الثلاثاء 30-04-2024 09:34:06 ص : 21 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تقسيم العملة واستحداث منافذ جمركية.. كيف تكرس مليشيا الحوثي مظاهر الانفصال في اليمن؟

الأحد 18 يونيو-حزيران 2023 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت-خاص

 

منذ انقلابها على الدولة في سبتمبر 2014، تمارس مليشيا الحوثي الانقلابية، الانفصال في اليمن، وتعمل على تكريسه في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والسياسية، وباتوا هم الخطر الفعلي والحقيقي على وحدة اليمن وجمهوريته ومؤسساته الدستورية وسلامة أراضيه.

فالمتتبع لما تقوم به مليشيا الحوثي الإيرانية في مناطق سيطرتها يلحظ ما تمارسه من انفصال مجتمعي ومالي واقتصادي وجغرافي لم يحدث في تاريخ اليمن على مر العصور شمالا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، من خلال كثير من الممارسات اليومية التي كرستها المليشيا منذ انقلابها على الدولة، وعلى راسها التدهور الاقتصادي والعجز المالي الذي تعيشه البلاد على مدى تسع سنوات.

إن تلك الممارسات التي تقوم بها مليشيا الحوثي تؤكد مساعيها الرامية لتنفيذ الأجندات الإيرانية في اليمن، في محاولة لتكريس واقع جديد، تستهدف من خلاله الثوابت الوطنية للشعب اليمني، التي لن يتخلى عنها، رغم التحركات العدوانية التي تقوم بها المليشيا، والتي تؤكد مساعيها الرامية للحرب، وليس الدخول في السلام كما يسعى المجتمع الدولي لذلك.

سنحاول في هذا التقرير رصد كثير من الممارسات الانفصالية التي تقوم بها مليشيا الحوثي الانقلابية، في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، على سبيل الإشارة لا الحصر؛ في محاولة للبحث عن الوسائل المناسبة للتصدي لهذا المشروع الإيراني، الهادف لتحويل اليمن إلى منصة إيرانية لاستهداف الأشقاء والجيران.


المجال الاقتصادي

إن الملاحظ لما قامت به مليشيا الحوثي من ممارسات انفصالية منذ انقلابها على الدولة وتحديدا في المجالات الاقتصادية، يؤكد أن المليشيا تعزز دعوات الانفصال بشكل عملي وواقعي من خلال تلك الممارسات التي تقوم بها، والتي تمثل خطرا محدقا على اليمن برمتها.

وتأتي على رأس الممارسات الانفصالية التي قامت بها مليشيا الحوثي في المجال الاقتصادي، هي تقسيم العملة، واستحداث المنافذ الجمركية، وفرض الإجراءات التعسفية على السفر والتنقل الداخلي بين مناطق سيطرتها والمحافظات المحررة، وطالت الخطوات التقسيمية التعليم والهوية الوطنية والخطاب الإعلامي، واستهدفت المناهج الدراسية التي أعادت صياغتها بخلفية طائفية وبما يعزز مشروع التقسيم، ومحاولتها نسف الهوية الوطنية التي تجمع كل اليمنيين شمالاً وجنوباً، لتستبدلها بهوية زائفة ومستوردة تحاول تلبيسها بالمجتمع على عجل.

وتتسق هذه الاجراءات مع أخرى مماثلة في الهدف والخطورة، والمتضمنة حظر تداول فئات من العملة الوطنية في مناطق سيطرتها منذ أربعة أعوام، وما تسبب عن ذلك من تداعيات مدمرة لازالت مستمرة من انهيار للعملة وانقسام نقدي، وتفاوت سعر الصرف وتضخم عمولات التحويل الداخلي والإضرار عموماً بالمركز المالي للجمهورية.

ويرى خبراء ومحللون اقتصاديون، أن مليشيا الحوثي تسعى من خلال تلك الإجراءات الانفصالية في المجال الاقتصادي إلى محاولة إنشاء مركز مالي مستقل يمكنها من المضي في المزيد من خطوات تقسيم البلاد تنفيذا لمرامي استعمارية تخدم نظام الملالي في طهران.

 

استحداث منافذ جمركية انفصالية

وفي إطار الممارسات التي قامت بها مليشيا الحوثي في تكريس واقع الانفصال في المجال الاقتصادي هو استحداث منافذ جمركية في مناطقها، في إعلان واضح لتثبيت التشطير والانفصال، واستهداف لثوابت الشعب اليمني، في محاولة يائسة لعودة حكم الإمامة التي جثمت على شمال الوطن.

إن الهدف الحقيقي من استحداث تلك الجمارك في المنافذ الحوثية المختلفة ليس له معنى سوى تقسيم اليمن وتقطيعه، من خلال إجبار المواطنين على دفع جمارك على السيارات التي تم جمركتها في ميناء عدن ومنفذ شِحِنْ في المهرة، وكأنك دخلت بلدا أخر غير اليمن، وذلك في إطار الممارسات القمعية التي تشنها المليشيا بحق القطاع الخاص، والتنكيل المستمر ضد التجار، وتكريس واقع الانفصال في البلاد.

