السبت 27-04-2024 11:11:12 ص : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ثورة 11 فبراير.. محطات وتحولات وانتصار حتمي

الأحد 11 فبراير-شباط 2024 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

تمثل مبادئ وأهداف ثورة 11 فبراير 2011 حصانة لليمن من عودة ورسوخ نظام الحكم الإمامي الكهنوتي بنسخته الحوثية الإمامية التابعة لإيران والمنخرطة بتهور في المشروع الفارسي التوسعي والتخريبي في المنطقة العربية، فثورة فبراير بأهدافها العظيمة المتمثلة في تعزيز نظام الحكم الجمهوري الديمقراطي القائم على العدل والمساواة والتداول السلمي السلطة تعد بمنزلة السم القاتل للسلالية والطائفية العنصرية الكهنوتية، وهو ما يفسر الانقلاب الحوثي المتوحش على الدولة والنظام الجمهوري بعد اندلاع ثورة فبراير.

وتعيد الأوضاع التي تشهدها البلاد اليوم إلى الأذهان حال البلاد بعد اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962، فالتحديات التي تواجهها ثورة 11 فبراير هي نفس التحديات التي واجهتها ثورة 26 سبتمبر، وتتمحور الاصطفافات بشكل رئيسي حول الجمهورية ضد الإمامة رغم تعدد مشاريع تفتيت البلاد وإضعافها، وأيضا رغم تعدد الأطراف التي لها توجهات متباينة، لكنها تلتقي جميعا في الصف الوطني الرافض لمليشيا الحوثيين والرافض لعودة الإمامة الكهنوتية من جديد.

- محطات مهمة في مسار الثورة

بدأت ثورة 11 فبراير 2011 باعتصامات سلمية مفتوحة، ثم كانت جمعة الكرامة، في 18 مارس 2011، التي شهدت مجزرة بشعة راح ضحيتها عدد كبير من القتلى والجرحى في ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء، أهم محطة أنعشت الثورة وتسببت في بدء تفكك النظام الحاكم وانضمام عدد من قياداته للثورة، فضلا عن انضمام عدد من ألوية الجيش للثورة وحماية المعتصمين السلميين في ساحة التغيير من اعتداءات البلاطجة.

وفي الثالث من أبريل، أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي مبادرة لنقل السلطة في اليمن، ويؤكد عديدون أن علي عبد الله صالح هو من اقترحها في بداية الأمر، لكن في وقت لاحق تعرضت بنود المبادرة للتعديل والإضافة، وكان أبرز ما احتوته نقل السلطة من صالح إلى نائبه، حينذاك، عبد ربه منصور هادي، وتشكيل حكومة بالمناصفة بين الحزب الحاكم والأحزاب المؤيدة للثورة.

وفي 23 نوفمبر 2011، وبعد شهور من الأخذ والرد والتفاوض حول بنود "المبادرة الخليجية"، إلى جانب ملحق أعده المبعوث الأممي عُرف بـ"الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية"، جرى التوقيع على المبادرة في الرياض، بحضور العاهل السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، وعلي عبد الله صالح، وممثلين عن القوى والأحزاب المؤيدة للثورة.

وكان أبرز ما تضمنته المبادرة نقل صالح صلاحياته إلى نائبه هادي، وتشكيل الأخير "حكومة الوفاق الوطني" برئاسة محمد سالم باسندوة، وبالمناصفة بين حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان يتزعّمه صالح نفسه، وأحزاب المعارضة.

وفي 21 فبراير 2012، جرى انتخاب عبد ربه منصور هادي رئيسا في انتخابات غير تنافسية، وفقا للمبادرة الخليجية. وفي الـ27 من الشهر نفسه، سلم صالح السلطة إلى هادي في احتفال رسمي.

