الثلاثاء 19-03-2024 11:08:57 ص : 9 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

المليشيا الإرهابية والكهنوت الثقافي (الحلقة الرابعة) خرافة الكهنوت.. الباعث والهدف

السبت 27 مايو 2023 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت - خاص | عبدالعزيز العسالي

 



أولا، مفهوم الكهنوت السلالي:

جعانين السلالية العنصرية الانقلابية الإرهابية يقولون إن الله اختصهم -وحدهم فقط دون سائر الناس- بفهم القرآن وتفسيره وفهم وتفسير سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنهم معصومون من أي خطأ -قرين القرآن نموذجا- الصواب: قرين الشيطان.

خرافة الكهنوت هي دعوى توارثها جعانين السلالية عن الأحبار والرهبان، قال تعالى : "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله". ذلكم هو مفهوم خرافة الكهنوت الثقافي، وذلكم هو هدفهم واضح بنص القرآن.. سنفصل لاحقا أكثر حول الأهداف.

ثانيا، الباعث وراء خرافة الكهنوت:

- الباعث الأول والأخير هو منظومة الرفض الكسروية، ذلك أن دولة الفرس المجوسية الكسروية تهاوت أمام دعوة الإسلام ذات الأهداف الإنسانية الواضحة.

أهداف دعوة الإسلام أعلنها الصحابة أمام رستم وأركان حربه قبل معركة القادسية: نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

- تهاوت دولة الطغيان الكسروية ولم تستطع الصمود، ذلك أن مجتمعات الفرس كغيرها اتجهت:
- إمّا لاعتناق الإسلام.
- وإمّا للعيش في ظل عدل الإسلام. بل إن عددا من سكان أقاليم فارس لم يعتنقوا الإسلام ولكنهم قاتلوا تحت راية الإسلام ضد طغيان ملوك وإقطاعيي فارس.

- طغاة وإقطاعيو فارس أكل قلوبهم الحقد ضد دولة الإسلام، علما بأنهم عاشوا موفوري الكرامة وحقوقهم محمية، لكن الحقد الفارسي المجوسي لم يخمد له أوار، فقد أكل قلوب الطغاة.
واستغل طغاة الفرس حرية العيش في ظل سماحة الإسلام فاتجهوا إلى توظيف خبراتهم الثقافية الفارسية المتراكمة قرابة 10 قرون.

اتخذ طغاة الفرس أساليب مختلفة في محاربة دولة الإسلام - سياسيا وعسكريا واجتماعيا وغيرها، لكننا سنقتصر في هذه الحلقة على أسلوب توظيف خرافة الكهنوت الثقافي، والحق يقال إن الأسلوب الثقافي كان أخطر الأساليب مطلقا فلا زالت أمة الإسلام تتجرع آثاره الكارثية المدمرة حتى اللحظة.

ثالثا، منطلقات المنظومة الكسروية:

سلكت المنظومة الكسروية عدة مجالات ثقافية بهدف الدس والتشويه والتلويث الثقافي والمتمثلة فيما يلي:

- مجال مصدري التشريع - كتابا وسنة.
- مجال التاريخ.
- مجال الأدب العام.
- مجال الأدب الشعبي.

من الصعب استقصاء ما ورد في المجالات الآنفة وإنما سنركز على أهم وأبرز المعالم، وذلك على النحو التالي:

المجال الأول، وينقسم إلى:

- المصدر التشريعي الأول:

سنكتفي بمعلمين بارزين يعرفهما الغالبية ولكن لا يعلمون.. قل من يعلم السبب.

1- تحريف القرآن عن مواضعه: نجد هذا المعلم البارز في سياق اعتماد المصحف العثماني، فقد اتفقت أمهات كتب السنة أن الصحابي حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قدم من "أوزبكستان".. انتبه أيها القارئ.. قدم حذيفة من فارس، وقال للخليفة عثمان رضي الله عنه: أدرك القرآن قبل أن تفترق حوله الأمة كما افترقت بنو إسرائيل في التوراة.

