الثلاثاء 19-03-2024 14:07:37 م : 9 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

مخطط الحوثيين لتشييع اليمن.. صنعاء بين المزار الشيعي وزيارة علي بن أبي طالب (1-2)

الإثنين 27 مارس - آذار 2023 الساعة 12 صباحاً / الإصلاح نت-خاص | توفيق السامعي
 

 

 في مغالطة تاريخية، وتضليل إعلامي، وجهل بحقائق التاريخ التي يحاول الإرهابيون الحوثيون تسويقها للناس، والتضليل عليهم من خلال القيام بهدم تراث اليمن الأبرز في صنعاء القديمة لبناء مزار شيعي، زاعمين أن علي بن أبي طالب زار صنعاء وكان أحد ولاتها من قبل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهي فرية كبرى تنسفها كل المصادر التاريخية والمعلومات الموثقة.

تمضي المليشيات الحوثية قدماً في محاولة تشييع اليمن، وتقليد شيعة العراق وإيران في خلق ما يسمى "عتبات مقدسة" في صنعاء لإيجاد حج بديل، وجني ثروات طائلة باسم تلك العتبات التي سطت فيها على حقائق التاريخ وتزويره باختلاقهم قصة زيارة الصحابي علي لصنعاء أو أنه كان والياً عليها من قبل النبي -صلى الله عليه وسلم.

فما هي الحقائق التاريخية في هذا الأمر؟ وهل زار علي ابن أبي طالب فعلاً صنعاء؟ أم إنها مجرد بحث عن الأوهام والمضي في تشييع البلاد؟

في هذه الدراسة القصيرة سنورد كل التفاصيل المتعلقة بزيارة علي بن أبي طالب لليمن بالأدلة، وتكليفه من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأي المناطق التي وصل إليها وعرفها، وما كانت مهام عمله وتكليفه على وجه الدقة.

إلى التفاصيل..

 

ولاة النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن

 تكاد تجمع كل الروايات التاريخية وكذا ما جاء في السير والأحاديث على أن أول واليين بعثهما النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن هما معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري -رضي الله عنهما- وأوصاهما بالاتفاق والتطاوع وعدم الاختلاف، كما جاء في الحديث عن ‌سعيد بن أبي بردة قال: سمعت ‌أبي قال: "بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أبي ومعاذ بن جبل إلى اليمن، فقال: يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا فقال له أبو موسى: إنه يصنع بأرضنا البتع؟ فقال: كل مسكر حرام» وقال النضر، وأبو داود، ويزيد بن هارون، ووكيع، عن شعبة، عن سعيد، عن أبيه، عن جده، عن النبي -صلى الله عليه وسلم.(الحديث رقم 7172- في البخاري).

وحدد الرسول -صلى الله عليه وسلم- لكل واحد منهما مكانه ووجهته وعمله؛ فمعاذ على مخلاف الجند وعلى نجود اليمن من الجبال والأعالي، وأبو موسى على التهايم من اليمن، وقد وردت كثير من الأحاديث في ولايتهما ووصيتهما من قبل الرسول(ص).

يقول المؤرخون الجندي في السلوك وتابعه في ذلك ابن الديبع في قرة العيون، وكذلك محمد علي الأكوع في شرح حاشية الكتابين، أن معاذ بن جبل "سار حتى قدم صنعاء ثم توجه إلى الجند، وأوصل كتابه – عليه الصلاة والسلام- إلى بني الأسود وكانوا قد أسلموا، ثم إنهم اجتمعوا في أول جمعة من رجب ووعظهم معاذ. ومن ذلك اليوم ألف الناس إتيان مسجد الجند في أول جمعة من رجب يأتونه ويصلون فيه الصلاة". (قرة العيون: صـ62)

