الثلاثاء 16-04-2024 22:22:13 م : 7 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

مخططات حوثية لتشييع اليمن..

صنعاء بين المزار الشيعي ومزاعم زيارة علي بن أبي طالب (2-2)

الثلاثاء 28 مارس - آذار 2023 الساعة 12 صباحاً / الإصلاح نت-خاص-توفيق السامعي

 

 

وبمراجعة كثير من الأحاديث التي ذكرت مبعث علي إلى اليمن، وجدنا أنها ضعيفة، أو حسنة لغيرها، كما ذكر مخرجوها، وذلك مثل الحديث في مسند الإمام أحمد، عن علي قال: "بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن، فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية للأسد، فبينا هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل فتعلق بآخر، ثم تعلق رجل بآخر، حتى صاروا فيها أربعة، فجرحهم الأسد..."...إلخ (مسند الإمام أحمد: صـ15، وجاء فيه أنه ضعيف لوجود حنش وهو ابن المعتمر).

وكذلك حديث رواية النسائي في السنن الكبرى ج 5/ص 133 قال: "أخبرنا واصل بن عبد الأعلى عن بن فضيل عن الأجلح عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن مع خالد بن الوليد وبعث علياً على جيش آخر، وقال إن التقيتما فعلي على الناس، وإن تفرقتما فكل واحد منكما على حدته فلقينا بني زبيد من أهل اليمن وظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفى علي جارية لنفسه من السبي فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمرني أن أنال منه فقال فدفعت الكتاب إليه ونلت من علي فتغير وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني بطاعته فبلغت ما أرسلت به فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تقعن يا بريدة في علي فإن عليا مني وأنا منه وهذا وليكم بعدي".

 أولا: قلت (عبدالله السقاف): محمد بن فضيل ثقة من رجال الصحيحين إلا أنه نسب إلى التشيع، وعلى ذلك نتوقف في روايته هذه لأنها مما تؤيد بدعته ومذهبه، والأمر في ذلك معروف عند أهل الحديث (موقع فيصل نور، الحقائق الغائبة.).

كما جاء أيضاً في الحديث.. حدثنا أسود بن عامر، حدثنا شريك، عن سماك، عن حنش، عن علي قال: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن، قال: فقلت: يا رسول الله، تبعثني إلى قوم أسن مني وأنا حدث لا أبصر القضاء؟ قال: فوضع يده على صدري، وقال: "اللهم ثبت لسانه، واهد قلبه. يا علي. إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء". قال فما اختلف علي قضاء بعد، أو ما أشكل علي قضاء بعد" (مسند الإمام أحمد: ج4/225، إسناده حسن لغيره مثل السابق).

وانظروا إلى ألفاظ الحديث، رغم اضطرابه عند الرواة؛ فمرة يرد أنه شارك خالداً في إمرة الجيش، ومرة أنه أرسل بعد قفول خالد لتخميس الأخماس فقط، ومرة يقال إنه بعث قاضياً، ومرة أرسل غازياً...إلخ.

كما إن لفظ الحديث يدل على ضعفه، فهو يقول إنه حدث، رغم أنه بلغ الثالثة والثلاثين من عمره أو يزيد قليلاً في تلك اللحظة؛ فقد تزوج فاطمة وعمره خمسة وعشرون عاماً، في السنة الثانية للهجرة، وأرسل لقبض الصدقات في السنة العاشرة للهجرة، وحينها يصير عمره ثلاثة وثلاثين عاماً، فلا يكون الحدث بهذا السن، وإنما يسمى بالحدث من كان عمره دون الخامسة عشرة من العمر.

وقد جاء عند الطبري باب "خروج الأمراء والعمال على الصدقات"، وهم كالتالي:

قال أبو جعفر: وفرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جميع البلاد التي دخلها الإسلام عمالاً على الصدقات. فحدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبدالله بن أبي بكر، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد بعث أمراءه وعماله على الصدقات، على كل ما أوطأ الإسلام من البلدان. فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلى صنعاء، فخرج عليه العنسي وهو بها، وبعث زياد بن لبيد أخا بني بياضة الأنصاري إلى حضرموت على صدقتها، وبعث عدي بن حاتم على الصدقة؛ صدقة طيئ وأسد، وبعث مالك بن نويرة على صدقات بني حنظلة، وفرق صدقة بني سعد على رجلين منهم، وبعث العلاء بن الحضرمي على البحرين، وبعث علي بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم، ويقدم عليه بجزيتهم" (تاريخ الطبري نقلا عن سيرة ابن هشام: ج3/147).

