الأحد 05-05-2024 21:24:13 م : 26 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تنكيل الحوثيين بالسجناء.. إرهاب يشكله الاستعداد الإجرامي وجينات الإجرام الوراثية

الأحد 28 أغسطس-آب 2022 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص | عبد السلام الحاتمي

 


تتناقل وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية معلومات وشهادات صادمة بخصوص الجرائم التي ترتكبها مليشيا الحوثيين الإرهابية في سجونها بحق الأبرياء الذين تختطفهم من دون تهم، فقط لمجرد التشكيك بأنهم من الرافضين لها، أو بناء على وشايات وتقارير مخبرين تقف وراءها دوافع شخصية، وتلك الجرائم لو تم توثيق البعض منها بفيديوهات ونشرها، فإنها كفيلة بإحداث ثورة شعبية عارمة ضد المليشيا، وكفيلة باستثارة الرأي العام العالمي، كوننا في زمن أصبحت فيه الصورة هي من تشكل توجهات الرأي العام وليس الكلمة المسموعة أو المقروءة غير القادرة على تصوير مشاعر وأحاسيس من يقضون أجمل سنوات عمرهم تحت سطوة جلادين منحرفين سلوكيا وتجردوا من الرحمة ومن كل القيم الإنسانية.

تبدو كلمة "إرهاب" قليلة في وصف سلوك الحوثيين، كونهم أسوأ من الوحوش، مع أن الوحوش لا تعتدي على بني جنسها أو تؤذيهم بأساليب دموية، لكن الحوثيين لم يتركوا جريمة أو وسيلة تعذيب إلا واستخدموها في حق السجناء، دون تفريق بين أطفال ونساء وشيوخ، بل فقد تفننوا في اختراع جرائم وانتهاكات ووسائل تعذيب وتنكيل تجعل الضحية يتمنى الموت أو ينتحر ليتخلص من ذلك العذاب.

فكيف كان هؤلاء المجرمون موجودين بيننا ولا نشعر بهم قبل الحرب التي أشعلوها؟ وكيف تمكنوا من إحياء جرائم أجدادهم السلاليين بشكل أبشع مما كان يحصل في عهودهم الغابرة؟ وهل جينات الإجرام التي ورثوها من أجدادهم غير قابلة للتهذيب وتظل نزعة الإجرام كامنة حتى تحين لحظة الاستجابة لها وتفريغها؟

- أسباب ودوافع الإجرام الحوثي

هناك عوامل كثيرة بمنزلة دوافع للمليشيا الحوثية لارتكاب جرائم منظمة بحق اليمنيين، وهي جرائم لا تقتصر فقط على سفك الدماء وقتل الأبرياء والتعذيب في السجون حتى الموت أحيانا، وإنما تشمل كل السلوكيات المنحرفة والشاذة، مثل الاغتصاب والنهب والسرقة وتفجير المنازل والمساجد ومدارس تحفيظ القرآن الكريم والغش والخديعة وقلع الأظافر وفقء الأعين والحرق بأعقاب السجائر والأسياخ الحديدية والإيهام بالغرق والإعدام الوهمي، وكل أصناف التعذيب خلف القضبان حتى الموت أو الإصابة بأمراض مستدامة، واختطاف النساء وتعذيبهن واغتصابهن ومحاولة تجنيدهن في أعمال خادشة للحياء، والمحاكمات الهزلية والإعدامات الميدانية للأبرياء، وغير ذلك من الجرائم التي تتفنن المليشيا الحوثية في ابتكارها وتعذيب السجناء والمختطفين في سجونها السرية.

واللافت للنظر هو ما يمكن وصفه بالتوافق السلوكي الإجرامي في أوساط مليشيات الحوثيين، إذ تبدو المليشيا من الناحية الإجرامية والانحرافات السلوكية وكأنها على قلب رجل واحد، ولم يظهر جناح أو تيار في أوساطها ينتقدها أو يعمل على ترشيد سلوكها ويحاول جرها بعيدا عن العنف والإرهاب ومحاولة تحسين صورتها البشعة لدى المواطنين ولدى المجتمع الدولي ولو نسبيا.