وجاء في صحيح البخاري، حدثنا موسى، حدثنا أبو عوانة، حدثنا عبد الملك عن أبي بردة [حفيد أبي موسى الأشعري] قال: "بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن، قال: وبعث كل واحد منهما على مخلاف. قال: واليمن مخلافان، ثم قال: يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا. فانطلق كل واحد منهما إلى عمله. وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه كان قريباً من صاحبه، أحدث به عهداً فسلم عليه. فسار معاذ في أرضه قريباً من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، وإذا هو جالس وقد اجتمع إليه الناس، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: ياعبدالله بن قيس.. أيّم هذا؟ قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه. قال: لا أنزل حتى يقتل. قال: إنما جيء به لذلك؛ فانزل. قال: ما أنزل حتى يقتل. فأمر به فقتل، ثم نزل فقال: ياعبدالله..كيف تقرأ القرآن؟ قال: أتفوَّقه تفوُّقاً. قال: فكيف تقرأ أنت يامعاذ؟ قال: أنام أول الليل، فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي" .(صحيح البخاري: صـ1062.).

لا بد من التوضيح والتعقيب على خبر المؤرخين كيف أنهم أوردوا رعين والمعافر وهمدان في جملة واحدة وفي سياق واحد، خاصة وأن حامل رسالتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- هو ذو يزن الرهاوي، وبنو الرهاوي معروفون أنهم من سكان الجند وبلاد السكاسك في ماوية، ومنهم في إب، ومنهم في سامع وبني يوسف اليوم من المعافر، وينسب إليهم جبل سامع الأكبر، ويسمى (جبل الرهيوة)! وفي رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم توضيح أنه مالك الرهاوي وليس ذو يزن الرهاوي كما عند الجندي وابن الديبع. ويبدو أن في طباعة الرسالة السابقة للرسول توهم أو شيء من تحريف، ذكرت اسم عبدالله بن زيد مع معاذ، ويبدو أن الصواب هو عبدالله بن قيس وهو اسم أبي موسى الأشعري.

كما هو معلوم أن همدان مستقلة في الرسل والوفد والبعث، والمكان في أقصى شمال الشمال، فما الذي جمعهم هنا بمعافر ورعين، وقصة إسلامهم معروفة، وأمراؤهم معروفون ووفودهم معروفة ذهبوا بكل ذلك باستقلالية تامة إلى النبي!!

فهل كانت هناك همدان أخرى في منطقة الجند غير همدان المعروفة في أقصى الشمال، جعلها تدخل ضمن إقليم الجند ومعافر ورعين وسط وجنوب اليمن؟!

ومما يدل على أن المناطق متقاربات جغرافياً وللثلاثة الملوك المذكورين وتكرار معافر فيها، فإن جغرافيتها لا تتعدى حدود ذمار شمالاً وإلى نهاية المعافر جنوباً غربياً، وتدخل معهم لحج وعدن وأبين والذي سمي فيما بعد بمخلاف الجند ووالي الجميع معاذ بن جبل - رضي الله عنه.

ولنتأمل رسالة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى ملوك المعافر الثلاثة الحارث ونعيم ابني عبد كلال والنعمان:

"بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله النبي، إلى الحارث بن عبد كلال، وإلى نُعيم بن عبد كلال، وإلى النعمان: قيل ذي رعين ومعافر وهمدان.

أما بعد ذلكم، فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم، فلقينا بالمدينة، فبلّغ ما أرسلتم به، وخبّرنا ما قبلكم، وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم من المشركين، وأن الله قد هداكم بهداه، إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغانم خمس الله وسهم الرسول وصفيه...إلخ [تفاصيل مقادير الزكاة].

أما بعد: فإن رسول الله محمداً النبي أرسل إلى زرعة ذي يزن، أن إذا أتاكم رسلي فأوصيكم بهم خيراً: معاذ بن جبل، وعبدالله بن زيد، ومالك بن عبادة، وعقبة بن نمر، ومالك بن مرة [الرهاوي] وأصحابهم. وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخالفيكم، وأبلغوها رسلي، وإن أميرهم معاذ بن جبل، فلا ينقلبن إلا راضيا.