وهذا يدعمه الرواية التالية. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب إلى نجران، فلقيه بمكة وقد أحرن، فدخل على فاطمة ابنة رسول الله..." ...إلخ الحديث (الطبري: ج3/148).

والحديث السابق، أو الرواية السابقة، أيضاً يدعمه الحديث التالي:

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق، عن يحيى بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي عمرة، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، قال: لما أقبل علي بن أبي طالب من اليمن ليلقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة تعجل إلى رسول الله، واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسا رجالاً من القوم حللاً من البز الذي كان مع علي بن أبي طالب، فلما دنا جيشه خرج علي ليلقاهم، فإذا هم على الحلل، فقال: ويحك ما هذا؟! قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس، فقال: ويلك انزع من قبل أن تنتهي إلى رسول الله. قال: فانتزع الحلل من الناس، وردها في البز، وأظهر الجيش شكاية لما صُنع بهم" ( الطبري: ج3/149).

وفي سيرة ابن هشام، قال أبو عمرو المدني: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب إلى اليمن، وبعث خالد بن الوليد في جند آخر، وقال: "إن التقيتما فالأمير علي بن أبي طالب" (سيرة ابن هشام: ج3/289).

وجاء عند البخاري، حدثني أحمد بن عثمان، حدثنا شريح بن مسلمة، حدثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق، حدثني أبي عن أبي إسحاق، سمعت البراء رضي الله عنه: "بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع خالد بن الوليد إلى اليمن. قال: ثم بعث علياً بعد ذلك مكانه، فقال: مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يُعَقِّب معك فليعقب، ومن شاء فليقبل، فكنت فيمن عقب معه، قال: فغنمت أواقي ذوات عدد" (البخاري: صـ1064، ورقم الحديث 4349).

وجاء أيضاً عند البخاري من الحديث التالي للحديث الأول رقماً وموضعاً (رقم الحديث 4350)، حدثني محمد بن بشار، حدثنا رَوح بن عبادة، حدثنا علي بن سويد بن منجوف، عن عبدالله بن بريدة عن أبيه، قال: "بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- علياً إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض علياً وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فما قدمنا على النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكرت ذلك له، فقال يابريدة.. أتبغض علياً؟ فقلت: نعم. قال: لا تبغضه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك "! (البخاري: صـ1064).

 وانفرد به البخاري من هذا الوجه، والشاهد من الحديث أن علياً بعث لتخميس الأخماس إلى نجران، ولم يصل صنعاء البتة، وقد كانت القبائل اليمنية قد أسلمت هناك خلافاً لما قيل إنها أسلمت على يدي علي في يوم واحد، وفي أمر تخصيص الخمس لعلي نظر، ففي لفظ في رواية أخرى (لنا في الخمس) وليس لعلي؛ إذ بأي حق يكون لعلي الخمس وينفرد به دون سائر المسلمين سواء ممن حضروا معه ومع خالد، أو من عامة المسلمين الآخرين؟!

وفي موضع آخر ذكر ابن هشام أن "علي بن أبي طالب غزا اليمن مرتين" (سيرة ابن هشام: ج4/288) دون ذكر أي تفصيل، بينما التفصيل كان في بعث خالد ومراسلاته النبي، ورد النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه.

لقد كان بعض اليمنيين أسلم وذهب وفادة إلى النبي في المدينة قبل الفتح، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرسل المعلمين ليعلموهم الإسلام، ويقر عليهم الولاة، أمثال أبي موسى وغيره، فقد أسلم قبل الوفود مع اثنين من إخوته كان أصغرهم، كما يقول هو، وذهبوا إلى المدينة معاً، ثم أرسل بعد ذلك والياً للنبي على تهامة، وكذلك الطفيل بن عمرو الدوسي وآخرون كثر.

وبعد فتح مكة مباشرة أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل إلى اليمن ليكون والياً عاماً لها ومستقره وعاصمته الجند، وفي طريقه مر بصعدة وصنعاء يقرأ كتاب النبي على تلك القبائل.

