الأحد 05-05-2024 17:06:35 م : 26 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

مظاهرات الجنوب تكسر احتكار التمثيل وتغير المعادلة السياسية

السبت 22 أغسطس-آب 2020 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت – خاص / ماهر أبو المجد

 

لم تخب الظنون مطلقاً بالشارع الجنوبي، الذي ظهر في أغلبيته مسانداً للدولة والشرعية ورفضاً للمليشيات والإقصاءات والفوضى التي مورست باسمه طيلة ثلاث سنوات، شهدت معه المحافظات الجنوبية الكثير من المشاكل والتمزيق الاجتماعي والاستهداف والفوضى وعدم الاستقرار.
حيث خرجت محافظات سقطرى وأبين وشبوة في مظاهرات حاشدة تجوب شوارع عواصم المحافظات مطالبة برفض الفوضى وعودة مؤسسات الدولة وتأييداً للشرعية ولحمة الوطن الواحد في مواجهة التحديات القائمة وأبرزها الانقلاب الحوثي وما يمثله من تهديد وجودي لكافة المحافظات اليمنية.
طيلة سنوات ماضية ظهر المجلس الانتقالي بمظهر اللاعب الأوحد في الشارع الجنوبي، أو هكذا يقول، بينما لم يتح الفرصة لبقية المكونات أو للشارع الجنوبي أن يقول كلمته، فخرج الشارع الجنوبي في سيول هادرة تعبر عن إرادتها في دعم الشرعية والدولة ومؤسساتها ورفضاً لاحتكار تمثيل الجنوبيين ومصادرة إرادته.


بالروح بالدم نفديك يايمن..شعار لطالما غاب عن الشارع الجنوبي طيلة خمس سنوات، لم يرَ خلالها المواطن في المحافظات الجنوبية سوى رفع أعلام الانتقالي واعتقال كل من يرفع العلم الاتحادي.
أنتج الواقع المفروض بالبندقية والقمع في بعض المحافظات الجنوبية صوتاً واحداً ومليشيا واحدة تقف في وجه الدولة وتعيق تحركاتها وتردي خدماتها وصولاً إلى الضغط لاحتكار تمثيل الجنوب وفرض أجندة خاصة على الدولة وخاصة تقاسم الحكومة كخطوة أولى نحو التشطير مجدداً، كما يصرح بذلك المجلس الانتقالي، واتخذ خطوة الإدارة الذاتية للجنوب نحو فرض هذا المشروع قبل أن يتفق الجميع في اتفاق الرياض.


فاجأ الشارع الجنوبي بالمسيرات الحاشدة في سقطرى وشبوة وأبين والمهرة، بينما الاستعدادات جارية على قدم وساق في الخروج بمسيرات في حضرموت وعدن ولحج، الأمر الذي أدركه الانتقالي فاندفع بمليشياته العسكرية مرة أخرى في محافظة أبين لتفجير الوضع عسكرياً مجدداً رغم التقدم الإيجابي في اتفاق الرياض.


لم يكن هذا التغير مفاجئاً في الشارع الجنوبي، لكنه كان مقموعاً وغير مسموح له التعبير عن رأيه بحرية وأمان بعيداً عن القمع المسلح كما حدث في عدن قبل شهر حين قمع مسلحون يتبعون الانتقالي مظاهرة في كريتر تحتج على تردي الخدمات فقتلت شاباً وأصابت آخرين.
إعادة زخم الشارع الجنوبي المؤيد للشرعية هو تواق للدولة ومؤسساتها لبسط سيطرتها وتسيير الحياة اليومية للناس خاصة بعد تدهور العملة التي أثرت على القدرة الشرائية للمواطن الجنوبي.

 

رسائل المظاهرات
بات من المؤكد أن واقع ما بعد المظاهرات لن يكون كما كان قبلها، والمزيد قادم في الطريق. جاءت التظاهرات في وقت شديد الحساسية داخلياً وخارجياً وكأنها بعثت الروح في الجسد اليمني من جديد، فحظيت بزخم كبير محلياً وإقليمياً ودولياً، وتفاعلاً كبيراً بين كافة اليمنيين.
خطوة الشارع الجنوبي عدها محللون سياسيون متأخرة جاءت بعد نجاح الانتقالي بفرض أجندته على الواقع وعلى الشارع وعلى الصعيد السياسي الذي حققه في اتفاق الرياض وتسمية الحصص الوزارية المعلومة له وتعيين محافظ لمحافظة عدن من هذا المجلس بحسب الاتفاق، وبالتالي فإن عودة القيادة عن اتفاقها بعد خروج الشارع المؤيد سيعد تراجعاً عن الاتفاق بينما لن يستطيع الائتلاف الجنوبي الداعم لهذه المسيرات حصد المكاسب السياسية لها بتعديل حصة الانتقالي في الاتفاق والحصص في الحكومة.


