الثلاثاء 19-03-2024 14:41:07 م : 9 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

المرأة اليمنية في زمن الانقلاب الحوثي.. انتهاك للحريات ومصادرة للحقوق

الثلاثاء 21 مارس - آذار 2023 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

"اليمن هو واحد من أصعب البلدان في العالم للنساء"، هذا ما قالته نائبة رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، "ماريون لاليس"، في وقت سابق، واصفة الوضع الذي تعيشه المرأة في اليمن في ظل سلطة الانقلاب الحوثية التي تدير سلطتها بطريقة عبثية إرهابية، والتي لم تستثن شيئا إلا وطالته يد العبث والإرهاب.

وقد نالت المرأة نصيبا كبيرا من قوانين السلطات الحوثية الجائرة وتعسفاتها الظالمة، فمنذ انفراد المليشيا بالسلطة شرعت بتكثيف ضغوطاتها وتجاوزاتها بحق النساء، بذريعة المحافظة على الأخلاق والقيم والثقافة الإيمانية، معتبرة أن الكثير من مهن النساء وأعمالهن بل وعاداتهن متنافية مع الأخلاق، وتندرج ضمن قائمة الممنوعات التي تجرمها المليشيا الحوثية وفق رؤيتها.

 

سابقة خطيرة

ولم تلق المرأة اليمنية من الظلم والتعسف والإهانة طيلة قرون ماضية كالذي لاقته في زمن حكم المليشيا الحوثية في فترة وجيزة، إذ ظلت المرأة في اليمن بكل أحوالها الاجتماعية تحظى بمكانة مرموقة في المجتمع اليمني، وإجلال منقطع النظير قل أن يوجد في مجتمع آخر، وبقيت تحظى بالاهتمام والعناية والاحترام حتى تاريخ 21 سبتمبر 2014، وهو تاريخ انقلاب المليشيا الحوثية، والذي مثل مرحلة فارقة من الإرهاب والإجرام بحق المرأة، إذ تنوعت الجرائم بحقها لتشمل القتل والاختطاف والإخفاء القسري والتعذيب والسب والقذف والتحرش وتلفيق التهم والترويع والضرب والتهجير وغيرها من الجرائم التي ارتكبتها المليشيا الحوثية بحق النساء.

ولم يكن يتبادر إلى ذهن أحد أن تصبح المرأة عرضة للملاحقة والاختطافات والتغييب في الزنازين وممارسة أبشع أنوع التعذيب النفسي والجسدي بحقها، والتحرش بها واتهامها بالدعارة، ليصل الأمر في بعض الأحوال إلى الاغتصاب، وفقا لتقارير محلية وحقوقية.

وقد بات ينظر إلى المرأة اليمنية في ظل سلطة الحوثيين بنظرة دونية، جردتها من حقوقها، وأسقطتها من مكانتها وفق سياسة المليشيا، إذ باتت المرأة لا تمتلك من الحرية شيئا، ولا يحق لها مما كفله لها الدستور والقانون شيئا، إذ ووفق رؤية الحوثيين أنّ اختلاطها مع الرجل في العمل والدراسة يتنافى مع ما تسميها الثقافة الإيمانية.

فقد فرضت المليشيا الكثير من القيود والإجراءات للتضييق عليها، والحد من تواجدها في الحياة العامة، ابتداء من منعها من الوظيفة العامة باستثناء مجالات ضيقة ومحدودة وبشروط مشددة.

 

ألوان من الانتهاكات

ويقول متابعون وحقوقيون يمنيون إن تصعيد المليشيا الحوثية الخطير في الآونة الأخيرة ضد النساء في صنعاء ومحافظات أخرى شمل ألوانا من التجاوزات والجرائم المتنوعة منها الاعتداء، وفرض عقوبات ضد نساء، وإصدار أوامر اعتقال قهري بحق أخريات، إضافة إلى حرمان أخريات من أقل الحقوق، وارتكاب جرائم قتل وإصابات جسدية بحق بعض النساء، إلى جانب الاختطاف والاعتقال التعسفي.

وتشير المصادر إلى تعرض مئات النساء والفتيات، في مناطق سيطرة الحوثيين، لسلسلة من الاعتداءات والتجاوزات الحوثية بحق النساء، وُصف كثير منها بـ"الاعتداءات الوحشية" على مدى الأشهر الماضية.

