الثلاثاء 30-04-2024 07:41:52 ص : 21 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ملامح الحكم الحوثي.. مزيج من الإمامة البائدة ونظام ملالي إيران

الخميس 15 يونيو-حزيران 2023 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

يبرز التاريخ الأسود للإمامة السلالية الكهنوتية عائقا أمام مليشيا الحوثيين الإرهابية لترسيخ حكمها وإجبار المواطنين في مناطق سيطرتها على القبول بها والانخراط للقتال في صفوفها، وزاد من وطأة الأمر أن المليشيا الحوثية قدمت، بعد الانقلاب، نموذج حكم أكثر بشاعة من حكم أسلافها الأئمة السلاليين، وهي الآن تحاول تقديم خطاب مختلف موجه لبعض الفئات، باطنه الدمج بين الحكم الإمامي البائد وحكم عمائم ملالي إيران، وظاهره مزاعم التشبه ببعض الدول الكبرى التي يحكمها إمبراطور أو ملك وإن كان حكمه شكليا، وتوجد فيها ديمقراطيات راسخة وحقوق إنسان وترف معيشي باذخ.

يدرك جميع اليمنيين حقيقة الحوثيين ومشروعهم الإمامي الكهنوتي الظلامي، ولذا لم يكن صادما ما كشف عنه القيادي الحوثي يوسف الفيشي، في مقطع فيديو عبر تويتر، قبل أيام، بشأن الهدف الرئيسي الذي تسعى له المليشيا الحوثية، وهو إلغاء جميع المكونات اليمنية، ونسف التعددية السياسية والحزبية والنظام الجمهوري الديمقراطي، لمصلحة ما سماه "شعب وقائد"، لأن ذلك يمثل صميم المشروع الحوثي المرتبط بإيران، والذي يهدف إلى الجمع بين مساوئ الإمامة البائدة في اليمن ومساوئ الحكم الثيوقراطي الإيراني، وما كشف عنه القيادي الحوثي ما هو إلا نزر يسير مما يدور في السر في أوساط القيادات العليا للمليشيا، التي تحاول تحديث خطابها بشأن الحكم الإمامي السلالي الذي تسعى له وتقديمه تحت توصيفات تضليلية.

ولعل أهم دلالات حديث الحوثيين عن ثنائية شعب وقائد(مقدس)، وإلغاء جميع المكونات اليمنية مقابل تقديس زعيم المليشيا الإرهابي عبد الملك الحوثي، أن المليشيا تكون بذلك قد وضعت اليمنيين أمام الأمر الواقع والإفصاح دون مواربة عن حقيقة مشروعها الذي تسعى لأجله، وبذلك فإنه لم يعد هناك أي فرصة لتحقيق السلام وحقن الدماء، لأن للمليشيا مشروعا تعمل لأجل تحقيقه، وهو مشروع لا يقبل الحلول الوسط، وما تريده المليشيا الحوثية هو إما أن يستسلم الجميع لها، أو أنها ستخوض حربا ضد الشعب الذي تدعي تمثيله حتى حسم المعركة بصرف النظر عن نتائجها ولمصلحة من ستكون.

 

- أزمة خطاب ومشروع

تتعدد مظاهر الرفض الشعبي للمليشيا الحوثية، وهذا الرفض نابع من إدراك اليمنيين لحقيقة الإمامة الكهنوتية التي تعمل مليشيا الحوثيين لإحيائها، وقد فشلت جميع جهود المليشيا لتطويع المواطنين في مناطق سيطرتها لخدمتها وتحويلهم جميعا إلى مقاتلين في صفوفها، وهو ما دفع تلك المليشيا لمحاولة تقديم خطاب سياسي وإعلامي مختلف نوعا ما لتجريبه وقياس ردود الأفعال عليه ولو بشكل محدود، والاستشهاد بأمثلة أجنبية، كبريطانيا واليابان، للدلالة على أن حكم الفرد موجود في بعض الدول الكبرى، بالرغم من أن منصب الإمبراطور في اليابان، أو الملك في بريطانيا، هي مناصب شكلية، والديمقراطية راسخة في مثل تلك البلدان، وليس الحال كما هو لدى مليشيا الحوثيين، التي تريد تنصيب قائدها كزعيم مقدس، وإلغاء جميع المكونات اليمنية، والحكم بالحديد والنار.

