فيس بوك
جوجل بلاس
رئيس دائرة النقابات بإصلاح المهرة يطالب بسرعة إطلاق رواتب موظفي المحافظة
الهجري: انتفاضة 2 ديسمبر إضافة لمعركة الخلاص الوطني نحو استعادة الدولة
المهرة.. إصلاح سيحوت والمسيلة يحتفلان بذكرى الاستقلال ويشيدان بتضحيات اليمنيين في معركة التحرير
التكتل الوطني: جريمة قصف سوق مقبنة وقتل المدنيين يكشف قبح وبشاعة مليشيا الحوثي
رئيس الهيئة العليا للإصلاح يهنئ رئيس وشعب الإمارات باليوم الوطني
الإصلاح بوادي حضرموت ينظم ندوة بذكرى الاستقلال ويؤكد على توحيد القوى الوطنية نحو استعادة الدولة
التجمع اليمني للإصلاح.. مواقف مبدئية ثابتة ونضال مستمر (1) محافظة إب
الإصلاح بعدن يهنئ بعيد الاستقلال ويدعو لتوحيد الصف لمواجهة الأخطار واستعادة الدولة ومؤسساتها
30 نوفمبر.. دور الاصطفاف الوطني في مقاومة الاحتلال البريطاني حتى الجلاء
توحيد الصفوف.. دور الإصلاح في حشد القوى الوطنية لمواجهة الانقلاب واستعادة الدولة
من الأمور البديهية أنه لا تنمية في المجتمعات من دون استقرار، وسبق القول في الحلقة الأولى إن الحركة الإسلامية، في ظل النظام الجمهوري، التزمت خط الإصلاح السلمي في إطار الدستور والقانون، وقلنا إن الحركة الإسلامية حددت أولويات بناء المجتمع في مجالين اثنين هما النهوض بالتعليم وإحياء التدين من خلال الرجوع المباشر إلى الكتاب والسنة من دون تعصب أو تزمت، وإنما بأسلوب الحكمة واللين والموعظة الحسنة، وقد ترسخ الالتزام بهذا الخط المبدئي حتى اللحظة وسيظل، ذلك أن أسلوب الحكمة هو مقصد قرآني: "يهدي للتي هي أقوم".
وحديثنا في هذه الحلقة لن يخرج عن خيار أولوية تنمية المجتمع، وإنما سنسلط الضوء على وسائل وأساليب تنموية أكثر فاعلية قياسا بما سبق، وذلك من خلال المحاور التالية.
المحور الأول، الوقوف مع الدولة لحماية الأمن والاستقرار:
بعد مضي قرابة 20 عاما من قيام النظام الجمهوري، ظهر ما يسمى الجبهة الوطنية والتي انتشرت عناصرها في المناطق الوسطى وبعض المديريات في تعز وإب وغيرهما، فدخلت في حرب مع الدولة طيلة أربع سنوات تقريبا، الأمر الذي انعكس سلبا على مجال التنمية، فأضافت إعاقة جديدة إلى إعاقاتها السابقة، وهنا اتجهت الحركة الإسلامية إلى مساندة الدولة، والهدف هو حماية الأمن والاستقرار، تعزيزا لمسار التنمية، حيث شارك أفراد الحركة الإسلامية جنبا إلى جنب مع عناصر مؤسسة الأمن وجنود الاحتياط العام، وقد انتهت المواجهات المسلحة بلقاء ضم قيادة الشطرين يومها، وأسفر اللقاء عن وقف الدعم من قيادة الشطر الجنوبي مقابل عفو عام من قيادة الشمال تجاه أفراد الجبهة.
الجدير ذكره أن الحركة الإسلامية قدمت تضحيات في المواجهات المسلحة الآنفة الذكر، ولكنها لم تلتفت إلى الحصول على مواقع في السلطة، وإنما اتجهت إلى الوسيلة الأكثر فاعلية في إرساء دعائم الأمن والاستقرار، وذلك من خلال مساندة الدولة في الدعوة إلى الحوار الوطني الشامل، وفعلا دخلت الدولة مع كافة القوى في حوار جاد تكلل بالوصول إلى ما يلي:
1- الاتفاق على مرجعية ثقافية وسياسية تمثلت في "الميثاق الوطني"، على أن يتم الاستفتاء حول الميثاق الوطني من قبل قوى النخبة وغيرهم، وفعلا تم الاستفتاء.