وورد في نص الرسالة أما بعد: فإن رسلي إلى زرعة بن ذي يزن فأوصيكم بهم خيراً معاذ بن جبل وعبدالله بن زيد ومالك بن عبادة وعقبة بن مرة الرهاوي. وقد تضمنت الرسالة، فاجمعوا ما عندكم من الصدقات والزكاة من مخالفكم وأبلغوها رسلي، وأن أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبن إلا راضياً. 

"وكان معاذ يتردد بين مخلافي الجند، وحضرموت، وعنه أخذ جماعة من أهلها وصحبوه وتفقهوا به وخرجوا معه إلى الحجاز ثم الشام"( )( السلوك في طبقات العلماء والملوك- ج1- صـ 82.). وكذلك على صنعاء وتهامة، فقد كان يطلع إلى صنعاء ليعلم الناس ويراجع واليها ويشرف عليه بحسب وصية النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأثناء طلوعه بنى جامع سمارة الذي يسمى جامع معاذ أيضاً، بناه في السنة العاشرة للهجرة.

 

معاذ بن جبل وقداسة الجَنَد

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذاً إلى اليمن ليجبره من دين كان قد أغرقه، وذلك "أن ديناً أغلق ماله كله، فجاء فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فطلب إليه أن يسأل غرماءه أن يضعوا له فأبوا، ولو تركوا لأحد من أجل أحد لتركوا لمعاذ من أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ماله كله في دينه حتى قام معاذ بغير شيء، حتى إذا كان عام الفتح فتح مكة بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى طائفة من أهل اليمن ليجبره"( )( قرة العيون- لابن الديبع- صـ75، البخاري: صـ1062.). وفي هذا دلالة أخرى على أن إرسال معاذ إلى اليمن كان في العام الثامن للهجرة عام الفتح وإن وصل في العام التاسع، وليس كما قال البعض كان في السنة العاشرة للهجرة. 

فقد "كان معاذ بن جبل طوالاً، حسن الشعر، عظيم العينين أكحلهما، أبيض براق الثنايا، شاباً جميلاً، من أفضل شباب قومه الأنصار، حليماً، حبيباً، ذا وسامة، سخياً سمحاً لا يمسك. فلم يزل يدان حتى أغلق ماله كله من الدين –أي استحقه المرتهن- فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فطلب إليه أن يسأل غرماءه أن يضعوا له فأبوا، ولو تركوا لأحد من أجل أحد لتركوا لمعاذ من أجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم. فباع النبي -صلى الله عليه وسلم- ماله كله في دينه حتى قام معاذ بغير شيء، حتى إذا كان عام الفتح؛ فتح مكة بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى طائفة من أهل اليمن ليجبره" (قرة العيون: صـ74).

 ومن هذا القول نستشف أن معاذاً أرسل نهاية السنة الثامنة للهجرة، ولكن وصول المكان المعين له في الجند كان في جمادى الآخرة من السنة التاسعة للهجرة، وفي أمر رسالته شيء عظيم من القداسة للمكان الذي أرسل إليه، فقد عمم بعمامة رسول الله، وأرسل بناقة رسول الله، وجرى من أمر الناقة وقداسة المكان ما جرى من أمرها في المدينة حينما قدم الرسول إليها واختيار مكان المسجد النبوي على مبركها، وقصة إرساله طويلة ومميزة ومفصلة كما لم تفصل رسالة والٍ من قبل. وأهم ما فيها: "وكان حمله على ناقته -صلى الله عليه وسلم- وقال له: "يا معاذ انطلق حتى تأتي الجند فحيث ما بركت بك هذه فأذن وصل وابتن فيه مسجداً"، فلما انطلق معاذ انتهى إلى "الجند" فدارت به الناقة وأبت أن تبرك، فقال: هل من جند غيرها؟ قالوا: نعم، جند ركامة، فلما أتاه دارت وبركت فنزل معاذ بها فنادى بالصلاة، ثم قام وصلى. وذلك بعد أن نزل بصنعاء وقرأ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لأهل صنعاء فأتاه صناديدها فقالوا: يا معاذ هذا نزل قد هيأناه لك ومنزل قد فرغناه لك، فقال: ما هذا أوصاني حبيبي" (قرة العيون: صـ76).