وقد تمثلت بعض تلك الاعتداءات في إصدار المليشيا الحوثية أوامر اعتقال قهري بحق سيدة أعمال يمنية وبعض من أفراد أسرتها في صنعاء.
ووفقاً لمصادر حقوقية، فقد أصدرت المليشيا وعبر نيابة استئناف جنوب شرقي الأمانة الخاضعة للمليشيا في صنعاء، أمرا قهريا بالقبض على سيدة الأعمال فتحية المحويتي، وعدد من أفراد أسرتها، بعد توجيه الحوثيين تهم لها بتبديد أكثر من 170 مليار ريال يمني مملوكة لمساهمين في شركة تابعة لها.

وتظهر صورة تداولها ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي الأمر الذي أصدرته المحكمة الحوثية في صنعاء، الذي نص على سرعة إلقاء القبض القهري على سيدة الأعمال، وثلاثة من أفراد أسرتها.

 

تشويه متعمد

وقد طالت تلك الانتهاكات النساء النادلات بمنعهن من العمل في مطاعم العاصمة صنعاء وغيرها، زاعمة أنّ ذلك يعد اختلاطاً مع الرجال، على الرغم من أنّ جميع تلك النادلات يعملن في الأقسام المخصّصة للعوائل وليس للرجال فقط.

الحملة المسعورة التي أطلقتها المليشيا الحوثية والتي هددت بإغلاق عدد من مطاعم صنعاء، على خلفية توظيف بعض النساء فيها، ترافقت مع حملة تحريض أطلقتها المليشيا عبر خطباء المساجد الموالين للمليشيا، حيث تم فرض الإملاءات وتوزيع خُطب موحدة، شدّدت على مهاجمة النساء العاملات، وعدم السماح لهنّ بالعمل سوى في مدارس خاصة بالفتيات أو مرافق صحية للنساء فقط.

وتقول مصادر إن المليشيا الحوثية ألزمت مُلاك المطاعم بعدم السماح بدخول الأقسام المخصصة للعائلات باستثناء من يقدّم وثيقة العقد كإثبات للزواج ودليل على صدق قرابة المرأة، في خطوة اعتبرها مراقبون بأنها تشويه متعمد لسمعة النساء وتشكيك بأخلاقهنّ، خصوصاً أنّ المطاعم أماكن مفتوحة وليس فيها ما يدعو للشك والريبة.

وتنقل منظمة العفو الدولية عن بعض العاملات في المجال الإنساني قولهن: "إن مليشيا الحوثي تفرض قيوداً على سفرهن إلى مختلف المحافظات اليمنية للقيام بعملهن"، موضحة أن النساء اليمنيات العاملات مع جهات إنسانية، بما فيها هيئات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، اتهمن الانقلابيين صراحة بفرض قيود على سفرهن إلى مختلف المحافظات لمزاولة عملهن.

 

إدانات خجولة

وقد انتقد خبراء حقوقيون تابعون للأمم المتحدة، الانتهاكات الممنهجة التي تقوم بها مليشيا الحوثي بحق النساء في مناطق سيطرتها، واستعرض الخبراء في كتاب حمل عنوان: "الانتهاك الحوثي المنهجي لحقوق النساء والفتيات" كيف تُضطر الجهات الإنسانية إلى وضع اسم "محرم" عند تقديم طلب سفر لأي موظفة يمنية إلى مناطق سيطرة الحوثيين.

ويشير الخبراء إلى أن ما تسمى "الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري"، التابعة للحوثيين، وسّعت من دائرة قيودها في أغسطس 2022، فلم يعد هناك حق للنساء بالسفر دون محرم إلى أي مكان داخل المناطق التي تسيطر عليها المليشيا الحوثية، أو إلى مناطق خارج سيطرتها، أو حتى إلى خارج البلاد.

ويؤكد خبراء دوليون أن العديد من الموظفات العاملات مع جهات إنسانية قدمن استقالاتهن من تلك الوظائف، مما تسبب بحرمانهن من مدخول أساسي لعائلاتهن كن يحصلن عليه، نتيجة لعدم وجود محارم لديهن لمرافقتهن أثناء السفر، مضيفين أن من بين تلك القيود منع النساء والفتيات من الحصول على المساعدات الإنسانية.

ويتفق الخبراء مع عدد من المنظمات الدولية في مطالبتهم بضرورة أن تنهي مليشيا الحوثي الانقلابية على الفور قيودها التعسفية والجائرة التي فرضتها على النساء ومصادرة حريتهن بالتنقل، وحرية التعبير والصحة والعمل.