بينما يرى محللون آخرون أن هذا الزخم يمكنه فقط تسريع الاتفاق بما يكبح تطلع الانتقالي إلى كسب المزيد من الخطوات السياسية خاصة تلك التي تعد مقدمة لإعلان فك الارتباط الذي يسعى إليه الانتقالي بخطوات تدريجية.
أما المكاسب الخارجية لهذه المسيرات الحاشدة فهي عدة رسائل منها الموجهة إلى الداعمين للانتقالي أن الشارع الجنوبي لا يتحكم به طرف واحد فهناك لاعبون كثر فيه وبالتالي عدم التعويل على طرف واحد من بين أطراف لاعبة كثيرة.


وأما الرسالة الثانية للخارج من هذه المظاهرات هي أن الشارع الجنوبي مؤيد للوحدة الوطنية في ظل مشروع اتحادي لا يمكنه أن يخضع للصوت الواحد وعلى الجميع التوجه لمواجهة الانقلابيين الحوثيين أولاً وبناء يمن اتحادي مستقر وآمن وأن كل الأجندة الماضية في زعزعة أمنه واستقراره إلى زوال؛ حيث عرف الناس حكم وتسلط الصوت الواحد منذ ثورة الرابع عشر من أكتوبر لم يستقر الجنوب معه لحظة واحدة ويتم اليوم إعادة ذلك التسلط من خلال المليشيات الجديدة التي اغتالت الناشطين والسياسيين والعلماء والمصلحين في البلاد وشردت الكثير من المواطنين في المحافظات الأخرى أو الخارج.


لم تخل رسائل المظاهرات من التحذير في مسير التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي بات يسير عليه الانتقالي وهو ما يعني السير ضد قناعة كل اليمنيين التي ترسخت منذ ولادة هذا الكيان بعدم التطبيع معه أو الاعتراف به، فأحرقت مسيرة شبوة العلم الإسرائيلي وداسه المتظاهرون بأقدامهم.
قبل خروج مظاهرات شبوة وأبين كان الانتقالي يعتزم إسقاط محافظة حضرموت عبر إخراجه مسيرة مؤيدة له تتزامن مع خطوات تصعيدية مسلحة خاصة لفرض ما يسميه الإدارة الذاتية، وقد كشف عن تأسيس جناحه المسلح فيها، والذي لقي رفضاً من قبل السلطة المحلية ممثلة بالمحافظ البحسني الذي أعلن موقفاً رافضاً لذلك، وكذلك من قبل المنطقة العسكرية الأولى هناك أنهما لن يسمحا بتأسيس جماعات مسلحة خارج إطار القوات المسلحة ومؤسسة الجيش، الأمر الذي جعل أبو ظبي تستدعي المحافظ البحسني إليها دون أن يتم التعرف على نتائج ذلك الاستدعاء.
وعقب تلك المظاهرات التي خرجت في شبوة تحديداً لم يتمالك الانتقالي هدوءه وأعصابه فقام بالتصعيد العسكري على الفور في أبين ودارت معارك هي الأعنف على الإطلاق شهدتها مناطق الطرية، الشيخ سالم، وادي حسان، قرن الكلاسي، بمحافظة أبين، وأعلنت قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي، أن عناصرها تحولت من وضعية الدفاع الصلب إلى الهجوم الأشد فتكا، بحسب تعبيرها، وذلك غداة الدفع بتعزيزات ضاربة إلى جبهة الشيخ سالم، شرق مدينة زنجبار، عاصمة أبين.

 

ورقة قوية للرئيس هادي
تعتبر هذه المظاهرات، وغيرها من المظاهرات المؤيدة للشرعية من أهم الأوراق التي يمكن أن تستخدمها الشرعية والرئيس هادي في إخضاع تعنت الانتقالي في الجنوب لو حسن استخدامها، فلطالما كانت ورقة الانتقالي التي يلوح بها في كل مرة وادعى قبل ذلك بأقل من حجم هذه المظاهرات أن الشارع الجنوبي فوضه لتبدأ رحلة القمع بحق الأصوات المعارضة للانتقالي.