وخلال السنوات الماضية، أنشأت مليشيا الحوثي، قرابة 7 منافذ جمركية، في مناطق سيطرتها، على البضائع والسلع، الداخلة من مناطق الحكومة الشرعية، الأمر الذي يعمل على مضاعفة الأعباء المعيشية على المواطن، من خلال ارتفاع تكلفه السلع، بأضعاف على سعرها الحقيقي.

وتسببت هذه الممارسات القمعية، بحق التجار، بتأثيرات سلبية على السوق والحركة التجارية، على مستوى معيشة الناس ونشاطهم الاقتصادي، وبالتالي انعكست سلبا على النشاط التجاري للقطاع الخاص. وسبق وأن دانت الغرفة التجارية والصناعية، هذه الممارسات ووصفتها بالتعسفية، وأشارت إلى أنها تتسبب بارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية في الأسواق، ناهيك عن كونها تكرس واقع الانفصال في البلاد.

 

التحكم بالغرفة التجارية

كما قامت مليشيا الحوثي مؤخرا باقتحام الغرفة التجارية بصنعاء والسيطرة عليها، وفرض قيادة جديدة للغرفة بديلة عن القيادة المنتخبة برئاسة حسن الكبوس، وهو الاجراء الذي يهدد انقسام الوضع الاقتصادي في البلاد، وتكريس ممارسة الانفصال الواقعي في البلاد، من خلال الإجراءات الهادفة إلى ضرب القيم المشتركة للشعب اليمني وفي مقدمتها الاقتصاد والحركة التجارية.

ناهيك عن قيام مليشيا الحوثي بتكريس الانفصال من خلال رفع سعر صرف الدولار الجمركي في المنافذ الشطرية التي استحدثتها لأكثر من 50%، بالتزامن مع عدم التزامها بأي إنفاق عام تجاه الموظفين، ولا على مستوى تقديم الخدمات العامة، مقابل جباية تلك الأموال المهولة.

 

قوانين انفصالية

وفي إطار تكريس الممارسات الانفصالية، قامت مليشيا الحوثي بالإيغال في ممارسة الانفصال في الواقع على نحو غير مسبوق من خلال فوضى القوانين التي تصدرها بين كل فترة وأخرى، وتتجه هرولة في طريق تحث على مزيد من الاستبداد، حتى باتت وكرا لكل ما سبق ذكره دون منافس أو منازع.

وحسب البرلماني أحمد سيف حاشد، فإن المليشيا الحوثية وسلطتها الخفية، تقوم كل يوم بكل صفاقة وفجاجة وجموح بالتعدي جهاراً نهاراً على ما بقي من مبادئ ونصوص دستورية وقانونية، وفي طليعتها تلك التي تقرر الفصل بين السلطات الثلاث.. وهو ما يعد انقلاباً مكشوفاً بإرادة موغلة على النظام القانوني للجمهورية والوحدة اليمنية، وتكريس اغتصاب صلاحيات السلطة التشريعية لصالح السلطة التنفيذية وقبلها السلطة الخفية المستبدة.

وتستغل مليشيا الحوثي جلوس عدد من أعضاء مجلس النواب في مناطق سيطرتهم لإجبارهم على حضور جلسات لشرعنة القوانين التي يستحدثونها، والتي تخل بالهيكل العام للدولة، من خلال استحداث هيئات لم تكن موجودة من قبل، رغم عدم استيفاء البرلمان النصاب لعقد جلساته.

حيث أنشأت المليشيا الهيئة العامة للأوقاف، والغت وزارة الأوقاف والإرشاد، كما أنشأت الهيئة العامة للزكاة، والغت مصلحة الواجبات والزكاة، التابعة لوزارة المالية، وحولتها إلى أداة لتمويل حربها ضد اليمنيين، من خلال تشريع قوانين مخالفة لنصوص القوانين السابقة، ومنها زكاة التجار، التي حولتها إلى سوط لنهب التجار، وغيرها من الممارسات التي تكرس بها الانفصال.

 

الولاية محل الدستور

وفي إطار ممارستها الانفصالية التي تحاول مليشيا الحوثي تكريسها، هو الاحتفال بما يسمى بيوم الولاية والذي تحاول المليشيا إحلاله محل الدستور، حيث تقوم الولاية على عقيدة الاصطفاء الإلهي والتي تعني من الناحية السياسية أن "الثيوقراطية" أو دولة الحق الإلهي التي تؤمن بأن الحاكم مختار لهذه المهمة من الله وهو بالضرورة مسؤول أمامه، هي النظام الأمثل للسلطة السياسية، الأمر الذي يتنافى مع الدستور اليمني والنظام الجمهوري ويتصادم مع روح العصر والديمقراطية القائمة على أن الحاكم يجب أن يكون مختارا من الشعب ومسؤولا أمامه.