لم تكن دعوة القيادي الحوثي، يوسف الفيشي، لاتخاذ زعيم المليشيا كرمز مقدس وجامع لكل اليمنيين، إلا انعكاسا للتخبط في أوساط قيادات المليشيا، التي لم ترَ أي مظاهر في مناطق سيطرتها لتقديس زعيمها، وما تزخر به مواقع التواصل الاجتماعي من موجة سخرية من جميع قيادات المليشيا، وفي مقدمتهم المدعو عبد الملك الحوثي، وانعكاس ذلك على نفسيات قيادات المليشيا، التي ترى الشعب يقزمها ويحتقرها ويصفها بأوصافها الحقيقية، كمليشيا إرهابية لا تجيد سوى القتل والخطف والسجن والتعذيب واللصوصية ونهب الممتلكات العامة والخاصة.

وبعد سنوات من الحرب، وفشل جميع محاولات المليشيا الحوثية تطييف المجتمع بكل ما أوتيت من وسائل عنف وجبروت وتسلط على المدنيين العزل، ها هي المليشيا تعيش أزمة خطاب ومشروع، وهو ما يتجلى في حديث المليشياوي يوسف الفيشي، الذي دعا إلى اتخاذ زعيم المليشيا الحوثية كرمز مقدس وجامع لكل اليمنيين، حتى وإن انتهت الحرب وحل السلام وتم إجراء انتخابات رئاسية، حسب تعبيره، فما الذي يعنيه ذلك؟

لقد كشف الفيشي بوضوح أنهم يسعون للدمج بين النظام الكهنوتي الإمامي والنظام الإيراني، فيكون عبد الملك الحوثي رمزا مقدسا مثل خميني ثم خامنئي إيران، وتجرى انتخابات رئاسية بين مرشحين من أتباع المليشيا، يعملون تحت إمرة الإرهابي عبد الملك الحوثي، ويكون الفائز فيها بمنزلة سكرتير لدى زعيم المليشيا.

وخشية من أن يلفت ذلك الحديث الأنظار إلى النموذج الإيراني، فإن القيادي الحوثي، الفيشي، ذهب بعيدا في حديثه، متحدثا عن نظام الحكم في اليابان وبريطانيا، وملمحا إلى أنهم يسعون لاستنساخ طريقة الحكم في البلدين المذكورين، وذلك لصرف الأنظار عن النموذج الإيراني، وهو نموذج لا يقصي فقط مختلف المكونات اليمنية، بل ويقصي حتى العوائل السلالية التي قد تطمح لمنافسة عائلة آل الحوثي، وإقناعها بنموذج الفرد المقدس وثنائية شعب وقائد، للخروج من "الحرج الفقهي" حول شروط الإمامة وفق المذهب الزيدي، وهي شروط لا تتوفر في المدعو عبد الملك الحوثي.

وهذا ما لمح له أيضا الفيشي في حديثه عندما قال بضرورة "وجود شيء مقدس" لدى اليمنيين "يحمي ساحتهم من التناحر والاقتتال ويحمي الأجيال القادمة من الاقتتال على السلطة"، ولعل ذلك يعكس تفشي حالة التذمر في أوساط العوائل السلالية من إقصاء عائلة آل الحوثي لها، وتكليفها بالقتال لأجل عبد الملك الحوثي، واغتيال الشخصيات السلالية المشكوك في ولائها لعائلة آل الحوثي.