ففي كل منعطف من منعطفات البلاد يستنهض الشعب اليمني شمالاً وجنوباً همته وصلابته في مؤازرة الدولة والدفاع عن مكتسبات الوطن، لكن وبالرغم من هذه المظاهرات الحاشدة لا يبدي الكثير من المواطنين حماسهم تجاهها لأنهم يدركون أنه لا يتم الاستفادة منها بشكل جيد، ويقارنونها بمظاهرات الاصطفاف الوطني قبيل الانقلاب الحوثي في 2014 والتي كانت تخرج بالملايين في صنعاء وتعز ولكن تم خذلانها في حينه.


اللافت في الأمر أن سقطرى خرجت بشكل حاشد رغم سيطرة الانتقالي عليها وقد مارس قمعاً كبيراً بحق أهلها، الأمر الذي يعني إصرار المواطنين رغم القمع على التعبير عن آرائهم بشكل قوي وشجاع وأنهم لن يستسلموا ويستكينوا للقمع وهم يطالبون بعودة الشرعية إليها ومؤسسات الدولة هناك، واضعين آمالهم الكبيرة بيمن اتحادي قوي وآمن.
سقطرى المسالمة والآمنة والتي لم تصلها المليشيات الحوثية لبعدها عنها آلاف الأميال تعيش لحظة التحدي والصمود فهي جوهرة اليمن وقلبها الأخضر ترفض أن تستكين لأي من المشاريع التمزيقية وترفض التبعية رغم الإغراءات الكبيرة فهي تعبر عن أصالة المواطن اليمني المتشبث بأرضه العاشق لها أكثر مما يعشق روحه وجسده.

 

تمدد المظاهرات
يرى مراقبون ومحللون سياسيون أن المظاهرات المؤيدة للشرعية ستتمدد ولن تتوقف عند بعض المحافظات، وقد تستمر بين فينة وأخرى خاصة إذا ما حاول الانتقالي مواصلة فرض أجندته على الأرض والضغوط على الشرعية.
حيث كسرت هذه المظاهرات حاجز التخوفات النفسية وأعطت بقية الشعب دفعة معنوية قوية سيخرج في المستقبل القريب بشكل أشد زخماً وأكثر تعبيراً عن الرأي خاصة وأن تنامي السخط الشعبي في الجنوب يتصاعد بشكل مستمر.


ينتظر الشعب في المحافظات الجنوبية قيادة تأخذ بيده فقط نحو الأمام لأنه أكثر تربية على الدولة ومؤسساتها والنظام والقانون خاصة بعدما فضحت بعض قيادات الانتقالي عن توجهاتها وتبعيتها غير المتزنة والكشف عن أجندة التطبيع مع الاحتلال الصهيوني الذي أفصح عنه نائب رئيس الانتقالي هاني بن بريك.


حالة القمع المستمرة بحق الجنوبيين ومداهمة منازلهم وإنشاء السجون السرية والاختطافات المستمرة التي طالت البعض منهم وقمعت حتى حرية التعبير زاد من وتيرة السخط ضد الوضع القائم هناك، الأمر الذي يعني أن هذه الاحتجاجات ستتصاعد وصولاً إلى رضوخ الانتقالي للشراكة مع كافة القوى الجنوبية الأخرى.


هذا من ناحية الساخطين بسبب الفساد والقمع والأجندة الخاصة، لكن هناك دوافع أخرى لجهات أخرى سوف تؤدي إلى تنامي هذه الاحتجاجات وهي أن الانتقالي أثبت لأصحاب أجندة فك الارتباط أنه انحرف عن المسار ولم يحقق لهم تطلعاتهم وأن كل ما فعله الانتقالي كان لتحقيق مكاسب خاصة فئوية لهذه القيادة التي تصدرت المشهد، وأنها لن تستطيع إدارة الدولة منفردة خاصة وأنها قد أعلنت الإدارة الذاتية منذ شهور ولم تقدم للشعب هناك أدنى الخدمات، وظهر للشارع الجنوبي فشل وضعف قيادة الانتقالي بعدما هرع الجميع منهم فقط لتحقيق مكاسب شخصية بعيداً عن آمال وتطلعات الجنوبيين فضلاً عن تقديم أبسط الخدمات لهم.