الأربعاء 08-05-2024 23:58:11 م : 30 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

رغم اتفاق تبادل الأسرى.. الحوثيون يواصلون الاعتقالات والتعذيب خلف القضبان

السبت 22 ديسمبر-كانون الأول 2018 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

لا يزال ملف المعتقلين والأسرى والمخفيين قسرا مفتوحا حتى اللحظة ، وهو ومن أكثر الملفات تعقيدا في الأزمة اليمنية، وكثيرا ما كان هنالك محاولات لإحراز أي تقدم فيه وبرعاية المجتمع الدولي، لكنها كانت غالبا ما تتعثر.

هذه المرة توصل وفدا الحكومة ومليشيا الحوثي الانقلابية إلى اتفاق بهذا الملف لتبادل الأسرى والمعتقلين والمختطفين والمحتجزين تعسفياً والمخفيين قسرياً والموضوعين تحت الإقامة الجبرية، برعاية وإشراف مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث، وإشراف منظمة الصليب الأحمر الدولي وتسهيل عملية التبادل والإجراءات ذات الصلة.

يقضي ذلك الاتفاق بإطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمحتجزين تعسفياً والمخفيين قسرياً والموضوعين تحت الإقامة الجبرية على ذمة الأحداث الجارية، ويسلم الجميع ما لديه من أسرى سواء كانوا يمنيين أو من دول التحالف العربي.

كما لا يحق لأي طرف استثناء أو الامتناع عن تسليم أي شخص، على أن يتم إطلاق سراح أي شخص يتم اعتقاله بعد عملية التبادل دون قيد أو شرط، كما تضمنت آلية التنفيذ تبادل الجثامين من مختلف المناطق.

  

استمرار الانتهاكات

لم يكن قد مضى سوى ثلاثة أيام على إبرام ذلك الاتفاق، حتى أحالت جماعة الحوثي الانقلابية 25 مختطفا من المدنيين إلى النيابة الجزائية المتخصصة بصنعاء، بعد قضائهم أكثر من عامين في المعتقل والإخفاء القسري.

وأكد المحامي والناشط الحقوقي عبد الرحمن برمان أن المحكمة الابتدائية الجزائية المتخصصة بصنعاء التابعة للحوثيين، عقدت جلسة محاكمة لقضية 13 مختطفا كانت النيابة قد أحالتهم سابقا لمحاكمتهم بتهمة "مساندة العدوان".

وأصدرت المحكمة الثلاثاء 18 ديسمبر حكما بإعدام أربعة يمنيين بتهمة التخابر مع دولة أجنبية والتعاون مع دولة أجنبية عدوة، وهي -وفق ناشطين- تهم كيدية اعتاد الحوثيون على تلفيقها لمناوئيهم.

  

ابتزاز وعدم جدية

تعليقا على تلك الممارسات، صدر بيان لرابطة أمهات المختطفين والمخفيين قسرا، أدانت فيه ما يجري، مؤكدة في الوقت ذاته تمسكها بأمل إطلاق سراح المختطفين.

وأكدت استمرار الحوثيين بعمليات الاختطاف، ونقل عدد من المختطفين من الحديدة إلى صنعاء مع حرمان أهليهم من التواصل معهم، فضلا عن استخدام مبانٍ كسجون سرية جديدة. واستنكرت قيام المليشيا بابتزاز المختطفين بتخييرهم بين الالتحاق بقوائم التبادل، أو إطلاق سراحهم بعد إنجاز الاتفاق مع عودتهم إلى عائلاتهم.

وطالبت الرابطة الأمم المتحدة ومبعوثها الأممي بالضغط على جماعة الحوثي للتعامل بإيجابية مع ملف الأسرى، وتهيئة الظروف الملائمة للوفاء بالتزامها أمام تلك المنظمة والعالم أجمع، محملة جماعة الحوثي المسؤولية الكاملة عن استمرار الاختطافات والانتهاكات في حق أبنائهن.

  

إ جحاف ومراوغة

برغم أن تلك الخطوة تعد ضمن إجراءات بناء الثقة، وإنسانية بدرجة أولى، لكن كثير من الناشطين يرون أن الاتفاق الذي تم التوصل له غير منصف، فحوالي 90% من المدنيين الذين تم اختطافهم واعتقالهم من منازلهم ومقار أعمالهم، بعكس أسرى المليشيات لدى الحكومة والذين جميعهم تعرضوا للأسر أثناء مشاركتهم بالقتال.

