدد علي صالح، بعد سبع سنوات فقط من إعلان الوحدة، ولذا فقد كان خيار المشاركة دعما لمسيرة الحياة السياسية التي ولدت مع الوحدة، وللحفاظ على التجربة الديمقراطية الهشة حتى يقوى عودها.

وعندما تم تأسيس تكتل اللقاء المشترك، عام 2003، قدم حزب الإصلاح تنازلات ساعدت بعض الأحزاب على النهوض، حيث تنازل لها عن بعض دوائره الانتخابية التي كانت مضمونة له، في انتخابات عام 2003 البرلمانية، وانتخابات عام 2006 للمجالس المحلية التي تزامنت مع الانتخابات الرئاسية، وحشد أنصاره للتصويت لصالح مرشحي اللقاء المشترك من الأحزاب الأخرى، لا سيما مرشحي بعض الأحزاب التي لم يكن لها أنصار في بعض الدوائر الانتخابية.

 

- الحرص على الشراكة والتوافق الوطني

يحرص التجمع اليمني للإصلاح دائما على تكريس مبدأ الشراكة وعدم القبول أن يقوم أي طرف بإقصاء الآخرين، وما يزال الحزب حريصا على مساندة مختلف الخطوات التي تكرس وحدة الصف الوطني، ومن نماذج ذلك، دعمه لحكومة الوفاق الوطني، التي تشكلت وفقا للمبادرة الخليجية، بعد ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، ومشاركته في تلك الحكومة، وحرصه على نجاحها، وتحذيره المبكر من انقلاب مليشيا الحوثيين الإرهابية، وترحيبه بعملية عاصفة الحزم بقيادة السعودية ضد الانقلاب الحوثي، وتحالفه مع السلطة الشرعية ضد الانقلاب الحوثي.

وعملا بمبدأ تجسيد الشراكة الوطنية، لم يطالب حزب الإصلاح أن تكون حصته في حكومة الوفاق الوطني والحكومات التي تلتها تتناسب مع حجمه الجماهيري أو تمثيله في مجلس النواب، وعمل على دعم تلك الحكومات ومساندتها لتجاوز العقبات والتحديات الماثلة أمامها، مكرسا كل جهوده لدعم التوافق الوطني والشراكة، وتركيز الجهود ضد انقلاب مليشيا الحوثيين حتى استعادة الدولة والشرعية والحياة السياسية.