2- إقامة إطار سياسي تنضوي فيه كل ألوان الطيف السياسي والوجاهات الشعبية بما يتفق والدستور والقانون آنذاك، ذلك أن الدستور والقانون في حكومتي الشمال والجنوب كانا يجرمان الحزبية، وقد تكلل الموقف بقيام تنظيم "المؤتمر الشعبي العام"، وقد أثبت موقف الحركة الإسلامية أنها تمتلك رؤية ثقافية مرنة وحُنْكةً إدارية ووعي دستوري وقانوني وإدراك لأبعاد هوية المجتمع وثقافته، فجاء الحوار الوطني ونتائجه مطمئنا لشرائح المجتمع كافة، والدليل -حسب القاضي الإرياني رحمه الله- أشار في مذكراته إلى أن فكرة إقامة "إطار" باسم المؤتمر الشعبي، يضم ألوان الطيف السياسي كانت حاضرة بعد قيام ثورة 26 سبتمبر، لكن الإرياني لم يقدم أي تفاصيل، علما أن الإرياني تولى رئاسة المجلس الجمهوري قرابة سبع سنوات ولكنه لم يشر بتاتا إلى هذا الموضوع.
نعم لقد تحدث الإرياني كثيرا في مذكراته، وتحديدا في الجزء الثالث، عن محنة الشتات الضارب الأطناب، وهو ما يستشف منه القارئ غياب ثقة الكل تجاه الكل، فغابت معها المرجعية الثقافية التي يطمئن إليها غالبية الشعب، غير أن تلك المرجعية ها هي تتحقق في صدر ثمانينيات القرن العشرين، والفضل بعد الله يعود إلى صوابية رؤية الحركة الإسلامية والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على وعيها السنني والرشد السياسي المتمثل في تقديم رؤية متوازنة حازت على ثقة المجتمع بشهادة الخصوم والأصدقاء.
على أن الشعر قد أرّخ للحظة الإعلان عن الميثاق الوطني كمرجعية ثقافية وسياسية في قصيدة مدوية للشاعر العملاق "عبد الله معجب" والتي منها هذه الأبيات التي خاطب الميثاق من خلالها أولا، وثانيا أثبت فيها أن الميثاق يحمل هوية الرواد الأوائل، قائلا:
بين جنبيك اللقية والثلايا
والزبيري فكرهم يدوي دويّا
إن رماك العميُ منا والحيارى
وارتداك البعض زيّا مهزليّا
فارمهم وسط الغياهب واقتلعهم
واكوِهمْ بالخزي والنيران كيّا
3- التعداد السكاني:
كانت هذه خطوة تالية بعد عام ونصف العام من إقامة المؤتمر الشعبي العام.
4- انتخابات بلدية (مجالس محلية عام 1986م)، وفي تلكم الانتخابات شارك ألوان الطيف السياسي في إطار المؤتمر الشعبي وشارك المستقلون، وبطبيعة الحال فازت بعض شخصيات الحركة الإسلامية وأسهمت في خدمة المجتمع وتنميته بحسب الممكن.
5- تلا ذلك انتخابات برلمانية (مجلس الشورى عام 1988)، وقد شارك فيها ألوان الطيف في إطار "المؤتمر الشعبي" والمستقلون، وقد تقبلت الحركة الإسلامية نتائج الانتخابات البلدية والبرلمانية.
وعلى الرغم من أن الحركة الإسلامية تميزت بحضور غير عادي داخل إطار المؤتمر الشعبي، لكنها تعايشت مع الجميع، وظلت محل تقدير واحترام الجميع، كيف لا وهي التي تترجم ثقافة المجتمع وفي ذات الوقت لم تتطلع إلى المناصب الوزارية ولا قيادة المحافظات سوى القليل جدا من مدراء العموم.
6- الإسهام في منظمات المجتمع المدني، تمثل ذلك في انتخابات نقابة المعلمين ونقابة الحقوقيين، وبطبيعة الحال تنافس ألوان الطيف في هذه الانتخابات وفازت الحركة الإسلامية بالنصيب الأكبر من مقاعد النقابتين، علما أن أكثر الناخبين مستقلون لكنهم منحوا أصواتهم للحركة الإسلامية، الأمر الذي يعطينا دلالة -لا تقبل الجدل- تؤكد مدى الثقة والاحترام للحركة الإسلامية في وسط الشريحة المثقفة.
كانت تلك خطوة تنموية غير عادية في سبيل توحيد الرؤية في مجال ثقافة المجتمع، وبناء النسيج المجتمعي من جهة، ومن جهة ثانية الإسهام من خلال المجالس البلدية في خدمة المجتمع.
المحور الثاني، مبادرة عملية تنموية أوسع:
ظلت فكرة نشر التعليم في ربوع الوطن الشغل الشاغل لدى الحركة الإسلامية، ذلك أن التعليم يمثّل الوسيلة الأبرز في بناء وتنمية الوعي المجتمعي.