انتهت القصة باعتماد المصحف "الأمام" مكون من ثماني نسخ إلى كل إقليم نسخة مرجعية، واستمر العمل به حتى اللحظة.

هنا قطعت الطريق وتم إغلاق أخطر باب فتحته المنظومة الكسروية، والفضل بعد الله لرجل المخابرات الثقافية، حذيفة بن اليمان، الذي حال دون تحريف القرآن عن مواضعه.
يعود السبب إلى المنظومة الكسروية الحاقدة التي استغلت عامة المسلمين بخبث ومكر.

2- المعلم الثاني: تحريف القرآن من بعد مواضعه، وذلك بوضع آيات تفسير للقرآن ونسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

سنوضح هذه النقطة تحت المصدر التشريعي التالي:

المصدر التشريعي الثاني:

- الكذب في الأحاديث على الرسول صلى الله عليه وسلم.. لقد بلغ الكذب في هذا المجال التشريعي حدا يكاد يتحير العقل أمامه.

- نكتفي بشاهد واحد من الوضوح بمكان.. لقد اشتهر عن الإمام البخاري رحمه الله أنه قال: انتقيت الجامع الصحيح - صحيح البخاري - من بين 600 ألف حديث.

- الأحاديث المنتقاة في صحيح البخاري - من دون تكرار - بلغت حسب إحصاء ابن حجر في فتح الباري 2750 حديثا.

- أطلب منك أخي القارئ تضع الحاسبة بين يديك ثم استخرج النسبة المئوية، فقد لا تصل النسبة 1%.

لقد كان الاختراق مركزا ومكثفا وفق خطة خبيثة لولا أن البخاري وضع مصفاة ومسطرة عصفت بل وعملت على تعرية الإجرام المجوسي الفارسي تعرية عالية طالت مجال صحة السند وهذا جهد جبار.. وقريبا من البخاري فعل الإمام مسلم رحمه الله.

الموجة الكسروية الثانية:
في أواخر القرن الرابع ومطلع القرن الخامس الهجريين، ظهرت موجة أعتى تمثلت في مستدرك الحاكم تحت حماية الدولة البويهية الشيعية الرافضية، فقد قام بوضع 9500 رواية مدعيا أنها حازت شروط البخاري ومسلم - منها 75% كذب وزور وقاح كما قال الإمام الذهبي.. بقية الـ25% طعن فيها كبار المحدثين.

- نجحت منظومة الرفض الكسروية في حماية ذلك الافتراء إبان دولة البويهيين طيلة 110 سنين. دخل الكثير من الروايات المكذوبة في تفسير القرآن وذلك في مستدرك الحاكم وبقية المحدثين في عصره وبعد عصره، ومن يقرأ في كتب التفسير بالروايات يجد الكثير الكثير من سب الصحابة والطعن فيهم وكذلك مدح الروافض.. مثال: روى ابن جرير الطبري عند تفسير "أولئك هم خير البرية" أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: هو علي وشيعته.. وهناك أمثلة كثيرة تخدم التشيع بطريقة مباشرة وغير مباشرة عند ابن جرير وغيره.

بعض المحققين قدموا جهدا مشكورا ولكن بقي الكثير الكثير.. وسأكتفي بالمعلمين التاليين:

المعلم الأول، اعتماد التفسير بالروايات: الإشادة والمديح واعتبار صحة وسلامة التفسير بالروايات الضعيفة، واتهام التفسير للقرآن بالقرآن وبمقاصد القرآن.

المعلم الثاني، القرآن حمّآل أوجه: يا لها من فرية؟ يا له من إرهاب فكري؟ العياذ بالله من هذا الافتراء والزور على كتاب الله.
إنها مقولة يرفعونها إرهابا في وجه من يفسر القرآن بالقرآن وبمقاصد القرآن، فقد نسبوا هذه المقولة كذبا وزورا إلى علي بن أبي طالب - القرآن حمال أوجه، وأنه قالها لابن عباس عندما أرسله إلى مناظرة الخوارج - ناظرهم بالسنة لأن القرآن حمال أوجه، والتاريخ يكذب هذا الافتراء، ذلك أن ابن عباس ناظرهم بمنطق القرآن لا غير.