ويرى مراقبون أن السياسة التي اعتمدتها الأمم المتحدة في التعامل مع مليشيا الحوثي الانقلابية ساعدت المليشيا على التمادي في تعسفاتها وتجاوزاتها، وشجعتها على الكثير من الممارسات الإجرامية، وفرض الكثير من القيود على النساء.

وقد طالبت أوساط حقوقية ومجتمعية في صنعاء المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية بالوقوف الجاد في مواجهة ما تتعرض له نساء اليمن من قتل وتنكيل واضطهاد وعنف وحرمان من أبسط الحقوق من قبل مليشيا الانقلاب الحوثية، مدينة في الوقت ذاته التعسفات المستمرة بحق النساء في مناطق سيطرة المليشيا.

 

منهج القمع والتضييق

وقد تزايدت معاناة النساء في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث وثق مركز حقوقي 1395 انتهاكًا حوثيًا بحق النساء في صنعاء خلال عام 2021 فقط.

ويقول تقرير حقوقي حديث صادر عن "تحالف النساء من أجل السلام في اليمن" إن المليشيا الحوثية ارتكبت أكثر من 1893 واقعة اختطاف وتعذيب واغتصاب ضد النساء منذ ديسمبر 2017 وحتى أكتوبر 2022، بينهن قاصرات، بسجون المباحث الجنائية التي تسيطر عليها المليشيا الحوثية، إضافة إلى سجون "الأمن والمخابرات".

ويؤكد التحالف أنّ النساء في اليمن، بعد انقلاب مليشيا الحوثي على السلطة في سبتمبر 2014، قد نالهن النصيب الأكبر من الأذى والمضايقات من قبل المليشيا في المدن والمناطق التي تسيطر عليها.

ويضيف البيان أن المليشيا أقدمت على سابقة خطيرة بإصدار أحكام بالسجن لسنوات متفاوتة على 264 فتاة يمنية إضافة لأحكام الإعدام التي صدرت من المحكمة الجزائية بصنعاء بحق ست نساء.

 

إقامات جبرية

فيما تذكر منظمة سام للحقوق والحريات، في بيان لها صدر العام الماضي، والذي أتى متزامنا مع اليوم العالمي للمرأة، أنها رصدت طوال السنوات الماضية من عمر الحرب انتهاكات متعددة ومركبة تجاه النساء في مختلف المناطق اليمنية الخاضعة للحوثيين، بل وحتى في مناطق اللجوء خارج اليمن أثرت بشكل خطير وغير مسبوق على تمتع المرأة اليمنية بحقوقها الأساسية، لا سيما في ظل استمرار تلك الانتهاكات وغياب أي بوادر سياسية أو إرادة دولية لحل الأزمة الممتدة منذ سنوات، الأمر الذي يعكس مخاوفها من انتهاكات مقبلة قد تطال شريحة أكبر من النساء مع استمرار الأوضاع في اليمن على ما هي عليه.

وتقول المنظمة إن المرأة اليمنية تعرضت لاستهداف مباشر وغير مباشر بما في ذلك الاحتجازات غير القانونية والحرمان من التظاهر والوقفات الاحتجاجية، وإعاقة المرأة من الحصول على حقوقها في التعليم والرعاية الصحية.

وتضيف المنظمة أن الانتهاكات امتدت بشكل أوسع، لتحرم المرأة من دورها القيادي في المؤسسات الرسمية والحكومية في الوقت الذي أثبتت فيه المرأة اليمنية قدرتها القيادية في العديد من المحافل الدولية، كما طالت تلك الانتهاكات حق المرأة في العمل وفرض قيود صارمة على حقها في افتتاح المحال التجارية وإدارتها، إضافة إلى فرض نمط محدد من اللباس على المرأة في الجامعات والمؤسسات، كما فرضت المليشيا الحوثية حالة الإقامة الجبرية على عشرات من الناشطات والقيادات النسائية اللاتي منعتهن من ممارسة أي نشاط في صنعاء وعدد من المحافظات التي تسيطر عليها، وتعرضن للتهديد بالتصفية الجسدية في حال مخالفتهن لتلك الأوامر، مما اضطر الكثير منهن للنزوح إلى أماكن بعيدة عن سيطرة مليشيا الحوثيين.

