الأحد 05-05-2024 17:26:24 م : 26 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

جرائم قتل الأقارب في مناطق الحوثيين.. جناية المليشيا على المجتمع

الإثنين 21 أغسطس-آب 2023 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت-خاص

 

ما يخلفه غياب الدولة وتعطيل القانون وتسيد العصابات والمليشيا وتحكمها بالوضع هو ازدياد نسبة الجريمة، وانتشار الفوضى، كأقل ما يمكن أن يحدث في أي جغرافيا من الأرض تشهد مثل هذه الحال، إذ لا بديل عن الدولة إلا الفوضى والاختلالات الأمنية وارتفاع معدلات الجريمة، وهو ما تشهده مناطق سيطرة المتمردين الحوثيين.

وتعد السنوات الثمان الماضية المدة الأكثر نسبة في معدل الجريمة، وتحديدا في المناطق الواقعة تحت سلطة المليشيا الحوثية المتمردة، إذ وصلت نسبة الجرائم إلى مستوى غير مسبوق، خصوصا قتل الأقارب، فقد شهدت تلك المناطق العديد من الجرائم من هذا النوع، طالت الآباء والأمهات والأبناء والإخوة والأخوات وغيرهم من الأقارب، في ظاهرة غريبة لم يشهدها المجتمع بهذه النسبة من قبل.

 

فقدان الأمل

لقد تزايدت أعداد الجرائم من هذا النوع لتصبح أقرب للظاهرة منها للحوادث الفردية، كما باتت هذه الجرائم منتشرة في المجتمع بشكل لافت، إلا أن ارتباطها بالأفراد المنتمين لمليشيا الحوثي يشكل نسبة أكثر من غيرهم من الأشخاص، فلا يكاد يمر وقت طويل على تسجيل جريمة حتى تقع جريمة أخرى مماثلة لها في مكان آخر، ضمن تصاعد مريع لسلسلة جرائم القتل الأسري في البلاد.

ويرى مراقبون أن انتشار ظاهرة قتل الأقارب في مناطق سيطرة الحوثيين ناتج عن عدة عوامل أهمها غياب الدولة، وانفراد المليشيا الحوثية بالسلطة، وتعطيل القانون، والعبث بالجهاز القضائي والتدخل بشؤون القضاء وانعدام سيادته، واستمرار الحرب، وانتشار السلاح، وثقافة القتل والكراهية المتفشية، وزيادة الفوضى الأمنية، وتردي الأوضاع المعيشية بمختلف محافظات البلاد، نتيجة التعبئة الفكرية العنصرية، والطائفية، وانقطاع الرواتب، وغلاء الأسعار، والكبت نتيجة عملية القمع المفرط، وفقدان الأمل بحياة كريمة.

 

خطاب الكراهية

وبحسب الكاتب والصحفي فهد سلطان فإن مناطق سيطرة مليشيا الحوثي بات يغلب عليها خطابٌ "يمجد الفرد المقاتل على حساب باقي فئات المجتمع، وغالبا ما تكون هذه النظرة على حساب الآخرين، وتنعكس مباشرة على بقية فئات المجتمع، لا سيما فئة الأطفال والنساء".

وأشار سلطان إلى أن "هناك شيئا آخر يجب أن ننتبه له، وهو أن فئة عمرية من الشباب -وحتى الأطفال- يتم تغذيتهم بالعنف ضمن خطاب منفلت لا ينتمي لأي مستوى من المسؤولية، فهم إما مشاركون في ميادين القتال، وهذه الميادين لا تخضع لما تخضع له كثير من الجيوش من عملية نظام وضبط وربط، وتوجيه سلوك العنف نحو جهة واحدة فقط (العدو) وما عداه يكون الشخص بكامل حيويته، مع حزمة من الإجراءات التي تنظم العنف لديه وتوجه وتحاصر انفلاته وتجعل الإنسان في حيوية دائمة".

وأضاف في حديثه عن دور خطاب الكراهية والتحريض على القتل الذي دأبت عليه مليشيا الحوثي: "بدأت تبرز ظواهر استهداف الأقارب من الدرجة الأولى بالقتل وإنهاء الحياة، من قبل الملتحقين بمليشيا الحوثي بسبب الخطاب التحريضي والفكر العدائي الذي تقدمه لأتباعها والذي يستهدف الضمير لدى الفرد المقاتل، وجعل القتل أسهل شيء يمكن أن يقوم به، بل ويزعم من يقوم به بأنه يقربه إلى الله أو يدخله الجنة دون أي رادع عن ذلك، فيتحول الشخص إلى قاتل وسفاح".

 

تصدعات أسرية

ويرجع رئيس رابطة الأخصائيين الاجتماعيين اليمنيين، عصام الأحمدي، تفشي ظاهرة العنف والقتل الأسري في مناطق سيطرة الحوثيين لغسيل الأدمغة التي يمارسها الحوثيون بحق الملتحقين بصفوفهم.