عموما، من الواضح أن دعوة القيادي الحوثي، يوسف الفيشي، لتقديس عبد الملك الحوثي، وإلغاء جميع المكونات في إطار ثنائية "شعب وقائد"، هي دعوة لتطبيق نظام الحكم الطائفي في إيران، حيث يتم تنصيب عبد الملك الحوثي مرجعية عليا للدولة، كما هو حال منصب "المرشد الأعلى"، الذي استحدثه خميني إيران عقب ثورته على نظام الشاه في عام 1979، وخلفه من بعده علي خامنئي.

 

- من الولاية والاصطفاء إلى الولي الفقيه

طوال السنوات الماضية، لم تخفِ مليشيا الحوثيين رغبتها في إعادة الحكم الإمامي الكهنوتي البائد، وإذا كانت لا تجاهر بذلك فإن ممارساتها الإرهابية والقمعية وخطابها السياسي والإعلامي كل ذلك يفصح عن جوهر تلك المليشيا، وهي ترى الشعب مجرد قطيع، وليس باعتباره مالك السلطة ومصدرها، ولديها مرجعياتها الخاصة بالحكم مثل الاصطفاء السلالي والولاية، وتريد فرضها على اليمنيين بالقوة والدجل والخرافة.

تدرك مليشيا الحوثيين مدى الصعوبات التي تواجهها لإعادة الحكم الإمامي البغيض، لا سيما أن أجيال ما بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 تربت على كراهية ذلك الحكم والنفور منه وعدم القبول به مجددا، باستثناء الفئات الجاهلة والففيرة والمطحونة والتي حولتها المليشيا إلى وقود لمعاركها.

وكانت الإمامة الكهنوتية البائدة، التي جاءت مليشيا الحوثيين من نسلها، قد وضعت 14 شرطا للإمامة، باعتبارها من أصول المذهب الزيدي، هذه الشروط هي: أن يكون الإمام مكلفا، ذكرا، حرا، علويا، فاطميا، سليم الحواس والأطراف، مجتهدا، عادلا، سخياً بوضع الحقوق في مواضعها، أكثر رأيه الإصابة، مقداما، لم يتقدمه مجاب، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ويستشير أولي الخبرة من المواطنين.

لكن أهم شروط الإمامة هي الشرط النسلي، أي أن يكون من نسل فاطمة من ابنيها الحسن والحسين، وأما الشروط الأخرى، مثل: العلم والشجاعة والدعوة المصحوبة بالسيف، فهي شروط باتت مشكلة وصعبة التحقق دائما، علما أن هذه الشروط التي تقرها الزيدية، لا تتوفر في عبد الملك الحوثي أو أي فرد من عائلة آل الحوثي، ويشكل ذلك مدخلا للتوجس وعدم الثقة والخلافات بين العوائل السلالية الطامحة للحكم.

كما أن الزيدية تؤمن بجواز خروج إمامين في آن واحد، فإذا خرجا في نفس الوقت كذلك وجبت طاعتمها. وأيضا تذهب الزيدية إلى القول بصحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل، ولعل ذلك من أسباب محاولات الحوثيين اقتباس بعض آليات الحكم في إيران، فشروط الإمامة، وفق المذهب الزيدي، لا تنطبق على عبد الملك الحوثي أو أحد أفراد عائلة آل الحوثي، والقول بجواز خروج إمامين في وقت واحد، والقول بصحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل، كل ذلك يمثل مشكلة لعائلة آل الحوثي، لا سيما أن العوائل السلالية الأخرى تنظر باحتقار لعائلة آل الحوثي، كونها عائلة جاهلة ولا تنطبق على أحد أفرادها شروط الإمامة، بينما عائلة آل الحوثي تنظر بتوجس وقلق للعوائل السلالية الأخرى، لا سيما أن عائلة آل الحوثي كانت مهمشة ومقصية في عهد حكم الأئمة.

 

- لماذا تفضيل النموذج الإيراني؟

يعد منصب "المرشد الأعلى" في إيران أعلى سلطة ومقام في الدولة، وصاحب القرار الفعلي، ويأتي ذلك على "ولاية الفقيه العادل"، التي نص عليها الدستور في الفصل الخامس، وهي نظرية سياسية شيعية حديثة أفسحت المجال لتولي رجال الدين الشيعة الحكم في إيران، وكان آية الله الخميني، مرشد إيران السابق، أول من جسدها عمليا بعد ثورة 1979 ضد حكم الشاه محمد رضا بهلوي.

