الأربعاء 08-05-2024 12:18:00 م : 30 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

في الذكرى الـ30 لتحقيقها.. الوحدة الوطنية في مواجهة الانقلاب الحوثي والمشروع الإيراني في اليمن

السبت 23 مايو 2020 الساعة 12 صباحاً / الإصلاح نت - خاص / عبد السلام الغضباني

 

في الذكرى الثلاثين لتحقيق الوحدة اليمنية، تتجسد أهمية الوحدة في مناهضة الانقلاب الحوثي والمشروع الإيراني التخريبي في اليمن، ذلك أن التصدعات غير المبررة التي طالت الجبهة المناوئة للحوثيين والنفوذ الإيراني في اليمن، والتي تسببت بها مليشيات مناوئة للحكومة الشرعية، ألقت بظلالها الكئيبة على الأزمة اليمنية بشكل عام، وعلى الصراع الذي تخوضه إيران بالوكالة ضد خصمها الرئيسي (المملكة العربية السعودية)، ذلك لأن هذه التصدعات خففت الضغوط العسكرية والسياسية على الحوثيين وحليفتهم إيران، ومنحتهم مساحة كبيرة للمناورة واستنزاف إمكانيات الطرف الآخر وتعزيز مكاسبهم على الأرض.

وفي نفس الوقت، فإن تلك التصدعات والانقسامات، وما يتخللها من مواجهات عسكرية ومناكفات عبر وسائل الإعلام، لا يمكنها أن تحقق أي مشروع معين، فلا انفصال جنوب اليمن سيتحقق على يد فئة مرفوضة من قبل أبناء كل المحافظات الجنوبية، ولا المليشيات المتفرقة المنتشرة هنا وهناك ستتمكن من إقامة إمارات خاصة بها أو حتى مجرد حكم ذاتي، والذي سيتحقق فقط المزيد من الانقسامات والخسائر والنزيف الذي سيستفيد منه الحوثيون وحليفتهم إيران.

- نفوذ متزايد

برزت دولة إيران، خلال السنوات الأخيرة، كلاعب رئيسي في الأزمة اليمنية، خاصة بعد انقلاب الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي صالح على السلطة الشرعية، والسيطرة على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الحيوية ذات الكثافة السكانية العالية، وبذلك تمكنت إيران من مراكمة نفوذها في اليمن من خلال التغلغل العسكري، وتهريب الأسلحة والخبراء العسكريين إلى مناطق سيطرة الحوثيين، وشن هجمات صاروخية وأخرى بواسطة طائرات مسيرة على الأراضي السعودية، التي لم يسبق لها أن تعرضت لهجمات خارجية كما حدث مؤخرا بواسطة إيران والحوثيين، وطال بعضها أهم المرافق الحيوية في السعودية التي تمثل عصب الاقتصاد السعودي (شركة أرامكو)، بالإضافة إلى مهاجمة ناقلات نفط ومطارات رئيسية.

تتعامل إيران مع الأزمة اليمنية كحلقة مهمة من حلقات صراعها مع خصمها التقليدي (السعودية)، ونظرا لأن السعودية تمكنت من حشد تحالف عربي هو الأول من نوعه استطاع كبح جماح الأطماع الفارسية في اليمن، إلا أن إيران استغلت التصدعات والأخطاء وجوانب القصور التي شابت طريقة إدارة المعركة ضد الحوثيين، لكي تعزز مكاسبها وتواصل إدارة المعركة بالوكالة حتى تتحقق الأهداف التي تصبو إليها، خاصة أن الحروب في العصر الحالي بين القوى الكبرى والطامحة للقيادة تتسم بكونها حروب بالوكالة، بعد أن مرت طبيعة الحروب بتحولات تاريخية، بدأت بالحروب المباشرة بين الإمبراطوريات، ثم الحروب بين التكتلات والتحالفات بين الدول، وبعدها الحروب بين الدول المتصارعة مباشرة، لتستقر أخيرا على الحروب بالوكالة في المناطق والتخوم الرخوة والحدائق الخلفية المنقسمة بين قوى النفوذ.

- تصدعات منفلتة

انتقلت طريقة التوسع الإيراني في بلدان المشرق العربي، بما فيها اليمن، من التغلغل الناعم إلى التوسع الشرس، أي من مرحلة المنح الدراسية ونشر التشيع والتحريض الإعلامي إلى مرحلة إشعال الحروب وتشكيل المليشيات الطائفية وتسليحها والتدخل العسكري المباشر، غير أن هذا التحول قابله العرب بمزيد من الانقسامات والتصدعات، التي من شأنها تخفيف الضغوط العسكرية والسياسية على إيران والمليشيات الطائفية التابعة لها، كما يحدث في بعض المحافظات اليمنية الجنوبية من انقسامات أثارها عملاء سابقون لإيران بدعم إيراني وغير إيراني.

لقد أصبحت بلدان المشرق العربي، وتحديدا دول مجلس التعاون الخليجي، شبه مخنوقة، حيث تطوقها المليشيات الإيرانية من جهتي الشمال والجنوب (مليشيات الحوثيين في اليمن، ومليشيات الحشد الشعبي في العراق، ومليشيات حزب الله في لبنان، والمليشيات العلوية في سوريا)، بينما القطع العسكرية البحرية الإيرانية تجوب المياه المحيطة بشبه الجزيرة العربية من بقية الجهات، بدءا من الخليج العربي، مرورا بخليج عمان وبحر العرب، وانتهاء بالبحر الأحمر، كما تنتشر زوارق حربية لإيران ومليشياتها سبق لها أن هاجمت ناقلات نفط بالقرب من مضيقي هرمز وباب المندب وجنوب البحر الأحمر.

