الجمعة 06-12-2024 04:22:10 ص : 5 - جمادي الثاني - 1446 هـ
آخر الاخبار

معوّقات بناء فقه الأمة (الحلقة 2) أزمة فهم السنة النبوية

السبت 25 فبراير-شباط 2023 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت-خاص | عبد العزيز العسالي

 

تذييل واستخلاص:

تحدثنا في الحلقة الأولى حول المعوّق الأول وقلنا إن غياب منظومة المنهج المقاصدي هو المعوّق المحوري المركزي، وإن كل المعوقات ناتجة عن غيابه.

وقلنا إن أول المعوقات يعود إلى طريقة تكوين العقلية الفقهية والمتمثلة في التلقين لجزئيات الفقه المذهبي، وإن طريقة التلقين جعلت العقل الفقهي يعيش إشكالية مربكة إلى حد العجز.. تلكم هي خلاصة المجال الأول، فإلى المجال الثاني.

المجال الثاني: أزمة فهم السنة النبوية.. أسباب، عوامل، نتائج:

أولا، أسباب أزمة الفهم:
1- التقليد المذهبي الأعمى، ويدخل في إطاره التلقين لجزئيات المقرر الفقهي تلقينا تسليما للمذهب في غياب تام لأبسط القواعد الأصولية.

2- الخلط بين أهمية السنة النبوية كتطبيق عملي وبين درجتها المنهجية في التشريع.

3- إغفال تام لأبجديات المنهج الأصولي المتفق عليه من عهد الراشدين ومعهم سائر الصحابة وفقهاء التابعين وكبار المحدثين وأئمة المذاهب وسائر فقهاء الأصول عبر التاريخ الإسلامي.

4- تعزيز الخلط الآنف بترسانة من الروايات وأقوال السلف حول أهمية السنة بأسلوب هو أقرب إلى الالتواء الذي يصدق فيه المثل السائر: "كلمة حق أريد بها باطل".

5- عامل الترهيب من الهجمة العلمانية ضد السنة النبوية.

ونحن هنا لا ننكر ما يقوله متسولو الثقافة العلمانية، ولكننا ننتقد الطريقة اللاعلمية في بناء العقل الفقهي من جهة، والأسلوب اللامنهجي في إسكات المقلدين - العملاء الحضاريين للغرب.

6- نماذج لترسانة المفاهيم المربكة:
أ- السنة قاضية على القرآن.. هذه المقولة قالها أحد التابعين فقط، وكل العلماء يخالفونه وفي مقدمتهم إمام المحدثين أحمد بن حنبل، رحمه الله، قال: لا أجرؤ على هذا القول، وإنما السنة مبينة للقرآن.

ومثله فقهاء المقاصد وفي مقدمتهم الفقيه الشاطبي رحمه الله، وتظافرت أقوال فقهاء الأصول حول هذا المعنى حرفيا كقولهم إن السنة هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن.

ب- الرأي ليل والحديث نهار: وهذا الكلام لا خلاف عليه، لكن الخطأ هو سوء التوظيف المربك أثناء تكوين العقل الفقهي، وأصبح الإرباك حاضرا لدى الكثير من الوعاظ والخطباء دون فرق بين طلاب الجامعات أو التعليم الأهلي الشرعي.

ج- العلم ما جاء فيه قال حدثنا وما سواه فوسواس الشياطين.. انظر أيها القارئ كيف تم تجاوز المصدر الأول للعلم وهو القرآن ثم المنهج العلمي الأصولي المتفق عليه، ثم كيف تم حصر العلم كله في "قال حدثنا" فقط.

الغريب أن هذا الكلام ينسبونه إلى الإمام الفقيه الشافعي رحمه الله، ولا يصح نسبة هذا الكلام إليه، كيف لا وهو أحد أبرز أساطين اللغة والفقه والأدب، بل كيف يقول هذا وهو الذي ترك العمل ببعض الأحاديث (تحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير نموذجا)، وهو حديث صحيح، فأباح أكل الضبع والثعلب.

د- لا قياس مع النص.. لا اجتهاد مع النص.. لا اجتهاد في مورد النص.. قالوا إنها قاعدة أصولية والحقيقة أنه لا وجود لها عند الصحابة والتابعين وفقهاء المذاهب وفقهاء المنهج المقاصدي، وخلاصة الأمر هذه المقولة مدسوسة بهدف النيل من الراشدين ومعهم الصحابة ودوافع الدس هي السياسة، أي أن الصحابة خالفوا النصوص بل ارتدوا بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم.

7- من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ.. هذا الكلام تم توظيفه في اتجاهين: الأول، إرهاب فكري يمنع الاستدلال بنصوص القرآن ولو كان فقيها مؤمنا مجتهدا، وهذا مخالف لنصوص القرآن (ولقد يسرنا القرآن للذكر) نموذجا.

الاتجاه الثاني، إغلاق التفكير الفقهي وإدخاله "زقاق العجز"، لكي لا يتعاطى مع المستجدات وسنن الواقع، وإذا استجدت قضايا فيجب استفتاء موتى القرون الغابرة، وبالتالي هيهات إقناع هذا التوجه بأن هذه القضايا لم تكن في عصر السلف رحمهم الله.