هذا التوافق السلوكي الإجرامي للحوثيين يعود إلى المنابع الرئيسية التي تغذي ذلك السلوك وتعمل على استدامته، وتحولت المليشيا إلى مظلة للمجرمين الذين يرون أن الانضمام إليها وممارسة الإجرام تحت مظلتها يمنحهم شرعية ممارسة السلوك الإجرامي والأمن من العقاب.

وفيما يلي أهم أسباب ودوافع المليشيا الحوثية لارتكاب مختلف الجرائم بحق اليمنيين:

• دوافع سياسية لإرهاب المجتمع: للسياسة دور كبير في تشكيل النهج الإجرامي للمليشيا الحوثية التي امتهنت العنف والإرهاب كوسيلة لترسيخ حكمها الاستبدادي وتصدير الذعر والخوف للمجتمع حتى لا ينقلب عليها أو يطالبها بتحقيق أبسط المطالب باعتبارها سلطات أمر واقع، أي أن المليشيا ترى في ممارسة العنف والإرهاب وقتل الأبرياء والإعدامات الميدانية أهم وسائل إرهاب المجتمع وجعله خائفا ذليلا حتى لا يثور ضدها، وكلما شعرت المليشيا بتململ اجتماعي من حكمها الاستبدادي بادرت إلى استعراض العنف والإرهاب لإخضاع المجتمع لسيطرتها.

هذا السلوك الإجرامي للمليشيا الحوثية متوارث من أسلافها الأئمة السلاليين الذين اتسم حكمهم بميزات إجرامية متشابهة، وجاءت مليشيا الحوثيين كامتداد لذلك الحكم، وتمارس نفس سلوكياته الإجرامية وبشكل أكثر بشاعة وقبحا.

• العقيدة الباطلة: تستند تنشئة الحوثيين وأجدادهم الأئمة السلاليين إلى فتاوى فقهية وقناعات عقائدية تجعل مسألة الإجرام في حق الآخرين، خصوصا سفك الدماء ونهب الأموال، وكأنها من صميم الدين وفقا لمذهبهم المنافي للدين الإسلامي، ومن أشهر تلك الفتاوى، الفتوى التي أطلقها الإمام إسماعيل بن القاسم، والتي عنونها بـ"إرشاد السامع في جواز أخذ أموال الشوافع"، وقد جسدت تلك الفتوى أبشع السلوكيات السلالية العنصرية التي تسعى لنهب أموال الآخرين واستعبادهم وتجريدهم من حقوقهم، فالنزعة السلالية العنصرية منحت نفسها فتاوى لتبرر بها سلوكياتها الإجرامية، وتشجع بنفس الوقت كل أتباعها على انتهاج ذلك السلوك، وما يترتب عليه من سلوكيات إجرامية أخرى، مثل اعتبار من يقاوم الحكم السلالي دفاعا عن حقوقه وأمواله متمردا يجب قتله أو سجنه وتعذيبه.

• التنشئة الاجتماعية: معظم عناصر مليشيا الحوثيين نشؤوا في بيئة سلالية تشجع على النهب والسلب والقتل واسترخاص دماء الآخرين ممن لا ينتمون للسلالة ولا لمذهبها العقائدي الذي يشجع على الانحراف السلوكي، وبالتالي فقد تحولت المليشيا إلى مظلة للمجرمين من خارج سلالتها العنصرية باعتبار الانضمام إليها والعمل معها يمنح المجرمين من خارج سلالتها شرعية النهب والسرقة والقتل وغير ذلك من الممارسات الإجرامية.

وفيما يتعلق بدور التنشئة الاجتماعية في إيجاد بيئة تشجع على الإجرام، يقول الدكتور محمد رمضان، في كتابه "مبادئ علم الإجرام"، إن الأسرة هي من أقوى العوامل البيئية تأثيرا في تكوين شخصية الإنسان وتوجيه سلوكه، ويعود ذلك إلى أن الأسرة تعتبر أول مجتمع يصادف الإنسان ويمارس فيه تجارب حياته الأولى، فالأسرة هي أول مجتمع تنفتح فيه عيناه، وتكون شخصيته في مراحل حياته الأولى قابلة للصقل والتشكيل، فيعرف معنى الصواب والخطأ، ويستمد منها خبراته وعاداته وتقاليده، ولذلك فإن للأسرة دورا كبيرا في التزام الفرد بالسير وفق القانون أو مخالفته، ويتوقف ذلك على كون الأسرة سوية أو غير سوية.