قلت فإن كان معاذ مر طريق الجبال من المدينة ومكة إلى صعدة فقد مر بصنعاء ولا شك، فكان الذي قيل في الفقرة السابقة، وإن كان مر طريق الساحل الغربي وهو الأسهل فقد وصل تهامة والمخاء ومن ثم توجه إلى الجند وهو طريق مشهور عامر، وهذا يعني أنه لم يمر إلى صنعاء، بل صعد إليها تالياً، والدليل بناؤه مسجد سمارة أثناء طلوعه صنعاء من الجند، وأن لقاءه أهالي صنعاء يكون بعد أن نفذ وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتفاصيلها وحذافيرها، ولم يبن مسجد صنعاء لأنه لم يؤمر بذلك من النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كان رسل رسول الله لا يخرجون عن وصيته حرفاً، والدليل قوله لهم: ما هكذا أوصاني حبيبي، وقد أوضح وبر بن يحنس الخزاعي أنه هو من بنى مسجد صنعاء بأمر الرسول.

ومن خلال زيارة الأمكنة لمناطق الجند المتعددة وحسب الطريق فيبدو أنه وصل منطقة الجند الغربي التي تسمى اليوم "الجندية" فقد كانت مدينة عامرة أيضاً، وزرت الأماكن المتعددة تلك تتبعاً لذلك الطريق وتلك القصة والرواية فترجح عندي أنه وصل "الجندية" قبل الجند فدارت الناقة ولم تبرك، ثم توجه شرقاً إلى منطقة الجند المعروفة، وهناك دارت به الناقة وبركت، فشرع في بناء المسجد.

وفي تمام قصة الإرسال والوصية، جاء فيها والنبي يودعه "فلما ودعه بكى معاذ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك يامعاذ"؟، قال: أبكي لفراقك بأبي أنت وأمي. فقال: "لا تبك فإن البكاء فتنة". فذكروا أن معاذاً قدم الجند في جمادى الآخرة، وأوصل كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بني الأسود، وقد كانوا أسلموا، ثم إنهم اجتمعوا في أول جمعة من رجب وخطبهم وفيهم جمع من اليهود فسألوه عن مفاتيح الجنة، فقال: صدق رسول الله، مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقالوا: عجباً من إصابتك الجواب، وقولك صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبر بسؤالكم هذا. فكان قوله لهم سبباً لإسلام من تأخر من اليهود، وكان في محفل عظيم، قد اجتمع إليه الناس من أماكن شتى، ومن ثم ألف الناس إتيان مسجد الجند في أول جمعة من رجب.

وكان بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاضياً إلى الجند من اليمن يعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام، ويقضي بينهم، وجعل قبض الصدقات من العمال الذين باليمن، وكان يتردد بين المخاليف، وتزوج من كندة" (قرة العيون: صـ76، حاشية وتعليق محمد علي الأكوع، السلوك: ج1/82).

وبنو الأسود هم أصحاب الرياسة من السكاسك في مخلاف الجند الذين كتب لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- كتاباً مع معاذ يطلب إليهم إعانته على بناء المسجد (السلوك: ج1/81). وانظر إلى قوله: فقد كانوا أسلموا.. أي إنهم كانوا أسلموا قبل مجيء معاذ إليهم، وقلنا إن الإسلام دخل اليمن بشكل فردي أو جماعات بسيطة قبل بعث النبي ولاته إليهم، فقد كان يبعث ولاته إما لتعليمهم الشرائع والفرائض، وإما لقبض الصدقات وذلك بعد إسلامهم، وهذا يدحض الرواية القائلة إنهم أسلموا على يدي علي في يوم واحد! 

يذكر بعض المؤرخين أن معاذاً كان مرجعية كل عمال النبي على اليمن ويتردد عليهم ليعلمهم ويشرف عليهم.

فقد حكى صاحب "نزهة الأبصار" عن الشريف إدريس بن علي بن عبدالله ما ذكر في كتابه "كنز الأخبار"، قال: قالوا: توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعماله على مكة عتاب بن أسيد، وعلى بلاد عك من تهامة الطاهر بن أبي هالة، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص الثقفي، وعلى نجران عمروا بن حزم الأنصاري وأبو سفيان بن الحارث، وعلى ما بين زبيد ونجران خالد بن سعيد بن العاص، وعلى صنعاء فيروز الديلمي، وعلى الجند يعلي بن أمية، وعلى مارب أبو موسى الأشعري. وكان معاذ بن جبل ينتقل إلى كل عمل أحد منهم يعلمهم القرآن، ويفقههم في الدين (قرة العيون: صـ72، 73، 74)، وهو ما أكدته رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم السابقة إلى ملوك حمير.