ويشكك الناشط الحقوقي سليم علاو في جدية جماعة الحوثي في تنفيذ ذلك الاتفاق، معتبرا ما تقوم به مجرد مراوغة لتحقيق بعض المكاسب المتمثلة في تنفيذ بعض الاشتراطات المسبقة، والمتمثلة في إخراج مجموعة من جرحاها.

وأضاف في تصريحات صحفية أن ما قامت به جماعة الحوثي تهدف من خلاله إلى الظهور أمام المجتمع الدولي بأنها جادة في المضي بالحل السياسي، مستدركا "لكنها عند تنفيذ مثل هذه الاتفاقات على الواقع فسنرى التهرب ولن يتم ذلك".

وتوقع أن تمارس الجماعة مزيدا من الاعتقالات والمتاجرة بهذا الملف، للخروج بمكاسب مالية وسياسية، والضغط على أهالي المعتقلين من عدة جوانب.

  

حجر عثرة

بدوره قال الناشط الحقوقي عبد الرحمن برمان إنه غير متفائل بأي اتفاق يبرم مع الحوثيين، خاصة أن تلك المليشيات قدمت كشفا ما يسمى بالأسرى يحتوي على ٨٥٠٠ اسم من مقاتلي الجماعة زعموا أن الجيش الوطني اعتقلهم من جبهات القتال، مؤكدا أن هذا العدد مبالغ فيه جدا، وهو دليل أنهم وضع بهذا الكشف حجر عثرة في طريق تنفيذ الاتفاق.

وأشار في صفحته بموقع فيسبوك إلى قيام الحوثيين باعتقال أشخاص آخرين، مفسرا ذلك بأنه محاولة لإيجاد معتقلين جدد في حال اضطرت تحت الضغط الدولي الإفراج عن الأسماء التي قدمت في السويد.

وانتقد قيام الحوثيين بعقد جلسات محاكمة لعدد من الأسرى، فضلا عن قيامها بإجراءات قضائية لتحويل ملف ١٠ صحفيين للمحكمة، إضافة إلى إعدادهم كشوفات لنشطاء من المعتقلين المناهضين سلميا للانقلاب، وتصنيفهم على أنهم "قاعدة" و"داعش"، وهي مصطلحات يطلقونها على كل من لا يقبل بفكرهم وهذه حجة لعدم الإفراج عنهم.

  

إحصائيات

أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن اتفاقية السويد بين وفدي الحكومة وجماعة الحوثي، قد تشمل تبادل قوائم 16 ألف معتقل، بينهم أجانب.

وأوضح فابريزيو كاربوني المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أنه في غضون 40 يوما على توقيع الاتفاق في 11 ديسمبر، سيكون أمام اللجنة الدولية للصليب الأحمر عشرة أيام لمقابلة من يتم الإفراج عنهم وترتيب نقلهم.

بينما تتحدث رابطة أمهات المختطفين والمخفيين قسرا التي تشكلت في أبريل 2016، عن رصدها في تقريرها الصادر عام 2017 لأكثر من خمسة آلاف مختطف، وبلغ عدد القتلى في سجون المليشيات أكثر من مئة حالة بسبب التعذيب أو بالرصاص الحي.

أما أشكال التعذيب التي مارستها المليشيات بحق المختطفين والمعتقلين لديها، فهي وفق منظمات حقوقية مختلفة وشهادات لوسائل إعلام، الضرب بقضبان حديدية وبأعقاب البنادق، التعليق من المعصم لساعات، الضرب بالهراوات، إذابة مواد بلاستيكية على أجزاء من جسم المعتقل، والتعذيب بالكهرباء والماء.

وأدت تلك الممارسات إلى خروج بعض المعتقلين وهم يعانون بشدة وتوفي البعض منهم عقب خروجهم بأيام، فيما تعرض البعض منهم لإعاقات دائمة.

  

وحشية

يتعرض المعتقلون لدى مليشيا الحوثي لشتى صنوف التعذيب والانتهاكات التي تكشف عن وحشية تلك الجماعة، فالصحفي عبد الخالق أحمد عمران تم اختطافه من أحد فنادق صنعاء مع ثمانية صحفيين آخرين تم توزيعهم على قسمين في مركزين للشرطة، وظلوا هناك ما يقارب أسبوعين ثم انقطعت أخبارهم عن أهاليهم لأربعة أشهر، وهم بين الإخفاء القسري والتعذيب الوحشي على يد المليشيا.

