الخميس 05-12-2024 04:43:57 ص : 4 - جمادي الثاني - 1446 هـ
آخر الاخبار

مؤتمر الحوثيين الطائفي.. قراءة في الأبعاد والدلالات (الحلقة الثالثة)

الأحد 28 أكتوبر-تشرين الأول 2018 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت– خاص

 



في الـ 5 سبتمبر/ أيلول 2018م نشرت وكالة سبأ للأنباء "النسخة المختطفة من قبل الحوثيين" بأن اللجنة التحضيرية العليا لـ "المؤتمر العلمي الأول للارتقاء بالعمل المؤسسي في ضوء عهد الامام علي بن ابي طالب لمالك بن الاشتر" برئاسة رئيس اللجنة الدكتور عبدالله الشامي، قد أقرت التحضيرات النهائية للمؤتمر المزمع انعقاده في مطلع أكتوبر القادم.


وجاء في تفاصيل الخبر بأن الهدف من هذه المؤتمر إثراء العهد (عهد علي بين ابي طالب لـ مالك بن الاشتر) عبر الدراسة والتحليل والسعي لتنبي مضامينه في كيفية إدارة شؤون الدولة في العالم الإسلامي، وتحت هذه الجملة (شؤون الدولة في العالم الإسلامي) تبرز حقيقة أن هذه المؤتمرات حول هذه القضية بالذات لم تكن رغبة محلية للجماعة بقدر ما هي امتداد من خارج الحدود، وهي كما أشرنا إليه بالتفصيل في الحلقة الثانية من هذا المؤتمر وكل ما يتصل به يعد امتداد طائفي واستنطاق واستنساخ لمؤتمرات في مدينة النجف الشيعية بالعراق.


ما يهمنا في هذه الحلقة هو ما يتعلق بـ "رؤية الحوثيين حول بناء الدولة" وهل التحركات النشطة التي تقوم بها الجماعة في هذه الأثناء – بصنعاء وباقي المحافظات المسيطرين عليها بقوة السلاح - لها اتصال برؤيتهم السياسية التي قدمت في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، أم انها تسير في اتجاه أخر ومعاكس له تماماً، وماذا تبقى للجماعة من تلك الرؤى التي قدمت اثناء مؤتمر الحوار الوطني الشامل (18 مارس/اذار/ 2013، - 25 يناير/ كانون الثاني/2014م) وكيف كانت قيادات الجماعة تُنظر لمفهوم الدولة قبل وبعد مؤتمر الحوار الوطني!



رؤى الحوثيين للدولة.. التقية مقابل المشروع
جاء في رؤية الحوثيين، والتي قدمها الدكتور الراحل أحمد شرف الدين (..- 21 يناير 2014م) وهو أحد أبرز ممثلي الجماعة في المؤتمر، والمنشورة في الموقع الالكتروني للحوار الوطني بتاريخ 20 مايو/ أيار 2013م والتي نصت "الرؤية" على مضامين عدة حيث جاء فيها ما نصه: "نرى أن الدولة هي شخص معنوي، والشخص المعنوي ليس له دين، فالدين هو للأشخاص الطبيعيين الذي يتكون منهم الشعب". وهذه الجملة شبه الغامضة، الى جانب ما جاء في المادة كاملة، والتي كان لها اعتراضات واضحة على مواد الدستور التي تتحدث عن الشريعة الإسلامية كمصدر لجميع التشريعات، وشرف الدين – هنا - قدم خطابا علمانيا صرفا، عبر رفض صبغ الدولة بأية مسحة دينية، ويرى انها شخص معنوي، فالدول – هنا - لا مسلمة ولا كافرة، ولكن الدين جاء يخاطب الأشخاص فقط، وهو ذات الخطاب الذي كان يتحدث عنه الدكتور محمد عبدالملك المتوكل في بعض ندواته وأمام طلابه في جامعة صنعاء. 


ويضيف شرف الدين في ذات الجملة: "رؤية الحوثيين المقدمة الى مؤتمر الحوار الوطني الشامل" ما نصه: "ومن ثم فإن الدين للشعب، كما أن الدين الإسلامي يقوم على مذاهب متعددة، ومن ثم فإنه يجب النص على هوية الشعب الإسلامية بما يكفل الاعتبار لجميع المذاهب الإسلامية وعلى وجه الخصوص المذاهب المتواجدة في اليمن".


