الإثنين 06-05-2024 09:23:08 ص : 27 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

بناء الإرادة.. مقوماتها، وظيفتها، مهدداتها، معوقاتها (دراسة مقاصدية) (1-3)

الأحد 13 ديسمبر-كانون الأول 2020 الساعة 10 مساءً / الاصلاح نت-خاص-عبد العزيز العسالي

 

 

مقومات بناء الإرادة:

تقارير:

- الإرادة والتغيير مفهومان مركزيان في القرآن الكريم.

 - الإرادة والتغيير وردا في القرآن الكريم متداخلين متلازمين.. بصورة لافتة للنظر.. ولهذا التلازم دلالات مقاصدية وتربوية على مستوى الفرد والمجتمع..

- يمكننا القول إن الإرادة أشبه بالمقدّمة.. والتغيير نتيجة.. وإن شئت فقل: الإرادة شرط محوري في إحداث التغيير.. فلا قيمة للإرادة إذا لم تحدث تغييرا.. ولا تغيير ما لم تكن هنالك إرادة..

التلازم بين الإرادة والتغيير.. ورد ذكرهما في القرآن الكريم بصيغة خبرية سهلة الفهم يدركها الفرد من عامة الناس.. غير أن دلالاتها عمقية وذات أبعاد مختلفة، حيث تضمنت دلالتها كل السنن الحاكمة للاجتماع سلبا وإيجابا.

 ففي الجانب السلبي قال تعالى: "ذلك بأن الله لم يك مغيّرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم" (الأنفال: 53).

وفي الجانب الإيجابي قال تعالى: "إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم" (الرعد: 11)

بجملة قصيرة: التغيير مرهون بوجود إرادة مسبقة وهي تغيير ما في النفس- فطمها من اتباع الهوى وهذا ما نسعى لإيضاحه.

النصوص التي تضمنت بناء الإرادة في القرآن:

1- قصة لقمان.

2- قصة موسى.

3- سورة الإسراء.

إلى جانب آيات أخرى.

 

 سنسلط الضوء حول:

- كيفية بناء الإرادة -مكوّنات- أو مقوّمات الإرادة. 

- الوظيفة - أو الهدف من الإرادة.

- معوقات الإرادة.

- مهددات الإرادة.

- أمثلة حيوية حول فن بناء الإرادة والتطبيق العملي..

- ثمار الإرادة والتغيير.

 

المحور الأول: كيفية بناء الإرادة:

بين يدي المحور:

تربويون بارزون متخصصون في علم النفس التربوي، وعلم نفس النمو وعلم النفس الاجتماعي يقررون:

 - أن أقوى الطرق في بناء الإرادة لدى الطفل يجب أن تبدأ من مطلع السنة الثالثة وحتى نهاية السنة السادسة.

- أن أقوى وسائل بناء إرادة الطفل تتمثل في التقدير الذاتي.

- أن فوات السنوات الثلاث دون بناء للإرادة يعني أنه من الصعوبة بناء إرادة الطفل.

 

للقرآن قراراته الحاسمة:

القرآن قرر بحسم أن بناء الإرادة يمكن يكون في الطفولة ويمكن يكون في سن أكبر بشرط واحد نص عليه القرآن بوضوح.. وهو تعليم الطفل أو المجتمع الحكمة من التشريع- أي مصلحة النص دينا.. أو دنيا..

قرر القرآن في عشرات النصوص وجوب معرفة السنن الحاكمة للكون والاجتماع..

- حدد القرآن أن أعظم وأقوى مقوّمات بناء الإرادة هو العلم ثم العلم ثم العلم.

المحور الأول: كيفية بناء الإرادة:

"وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم".

 

تضمن هذا النص:

1- التقدير الذاتي من خلال النداء المتلطف "يا بني".. إنه نداء يسكب في وجدان الطفل تقديرا ذاتيا.. من خلال الخطاب الذي يحمل مشاعر الأبوة الناظرة إلى الولد بأنه كبير.. وفاهم لما يسمع.. أو ليس اليابانيون ينادون طفل الصف الرابع أساسي: يا أستاذ؟ فهل أخذوها من قصة لقمان؟

2- أدلة التقدير الذاتي في خطاب لقمان: "إن الشرك لظلم عظيم".. هذا التقرير الإخباري من لقمان وهو يخاطب الطفل يعطينا مفاهيم تربوية سامية أبرزها:

- أن الطفل يفهم ما يسمع بدرجة أو بأخرى - سيما إذا كان الخطاب يتصل بالمُثُل العليا كما في قصة لقمان.

- إن إشعار الطفل وإخباره بالقيم والمثل العليا هو عين التقدير الذاتي.