تقول أم الحارث عمران إحدى قريبات الصحفي "عبد الخالق" -وهي أم الحارث الذي قتل بعد أن اتخذه الحوثيون كدرع بشري- في تلك الفترة كل من حاول السؤال عن مصيره كان يتم التحقيق معه والتهديد بالسجن، ولم يعرفوا مصيره إلا بعد أربعة أشهر، حين علموا أنه في البحث الجنائي وتم نقله لسجن احتياطي الثورة، وتمكنوا عقب ثلاثة أسابيع من زيارته لأول مرة.

تتذكر أم الحارث يوم زيارتها لعبد الخالق مع ابنها قبل استشهاده وتقول "كان ابني مصدوما من منظر عمه، فلقد كان هزيلا للغاية وعيناه عليها أثر الإصفرار، ولحيته طويلة، وجسمه منهك حتى أنه لم يقوَ على تحمل احتضان الحارث له وكان يتأوه وجعا".

وذكرت أنه روى لهما عن عدة أساليب تعذيب تعرض لها، منها التعليق بيديه لساعات طويلة مع رفع البلك (من أحجار البناء) بيديه ووضعها على أجسامهم، والجَلْد بسلاسل حديدية، والصعق بالكهرباء، وسحب الأصابع للجهة الخلفية من اليد مما تسبب في كسر بعضهن، وكذلك المنع من الأكل أو الشرب أو الذهاب إلى دورات المياه، وقد يمضي يومه كله على شربة ماء وعلى ما يعرف بـ"الكدم" وهي قطعة صغيرة من الخبز تصنع في المعسكرات.

وروت صعوبة زيارتهم لعبد الخالق لبعد المسافة، واستمرارهم زيارته لشهرين تقريبا، اعقبها تعرضه للتعذيب مع مجموعة من الصحفيين ثم تم منعهم من زيارته لأسبوعين، ثم تمكنوا من زيارته لتعاود المليشيا بعد انتشار خبر تعذيبهم منعهم من زيارتهم لأكثر من شهر، أعقبها نقلهم إلى سجن هبرة سيء السمعة، ظل فيه قريبها لأكثر من شهر في زنزانة انفرادية، ثم تم جمعه مع باقي الصحفيين وسمح لهم مجددا بزيارته.

وأكدت أن ذلك السجن الذي يفتقر للنظافة، كانت مجاري الحمامات أحيانا تخرج فوقهم وتتسخ ملابسهم وأغطيتهم وأصيبوا بعدة أمراض هناك، منها الطفح وآلام المعدة، مشيرة إلى أن عبد الخالق كان ما يزال يعاني من أثر تعذيب البحث الجنائي وكان يتقيأ دماً من معدته، ويعاني من أوجاع الصدر، حتى تجدد تعذيبهم مرة أخرى ما دفع الصحفيين للإضراب عن الطعام لأكثر من شهر، حتى أغمي على قريبها وأصيب بأوجاع الكلى، وأجبرت المليشيات زملائه على التوقف عن الإضراب مقابل إسعاف زميلهم وهروبا بنفس الوقت من الضجة الإعلامية التي حدثت بشأنهم.

وبحسب أم عبد الخالق، فبعد أن تم نقلهم إلى سجن الأمن السياسي كان عبد الخالق مغما عليه، وعاودوا تعذيبهم للصحفيين وأجبروهم على كسر الإضراب عن الطعام ثم أنكروا وجودهم لمدة شهرين، اعقبها السماح لأهليهم بزيارتهم ثم منعهم عن ذلك بين الحين والآخر.

ونوهت إلى أن التحقيقات كلها عبثية وتتم داخل السجون دون حضور محامٍ أو إعطاء فرصة للجواب، وإنما وضع تهمة وإجباره على الاعتراف والتوقيع، مشيرة إلى محاولتهم جعل تلك التحقيقات قانونية عبر نقل الصحفيين إلى النيابة ثم سماحهم بوجود محامين، ثم إيقاف التحقيق لمدة سبعة أشهر، والتحقيق مع عبد الخالق مجددا بالنيابة الجزائية برغم أنه ليس من اختصاصها

ومثل عبد الخالق آلاف اليمنيين الذين اختطفتهم جماعة الحوثي تزداد معاناتهم يوما بعد آخر، في ظل صمت دولي أمام تلك الانتهاكات التي تعد مخالفة صريحة للقانون الدولي وجريمة حرب.