وعقب انتخاب هادي، كانت القرارات العسكرية التي أزاح الأخير من خلالها أقارب الرئيس السابق عن رأس أجهزة الأمن والجيش. اتخذت تلك القرارات ضمن العديد من الخطوات، بما فيها إصدار قرار بإعادة هيكلة الجيش والأمن في ديسمبر 2012، وبموجبه ألغي تشكيل الحرس الجمهوري، الذي كان بقيادة نجل صالح، أحمد علي عبد الله صالح، والفرقة الأولى مدرع، التي كانت بقيادة علي محسن الأحمر. وفي أبريل 2013، أقال الاثنين، بتعيين الأول سفيرا في الإمارات، والأخير مستشارا لرئيس لجمهورية لشؤون الدفاع والأمن.

وفي 18 مارس 2013، انطلق مؤتمر الحوار الوطني بمشاركة 565 عضوا، وجرى اعتماد 50 في المئة من المشاركين من المنتمين إلى المحافظات الجنوبية، وأنيطت بالمؤتمر مناقشة مختلف القضايا والتصورات للقوانين وشكل الدولة، في مرحلة ما بعد الثورة، واستمر المؤتمر بالانعقاد، حتى يناير 2014، حين اختتم أعماله بمخرجات كان أبرزها إقرار انتقال اليمن من صيغة الدولة البسيطة إلى النظام الاتحادي (الفيدرالية)، وتشكيل لجنة لإعداد مسودة الدستور، والتمديد للرئيس هادي، إلى حين الانتهاء من المسودة، التي كان من المفترض أن تجرى انتخابات على ضوئها.

- انقلاب مليشيا الحوثيين

منذ مطلع عام 2014، أكملت مليشيا الحوثيين سيطرتها على محافظة صعدة وبدأت بالتوسع باتجاه محافظة عمران، واندلعت مواجهات متقطعة مع رجال القبائل والقوات الحكومية، انتهت بسيطرة مليشيا الحوثيين على مدينة عمران.

بعد ذلك بدأ الحوثيون بالحشد نحو العاصمة صنعاء، تحت مبرر إسقاط "الجرعة" السعرية التي أقرتها الحكومة، وبدؤوا بإسقاط صنعاء باعتصامات مسلحة على مداخلها. وفي 21 سبتمبر، اجتاحوا العاصمة، وسيطروا على أبرز المؤسسات، ثم بدؤوا بالتوسع نحو بقية المحافظات بهدف السيطرة عليها بقوة السلاح، واختطاف المعارضين وسجنهم، وتفجير البيوت والمساجد، ونهب المؤسسات العامة والخاصة، لكن شباب ثورة 11 فبراير وأنصارها كانوا لهم بالمرصاد، حيث شكلوا مقاومة شعبية للتصدي للانقلاب، والتحقوا بالجيش الوطني، قبل تدخل تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية لمساندة السلطة الشرعية ضد الانقلاب الحوثي.

وهكذا منذ اندلاع ثورة 11 فبراير 2011 وحتى اليوم، شهدت اليمن جملة من الأحداث والتحولات والتغيرات تعد الأكثر تداخلا وتشابكا وتفاعلا وغموضا في تاريخ البلاد الحديث والمعاصر، وليس مبالغة القول بأن اليمن قد دخلت مرحلة جديدة من تاريخها، على إثر ثورة 11 فبراير، بصرف النظر عن العقبات الكبيرة التي برزت ومحاولات تغييب الثورة، لأنه بقدر ما بدا أن التحول كبير، فإن العقبات ستكون أمامه أكبر، ولذا تفجرت جميع أزمات البلاد دفعة واحدة، وكان أهم ما حققته الثورة أنها أخرجت أحفاد الإمامة من جحورهم، وذلك ليسهل القضاء عليهم، وتنبيه الشعب لخطرهم مستقبلا، بالإضافة إلى جعلهم فئة ممقوتة ومكروهة شعبيا، بسبب عنصريتهم وهمجيتهم وطائفيتهم، وكل ذلك يجعل من مسألة عودة نظام الإمامة ورسوخه مستقبلا أمرا مستحيلا.

