الأحد 05-05-2024 21:38:06 م : 26 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ثورة الـ14 من أكتوبر 1963.. سبتمبرية الأهداف.. وحدوية الكفاح

السبت 15 أكتوبر-تشرين الأول 2022 الساعة 01 مساءً /  الإصلاح نت – خاص/ عبد العزيز العسالي

 

  

لافتة: المحافظات الشمالية.. حاضنة وكفاح

ها هو شعبنا اليمني يستقبل العقد السابع من عمر ثورتي الـ26 من سبتمبر 1962م، وثورة الـ14 من أكتوبر 1963م.

نحن إزاء زخم شعبي كبير متجدد، متطلع، متفائل، لا يلحقه كلل أو فتور.

غير أن هذا الزحم الشعبي تصاحبه "شَكاةٌ" (شكوى)، طالما رددها المهتمون، شكاة يحدوها الرجاء والتطلع والأمل المنعقد تجاه المؤسسات العلمية (الجامعات ومراكز الدراسات والبحوث) أن تقوم بدورها في توثيق مواقف النضال الشعبي الموحّد حاضنة ونضالا، وتقديمها للجيل الجامعي الحاضر والأجيال القادمة، كي تعلم الأجيال مدى تضحيات جيل آبائنا الرواد - النخبة والمجموع، في سبيل إرساء دعائم إنسانية الإنسان اليمني - كرامة وحرية وحقوق، وبناء شخصية الأمة اليمنية وإعلاء كلمة الشعب على تراب وطنه الموحد أرضا وإنسانا.

 

تاريخ الثورتين.. مذكرات شخصية:

تتسع مساحة الألم في فضائنا الفكري والثقافي وذلك عندما يتجه المهتمون بشغف بحثا عن تاريخ الحركة الوطنية، وتاريخ الكفاح المسلح المستبسل في منازلة فلول الاستبداد والاستعمار، فيجدون أن تاريخ ثورتينا لم يتجاوز المذكرات الشخصية، وهذه المذكرات قطعا ليست تاريخا باتفاق.

 

الغراب الأعصم:

القليل القليل من كتب تاريخنا،

مثل كتاب الأستاذ سلطان ناجي "التاريخ العسكري لليمن"، وكتاب الأستاذ سعيد الجناحي "تاريخ الحركة الوطنية"، غير أن ما قدماه من جهد مشكور كان منصبا على حركة النخبة سياسيا وعسكريا فقط، وهذا يعني إغفال الدور الشعبي حاضنة وإسنادا وكفاحا شعبيا موحدا في سبيل تحقيق الأهداف وإرساء قيم النظام الجمهوري إعلاء لكلمة الشعب.

 

الموقف الشعبي بين غياب التوثيق وتآكل الذاكرة:

بعيدا عن إطلاق التهم، يتساءل المفكرون والمهتمون: لماذا غاب توثيق الدور الشعبي في إسناد الثورتين لدى أولئك الذين كتبوا؟

نحن نقدم سؤالنا مقرونا بالاعتذار إلى أولئك الكُتّاب الذين استوعبت أعمالهم تاريخ النخبة - حركة ونضالا، قائلين: إذا كانت الطبعات الأولى قد فاتها توثيق الموقف الشعبي فليس من المعقول أن يظل النقص في الطبعات التالية، كيف لا وهناك إضافات مزيفة غاية التزييف، فكيف يقبل الكُاتب بإضافة الزيف المقرف والزور الصارخ ويهمل دور الشعب؟

 

الدور الغائب:

بربكم أيها المثقفون، هل من المعقول نسيان الدور الريادي المتعدد لأبناء المحافظات الشمالية تجاه ثورة الـ14 من أكتوبر المجيدة؟

ويتسع الألم أكثر، ألم يحز في الفؤاد عندما نجد الذاكرة المجتمعية زاخرة بالكم الكبير من عطاء الدور الشعبي، مع تسليمنا أن الذاكرة الشعبية تتآكل من جهة الحفظ، وتغيب من جهة الوفيات، وهذا التآكل سنة كونية.

 

نافذة على الدور المغيّب:

في هذه السطور سنقدم بعض المواقف والتي كانت من الشهرة بمكان لكن لحقها التآكل حتى كاد يطويها النسيان.

 

أولا، وحدة هدف الثورتين:

1- المبدأ الأول من مبادئ ثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة جاء هدفنا موحّدا بصريح العبارة التالية: التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما.

وهذا يعني وحدة ثورتي اليمن منطلقا ومبادئ وأهدافا وكفاحا.