وتنوه المنظمة في بيانها إلى أن "تأثير الانتهاكات التي رصدتها من الناحية الاقتصادية على المرأة تحمل عدة مستويات أولها حرمانها من تقلد الوظائف العامة والعمل في معظم الحالات وحتى في مجال العمل الخاص والحر، والآخر ما تعانيه المرأة من معوقات وصعوبات مالية بعد وفاة زوجها أو معيل الأسرة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد ومتطلبات الحياة الصعبة"، الأمر الذي "يترك المرأة وحيدة أمام مرتكبي الانتهاكات والذين غالبًا ما يستغلون حاجتها للمال وللحاجيات الأساسية في مقابل إجبارها على الجنس والممارسات التي تحط من كرامتها".

وتشدد "سام" على أن الممارسات التي تتعرض لها المرأة اليمنية "تأتي في إطار المخالفة الواضحة للعديد من الاتفاقيات التي كفلت ووفرت الحماية الخاصة للمرأة ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة لاتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري ضد المرأة وغيرها التي كفلت العديد من الحقوق الأساسية للمرأة بل وجرمت أي اعتداء على تلك الحقوق أو حتى الانتقاص منها".

 

جرائم حرب

وبحسب رئيسة مؤسسة "دفاع للحقوق والحريات"، هدى الصراري، فإن مليشيا الحوثي تتعامل مع النساء وكأنهن ناقصات للأهلية، ولا يحق لهنّ السفر أو التنقل والحركة إلا بإذن مسبق، مشيرة إلى أن تلك الممارسات تعد استمرارا لمنهج القمع والتضييق على الحريات وفرض القيود على النساء في مناطق سيطرة الحوثيين، معتبرة أن مثل هذه الإجراءات مشابهة لما يقوم به تنظيما داعش والقاعدة الإرهابيان.

وفي تصريح له مطلع مارس الجاري، طالب وزير الإعلام "معمر الإرياني" المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والدفاع عن قضايا المرأة ومناهضة العنف ضد النساء بالاضطلاع بدورهم في إيقاف الانتهاكات الحوثية المتكررة بحق النساء، والتي ترقى في بعض الحالات إلى جرائم حرب وجرائم مرتكبة ضد الإنسانية، وانتهاك صارخ للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري ضد المرأة، داعيا المجتمع الدولي إلى اتخاذ مواقف جادة، وممارسة ضغوط حقيقية على مليشيا الحوثي لإجبارها وبشكل فوري على إطلاق المختطفات والمخفيات قسريا في معتقلاتها غير القانونية، وملاحقة المتورطين في الجرائم والانتهاكات التي طالت النساء اليمنيات، والعمل على إدراج المليشيا وقياداتها في قوائم الإرهاب الدولية.

 

إدانات واسعة

وقد طالبت 122 منظمة مجتمعية ومدنية، ‏المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمبعوثين الأممي والأمريكي وهيئات حقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، وإدانة الممارسات الإجرامية التي تتعرض لها النساء في مناطق سيطرة الحوثيين، وممارسة ضغوط حقيقية على قيادات المليشيا لإجبارها على وقف انتهاكاتها الجسيمة والمستمرة ضد المرأة واتخاذ إجراءات رادعة بحقهم.

وتقول المنظمات في بيان مشترك لها مطلع شهر مارس الجاري 2023 بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي صادف الأربعاء الموافق 8 مارس، إنها "تدين بأشد العبارات الانتهاكات التي تمارسها مليشيات الحوثي الإرهابية ضد النساء اليمنيات ومنها العنف بكافة أشكاله والتضييق والتمييز وتقييد الحريات وحرمانهن من الحقوق التي كفلها الدستور".

وأكدت أن النساء والفتيات في مناطق سيطرة المليشيا يتعرضن لانتهاكات ممنهجة "بما في ذلك تقييد سفر المرأة دون ولي أمر ومنع الوصول إلى الرعاية الصحية والإنجابية والمنع من العمل والفصل بين الجنسين في الأماكن العامة وتعزيز المواقف المعادية للمرأة".

ويوضح البيان أن المليشيا "تبنت مقاربة تمييزية تجاه مكانة المرأة بهدف خنق النساء والفتيات ومحوهن من المجال العام ووصفتهن بأنهن كيانات غير مكتملة أو بشرية وأنهن يجلبن العار والشر لدرجة أن المليشيا صادرت العارضات البلاستيكية التي تعرض الملابس في المحال التجارية، ومارست غير ذلك من القيود على الحريات الشخصية مثل أدوات التجميل والغناء في حفلات الزفاف واقتناء الهواتف الذكية".

كلمات دالّة

#اليمن