معلم فرعي.. تفسير حرف الباء

تحت فكرة تعظيم القرآن يقذفون بهذه الفرية المنسوبة إلى علي بن أبي طالب مفادها أن رجلا سأل عليا عن تفسير فاتحة الكتاب، فرد عليه: يا مغفل، لو قلت لك إن حرف الباء من "بسم الله" يحتاج حمل سبعين بعيرا من الورق لتفسيره.. هكذا يرددها حملة الإرهاب الفكري حتى اللحظة بحجة حماية الدين.

نتيجة المعالم الثلاثة الآنفة:

- لجوء قارئ التفسير إلى الرواية الضعيفة والمنقطعة السند وغيرها.

- إذا لم يجد رواية عليه أن يفسر بأقوال السلف - السلف مفهوم مطاط - كل يلصقه حسب ما يحلو له.

ثالثا، خرافة كهنوتية التعاليم.. للقرآن ظاهر وباطن:

لم تكتف منظومة الرفض الكسروية بالحصار الفكري الآنف وإنما قذفت بأخطر فكرة شيطانية إلى ميدان التفسير وهي التفسير الباطني للقرآن - ظهرت هذه المقولة الإجرامية ودعمت بالروايات المكذوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، وراجت هذه الفرية في عهد البويهيين ونسبوها إلى الفرقة الباطنية - نسبة إلى الإمام "الباطن" المعصوم إسماعيل السابع، ويقال لها السبعية، نسبة للسابع، ولكي تنطلي الخدعة على العقل السني يعلن الروافض عداوتهم للباطنية، وفي نفس الوقت يتبنون تفسيرات الباطنية.

وقد تعددت صور التفسير الباطني منها -على سبيل المثال لا الحصر- أن تذبحوا بقرة - هي عائشة، اذهب إلى فرعون - هو القلب، الكافرين عذاب أليم - مشتق من العذوبة، خاتم النبيين - زينة النبيين كالخاتم زينة الإصبع - وإذن، النبوة لم تنقطع، والنبوة مستمرة في المعصومين، والله منحهم وحدهم فهم القرآن وتعاليمه، ولا يجوز لأحد يفسر القرآن غيرهم، فهذا اعتداء على الكهنوتية التعاليمية - قرين القرآن نموذجا.

من صور التفسير الباطني:

تأمل كيف تم تفسير النص القرآني التالي: "من ذا الذي يشفع عنده إلا بأذنه".. من ذل، ذي، يُشْفَ، عُ. المعنى الممسوخ - من، ذل - أي أهان، ذي، أي نفسه في جوفه، يُشْفَ - أي يعافى من أمراضها، عُ - أي افهموا وعوا هذا المعنى.

بهذا المسخ المبهرج يرهبون ضعفاء العقول بأن هذا تفسير لجنة النعاليم - التي هي شبيهه بأتباع الحواريين - الرهبان.
انتشرت هذه الضلالة تحت دعوى امتداد النبوة الهادفة إلى نشر التعاليم كما شاء الله.

فرية - الرازي يكذب النبوة:

الرازي هذا فيلسوف مسلم عاقل عاش مطلع القرن الرابع الهجري، والظاهر أنه أفحم أحد الباطنيين - أصحاب نبوة التعاليمية الباطنية حيث قال له: أنا لا أحتاج نبوتك فلدي نبي خاتم ولدي عقل أفهم القرآن. وبعد موت الرازي أخرج المجرمون كتاب "إنكار النبوة"، نسبوه للرازي، وقد وقفت على الكتاب فوجدته عار عن أي قول للرازي، فقط يوجد في السطر الأول: الرازي ينكر النبوة.
ثم اتجه ينكر على الرازي، وهي طريقة متبعة كثيرا وحتى اليوم تمارسها منظومة الروافض الكسروية - حسب الثقافة الفارسية المتوارثة.