ووفق الدكتور محمد رمضان، فإن الأسرة السوية هي التي تجتمع لها مقومات معينة أبرزها اجتماع الوالدين معا على رأسها واستقامتهما والتزامهما بأصول التربية السليمة، وأن تكون معتدلة الحجم ولها دخل اقتصادي يكفي احتياجاتها، فإذا كانت الأسرة سوية متماسكة تسودها علاقات الود والعطف والحنان ويتمتع أفرادها بصحة عضوية ونفسية جيدة، ويتحقق لها الدخل الكافي لعيشها حياة كريمة، فإن ذلك على الأرجح يدفع الأبناء إلى اتخاذ المسلك القويم، وأما إذا كانت الأسرة مفككة متصدعة يسودها الخلاف والشجار أو كان أحد مؤسسيها يعاني من آثار مرض عضوي أو نفسي أو عقلي عضال، أو أن دخلها الاقتصادي غير كاف لسد احتياجاتها الضرورية، كان الغالب أن هذا الاختلال في كيان الأسرة يؤثر على الأبناء وقد يدفع بهم إلى الانحراف وسلوك طريق الجريمة، وهو ما ينطبق على عناصر مليشيا الحوثيين سواء كانوا من سلالتها العنصرية أو من خارج سلالتها.

• الخلل في التربية ونقص العقل: تفسر جميع النظريات ودراسات الباحثين في علم الإجرام تفشي الظاهرة الإجرامية، من قتل وسرقة واغتصاب وخطف وتعذيب وغير ذلك، بأنها تخضع للعديد من العوامل النفسية والعقلية والبيئية والعضوية والاجتماعية والأسرية وغيرها، بداية من سوء الصياغة الأخلاقية والخلل في التربية، مرورا بالخلل في النفس والنقص في العقل، وهو ما ينطبق تماما على سلوك عناصر مليشيا الحوثيين، لأن الشخص السوي لا يمكن أن يرتكب جرائم يندي لها الجبين داخل أقبية السجون بحق أبرياء وهو يدرك براءتهم تماما.

• الأمية: معظم عناصر مليشيا الحوثيين هم من الأميين، وحتى من يستطيعون القراءة والكتابة منهم لكنهم يعانون من الأمية المعرفية، وتفيد بعض دراسات علم الإجرام بأن الأميين أكثر الناس ارتكابا للجريمة، لأن التعليم له أثر على الظاهرة الإجرامية من حيث أثره المانع للإجرام، ذلك أن التعليم يوسع مدارك الإنسان ويجعله أكثر قدرة على اختيار سلوكه، وتقديرا لعواقب تصرفاته، وميلا إلى الأساليب المشروعة في تحقيق أهدافه، واكتساب الخبرة التي تعينه على مواجهة مشاكل الحياة ووضع ما يناسبها من حلول، وهذه القدرة يفتقدها الشخص الأمي، ولذلك تحرص مليشيا الحوثيين على تدمير التعليم خوفا من أن يهذب التعليم سلوك الناشئة، كونها تريد تنشئة جيل جاهل وأمي لديه الاستعداد للنزوع نحو الإجرام والعمل تحت إمرة المليشيا وتفخيخ المجتمع اليمني والإقليم بجيل جديد من الإرهابيين الجهلة الذين لا يقدرون عواقب سلوكهم الإجرامي.

- المليشيا الحوثية ونظرية الاستعداد الإجرامي

عندما يسمع كثير من المواطنين عن جرائم مليشيا الحوثيين ويرون آثارها أمامهم، مثل الحالة المتعبة التي يبدو عليها الخارجون من سجون المليشيا، فإنهم يتساءلون: كيف كان هؤلاء المجرمون يعيشون بيننا ويتعايشون معنا دون أن نلاحظ نزوعهم الإجرامي كما يتضح بكل بشاعة منذ بداية الحرب؟

الجواب: لم يظهر إجرام مليشيا الحوثيين إلا عندما برزت عوامل كاشفة لذلك الإجرام، وهو ما تفسره نظرية "الاستعداد الإجرامي"، وفحوى تلك النظرية أنه عندما تجتمع عوامل عدة تهيئ لارتكاب الجريمة أو العنف، فلا يرتكب جميع الناس الجريمة، ولكن ترتكبها فئة محدودة من الناس، وهي الفئة التي لديها الاستعداد لذلك، ومن المؤكد أن مليشيا الحوثيين، التي نشأت على العنف والقتل وسفك الدماء، كان لديها الاستعداد الإجرامي لتكشف عن حقيقتها البشعة.