ونظرا لما تتمتع به الحركة الإسلامية من حضور مؤثر ثقافيا وسياسيا واجتماعيا، فقد تمكنت من نشر التعليم بواسطة المعاهد العلمية، حيث استطاعت إيصال المعاهد العلمية إلى الأطراف البعيدة من قرى محافظات شمال الشمال وغيرها من المحافظات، ذلك أن جل ما قدمته الحكومة لم يتجاوز مدرستين في عواصم المحافظات، ويعود قصور الحكومة إلى عدة أسباب منها: تباعد المناطق، وصعوبة التواصل نظرا للتضاريس الجبلية، والفساد الإداري، والممانعة الثقافية الناتجة عن تعبئة إعلام الفلول الملكية إبان الثورة المضادة للجمهورية، وفوق ذلك قلة الكادر التعليمي اليمني، بل إن وجد من خارج المحافظات الشمالية فهو يرفض الذهاب إلى تلك المناطق.
باختصار، انطلقت الحركة الإسلامية موظفة علاقاتها الاجتماعية، حيث طلبت التبرعات من الخيرين في تلك المناطق وغيرها إلى جانب المتاح في موازنة المعاهد العلمية فانتشرت مباني التعليم.
من جهة ثانية تم مسح المناطق المحرومة من المعلمين ولم تمر سوى سنوات قليلة حتى استقر المعلم في منطقته، وقد نجحت تلكم الخطوة في تطبيق عملي شامل لقانون استقرار العملية التعليمية، والفضل بعد الله يعود إلى التربية القيمية لخريجي المعاهد العلمية، كونهم يرون القيام بالتعليم في تلك المناطق البعيدة هو واجب ديني أخلاقي تجاه المجتمع.
المحور الرابع، وعي سنني وتعايش فريد:
نحن أمام خطوة رائدة تعكس عمق الوعي السنني لدى الحركة الإسلامية من جهة، ومن جهة ثانية تعطينا دلالة لافتة للنظر تجاه ثقافة التعايش، ومن جهة ثالثة توظيف مبدأ التعايش في بناء التنمية المجتمعية، تلكم الخطوة تمثلت في تصعيد أكبر شخصية هاشمية إلى رئاسة الهيئة العليا للمعاهد العلمية، تلكم الشخصية هو الشيخ "حمود بن محمد شرف الدين"، حيث ظل في منصبه سنين عديدة وربما حتى وافاه الأجل.
وللعلم أن تلكم البيت الهاشمي وتلكم الشخصية يتميزان "بكاريزما" في محافظات شمال الشمال، الأمر الذي حال دون أي ممانعة ثقافية، بل حصل العكس، فقد لاقى الترحيب والطمأنينة، وانتشر التعليم في تلك المناطق بين الجنسين، وإن كان تعليم الفتاة نسبيا، لكننا أمام خطوة ناجحة بكل المقاييس.
وخطوة تنموية أخرى: استطاعت الحركة الإسلامية تحقيق هدفين كبيرين في آن: الأول، انتشار التعليم واستقرار العملية التعليمية في تلك المحافظات، والثاني، نشر الوعي الديني السليم وسط تلكم المناطق المعروفة بالتعصب المذهبي الضيق نظرا للتعبئة الثقافية المتراكمة والمستندة إلى أمية القراءة والكتابة والجهل الشامل.
نعم انتشرت المساجد وحضرت الجمعة والجماعة والمحاضرات الأسبوعية والمناسباتية، وفوق ذلك التربية والتهذيب الأخلاقي السلوكي للطالب. أيضا حلقات تحفيظ القرآن للجنسين، لا يعني ذلك تحقيق النجاح الشامل 100%، ولا نجاحا في كل اتجاه، نعم حصل تعليم متفاوت النسب، إضافة إلى أن تلكم الخطوة كانت بمثابة نافذة تطمين للعقلية القبلية تجاه التعليم والمعلم وشيء من الاحترام بعدما كانت تعتبر المدرسة والتعليم والنظام الجمهوري كفرا بواحا.
المحور الخامس، الإعلام الهادف:
استطاعت الحركة الإسلامية تقديم إعلام جاد وهادف وذلك من خلال الوسائل المتاحة التالية: صحيفة الصحوة والتي بدأت بالصدور الأسبوعي عام 1984م، وكذلك مجلة النور الشهرية، وقد تجلى عطاءهما في معالجات ثقافية وتربوية بأسلوب هادئ ورصين بعيدا عن التزمت والتشدد، ومن جهة أخرى تقديم ندوات دينية هادفة في الإذاعة والتلفاز، وكذلك تأهيل خطباء المساجد وتزويدهم بمعلومات تربوية وشيء من سنن الله في الاجتماع، بل والتأكيد المستمر للخطيب والواعظ والمرشد أنك لست وحدك وإنما هناك دعاة ذوي توجهات مختلفة.
الخلاصة: تعايشت الحركة الإسلامية مع بقية الشرائح الإسلامية المختلفة كالصوفية وجماعة التبليغ والسلفية والمذهبية الهادوية والشافعية دون أي تصادم، ذلكم هو الخط العام للحركة الإسلامية في تنمية المجتمع في ظل الدولة والدستور والقانون.