2- تضمنت ثورة الـ14 من أكتوبر أهدافا فرعية استندت إلى مبادئ وأهداف ثورة الـ26 من سبتمبر.

3- أول قرار أصدره الرئيس السلال تضمن تشكيل أول حكومة جمهورية تضمن تعيين قحطان الشعبي سكرتيرا للسلال أي وزيرا لشؤون الجنوب.

4- الرئيس الإرياني رحمه الله عين الفضول وزيرا للإعلام وشؤون الوحدة.

 

ثانيا، الموقف الشعبي في الشمال اليمني:

1- معسكر صالة - تعز..

أقيم في تعز معسكر انضم إليه أعداد من أبناء الجنوب والشمال على السواء.

 

2- تلقى رواد معسكر صالة أنواعا من التدريب أبرزها:

- العمل العسكري المسلح.

- العمل الفضائي.

‐ الأمن الوقائي.

 

ثالثا، مكاتب قيادات المقاومة الجنوبية:

1- فتحت مدينة تعز صدرها لإقامة مكاتب قيادات المقاومة الجنوبية على سبيل المثال لا الحصر:

- مكتب القائد قحطان الشعبي.

- مكتب نائب القيادة.

- مكتب الأمين العام للجبهة القومية.

- مكتب القائد محمد علي هيثم.

- مكتب قيادة علي ناصر محمد.

- مكتب اتحاد الشباب.

ومكاتب أخرى.

2- انخراط عدد من أبناء تعز في العمل العسكري.

3- دفعتا العمل الفدائي، رغم قلة عدد الدفعتين، فقد انخرط فيهما 6 أشخاص من أبناء تعز.

4- مسيرات قام بها أبناء تعز مطالبين المنظومة الدولية بالنظر إلى الشعب اليمني الثائر ضد الاحتلال البغيض، وهذه النقطة - المسيرات حدثني بها عضو اللجنة المركزية الحزب الاشتراكي اليمني الأستاذ أحمد محمد مسعد المخلافي، الملقب "حمود الحبشي"، ولا زال حيا يرزق.

الجدير ذكره أن الحبشي أنحى باللائمة وبمرارة تجاه تغييب الدور الشعبي لأبناء تعز تجاه ثورة الـ14 من أكتوبر.

5- الدكتور سلطان المعمري - تخصص تاريخ، كلية التربية جامعة تعز، يساري، اشتراكي، يختزن في ذاكرته الكثير الكثير من مواقف أبناء تعز، ولا يكاد يفتأ يتحدث حتى يطلق عبارات اللوم ضد تغييب دور المحافظات الشمالية عموما وتعز خصوصا، ويزداد أسفنا أن الدكتور سلطان وافته المنية قبل عامين تقريبا، وبوفاته فات الكثير من التاريخ الشفهي.

 

رابعا، صفقة سلاح الزعيم ناصر:

1- قدم الزعيم عبد الناصر، رحمه الله، أول صفقة سلاح لثورة 14 أكتوبر عام 1964م، بعد عام من انطلاق الثورة، وذلك عبر محافظة تعز.

2- شارك العديد من أبناء تعز وإب وغيرهم في إيصال السلاح إلى خطوط التماس في المناطق الجنوبية.

 

خامسا، الدعم المالي من تجار تعز.

هذا الدور على أهميته سجله التاريخ الشفهي حسب علمي، علما بأن الإسناد المالي غالبا ما يكتنفه الغموض انطلاقا من العمل السري المنظم.

ولا شك أن هناك من لديهم معلومات حول الدعم المالي، لكنني هنا أسجل الرواية الشفهية التالية:

الحاج فرحان ياسين الدبعي:

1- الحاج فرحان ياسين الدبعي شغل منصب رئيس اتحاد نقابات العمال أيام سالمين، رحمه الله.

2- رحلة سفر إلى عدن كانت سبب تعرفي على الحاج الدبعي في البيوت في خريف عام 2002م.

الحاج فرحان يتمتع بشخصية وقورة، لا تفارقها البسمة، ذقن مخضوب بالحنّاء، وليس له لحية، يلبس كوتا طويلا شبيها بلباس القضاة الأتراك، وحسب قوله إنه قادم من دولة عربية بعد إجراء عملية قلب مفتوح.

3- تجاذبنا الحديث فقال إنه شغل منصب نقيب العمال وكان محط احترام الزعيم سالم ربيع علي وذكر مواقف كثيرة.