إن قيم ومبادئ المواطنة المتساوية والديمقراطية تتنافى كلياً مع فكرة الولاية والاصطفاء والحق الإلهي، لأن الانتماء للوطن يعني المساواة في الحقوق والواجبات، لكن الإمامة تعني عدم المساواة، لأن الحقوق السياسية لسلالة دون غيرها، ولأن الخُمس لتلك السلالة دون غيرها، عندما تختلف الحقوق السياسية والاقتصادية يختل ميزان المساواة وإذا اختل ميزان المساواة اختلت المواطنة، ولذا فإن الولاية هي تكريس للممارسة الانفصالية في البلاد، كونها نقيض الدستور وقوانين البلاد.

وتتعارض الولاية الحوثية المزعومة، مع المبادئ والقيم التي جاءت بها الأديان السماوية في المساواة وعدم تسلط الإنسان على الإنسان، وتتنافى مع الدستور اليمني واهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر والقوانين النافذة في تجريم الطبقية والسلالية.

وفي هذا الإطار، تقوم مليشيا الحوثي تنشر معتقداتها الخرافية في المدارس وفي طابور الصباح في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، وتجبر القائمين على المدارس بإلزام الأطفال على ترديد قسم الولاية كل صباح وهو: «اللهم إنا نتولى من أمرتنا بتوليه سيدي ومولاي عبدالملك بدر الدين الحوثي» وهو الشعار المرفوض من جميع أبناء اليمن والذي يتنافى مع الدستور اليمني والقوانين النافذة في البلاد.

إضافة إلى ذلك، تقوم مليشيا الحوثي بإحلال أيام طائفية بديلة عن الأيام الوطنية، فأحلت بدلا عن 26 سبتمبر، ثورة اليمن الأم، ما يسمى بثورة 21 سبتمبر، وبدلا عن الاحتفال بذكرى الوحدة باتت تحتفل بذكرى ما يسمى بالصرخة، وكذا الاحتفال بأيام طائفية على مدار العام، وذلك في تكريس واضح لنهج الانفصال، ومحاولتها تثبيت واقع جديد، لا علاقة له بالجمهورية اليمنية ودستورها ونظامها وقوانينها النافذة.

 

تطييف المجتمع

وفي إطار الممارسات الانفصالية التي تقوم بها مليشيا الحوثي هو الاحتفال بالأيام الطائفية لتحل محل الأيام الوطنية الخالدة، في تكريس عملي للانفصال، وتحويل مؤسسات الدولة إلى محاضن لنشر الفكر الشيعي والطائفي، وإلزام الموظفين بحضورها وممارسة التهديد بالفصل ضد المتخلفين عن حضور هذه الدورات.

كما تقوم المليشيا الحوثية بتكريس واقع الانفصال من خلال الدورات الثقافية التي تلزم بها الموظفين، وتجعلها المعيار للحصول على ترقية أو الاستمرار في منصب ما، وهو ما يتنافى مع الدستور والقوانين النافذة في البلاد. ولم تكتف المليشيا بهذا بل تعمل على تطييف المجتمع في مناطقها في مختلف المجالات.

حيث قامت بعملية الإحلال التربوي في المؤسسات والمدارس، والمؤسسات الحكومية، وتسعى لتحويل وزارة الشباب والرياضة في صنعاء على سبيل المثال إلى مؤسسة ذات طابع ديني مذهبي طائفي، لنشر أفكارها الطائفية، لتحقيق ما تزعمه من رؤية ما يسمى بـ"المسيرة القرآنية"، وإلغاء كل مظاهر ارتباط هذه الوزارة بالأنشطة والفعاليات التي تتيح للأعداء استهداف دين وثقافة وعادات وتقاليد المجتمع اليمني، وما ما يعد تكريسًا واضحًا للانفصال.

ومنذ سيطرة مليشيا الحوثي، على صنعاء، وانقلابها على مؤسسات الدولة، عملت ضمن خطة منظمة، على إحلال تعليم طائفي بديل يحرض على القتل والعنف الطائفي والكراهية، ويفخخ المجتمع بالفكر الحوثي الإرهابي، ويشوه الدين الإسلامي من خلال تحويله إلى مجرد دعوة للحكم السلالي.

كما عملت المليشيا على ذلك من خلال تغيير المناهج الدراسية وتعيين معلمين من بين صفوفهم لا علاقة لهم بالتعليم، ونشرهم في العديد من المدارس الواقعة في المحافظات، التي يسيطرون عليها، بالإضافة إلى إقامة دورات طائفية يستقطبون إليها الطلاب وكبار السن والشباب الذين تجاوزوا مرحلة الدراسة، وهو ما يعد تكريسا للانفصال تسعى المليشيا لتحقيق مآربها من خلاله.

إن تلك الممارسات الحوثية التي ذكرناها على سبيل المثال لا الحصر، تستدعي من الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي والشعب اليمني برمته كلا من موقعه، وفي إطار وظيفته وتخصصه التصدي لهذا المشروع الحوثي ومقاومته بكل السبل والامكانيات المتاحة، حتى لا تتحول اليمن إلى مجرد حوزات إيرانية تكرس بها واقع الانفصال، وتحقق أهدافها العنصرية والسلالية.

كلمات دالّة

#اليمن