الثلاثاء 05-11-2024 02:40:03 ص : 4 - جمادي الأول - 1446 هـ
آخر الاخبار

جمعة الكرامة والإرهاب المنظم!

الإثنين 19 مارس - آذار 2018 الساعة 01 صباحاً / الإصلاح نت – خاص/ احمد ابو ماهر
   

ليس أسوأ من جريمة "عفاش" في جمعة الكرامة (18مارس2011) التي راح ضحيتها قرابة خمسين شهيداً من شباب ثورة فبراير إلا انقلاب عفاش نفسه وحلفائه على الشرعية والحكومة التوافقية للثورة الشعبية السلمية التي منحته الحصانة والشراكة، فكان انتقامه منها بتمكينه جماعة الحوثي الكهنوتية المجرمة من مفاصل السلطة التي ادَعى زورا أنه تخلى عنها طواعية.

مثلت جمعة الكرامة جرحا غائرا في خاصرة الثورة الشبابية السلمية وطعنة غادرة من رأس السلطة الذي كان يُملي عليه واجبه-آنذاك- حماية مواطنيه لا الغدر بهم وقتلهم بدم بارد، على أن تلك الجريمة المروعة أماطت اللثام عن الوجه القبيح لعفاش ونظامه القمعي الذي ظل يتغنى بالديمقراطية الزائفة طيلة ثلاثة عقود.

بشاعة الجريمة وغزارة الدماء التي سكبت في جمعة الكرامة مثلت فضيحة مدوية لنظام إجرامي يتوسل العنف لبقائه، مبرهنا على أنه لم يكن سوى عصابة مجرمة متجردة من كل القيم الأخلاقية والوطنية ومستعدة لحرق البلد وقتل الشعب لأجل السلطة، غير مبالية بحجم الكارثة طالما يبقيها ذلك على كرسي الحكم.

لم يكن ثمة نظام أو دولة حقيقية يمكن الوثوق بمؤسساتها، قادرة على الفصل في النزاعات السياسية أو التعاطي بجدية مع مطالب الناس المتراكمة منذ عقود، فعفاش لم يبنِ دولة بل أحالها الى اقطاعية خاصة مفرغا مؤسساتها من مضمونها ومستخدما لها لتعزيز سلطاته وعائلته ومحسوبيه، وبالتالي لم يكن ثمة مؤسسات وطنية معتبرة يمكن اللجوء إليها لإنصاف الناس ومنحهم حقوقهم، كما أن حالة الانسداد السياسي التي صاحبت إخفاق الحوار الوطني وتأزم الوضع الاقتصادي وتفاقم معاناة الناس المعيشية كانت بمثابة عوامل مساعدة للثورة.

وصل عفاش للسلطة في أوضاع سياسية متأزمة وغير مستقرة، متخذا تلك الأوضاع، فيما بعد، ذريعة لشرعنة وترسيخ وجوده الطويل حاكما مطلقا، عازما على توريث الحكم كحق مكتسب، وعوضا من بناء دولة الشعب كاستحقاق أصيل لثورة 26 سبتمبر شرع الرجل، في غفلة من الجميع، في تأسيس دولة العائلة وجيش العائلة وثروة العائلة، وحول العائلة وكبيرها تحلَق المنتفعون والمتسلقون لينتظموا في شبكة المصالح العفاشية التي ما أغنت عنه شيئا حين لاحت لحظة الحقيقة.

حينما خرج الشعب مطالبا باستعادة الدولة وحقه في منح السلطة لمن يريد لم يكن ثمة خيارا آخر، فالمخلوع أوصد الأبواب أمام عملية التغيير والانتقال الدستوري للسلطة، متخذا من الحوار السياسي ملهاة ومناورة لامتصاص غضب الشارع وتمييع قضاياه وترحيل الحلول وصنع المزيد من الأزمات، والزج بالأحزاب السياسية في متاهات تستنزف طاقاتها وتُفشل مشاريعها وتُفقدها بالتالي احترام الناس لها.

سياسة الأزمات وسطوع مشروع التوريث وإخفاق الحوار وتغول الفساد أفضت الى انفجار الشارع في وجه عفاش الذي لم يتوقع خروج اليمنيين الى الساحات والميادين بمثل ذلك الزخم الثوري منادين برحيله، لقد طفح الكيل باليمنيين، فيما ظنَ هو انه استطاع خلال ثلاثين سنة من حكمه ترويضهم وتطويعهم، ولم تصدق اذناه صرخات الجماهير "ارحل" فتملكه الحقد والانتقام، وعدَ مطالب الشعب تطاولا عليه يستوجب العقاب، فهو لا يتصور نفسه خارج السلطة، لذا ظل يصارع لأجلها حتى آخر لحظة من حياته، فذهب ينتقم ويقتل شعبه في مجازر مروعة في جمعة الكرامة وما بعدها في صنعاء وتعز والحديدة وعدن والبيضاء وبقية المحافظات المنتفضة.

اشتعلت الثورة أكثر من حيث أراد صالح إخمادها، فالدماء النازفة لم تثنِ الثوار بقدر ما ألهبت حماستهم وزادتهم إصرارا على المضي قُدما في مشروع التغيير، لم يكن نظام صالح بمؤسساته الحاكمة ليقوى على مواجهة ثورة شعبية يزداد أوارها يوما بعد يوم، لذا لجأ إلى ورقة الإرهاب لمواجهتها، وهي الورقة التي أجاد اللعب بها مع الأطراف الداخلية والخارجية، واستمر في اللعب بها حتى بعد توقيعه على المبادرة الخليجية ونقل السلطة لنائبه.

كان الإرهاب والترويع وسفك الدماء خيار صالح الوحيد في مواجهة الثورة السلمية المتقدة لجهة خبرته الطويلة في هذا الجانب وغياب الجانب المؤسسي المستقل في أطر الدولة وبالتالي ضمان عدم المسائلة وهو ما حدث بالفعل، فكشف عن مخزون هائل من الحقد تجاه شعبه، مسلطا عليهم القتلة والمجرمين والبلطجية وخريجي السجون في مشهد مُريع ودامِ أثبت للعالم أن لا وجود حقيقي لمؤسسات الدولة المفترض بها حماية الشعب والدفاع عنه في وجه التنكيل والإرهاب، وأن النظام السياسي في قبضة زعيم عصابة تسلل الى السلطة وصادرها لحسابه واعتبرها ملكية خاصة، وهو مستعد أن يذهب الى ابعد مدى في الدفاع عما يعتبره حقا حصريا له.

استبداد صالح واستئثاره بالسلطة وهوسه بها ودعم بعض القوى الدولية له ضمن مشاريع وصفقات سياسية غير معلنة أرادت-ولا زالت-الإبقاء على الاستبداد كخيار وحيد للإمساك بزمام المنطقة والحيلولة دون خروجها عن هيمنتها، بالإضافة الى نجاحه في بناء مؤسسات أمنية وعسكرية تدين بالولاء الشخصي له، كل ذلك حفزه للتصدي للثورة السلمية عبر ورقة الإرهاب وهو موقن أن أحدا لن يستطيع اقتياده الى محكمة العدل الدولية، إلا أن محكمة العدل الإلهية لم تغفل عنه واقتصت منه راغما على أيدي ذات الجماعة الإرهابية التي جاء بها للتنكيل بالشعب فكان الجزاء من جنس العمل، وستبقى هذه الجماعة الإرهابية الحوثية سُبة ولطخة سوداء في تاريخ عفاش أبد الدهر.