8- وخير الأمور السالفات على الهدى.. وشر الأمور المحدثات البدائعُ

هذا المفهوم يقول لا تجديد ولا قضايا الحياة متغيرة وبالتالي لا يسعنا إلا اتباع السلف.

يا قوم، هذه الأقوال خاصة بقضايا العقائد والشعائر والعقوبات المقدٌرة، فلا ينبغي الخلط بينها وبين متغيرات الحياة.. أليس القرآن كتاب الرسالة الخاتمة؟

9- فهذا الحق ليس به مراءٌ
فدعني من ثنيات الطريقِ

لا طريق إلا بما قاله السلف والمقاصد والمصالح بدعة قول واحد.

تلكم هي إشارات حول ترسانة الأقوال المربكة للعقل الفقهي، والنتيجة أزمة فهم للسنة النبوية: مكانة، وخصائص، ووظيفة.

كشف الزيف.. والمغالطات والدعاوى العريضة:

الفقيه السيوطي المتوفي مطلع القرن العاشر الهجري، هو فقيه مشهور بجمع أعمال السابقين، وها هو يقدم البرهان الداحض لكل الدعاوى الصادرة عمن يهرفون بما لا يعرفون.

لقد جمع السيوطي، رحمه الله، كل الروايات المتعلقة بتفسير القرآن المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، صحيحها وضعيفها، فبلغت 54 صفحة لا غير، وعليه، هل يعقل أن هذا هو تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن؟ فلماذا الكذب على الدين؟

أبعاد الأزمة:

1- إنكار مطلق، بل وفي غاية الفجاجة أن هناك روايات مخالفة للقرآن.

2- الإنكار الآنف مخالف لما هم عليه الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون وكبار أئمة الحديث والفقهاء... إلخ.

3- تقديم الرواية على القرآن مطلقا، وهذا مخالف للمنهج المتبع عبر التاريخ الفقهي.

4- ادعاء عجيب أنه لا يوجد أيٌّ كان قال بتقديم القرآن على الرواية.

5- كشف الزيف مرة أخرى.. نموذج سريع لتقديم القرآن مطلقا:

هذا كلام الفقيه الشاطبي، رحمه الله، حول أمثلة عرض الحديث على القرآن ومنهج الفقهاء كما لخصها في كتابه الموافقات.

قال الشاطبي:
"فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا؛ فَقَدْ فَرَضُوا: خَبَرُ الْوَاحِدِ إِذَا كَمُلَتْ شُرُوطَ صِحَّتِهِ؛ هَلْ يَجِبُ عَرْضُهُ عَلَى الْكِتَابِ، أَمْ لَا؟

وعليه، فَقَدْ رَدَّتْ عَائِشَةُ حَدِيثَ: "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عليه"، بهذا الأصل نفسه؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}.

وردَّتْ حَدِيث رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبِّهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ غَيْرِهَا غَيْرَ مَرْدُودٍ؛ لِاسْتِنَادِهِ إِلَى أَصْلٍ آخَرَ لَا يُنَاقِضُ الْآيَةَ، وَهُوَ ثُبُوتُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ بِأَدِلَّةٍ قُرْآنِيَّةٍ وَسُنِّيَّةٍ تَبْلُغُ الْقَطْعَ، وَلَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ الرُّؤْيَةِ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وردَّتْ هِيَ وَابْنُ عَبَّاسٍ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ؛ اسْتِنَادًا إِلَى أَصْلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَهُوَ رَفْعُ الْحَرَجِ وَمَا لَا طَاقَةَ بِهِ عَنِ الدِّينِ؛ فلذلك قالا: "فكيف يصنع بالمهراس؟".

وَرَدَّتْ أَيْضًا خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ فِي الشُّؤْمِ، وَقَالَتْ: "إِنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ عَنْ أَقْوَالِ الْجَاهِلِيَّةِ"؛ لِمُعَارَضَتِهِ الْأَصْلَ الْقَطْعِيَّ، أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، وَأَنَّ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، وَلَا طيرة ولا عدوى.

وَفِي الشَّرِيعَةِ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا، وَفِي اعْتِبَارِ السَّلَفِ لَهُ نَقْلٌ كَثِيرٌ. وَلَقَدِ اعْتَمَدَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ لِصِحَّتِهِ فِي الِاعْتِبَارِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا: "جاء الحديث ولا أَدْرِي مَا حَقِيقَتُهُ؟ "، وَكَانَ يُضَعِّفُهُ وَيَقُولُ: "يُؤْكَلُ صيده؛ فكيف نكره لُعَابُهُ؟".

وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا يَرْجِعُ قَوْلُهُ في حديث خيار المجلس؛ حيث قال بَعْدَ ذِكْرِهِ: "وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ، وَلَا أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِيهِ" إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمَجْلِسَ مَجْهُولُ الْمُدَّةِ، وَلَوْ شَرَطَ أَحَدٌ الْخِيَارَ مُدَّةً مَجْهُولَةً لَبَطَلَ إِجْمَاعًا؛ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِالشَّرْعِ حُكْمٌ لَا يَجُوزُ شَرْطًا بِالشَّرْعِ؟ فَقَدْ رَجَعَ إِلَى أَصْلٍ إِجْمَاعِيٍّ. وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ قَاعِدَةَ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ قَطْعِيَّةٌ، وَهَى تُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ الظَّنِّيَّ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَثْبَتَ مَالِكٌ خِيَارَ المجلس في التمليك، قيل: الطلاق يُعَلَّقُ عَلَى الْغَرَرِ، وَيَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ؛ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا أَهْمَلَ اعْتِبَارَ حَدِيثِ: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ؛ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ"، وَقَوْلِهِ: "أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دِينٌ؟ " الْحَدِيثَ؛ لِمُنَافَاتِهِ لِلْأَصْلِ الْقُرْآنِيِّ الْكُلِّيِّ، نَحْوَ قَوْلِهِ: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}، كَمَا اعْتَبَرَتْهُ عَائِشَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. أي رد عائشة.

وَأَنْكَرَ مَالِكٌ حَدِيثَ إِكْفَاءِ الْقُدُورِ الَّتِي طُبِخَتْ مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ قَبْلَ الْقَسَمِ تَعْوِيلًا عَلَى أَصْلِ رَفْعِ الْحَرَجِ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْهُ بالمصالح المرسلة؛ فأجاز أكل الطعام قبل القسم لمن احتاج إليه، قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ.

وَنَهَى عَنْ صِيَامِ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ مَعَ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ فِيهِ؛ تَعْوِيلًا عَلَى أَصْلِ سَدِّ الذَّرَائِعِ.

وَلَمْ يَعْتَبِرْ فِي الرَّضَاعِ خَمْسًا وَلَا عَشْرًا؛ لِلْأَصْلِ الْقُرْآنِيِّ فِي قوله: "وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ"، وَفِي مَذْهَبِهِ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ.

وَهُوَ أَيْضًا رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ فَإِنَّهُ قَدَّمَ خَبَرَ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقِيَاسِ، إِذْ لَا إِجْمَاعَ فِي الْمَسْأَلَةِ.

وَرَدَّ خَبَرَ الْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ الأصول، لأن الأصول قطعية وخبر الواحد ظَنِّيٌّ، وَالْعِتْقُ حِلٌّ فِي هَؤُلَاءِ الْعَبِيدِ، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ بَعْدَ مَا نَزَلَ فِي الْمَحَلِّ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ؛ فَلِذَلِكَ رَدَّهُ. كَذَا قَالُوا.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: "إِذَا جَاءَ خَبَرُ الْوَاحِدِ مُعَارِضًا لِقَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ؛ هَلْ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ، أَمْ لَا؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ، وَتَرَدَّدَ مَالِكٌ فِي الْمَسْأَلَةِ".

قَالَ: "وَمَشْهُورُ قَوْلِهِ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ أَنَّ الْحَدِيثَ إِنْ عَضَّدَتْهُ قَاعِدَةٌ أُخْرَى قَالَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ تَرَكَهُ".

ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ مَالِكٍ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ؛ قَالَ: "لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عَارَضَ أَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ" أَحَدُهُمَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، الثاني: أَنَّ عِلَّةَ الطَّهَارَةِ هِيَ الْحَيَاةُ، وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي الْكَلْبِ.

وَحَدِيثُ الْعَرَايَا إِنْ صَدَمَتْهُ قَاعِدَةُ الربا عضدته قاعدة المعروف".

وَكَذَلِكَ لَمْ يَأْخُذْ أَبُو حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ مَنْعِ بيع الرطب بالتمر لتلك العلة أيضا.

وَقَدْ رَدَّ أَهْلُ الْعِرَاقِ مُقْتَضَى حَدِيثِ المُصَرَّاة وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِمَا رَآهُ مُخَالِفًا لِلْأُصُولِ، فَإِنَّهُ قَدْ خَالَفَ أَصْلَ: "الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ" ، وَلِأَنَّ متلف الشَّيْءِ إِنَّمَا يُغَرَّمُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ، وَأَمَّا غُرْمُ جِنْسٍ آخَرَ مِنَ الطَّعَامِ أَوِ الْعُرُوضِ؛ فَلَا.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيهِ: "إِنَّهُ لَيْسَ بِالْمُوَطَّأِ وَلَا الثَّابِتِ"، وَقَالَ بِهِ فِي الْقَوْلِ الآخر شهادة بأنه لَهُ أَصْلًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ يَصِحُّ رَدُّهُ إِلَيْهِ، بِحَيْثُ لَا يُضَادُّ هَذِهِ الْأُصُولُ الْأُخَرَ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كُلُّهُ؛ ظَهَرَ وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ إِنْ شاء الله"

انتهى كلام الشاطبي رحمه الله.
(الموافقات، ج 2).

وهناك أمثلة كثيرة جدا، سيوفق الله إيرادها في مناسبة قادمة.

أكتفي بهذا القدر ولنا لقاء مع الحلقة الثالثة بعونه سبحانه.

كلمات دالّة

#اليمن