أما بعد فإن محمداً يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله، ثم إن مالك بن مرة الرهاوي، قد حدثني أنك أسلمت من أول حمير، وقتلت المشركين فأبشر بخير، وآمرك بحمير خيراً، ولا تخونوا ولا تخاذلوا، فإن رسول الله هو ولي غنيكم وفقيركم، وإن الصدقة لا تحمل لمحمد ولا لأهل بيته، إنما هي زكاة يزكي بها على فقراء المسلمين وابن السبيل. وإن مالكاً قد بلَّغ الخبر، وحفظ الغيب، وآمركم به خيراً، وإني قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي وأولي دينهم وأولي علمهم، وآمرك بهم خيراً، فإنهم منظور إليهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته". (سيرة بن هشام: ج4/232، 233).  

ويالها من رسالة عظيمة حوت داخلها كل حكم، وأزالت كل شبهة، وأجابت عن كل تساؤل. ونستفيد منها في موضوعنا التالي:

-      أن رسل رسول الله وعماله على البلاد التي أرسلوا إليها إنما أرسلوا بعد إسلام أهل تلك البلاد، ولم يدعوهم إلى الإسلام، ولم يشهروا ضدهم سيفاً، وهذه تنفي ما قيل عن إسلام همدان على يد علي كلها في يوم واحد، وتدحض ماقيل من أحاديث مفتراة بحقه وحقهم.

-      أن معاذ بن جبل أرسل في العام التاسع وجاء قوماً قد أسلموا وهم بانتظاره.

-      أن معاذاً مرجعية كل الولاة المذكورين في الرسالة.

-      سلسلة ولاة معروفة أسماؤهم دون تأويل.

-      أن الخمس والصدقة ليست للنبي ولا لأهله بل لفقراء المسلمين وابن السبيل وما عليه هو إلا تصريف تلك الصدقات وتقسيمها بينهم.

-      أن سلسلة الولاة المذكورين يقتصرون على المناطق الوسطى والجنوبية من اليمن، وربما دخلت معهم صنعاء.

-      لا يوجد أي ذكر لعلي في هذه الرسالة، وهو ما يؤكد إرساله لجمع الصدقات في السنة التالية العاشرة للهجرة في نجران وهمدان الشمالية.

-      صفيه المذكور في اللفظ السابق في خمس الله والنبي تعني خلاصة أموالهم وليس ما يتأوله الشيعة أن الصفي هو علي.

-      ومما يدل على أن صحن الملك وعاصمته يومها هي المعافر أن خص الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصدقة بالعملة المعافرية أو عوض ذلك ثياباً وهي معافرية أيضاً، وقد كان رداؤه -صلى الله عليه وسلم- معافرياً، ولما توفي كفن بثياب معافرية.

-      من خلال مراجعتنا لكل مصادر التاريخ والسير والحديث التي ذكرت هذه الرسالة واسمي الحارث بن عد كلال وأخيه نعيم بن عبد كلال لم أقف على أي تعريف لهما أي البلاد يحكمانها، وما وضح ذلك إلا إشارات في هذه الرسالة وإلحاق الإسم الثالث النعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان الذي يتضح من خلاله أن جغرافية المكان للثلاثة الأعلام هي ما بين ذمار إلى أبين، بدليل إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بقية المناطق عمالاً ورسلاً ورسالات تخص أسماء أخرى على أنها زعامات تلك البلاد كهمدان الشمالية (صعدة والجوف ونجران) وتخصيص خالد لها، وتخصيص فروة لمراد ومذحج (الجوف ومارب)، وبعد ذلك تخصيص أسماء أخرى لصنعاء مثل وبر بن يحنس، أو يعلي بن أمية، أو شهر بن باذام، أو فيروز الديلمي.

للمؤرخين أقوال ومسميات عديدة في عمال النبي -صلى الله عليه وسلم- على اليمن، وقد أوردوا أكثر من سلسلة مختلفة لأسماء أعلام، وكل مرة لا يتفق مع الأماكن التي أرسلوا إليها.. فمثلاً: هناك سلسلة ساقها ابن الديبع يقول: "روي سيف عن عبادة الليثي أنه -عليه الصلاة والسلام- أفرد كل رجل بخبر، فصرف عمالة حضرموت بين ثلاثة.. وعلى نجران: عمرو بن حزم، وعلى ما بين نجران ورمع وزبيد خالد بن سعيد بن العاص، وعلى همدان عامر بن شهر، وعلى صنعاء شهر بن باذام، وعلى عك والأشعريين الطاهر بن أبي هالة، وعلى مارب أبو موسى الأشعري، وعلى الجند يعلى بن أمية" (قرة العيون: صـ65).