ووفقا لنظام إيران ودستورها، فإن المرشد (علي خامنئي حاليا) يملك سلطات مطلقة تمنحه الفصل في كل شؤون الدولة، بما في ذلك السياسة النووية والخطوط الرئيسية للسياسة الداخلية والخارجية وقرار الحرب والسلم، فضلا عن السلطة المباشرة على الجيش والحرس الثوري وأجهزة المخابرات.

وأعطى الدستور الإيراني، الذي صدر عام 1979، المرشد أو القائد صلاحيات واسعة، أهمها حق تعيين السياسات العامة لنظام الجمهورية والإشراف عليها، وإصدار الأمر بالاستفتاء العام، وقيادة القوات المسلحة، وإعلان الحرب والسلام والنفير العام، كما أعطاه حق عزل رئيس الجمهورية، وتعيين وعزل قادة مجلس صيانة الدستور ورئيس السلطة القضائية.

أما منصب رئيس الجمهورية في إيران، فهو، وفقا للمادة 13 من الدستور الإيراني، أعلى سلطة في الدولة بعد "مقام القيادة"، وينتخب لفترتين كحد أقصى، مدة الواحدة أربعة أعوام، ويتبع في معظم صلاحياته للمرشد الأعلى، كما أن حرية حركته تقيدها مجموعة من الأجهزة غير المنتخبة يسيطر على أغلبها رجال دين، وأهمها مجلس صيانة الدستور.

ويتولى الرئيس مسؤولية تسيير الأمور اليومية لشؤون البلاد، بالإضافة إلى ترؤسه مجلس الأمن القومي الذي يتولى تنسيق السياسة الدفاعية والأمنية، ويمكن للرئيس التوقيع على اتفاقيات مع حكومات أجنبية والموافقة على تعيين سفراء، لكن في المجمل فإن كل تصرفاته يجب أن تنال موافقة المرشد الأعلى، أو على الأقل لا تخرج عن السياق العام للسياسات التي يحددها المرشد الأعلى.

الخلاصة، ليس مستبعدا أن إيران قد أصدرت التعليمات لجناح صعدة في مليشيا الحوثيين باعتماد نموذجها في الحكم، ودمجه مع أسس النظام الإمامي، فجناح صعدة هو الأكثر ولاء لإيران، وتفيد بعض المصادر بأن ذلك الجناح غير مذهبه إلى المذهب الرسمي لإيران، أي المذهب الإثنى عشري، وبالتالي فإن تعيين عبد الملك الحوثي ليكون مرشدا أعلى بشكل دائم، مع إجراء انتخابات رئاسية يكون الفائز فيها مجرد سكرتير لدى عبد الملك الحوثي، هو النظام الضامن لاستمرار سيطرة عائلة آل الحوثي أو جناح صعدة، وتطويع بقية العوائل السلالية لخدمتها.

وسواء دمجت مليشيا الحوثيين بين النموذج الإمامي والنموذج الإيراني، أو اختطت أحد النموذجين، فهي في كل الأحوال مشروع موت وخراب وقتل ونهب وسلب بشكل دائم، وهو ما يتطلب توحيد الصف الجمهوري والمسارعة للقضاء عليها واستعادة الدولة وإنهاء كل مظاهر الانقلاب، لا سيما أن المليشيا تثبت كل يوم أنها ماضية في مشروعها السلالي الكهنوتي الإرهابي، وأنه لا وجود للسلام في عرفها، ومن الصعب التعايش معها تحت أي مسمى، وهو ما أثبتته تجربة أكثر من ثماني سنوات من الانقلاب، وأثبتته تجربة الإمامة البائدة طوال عقود مضت.

كلمات دالّة

#اليمن