- انتصار حتمي

الثورات ليست محصورة بتاريخ اليوم الذي اندلعت فيه وما الذي حققته في اليوم التالي، وإنما هي مراحل تغيير طويلة المدى، نظرا لما يعترضها من عراقيل ومؤامرات من جانب أطراف كثيرة، وتظل الثورة، بفكرها وأهدافها، توجه المراحل التالية للحظة اندلاعها، وتعيد تحريك بوصلة الأحداث إلى مسارها الصحيح، راسمة الأهداف التي اندلعت من أجلها كدليل يرشد الجماهير إلى مصالحهم وحريتهم وحقوقهم التي نادت بها الثورة، ويستمر صمودها ضد المؤامرات مهما طال الزمن حتى تحقق أهدافها كاملة.

فمثلا، الثورة الفرنسية التي تعد أعظم ثورة في التاريخ، استمرت عشر سنوات حتى حققت أهدافها كاملة، وخلال تلك السنوات حصلت خلافات حادة بين الثوار، وعاد النظام القديم للسلطة، لكن نجاح الثورة كان مسألة حتمية، ثم انتقلت شرارة الثورة إلى عدة بلدان في قارة أوروبا وخارجها. وفي الحالة اليمنية، فقد استمرت ثورة 26 سبتمبر 1962 سبع سنوات تقريبا حتى آخر رصاصة أطلقها جندي إمامي ضد الثورة والجمهورية الوليدة، واستمرت ثورة 14 أكتوبر 1963 ست سنوات تقريبا حتى جلاء آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن.

ولذا، فإن ثورة 11 فبراير لن تختلف في مسارها عن بقية الثورات اليمنية وغيرها، خصوصا أنها اندلعت ضد نظام حكم فاشل كانت تتمدد في داخله الدولة العميقة للحكم الإمامي الكهنوتي بأسلوب خبيث وماكر. ونظرا لجسامة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها ثورة 11 فبراير، فمن الطبيعي أن يتحقق النصر بعد مرور عدة سنوات من الحرب التي أشعلها أعداء الثورة، خصوصا المليشيا الحوثية الإرهابية، وكلما زاد صمود الثورة والثوار مدة أطول، كان النجاح أقوى وأكثر رسوخا وثباتا.

الخلاصة، لا توجد ثورات حققت أهدافها سريعا دون أعمال عنف وإراقة الدماء والحروب التي تشعلها الأطراف المتضررة من الثورات، سواء كانت داخلية أو خارجية، فالثورات تمر بمراحل من التعثر والتراجع والوثوب مجددا حتى تحقق أهدافها كاملة.

وهذا ما ينطبق على ثورة 11 فبراير، التي ستمر بمراحل من التراجع أو التعثر ثم الوثوب مجددا حتى تحقق أهدافها كاملة، وما يحصل الآن فهي مرحلة عبثية ستأخذ مسارها حتى النهاية، علما أن شباب ثورة 11 فبراير وأنصارها كانوا أول من شكل المقاومة الشعبية المسلحة ضد انقلاب مليشيا الحوثيين، وانخرطوا في الجيش الرسمي، وهم يتواجدون اليوم في كثير من الجبهات، يحملون السلاح، دفاعا عن جميع المكتسبات الوطنية التي اندلعت لأجلها ثورة 11 فبراير 2011.

ولولا تصدي أنصار ثورة فبراير للانقلابيين على الدولة والثورة وكسرهم حاجز الخوف، لكان الحوثيون يسيطرون اليوم على اليمن بالكامل ويحكمونها بالحديد والنار، لكن سيتم القضاء عليهم عندما تندلع الموجة الثانية من ثورة 11 فبراير، ولو بمسمى جديد ومختلف.

كلمات دالّة

#اليمن