وجاء – ايضاً - في الفقرة الرابعة لرؤية الحوثيين التي طرحها شرف الدين ما نصه: "تفريعاً على ما تقدم يجب النص على التزام الدولة باحترام هوية الشعب فيما يصدر عنها من تشريعات وتصرفات وخلافه" (1).
وفي مكان آخر تحدث شرف الدين عن الدولة الدينية والدولة بشكل عام بكلام أكثر وضوحاً، حيث قال ما نصه: "نريد أن نبني دولة مدنية يغيب عنها الخطاب الديني، بمعنى أن الدولة لا تتبنى الخطاب الديني، والدولة لا ترفع الخطاب الديني في مواجهة الشعب، إن الدين يكون للشعب والدولة ليس لها دين". ويعلل سبب ذلك بقوله: "لأن الدولة عبارة عن شخص معنوي وهذه جدلية قد خاض فيها المفكرون كثيراً ولكنهم لم يصلوا إلى نتيجة بشأنها.. نحن الآن نطرح هذه الجدلية من جديد ونقول على أن الدولة في العصر الحاضر دولة ينبغي أن تغيب عن الخطاب الديني". أهـ (2)


ويتضح من رؤية الحوثيين بشكل عام، انهم كانوا يسيرون على خطين الأول مغازلة الدول الكبرى والمشرفة على المسار السياسي المتمثل في الدول العشر، وتقديم الجماعة نفسها أنهم تيار مدني جديد – عبر خطاب ناعم - وجاء لرفد السياسة بشيء من الفكر السياسي المدني الجديد، والخط الآخر شعبوي يقدم لعامة الناس في الداخل، في كونهم مناصرين لحق الناس ضد الظلم والاستبداد الذي آلم بهم، وهذه التقية ان صح القول، لم تصمد كثيراً وقد تبددت وأصبحت من أكاذيب الماضي تماماً، فقد تحالفوا مع الاستبداد – نظام صالح - واخذوا منه كل شيء ومارسوا كل صنوف الظلم بحق مخالفيهم، كما فعل النظام واشد جرماً منه، وهم في الاتجاه المدني لم ينقلبوا على كل ما طرحوه في مؤتمر الحوار الوطني كما يذهب البعض من الباحثين، ولكن ظهرت الحقائق كاملة بأن كل ما طرح كان للاستهلاك الداخلي والخارجي، وتبدو الحقائق اليوم على الأرض من الوضوح ما لا يحتاج الى دليل وبرهان.


على كل حال: يمكن القول أن الجماعة لم تكن على رضى كامل الدستور اليمني في يوم من الأيام، وهذا ليس تخميناً بل واقعاً تؤكده كثير من الشواهد، فذلك الدستور الذي اعتمد على الفقه المقارن واخذ من هوية الشعب اليمني قد اضعف الإمامة ومشروعها، وقد دفعها للحركة من العلن الى الخفاء، ولو أن المسار السياسي – طيلة حكم صالح - سار مع المسار الفكري لما استطاعت الإمامة من العودة مرة ثانية، واستهداف الجمهورية والدولة ووصلت الى ما وصلت إليه اليوم.


العداء التاريخي للهوية اليمنية 
إن العداء للدستور اليمني والجمهورية – من قبل الإمامة واحفادها - لم يكن نتاج سياسة خاطئة سار عليها النظام السياسي السابق بقدر ما كان رفضا مطلقا لكل ما افضت به ثورة سبتمبر 1962م، مع أن الحوثيين انفسهم، ومنهم شرف الدين والدكتور المتوكل وآخرون، كانوا هم من أبرز الواجهات التي استفادت وقطفت ثمار سبتمبر، وحصلوا على امتيازات كنتاج لاتفاق 1970م بين الجمهوريين والملكيين، بما لم يكونوا ليحصلوا عليها بالوضع الطبيعي، ورغم كل ذلك جعلهم يتآمرون على الجمهورية، ويسيرون مع عودة الإمامة حتى النفس الأخير، وها هي الجماعة اليوم بعد رحيلهم تتبنى خطابا طائفيا لا يعود الى لحكم الإمامة أي الى ما قبل ثورة سبتمبر، بل يذهب بها بعيداً في تبني المنهج الاثني عشري "الغريب" كماً وكيفاً على الهوية والتاريخ اليمني كله. 
 ويتعزز بجلاء أن الحوثيين اليوم ومشروع تثبيت الإمامة لم يعودوا الى تاريخهم في اليمن باحثين ومنقبين عنه، وهو تاريخ يمتد لأكثر من ألف عام، وكان يمكن أن يجدوا فيه الكثير في رفد السياسة والنهج الذي يسيرون عليه في هذه الاثناء عبر الذين حكموا في اليمن، إلا أن ترك كل ذلك والسير مع مؤتمرات طائفية عابرة للحدود يجعل الباحث أمام قراءة مغايرة في القراءة والتحليل.


..............................
هوامش:
1-   مدونة موقع الحوار الوطني الشامل (http://yemenndc.blogspot.com/2013/05/blog-post_20.html )
2-https://ambmacpc.com/2018/03/24/%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%AD%D8%B3%D8%A8-%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%81%D8%B3%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D8%AD%D9%85%D8%AF/ .