وهذا خلافاً لما ذكرته معظم الروايات سواء في مصادر الحديث أو السير أو عند المؤرخين؛ فأبو موسى أرسل مع معاذ بن جبل ليكون والياً على تهامة (عك والأشعريين وزبيد) وليس على مارب، ولذلك كان قريباً من معاذ وكانا يلتقيان مع بعضهما للتدارس ومعرفة أحوال الآخر. ومعروف أن خالد بن الوليد كان على نجران، إلا أن يكون استخلف بعد عودته بعمرو بن حزم.

وفي قائمة وسلسلة أخرى عند ابن الديبع "توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعماله يومئذ على اليمن ثلاثة: أبان بن سعيد بن العاص على صنعاء وأعمالها. ومعاذ على الجند ومخاليفها، وزياد بن لبيد البياضي على حضرموت وأعمالها. وقيل: استعمل – عليه الصلاة والسلام- المهاجر بن أبي أمية المخزومي على كندة بحضرموت، فمرض بالمدينة ولم يطق الذهاب إلى حضرموت فكتب – عليه الصلاة والسلام- إلى زياد بن لبيد ليقوم على عمل المهاجر" (قرة العيون: صـ69، 70).

كما يذكر وبر بن يحنس الخزاعي في ولاة صنعاء، ويذكر فروة بن مسيك المرادي في ولاة صنعاء أيضاً، والاثنان يذكران على أنهما من ولاة النبي -صلى الله عليه وسلم.

لكن ابن هشام يروي أن فروة استعمله الرسول -صلى الله عليه وسلم- على قومه مراد وزُبَيد [قبيلة من صعدة وليست زبيد تهامة] ومذحج كلها، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة، فكان معه في بلاده حتى توفي الرسول -صلى الله عليه وسلم- (سيرة ابن هشام: ج4/225)، وكان ذلك في السنة التاسعة للهجرة.

وروي بن عباس قال: قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأسود وطليحة ومسيلمة بالرسل، ولم يشغله ما كان به من الوجع عن القيام بأمر الله والذب عن دينه. وذكره الواقدي فيمن أسلم من أهل سبأ (يعني وبر)، وروي عنه أنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "إذا قدمت صنعاء فأت مسجدها الذي بحيال ضين [جبل شمال صنعاء بهمدان يطل على ضروان وغيرها] فصل فيه"، فلما قتل الأسود العنسي قال وبر: هذا الموضع الذي أمرني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أبني فيه المسجد"( )( قرة العيون- لابن الديبع- صـ67.).

ولعل الأمر التبس على الرواة في أمر الولاة؛ فقد كان بعضهم ولاة لتحصيل الصدقات وتخميس الأخماس، كما هو حال علي بن أبي طالب، وكان البعض الآخر ولاة ولاية عامة كمعاذ وخالد بن الوليد، ومن هنا تعددت الروايات والقوائم، ونحن نرجح ما شهر منها وكان عليه أكثر الروايات.

 

خالد بن الوليد على نجران وهمدان وعلي على الصدقات

وأما خالد بن الوليد فبعث إلى بني الحارث بن كعب بنجران فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا بغير قتال ( قرة العيون: صـ62). "وعن محمد بن إسحاق قال: قدم على رسول -الله صلى الله عليه وسلم- كتاب ملوك حمير مقدمه من تبوك بإسلامهم ومفارقتهم للشرك. فقبله وهم: الحارث ونعيم ابنا عبد كلال، والنعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان، وصل به ذو يزن بن مرارة الرهاوي "( قرة العيون: صـ65، سيرة ابن هشام: ج4/231).