- أن مخاطبة الطفل بالمثل العليا يغرس في وجدان الطفل عظمة القيم العليا.. والعيش للمبادئ.. والابتعاد عن الشخصنة.

هذه المدخلات التربوية هي الأسس والمقوَمات الأولى في بناء الإرادة.

 

3- إن الشرك لظلم عظيم:

هذا التعليل الصادر من الحكيم لقمان يقرر -ضرورةً- أن يتضمن الخطاب للطفل ذكر علة الأمر أو النهي- حكمة النص أو مصلحته.

4- لقمان لم يتعلل بعدم قدرة الطفل على فهم الظلم أنه من السنن الكونية المؤذنة بخراب العمران.. وإنما ذكر حكمة النهي وعلته.

5- لقمان يفصّل بصورة أدق أن الظلم مهما كان صغيرا حد الذّرّة مختبئة في صخرة أو في السماء أو في الأرض يأت بها الله.

6- إقامة الصلاة- دوام الصلة بالله لتغذية الروح كي يلتزم المصلي سلوكيا ويكبح جماح الأهواء ونزوات النفس.

 

7- إصلاح المحيط:

وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر.. وهذا يعني:

- التعاطي مع السنن الحاكمة للاجتماع.

- الخلاص الفردي يتناقض مع السنن الحاكمة التي أمرنا الله بالتعاطي معها.. وبالتالي يجب السعي للخلاص الجماعي من خلال إصلاح المحيط..

- التوجيه للطفل بإصلاح المحيط يعني غرس الإحساس بالمسؤولية.

- ترسيخ هذا الإحساس يعني بناء الإرادة ذهنيا وسلوكيا أي توظيف الإرادة في تحقيق أهدافها في آن.

 

8- "واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور".

- الصبر أحد مقوّمات الإرادة.. هكذا يعللها لقمان.. إن الصبر على مقاومة الخطأ من عزائم الأمور.

9 - فطم النفس عن اتباع هواها.. لأن هذا يعمي العقل تماما عن منطق السنن وفهم المآلات والنتائج.

- لا تصعر خدك هذا خلق يمقته الله..

- تعليل بحكمة النص.. إن الله لا يحب كل مختال فخور.. فعش للمبادئ والقيم الإنسانية فهذه سنن السلام والسلم المجتمعي..

- ترك مشية الزهو..

والغض من الصوت..

هذا ليس من أخلاق ذوي الإرادة.. وإنما العكس.. حيث لا يتكبر ولا يتفاصح إلا فاقد التقدير الذاتي دينيا وأسريا.. كما أن مشية الزهو والتفاصح المتقعر يسقط بالعاقل المكرم إلى درك الحمارية.

 

10- العلم هو المكوّن الوحيد في بناء الإرادة:

اتضحت لنا مكانة العلم والمعرفة من خلال جميع المفاهيم الآنفة وضرورة تعليم الحكمة من خلال ربط أوامر الشريعة ونواهيها بأهدافها.

- ضرورة تعليم حكمة التشريع، والقيم والخلق والسنن الكونية.. وأنها كلها في خدمة الإنسان في دنياه.. كما أنه مثاب عليها يوم يلقى الله.

11- تجلى النهي عن اتباع الهوى في سورة الإسراء بصورة أكثر وضوحا في الآية 22: "لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا".

والآية 39: "ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا".

- هاتان الآيتان هما إطار لـ17 قيمة كونية وسنن حاكمة للاجتماع.. وكل قيمة اقترنت بعلة هدفها وغايتها الدنيوية، الأمر الذي يدلل أن المكوّن الوحيد للإرادة هو العلم لا غير.

- هذا المقطع في سورة الإسراء سياقه يشير أن الخطاب فيه يستهدف بناء إرادة المجتمع وتغيير ما في نفوسهم "حتى يغيروا ما بأنفسهم".

- يلاحظ فارق لغوي بين خطاب لقمان "لا تشرك بالله"... إلخ.. جاء معللا بالظلم.. والهدف غرس مبادئ وقيم في كلام موجز.. بخلاف الآيتين 22 و39 فقد جاء التعليل: مذموما مخذولا.. ملوما مدحورا.. فهو خطاب يستهدف بناء إرادة المجتمع.. وتضمنت بقية آيات المقطع عددا كبيرا من القيم والسنن والتي انتهت بمصطلح جامع هو الحكمة هكذا اختاره الله مصطلحا لتلك القيم.

- علّمنا الله أيضا أن مدخلات بناء الإرادة لكبار السن والأطفال هي مدخلات واحدة خلاصتها: تعليم حكمة التشريع والقيم والكونية وسنن الله في الكون والنفس والحياة.. وإن هذه هي مقومات بناء الإرادة.

نلتقي بعون الله مع وظيفة الإرادة.

كلمات دالّة

#الإرادة #التغيير