4- الشاهد في كلام الحاج الدبعي هو قوله إن الكثير من تجار تعز قدموا الدعم السخي لثورة أكتوبر، بعضهم مقيم في تعز والبعض مقيم في عدن والبعض خارج اليمن - الحبشة وغيرها.

وذكر -على سبيل المثال- التاجر حسين الأسودي، مؤكدا أن هذا التاجر له بصمات كثيرة بدءًا من دعم الطلاب أبناء تعز في عدن خلال عقدي الأربعينيات والخمسينيات، وعند انطلاق الثورة بادر داعما وبالذات لفصيل الفدائيين، مؤكدا في كلامه أنه يعرف عددا من أبناء تعز الفدائيين، بل قال إن هناك فدائيين ما زالوا على قيد الحياة.

 

 الفدائي الشرعبي العُسالي - إسماعيل حاتم أحمد:

هذا الفدائي لا اعرفه شخصيا ولكنني أعرف أباه، وأعرف أناسا من منطقتنا قالوا إنهم اكتشفوه من خلال جلسات الثقة كأبناء قريته.

الحاج قاسم سعيد، خطيب في القرية، ذكر لي قائلا: دخلت اللوكندة في عدن للمقيل وكان يوم خميس فالتقيت بالشاب إسماعيل ومضينا في المقيل قرابة 3 ساعات ثم نهض الشاب إسماعيل، فرأيته مثقل الظهر بجربندية تحت جاكت فيها عدد من القنابل اليدوية، فخرجت متأخرا بعده بخطوات فرأيته مال من الشارع العام متخفيا خلف عمارة مراقبا حركة طاقم يحمل قرابة 8 أشخاص - مرتزقة، وبسرعة البرق قذف القنبلة الأولى والثانية فانفجرت الدماء، هرع المارة للاختفاء من الموت وبوليس الإنجليز لكن إسماعيل في مكانه وبعد دقائق وصل طاقم آخر فقذفه بقنبلة ثم هرب.

وأضاف أنه بعد أسبوع وقع إسماعيل أسيرا، وتلقى تعذيبا إجراميا فكشف بعض زملائه وتم إطلاقه.

الجدير ذكره أن موضوع اكتشاف الفدائيين ذكره بعض المؤرخين قائلين إن أمن الاحتلال استطاع الوصول إلى معرفة القيادة السرية للفدائيين.

 

عبد الفتاح إسماعيل- ابن تعز، يتسلم قيادة الفدائيين:

وهنا تم تغيير مسار العمل الفدائي من ضرب الأطقم في الشوارع إلى ضرب عناصر جهاز مخابرات الاحتلال.

فسادت ضربات موجعة لجهاز المخابرات، وهنا خضع الاحتلال داعيا إلى الحوار.

 

الحاج حمود فرحان حاتم:

من أبناء مديرية التعزية - عزلة قياض، قال: عملت بحارا أنا وأخي عبد الله بين ميناء عدن وموانئ العالم لسنوات عديدة، وانطلقت ثورة أكتوبر وبعد عامين اتسعت رقعة المعركة فاحتاج الثوار للسلاح وذلك عام 1965م، التزم الزعيم ناصر رحمه الله بصفقة سلاح على حسابه، وبعد بحث عن الثقة الأمنية استقر الاختيار عليّ أنا وأخي، فانطلقنا إلى كندا وحملنا الصفقة، ثم سرد مناطق الاختباء والتخفي في البحر وظلوا طيلة 65 ليلة حتى وصلت الصفقة بأمان إلى مكان بعيد عن عيون الاحتلال واستلمتها القيادة وأبرقوا للزعيم ناصر فصفق فرحا ووعد البحارَين ببغشيش فرفضنا قطعا، نحن مع الوطن، فأعطانا ناصر شهادتي تقدير.. كان هذا السرد عام 2012م.

وللأسف لم أنتبه لتسجيله رغم أن الهاتف بيدي، وقبل عامين دخلت في نقاش مع عبد الهادي العزعزي حول فقر الانتماء الوطني فجاء ذكر البحار فلفت انتباهي مترجيا أن أقوم بتسجيل صوت البحار، فتحركت باحثا فقيل لي وافته المنية رحمة الله عليه.

وليس أخيرا، هنالك نقاط كثيرة حول مواقف أبناء تعز، المنقولة شفاها، ولكنني فضلت عدم إيرادها لاعتبارين، أحدهما تآكل الذاكرة لدى الناقل، والاعتبار الثاني الخلط في بين مواقف نضالية تحتاج تثبتا فاحصا، وإذا صحت سيتم إيرادها بعون الله في مناسبات وطنية قادمة.