فقد بعث إلى بني الحارث الرسول -صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد في جمادى الآخرة من السنة العاشرة للهجرة، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام ثلاثاً قبل أن يقاتلهم، فأسلموا بغير قتال، فكتب خالد بذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- كتاباً، وأمره أن يقبل إليه ومعه وفدهم.. فوفد مع خالد بن الحصين ذو الغصة، ويزيد بن عبدالمدان، ويزيد بن المحجل، وعبدالله بن قراد، وشداد بن القناني، وعمرو بن عبدالله الضبابي (قرة العيون: صـ63).

أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد إلى اليمن؛ نجران وهمدان (همدان: صعدة والجوف وعمران حالياً، ومكونها قبيلتا حاشد وبكيل) يدعوهم إلى الإسلام ثلاثاً فإن أسلموا علمهم الإسلام ورجع دون قتال، وإن لم يسلموا قاتلهم. (سيرة ابن هشام: ج4/235).

فأسلم القوم دون قتال، وفي رسالة خالد التالية للنبي -صلى الله عليه وسلم- خير دليل.

وهم الذين بعد ذلك بعث إليهم الرسول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ليحصل الزكاة منهم فقط، ولم يصل علي إلى صنعاء البتة..

وجاء في كتاب/ رسالة خالد بن الوليد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم:

بسم الله الرحمن الرحيم

لمحمد النبي رسول الله، من خالد بن الوليد

السلام عليك يا رسول الله ورحمته وبركاته، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو

أما بعد:

يا رسول الله فإنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب، وأمرتني إذا التقيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أيام، وأدعوهم إلى الإسلام، فإن أسلموا قبلت منهم وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه، وإن لم يسلموا قاتلتهم.

وإني قدمت إليهم ودعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وبعثت فيهم ركباناً يا بني الحارث أسلموا تسلموا، فأسلموا ولم يقاتلوا، وأنا مقيم بين أظهرهم آمرهم بما أمر الله به، وأنهاهم عما نهاهم الله عنه، وأعلمهم معالم الإسلام وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى يكتب إلي رسول الله، والسلام عليك يا رسول الله ( الوثائق السياسية: محمد بن علي الأكوع، صـ90، قرة العيون: صـ63، سيرة ابن هشام: ج4/236).

ومن خلال رسالة خالد بن الوليد فإن همدان ونجران (وهي اليمن المعنية في رسالة الرسل المتتابعين أو الولاة كخالد وعلي بن أبي طالب) قد أسلمت دون قتال في عهد خالد بمجرد أن عرض عليهم الإسلام سلماً دون حرب، وسنجد أن بعد هذه الرسالة وهذا الحدث أن استدعى الرسول -صلى الله عليه وسلم- خالداً بن الوليد للعودة وبعث علياً إليهم مجدداً ليقبض منهم الصدقات وليس ليدعوهم إلى الإسلام، وكانت رسالة علي وموطنه محدودين في شمال الشمال لليمن في صعدة ونجران والجوف، كما سيأتي. فقد كان خالد بن الوليد رجلاً عسكرياً صاحب حرب لا صاحب فقه، وكان علي صاحب فقه، وكان يرسله الرسول على الصدقات.

ورد الرسول -صلى الله عليه وسلم- على رسالة خالد برسالة أخرى كالتالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد النبي رسول الله، إلى خالد بن الوليد

سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو

أما بعد:

فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبرني أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم، وأجابوا إلى ما دعوتهم من الإسلام، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن قد هداهم الله بهداه فبشرهم وأنذرهم، واقبل وليقبل معك وفدهم، والسلام عليك ورحمة الله. (الوثائق السياسية: صـ90).

 

علي لم يعرف صنعاء قط

وعقب قفول خالد بن الوليد إلى المدينة، بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب إلى نجران، كما عند المؤرخين، في رمضان سنة عشر للهجرة، على صدقاتهم وجزيتهم؛ أي أنه جاء فقط لقبض الصدقة والجزية وليس ليدعوهم إلى الإسلام فقد كانوا أسلموا مع خالد، وبعد قبض الصدقات أمره أن يوافيه إلى الحج.