وترى نظرية "الاستعداد الإجرامي"، التي وضعها الباحث في علم الإجرام "دي توليو"، أن الظروف الخارجية تكون بالنسبة للأشخاص الذين لديهم نزعة إجرامية بمنزلة عوامل كاشفة لنزعتهم الإجرامية التي ترتبط لديهم بتكوين خاص جسمي ونفسي يميزهم عن غيرهم من الأشخاص العاديين.

وكان صاحب النظرية، دي توليو، قد عمل أستاذا لعلم طبائع المجرم بجامعة روما، واستعان في دراساته بعلم الطب التكويني وعلم النماذج الإنسانية، وانطلق في دراساته من نظريات التكوين العضوي السابقة التي تميز المجرمين عن غيرهم من الأشخاص الأسوياء، وتوصل إلى نظرية مؤداها أن سبب اتجاه الفرد إلى الإجرام يكمن في تكوين شخصية المجرم، وقد عبر عن هذه النظرية في كتاب نشره عام 1929 بعنوان "التكوين الإجرامي"، وعرض فكرته قائلا إن الاستعداد الموجود في تكوين بعض الأشخاص يمكن اعتباره جوهريا في اتجاههم إلى السلوك الإجرامي.

ووفق تلك النظرية، فإنه كما للإنسان تكوين نفسي وتكوين عقلي وتكوين عصبي بل وتكوين يجعله قابلا للإصابة بأمراض معينة كالسل والتهابات المسالك البولية وغيرها، فإنه له أيضا تكوينا إجراميا، وهذا التكوين الإجرامي هو نفسه الشخصية الإجرامية، ومن يرتكب الجريمة إنما يرتكبها بسبب التكوين الخاص لشخصيته، فهذه الشخصية لها صفات عضوية ونفسية خاصة قد تكون وراثية أو مكتسبة تميز صاحبها عن غيره من الناس الأسوياء وتدفعه للسلوك الإجرامي، وهو ما يتطلب دراسة هذه الشخصية بجميع جوانبها العضوية والنفسية وتاريخ حياتها والعوامل الاجتماعية المحيطة بها للوقوف على ذلك.

ويرى دي توليو أن الجريمة حصيلة تفاعل بين هذا التكوين أو الاستعداد الإجرامي الداخلي وبين مؤثرات بيئية اجتماعية، حيث تثور الدوافع الغريزية الفردية وتتغلب النزعات الأنانية الشريرة بالنظر لعدم قدرة القوة الرادعة المستمدة من البيئة والقيم الاجتماعية للسيطرة عليها، وهو بذلك يرى أن التكوين الإجرامي لا يوجد لدى جميع الأشخاص، بدليل أن العوامل الاجتماعية التي تثير النزعة إلى الإجرام لا تُحدِث نفس الأثر بالنسبة لجميع الأفراد الذين يخضعون لتأثيرها، وإنما يخضع لتأثيرها بعض الأفراد دون البعض الآخر، إذ إنها لا تُحدِث نفس الأثر بالنسبة للأشخاص العاديين.

وبما أن نظرية "الاستعداد الإجرامي" تطرقت إلى العوامل الوراثية في النزعة الإجرامية، وبما أن مليشيا الحوثيين تعد سلالة عنصرية مغلقة لدوافع جينية، فإن ذلك يثير الرغبة في معرفة دور العوامل الوراثية في انتقال جينات الإجرام من الآباء إلى الأبناء والأحفاد، ولذا سنفرد لدور جينات الإجرام مادة منفردة، خصوصا بعد ظهور دراسات مكثفة في هذا الجانب، وظهور جدل قانوني بشأنها، وسط دعوات لتعديل جينات المجرمين من خلال الجراحة ليصبحوا بشرا أسوياء ولا يشكلون خطرا على مجتمعاتهم.

كلمات دالّة

#اليمن