وهذه قائمة وسلسلة أخرى من سلسلة الولاة تدل على اضطراب في التدقيق في قضية ولاة النبي في اليمن، لكنها تجمع على شيئين؛ ولاية معاذ وأبي موسى، وعدم زيارة علي لصنعاء مطلقاً.

وهذا يعني أيضاً أن علياً لم يزر صنعاء ولم يعرفها على الإطلاق؛ فكل الشواهد تؤدي إلى عدم وصوله صنعاء بل أطراف اليمن من ناحية شمال الشمال في نجران وصعدة التي كانت قصبتها وعاصمتها ومستقرها همدان التاريخية القديمة وليس همدان صنعاء.

 

المتصوفة الرافعة الثانية للتشيع

فقد توهم الجندي في كتابه (السلوك ج1/79)، مع طول باعه وعلمه، أن علياً بعث إلى صنعاء، ولم يكتف بهذا القول بل إنه قال أنه دخل عدن أبين وعدن لاعة في حجة، مستشهداً بحديث علي للرسول (أتبعثني إلى قوم فيهم كهول وأنا شاب...) وهو الحديث الذي عند البخاري ومسند الإمام أحمد أنه خاص بمبعثه لهمدان (صعدة ونجران)، وهو يدحض قول الجندي. فالجندي حينما ساق هذا الأمر قال: "يقولون.."؛ أي إنه لم يتثبت من الرواية الحقيقية وإنما اعتمد على مقول القول لبعض رواة الأخبار. وأيضاً فإن عدن أبين كانت ضمن مخلاف الجند يومها وتحت إمرة معاذ، وهناك قول للجندي يشير إلى هذا الأمر.

ولم يكتفِ الجندي بالقول إن علي بن أبي طالب كان أحد ولاة صنعاء، بل قال أيضاً إن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- دخل صنعاء والياً، معتمداً على رواية الرازي الذي خلط وخبط في أمر صنعاء وتاريخها كل عشواء، وليس صحيحاً البتة أن أبا بكر أو علي دخلا صنعاء.

فالمتصوفة معلوم عنهم التشيع لعلي والمبالغة في نسبة الأشياء إليه، وإسناد كثير من الظواهر الطبيعية له، كما يقولون في اليمن: ضربة علي، وقدم علي، وبئر علي، وشجرة علي، وغيرها من الخرافات التي ينسبونها إليه. وبالتالي فإن إيراد بعضهم أقوالاً، وفي الحقيقة هو قول واحد، أن علي زار صنعاء لم تكن معلومات دقيقة ولا ممحصة، أوردها الجندي في كتابه السلوك بصيغة (قِيل) أي لم تثبت عنده كحدث ورواية عن ثبت ومعرفة، ثم أخذها عنه ابن الديبع في تتابع عجيب حتى في صيغة (قيل)، خاصة إذا ما علمنا أن ابن الديبع أخذ معظم معلوماته عن الجندي، وبالتالي لم تذكر تلك الزيارة أي من بقية المصادر التاريخية أو السير النبوية.

ورحم الله ابن سيرين فقد كان "يرى أن عامة ما يروى عن علي الكذب"( )( صحيح مسلم: رقم الحديث 3707 – صـ914.).

كرس الإماميون هذه المعلومة لأهداف في نفوسهم، والحقيقة أنه حتى في مصادرهم التاريخية لم يقولوا بها على وجه التأكيد، وما وجدنا في مصادرهم التاريخية من يقول بهذا القول، إلا أن الإماميين الجدد (الحوثيين) يحاولون طمس الحقيقة والتسلق على معلومات مضللة وإبرازها للعلن حتى في مخالفة لأسلافهم من الإماميين القدامى.

لا أعتقد أن إقدامهم على بناء مزار شيعي في صنعاء القديمة بحجة القداسة التاريخية، فماهي إلا استعراض للقوة وبسط مظاهر التشيع على العاصمة صنعاء لتكون شيعية خالصة، وهي التي لم تحوِ التشيع منذ القدم، إلا قليلاً من مظاهر الطقوس للإماميين وسط محيط كبير من السنة وقليل من المذاهب والفرق الأخرى.