ويشير الأحمدي إلى أن "غسيل الأدمغة الذي قامت به مليشيا الحوثي وما خلفه من التحشيد والفرز العنصري والطبقي وحشد الأطفال للجبهات، أدى إلى تصدع كبير داخل الأسرة مما سبب حالة من التفكك والاختلاف والصراع داخل الأسرة الواحدة التي تعد نواة المجتمع".

وعن حالة الحرب المستمرة وآثارها المدمرة على المجتمع وانعكاسها على الجوانب النفسية والمعيشية يقول الأحمدي: "في الحروب تنفجر عدوانية الإنسان وعنفه، وهذا ما تجسد خلال الأحداث شبه اليومية التي تحصل داخل المجتمع اليمني".

وأضاف أن "هذا السلوك يعد الجانب المخفي والأليم من الحرب التي تدخل عامها الثامن دون أي أفق لنهايتها، والتي ولدت حالة من التوتر والقلق وفقدان الأمل والشعور بالإحباط والدونية لدى أغلبية الناس كنتاج لآثار الحرب النفسية والاجتماعية على المجتمع".

ويتابع الأحمدي حديثه بالقول: "في اليمن وبالتحديد في مناطق سيطرة الحوثيين هذه الظاهرة زادت بشكل كبير جدا بسبب المشاكل المتراكمة الناتجة عن الحرب، كانقطاع الرواتب، والوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب، والتصدعات التي أصابت الأسر، بسبب الانقسامات التي تسبب بها التحشيد والفرز العنصري، والطبقي، وسيادة ثقافة السلاح والعنف وحشد الأطفال إلى الجبهات، وفقدان المعيل لأغلب الاسر، وهذا ألقى بظلاله على الجانب النفسي والاجتماعي، وأدى إلى مشاكل داخل الأسرة".

 

تعبئة طائفية

أما الباحث في الفكر الإسلامي الدكتور عبدالله القيسي، فيرى أن وجود علاقة بين ظاهرة قتل الأقارب والتعبئة الطائفية التي يتلقاها الشباب من قبل المليشيا الحوثية، هي تعبئة -وفق رأيه- تكون موجهة بدرجة أساسية ضد المجتمع والأسرة وكل من لا يدين بولاء حقيقي للمليشيا.

وقال القيسي: "إن مليشيا الحوثي تعادي الأسرة والمجتمع بدرجة كبيرة تحت ذريعة الجهل والضلال، لذا فإنها تعمد من خلال وسائل التحريض والتعبئة وخطاب الكراهية الذي تكرسه إلى ترسيخ حالة من المقت والكراهية في وعي المنتسب لها يوجه ضد الأسرة والمجتمع الذي ينتمي إليهما".

وبحسب القيسي فإن عملية التعبئة الطائفية، التي تتبعها مليشيا الحوثي، "من شأنها تحريض الشخص المنتمي لها ضد أسرته أولا، خصوصا والده ووالدته، تحت ذريعة أنهما يعيقانه عن الجهاد وعن دخول الجنة، ومن هنا تبدأ عملية خلخلة المعتقدات الذهنية للفرد، الدينية والأخلاقية، ليتم غرس قيم جديدة عوضا عنها في وعيه، قيم لا تكون أخلاقية بالضرورة وتتسم بالعدائية والعنف والكراهية، ليجد المنتسب للمليشيا ذاته بالمزيد من التعبئة والتطرف انتقاميا وغير متورع عن ممارسة القتل حتى ضد أقاربه".

 

عوامل عامة وفردية

غير أنه ووفقا لمراقبين فإن ظاهرة "قتل الأقارب" لم تعد تقتصر على منتسبي المليشيا الحوثية أو من يلتحقون بدوراتها فقط، بل اتسعت داخل المجتمع لتشمل أفرادا لا ينتمون للمليشيا، وهؤلاء لعبت العوامل النفسية والاجتماعية لأزمة الصراع القائمة دورا في وصولهم إلى ذلك الحد من الاختناق والاعتلال اللذين يدفعان بعض المواطنين لاقتراف جرائم من هذا النوع.

وترى المتخصصة في الإرشاد النفسي والاجتماعي، سحر محمد، أن هناك عوامل كثيرة عامة وفردية، تقف خلف ظاهرة القتل الأسري في اليمن، وأن أغلبها مرتبطة بالأعباء النفسية والأسرية والاجتماعية التي يمر بها من يقدمون على مثل هذه الجرائم.

وعن أثر التعبئة الطائفية والتحريض الذي تمارسه المليشيا مع أفرادها الملتحقين بالدورات أو العائدين من الجبهات تقول سحر محمد إن الكثير ممن ينخرطون في جبهات القتال يكونون مثقلين أساسا بأعباء معيشية واجتماعية طافحة، وتذهب إلى إصابة كل من يقترفون جرائم "القتل الأسري" بالعديد من الاضطرابات النفسية، كالذهان والقلق، أو يكونون غالبا مهيؤون للإصابة بها، مضيفة أن السلوك الذي يظهر على من يقدمون على قتل أقاربهم، يكون سلوكا مرضيا يستدعي تدخلا علاجيا فوريا، ولا يمكن بأي حال اعتباره سلوكا سويا.