هنا ظهرت الرواية التي تقول إن اليمن أسلمت كلها في يوم واحد مع علي، ظهرت مضطربة، فاليمن لم تكن قرية واحدة، ولا مدينة واحدة، حتى يأتيها علي أو كتاب النبي فيسلموا عن بكرة أبيهم في يوم واحد، كما تقول رواية منسوبة لعلي، فقد رأينا كيف مكث فيهم خالد يدعوهم إلى الإسلام فأسلموا، وأثبت ذلك في رسالة ممهورة إلى النبي، كما أوردناها آنفاً، ورد النبي على ذلك برسالة إلى خالد يطلب إليه الرجوع بعد استتباب الأمر هناك.

بل كانت اليمن مدناً متعددة، أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولاة إليها أشهرهم أربعة ولاة؛ معاذ بن جبل على الجند، وفروة بن مسيك على صنعاء، وزياد بن لبيد البياضي على حضرموت، وأبو موسى الأشعري إلى تهامة، وكان هؤلاء الولاة في السنة التاسعة للهجرة، وقد تحرك معاذ بن جبل وأبو موسى إلى الجند قبلهم جميعاً في نهاية السنة الثامنة للهجرة ووصوله في السنة التاسعة، كما تقول بعض الروايات، سنتطرق لها لاحقاً بالتفصيل.

وكذلك فإن نفس الرواية المنسوبة إلى علي قالت في بدايتها أنه بعث لقبض الصدقة والجزية تحديداً؛ يعني المهمة قبض الصدقة لا دعوة إلى الإسلام.

وكل الروايات التي تتحدث عن زيارة علي-ري الله عنه- لليمن تقول إنما زار نجران وهمدان فقط (نجران وصعدة والجوف). هناك قول واحد فقط لزيارة علي إلى صنعاء، وهو قول الجندي السكسكي، وأخذ عنه متأخراً بعده بقرون ابن الديبع الشيباني، والرواية لا أساس لها ولم تثبت بدليل قاطع كما في مراسلات النبي لخالد بن الوليد وعلي بن أبي طالب نفسه، سنوردها لاحقاً.

وهذا أيضاً ما ثبت من خلال شاهد عيان ممن كان مع علي بن أبي طالب حين ذهب لحصر الزكاة، وهو البراء بن عازب، رغم اضطراب الرواية التي يذكر فيها الشيء ونقيضه؛ فقد ذكر أن علياً صلى الصبح بهم جماعة صفاً صفاً بهم ثم قال دعاهم للإسلام فأسلموا كلهم في يوم واحد!

قال البراء: كنت فيمن عقّب معه [يقصد علياً عقب معه على الصدقات]، فلما انتهينا إلى أوائل اليمن، بلغ القوم الخبر، فجمعوا له، فصلى بنا علي الفجر، فلما فرغ صفنا صفاً واحداً، ثم تقدم بين أيدينا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأسلمت همدان كلها في يوم واحد، وكتب بذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما قرأ كتابه خر ساجداً، ثم جلس، فقال: السلام على همدان، السلام على همدان، ثم تتابع أهل اليمن على الإسلام! ( تاريخ الطبري: ج3/132).

وانظر إلى قوله: فلما انتهينا إلى أوائل اليمن؛ فأوائل اليمن من ناحية مكة والصحراء الشرقية كانت نجران، وهمدان التي هي صعدة والجوف، وليس همدان صنعاء كما يتوهم البعض.

فمن هذا التوهم دخل الشيعة ودخلت الإمامة للقول بزيارة علي صنعاء، وليس صحيحاً البتة، والمراسلة بين النبي وخالد واضحة، والطبري هنا لم يذكر نص الرسالة بين علي والنبي كما ذكرت بين خالد والنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي واضحة وضوح الشمس في إتيان علي لقبض الصدقات فقط، وهي كذلك عند البخاري ومسلم، والسبب الرئيس في خلاف بعض الوفد من الصحابة على علي والتكلم فيه أمثال بريدة، مما جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول مقالة تجبر خاطره في يوم خم بعد حجة الوداع، والتي اتخذها الشيعة والإمامية دليلاً على الولاية، بينما هي كلمات محدودة لم يشر إليه فيها بأية كلمة أو نص.

كلمات دالّة

#اليمن