المجال الثالث، مجال التاريخ:

وهذا باب واسع جدا نفذت من خلاله الكسروية شوهت بالصحابة والإسلام ودولة الإسلام - نموذج معركة صفين.. لا وجود لها أبدا إلا في ذهنية روافض الكوفة ولا يوجد أدنى كلمة عنها لدى أهل الشام، وهذه الفجاجة انطلت كثيرا وجاء المؤرخ العراقي د. صالح العلي رحمه الله فدحضها منهجيا، وكذلك شتائم معاوية ويزيد ومعركة الحرة كلها افتراءات شيعية 100%، ومنها أن الصحابة ارتدوا، وأهل اليمن أيضا، وكلها افتراءات.

المجال الرابع، مجال الأدب العربي والحكايات الشعبية:

هذا المجال عبثت به الرافضة وأصبح الشعراء والأدباء كلهم شيعة لأنهم لم يجدوا سوى ذلك الكذب والافتراء - نموذج هارون الرشيد وأبي نواس.
أشرف د. عماد الدين خليل على رسالة ماجستير حول التقاء هارون الرشيد بأبي نواس فلم يجد الباحث أدنى دليل يثبت لقاء الاثنين على الإطلاق.
تلكم هي بواعث الكهنوتية الثقافية باختصار شديد، وقد نجحت فكرة الكهنوت في ترويض الثقافة الإسلامية.

رابعا، الهدف الكهنوتي:

1- صناعة كائنات دينية لا عقل لها ولا منهج ولا مبادئ ولا أسس.

2- إفساد الفكر وتأزيم العقل المسلم والدفع به إلى لجج التيه فيستسلم للخرافة.

3- إذلال النفوس والأرواح وتركيع واستعباد الأجساد عند ركب جعانين السلالية العنصرية.

4- إفساد مقاصد القرآن عقيدة وقيما وأخلاقا وإهدار الدماء وهتك الأعراض وابتزاز الأموال، والواقع صارخ في العراق واليمن وسوريا ولبنان.

5- الاستيلاء على مقدرات الأمة وتدمير الأوطان وإفساد في الأرض وإهلاك للحرث والنسل.

6- تحصين الطغيان السلالي وتقديسه باسم الإسلام والإسلام بريء.

7- تحويل الدين الإسلامي إلى ألغاز لكي تتمكن السلالية من فتح الباب المزور - علي باب مدينة العلم - الغريب هو ترديد هذه الضحالة من علماء سنة.

8- تكريس تدين سني موازٍ للتدين الرافضي - يقول الروافض: لا تحك رأسك إلا بقول صادر من معصوم.. وهنا وجدنا علماء سنة يقولون حرفيا: لو استطعت أن تحك رأسك بأثر السلف فافعل.. وهكذا تم إغراق الحياة بتدين لا صلة له بالشرع المعصوم.

9- تمييع المعالم بين ثوابت الشريعة ومتغيرات الواقع.

10- تكريس البدع والضلالات - عبادة القبور والرقص والانتحاب... إلخ السفاهات.

أخي القارئ سرح النظر وستجد إضافات إلى كل ما سبق، والسبب هو خرافة الكهنوت السلالي العنصري استهدافا وتسلطا على النفوس والعقول وإفساد الدين.

خيار المواجهة ثقافيا.. هذا هو موضوع الحلقة الخامسة.. نلتقي بعونه سبحانه.

.........................
* هامش:
الآثار الثقافية الكسروية قد تستمر إلى ما لا نهاية، ما لم يفق العقل السني فينطلق من أسس منهجية، كما سنوضح ذلك بعونه سبحانه في الحلقة الخامسة.

كلمات دالّة

#اليمن