وأكدت أن الكثير ممن يقدمون على ارتكاب جرائم القتل الأسري، من العائدين من الجبهات خصوصا، يكونون مشوهين وفي حالة عدم اتزان نفسي، بسبب تجارب القلق والخوف والتوتر والهلع التي مروا بها في جبهات القتال بسبب أهوال الحرب التي يعايشونها، على أن هذا الأمر لا يبرر بالطبع اقترافهم لجرائم القتل، إنما يفسر جزءا من أسباب إقدام بعضهم عليها.

 

بيئة خصبة للجرائم

وقد اعترفت مليشيا الحوثي بوقوع أكثر من 2500 جريمة في مناطق سيطرتها خلال شهر مايو من العام الجاري 2023 فقط.

وبحسب التقرير الذي أصدره ما يسمى بالإعلام الأمني التابع لمليشيا الحوثي الانقلابية، فإن 2590 جريمة وقعت خلال شهر مايو من العام الجاري 2023 في المحافظات الخاضعة لسيطرتها.

غير أن الإحصائية تحفظت على العدد الحقيقي لجرائم القتل والشروع في القتل، والتي ارتفع منسوبها بشكل غير مسبوق خلال الأشهر الماضية، في الوقت الذي تشهد فيه مناطق سيطرة المليشيا الحوثية فلتانا أمنيا مروعا زادت معه حدة الجريمة وأعمال القتل بشكل شبه يومي.

وكشف تقرير حقوقي عن مقتل وإصابة 161 مواطناً برصاص أبنائهم من مختلف الأعمار من المجندين لدى مليشيا الحوثي الإرهابية، منذ مطلع العام 2021 م، تحت تأثير دورات الشحن والتعبئة الطائفية الإرهابية.

ووفقا لإحصائيات فإن جرائم القتل في المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون تشهد تصاعدا ملحوظا، خاصة معدلات القتل داخل الأسر في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا، وبنسب أكثر بكثير مقارنة بغيرها من مناطق البلاد، وتصدرت محافظة إب وسط اليمن، قائمة ضحايا هذه الظاهرة، فخلال شهر مايو من العام 2022، سُجلت أكثر من 23 حادثة قتل أقارب راح ضحيتها ما يزيد عن 35 شخصاً.

 

جرائم متنوعة

ففي محافظة إب أقدم شاب في يوليو الماضي على قتل والده وشقيقته، في جريمة مروعة ووحشية، وسط تصاعد جرائم العنف الأسري في المحافظة.

وبحسب سكان محليين فإن الشاب أقدم على قتل والده وشقيقته في منطقة جباح بمديرية فرع العدين غربي محافظة إب نتيجة لخلافات أسرية، قبل أن يلوذ بالفرار عقب الحادثة.

وفي سبتمبر من 2022 سُجلت أربع حالات قتل في محافظة إب لوحدها، كانت أكثرها بشاعة إقدام شاب على قتل أمه ذبحا بالسكين في منطقة العدين غربي المحافظة.

وفي يناير من العام الجاري 2023، أقدم مسلحون حوثيون على قتل والدهم ضرباً حتى الموت في مديرية المدان التابعة لمحافظة عمران شمالي اليمن.

ووفقا لمصادر حقوقية ومحلية، فإن مواطنا من أبناء المحافظة فارق الحياة على يد أبنائه الذين أبرحوه ضرباً حتى الموت، بعد أن نصحهم بعدم القتال مع مليشيا الحوثي.

وفي العام2021، أقدم شاب في محافظة عمران على قتل والده وشقيقه وإصابة اثنين من أقاربه، على خلفية شجار عائلي، وقبل ذلك بأسابيع أقدم شاب في صنعاء على قتل والده وشقيقه وزوجة والده رميا بالرصاص.

وفي مايو من العام نفسه، أقدم مسلح حوثي على إطلاق النار على ستة من أفراد أسرته في مديرية "جبل راس" بمحافظة الحديدة غربي اليمن، مرديا بأربعة منهم قتلى فيما أصيب اثنان آخران.

وفي مطلع فبراير الماضي، شهدت محافظة ذمار جريمة مماثلة راحت ضحيتها أسرة بأكملها، حيث أقدم أحد المسلحين على قتل أسرته المؤلفة من 6 أفراد، وهم والدته وزوجته وأولاده الأربعة، وقبل الجريمة بأسابيع قلائل حدثت جريمة أخرى في محافظة صنعاء، حيث أقدم أحد المسلحين على قتل والدته وإحدى شقيقاته رميا بالرصاص، إضافة إلى استهدافه لشقيقه الذي فر بإصابة من هذه الجريمة.

كلمات دالّة

#اليمن