 

عبدالله بن حمزة وفرض أولى الطقوس الشيعية في صنعاء

فصنعاء حتى القرن السادس الهجري لم تكن تعرف التشيع، وحتى وصول يحيى بن الحسين الرسي إليها ومكوثه القصير فيها أثناء هجومه عليها في زمن اضطراب الدولة اليعفرية واستنجاد أبي العتاهية به، لم تتعدى شهراً واحداً، لم يستطع فرض أي من أجندته الطائفية لأن أسعد بن أبي يعفر والضحاك الحاشدي ومن معه، طردوه منها وعاد إلى صعدة مجدداً، حتى استولى عليها السفاح عبدالله بن حمزة سنة 599هـ حين دخلها إبان اضطراب الدولة الأيوبية الأولى في اليمن؛ وكان أول من فرض فيها وعليها "حي على خير العمل" في الأذان، إذ إنه لما دخل صنعاء "أقيمت الجُمَع وأُذِّن بحي على خير العمل مع كراهة الجند لذلك"( )( السيرة المنصورية: لابن دعثم – صـ86.). وكان أول من أذن في صنعاء بـ"حي على خير العمل" مع عبدالله بن حمزة هو الشريف غانم بن علي العباسي. قال الشريف غانم: "ولقد رأيت قاضيهم [يعني قاضي الأيوبيين على صنعاء] حين رفعت صوتي بحي على خير العمل يجعل إصبعيه في أذنيه ويستغفر الله"( )( غاية الأماني في أخبار القطر اليماني: صـ360.)

وهناك بدأ فرض أولى مظاهر التشيع وهو الجهر بـ"حي على خير العمل" في الأذان لأول مرة في تاريخها، ومع ذلك لم يمكث بن حمزة فيها كثيراً حتى طرده الأيوبيون منها بقيادة سيف الدين سنقر وزير الأيوبيين مع القادة الرسوليين قبل تأسيس الدولة، وأعادوا الأمور إلى نصابها، ومن بعدها لم يتمكن الأئمة الدخول إلى صنعاء أو الاستيلاء عليها إلى زمن الإمام شرف الدين وابنه المطهر في القرن العاشر الهجري وتحالفه مع المماليك ضد الدولة الطاهرية وإسقاطها عام 923هـ؛ أي بعد بن حمزة بأكثر من 400 عام. 

وفي حديث ابن حبان كفاية لمن أراد معرفتهم والرد عليهم، يقول الحديث: "ثم التفت -صلى الله عليه وسلم- نحو المدينة فقال: "إن أهل بيتي هؤلاء يرون أنهم أولى الناس بي، وإن أولى الناس بي المتقون، من كانوا وحيث كانوا، اللهم إني لا أحل لهم فساد ما أصلحت، وأيم الله ليكفؤون أمتي عن دينها كما يكفأ الإناء في البطحاء". (رواه ابن حبان وصححه الألباني.). أخرجه أحمد في مسنده [21546]، ومن طريقه ابن الجوزي في التنوير (ص: 55)، فقال: "حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنِي رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْيَمَنِ، خَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُوصِيهِ، وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: "يَا مُعَاذُ، إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، أَوْ لَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا، أَوْ قَبْرِي"، فَبَكَى مُعَاذٌ جَزعًا لِفِرَاقِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ الْتَفَتَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: " إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي الْمُتَّقُونَ، مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا". اهـ. (شبكة الألوكة (المجلس العلمي) على الرابط: https://majles.alukah.net/t186602).

 

مزار شيعي في صنعاء

يمضي الحوثي في مخطط بناء مزار شيعي في قلب العاصمة صنعاء ليكون له حج بديل عن مكة، كما فعل أبرهة الحبشي ببناء كنيسة القليس لتكون بديلاً عن مكة، وقد رأينا نموذجاً من ذلك التوجه في عامي 2017 و2018 وهو يوجه أصحابه بلباس الإحرام إلى هناك، وكذلك ليكون بمثابة مزار سياحي وحج ديني شيعي تقليداً للنجف ليستقبل شيعة المنطقة وإدرار الدخل المالي عليه، كما يفعل شيعة العراق وإيران بمزارات الشيعة في النجف وكربلاء وما تعود على معمميهم من أموال طائلة، فضلاً عن مضيه في التشييع المجتمعي بادعاء وجود عتبات مقدسة كما في العراق، والتي لن تكون مجرد مزار بقدر ما ستكون بؤرة لنشر التشيع في اليمن. لكن سيكون نهاية ذلك المزار كما كانت نهاية القليس بأن قضى فيها رجل من أهل صنعاء حاجته فيها وسن سنة الحمامات فيها، ولن يكتب لها النجاح، فكل ما بُني على باطل فهو باطل.