أضف إلى ذلك، أنه في مقابل الوحدة القوية التي تتسم بها العلاقة بين المليشيات الطائفية الموالية لإيرانها، وارتهانها جميعا للمشروع الإيراني بكل تضحية وفداء، فإن انقسامات وتصدعات الطرف الآخر تبدو منفلتة وغير منضبطة، ولو أنها اتسمت بأدنى درجات الانضباط لأمكننا الرهان على تجاوزها بفعل عامل الزمن الذي تتكشف معه يوما بعد آخر مخاطر المشروع الإيراني وتوحشه، وتناسل مليشيات الموت والدمار في مناطق الصراع، وهو ما يبشر بسيناريوهات مظلمة، ذلك أن التراخي أمام الخصم، والانغماس في الخلافات البينية غير المبررة والسخيفة أمام المشروع الكبير للخصم الذي سيلتهم الجميع، والرهان على حلفاء كبار في أقصى الأرض ومعروفين بسياساتهم التآمرية ضد العرب والمسلمين، كل ذلك كفيل بانهيار إمبراطوريات عظمى وليس فقط انهيار دول، بعضها لا تؤهلها إمكانياتها للصمود أمام المخاطر الكبرى إلا لأيام أو أسابيع معدودة.

- اليمن كهدف إستراتيجي

مما لا شك فيه أن إيران وحلفاءها الحوثيين هم المستفيد الوحيد من التصدعات المنفلتة والانقسامات غير المبررة بين اليمنيين، والتي أثارتها الأطراف والمليشيات الانفصالية المناوئة للسلطة الشرعية، وبالتالي فإن ذلك يعزز المكاسب الإيرانية في اليمن، خاصة أن لليمن خصوصية دينية وتاريخية لدى إيران، وعلى ضوئها تحدد طهران ملامح إستراتيجيتها في اليمن.

ترتكز الخصوصية الدينية لليمن لدى إيران على ما تسمى "الثورة السفيانية" التي روّج لها رجل الدين الشيعي علي الكوراني في كتابه "عصر الظهور"، وفيه تحدث عن ثورة ستكون في اليمن، ووصفها بأنها "أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق"، وتحدد الروايات الشيعية وقتها بأنه "مقارب لخروج السفياني في شهر رجب، أي قبل ظهور المهدي ببضعة شهور"، وعاصمتها صنعاء، أما قائدها -المعروف في الروايات باسم "اليماني"- فتذكر رواية أن اسمه "حسن" أو "حسين"، وأنه من ذرية زيد بن علي. وبشأن الخصوصية التاريخية، فالجميع يعلم بأن اليمن كان ولاية تابعة للإمبراطورية الفارسية قبل ظهور الدعوة الإسلامية.

وهذه الخصوصيات تزيد من حدة الأطماع الإيرانية في اليمن الذي بات يشكل هدفا إستراتيجيا لها، ولا يمكنها التهاون في حماية المكاسب التي حققتها حتى الآن، وستستغل كل الانقسامات والتصدعات بين اليمنيين لحماية تلك المكاسب، وستنفخ النار في هذه التصدعات سواء بشكل مباشر أو من خلال حلفاء ووكلاء محليين وإقليميين يتظاهر بعضهم بمساندة السلطة الشرعية والعداء للحوثيين.

يضاف إلى ذلك أنها تمكنت من تشكيل لوبي ضغط منتشر في بعض البلدان الأوروبية والولايات المتحدة، بهدف التأثير والتشويش على طبيعة الصراع الإقليمي وخلفياته وأبعاده العقائدية والطائفية، والتركيز على إظهار المليشيات الحوثية بأنها جماعة أو أقلية مضطهدة، والتغطية على جرائمها بحق المواطنين بقصص إنسانية مفبركة، وتحميل مسؤولية تدهور الوضع الإنساني الطرف الآخر (الحكومة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها).

- صراع مفتوح

الخلاصة، ما زال الصراع بين إيران وجيرانها العرب مفتوحا على كل الاحتمالات، والمؤسف أن إيران تمكنت من بسط نفوذها في أربع دول عربية حتى الآن (العراق، لبنان، سوريا، اليمن)، كما أن إيران ما زالت في موقع الهجوم بينما العرب في موقع الدفاع، والسبب في ذلك هو التصدعات والانقسامات المنفلتة بين العرب على مستوى الدول والجماعات والأحزاب، وتتجسد هذه الانقسامات بصورة بشعة في اليمن، كونها انقسامات غير مبررة، ولو افترضنا أن هناك خلافات حول بعض الملفات، فإنه يفترض تأجيلها إلى مرحلة ما بعد الحرب، والتكتل حاليا لمواجهة الخطر الذي يهدد الجميع.

أما سعي البعض إلى انفصال جنوب اليمن، فإن ذلك يعني تسليم شمال البلاد لإيران والحوثيين، وإقامة دولة إيرانية خالصة، وفي حال استقرت تلك الدولة، فإنها ستركز على تطوير قدراتها العسكرية بدعم إيراني سخي، ومن ثم ستلتهم الجنوب بدعوى إعادة توحيد البلاد، وستشكل خطرا كبيرا على العرب بشكل عام، علما بأن المشروع الإيراني لن يقف عند حد، ولن تتوقف إيران عن تهديد جيرانها العرب إلا في حال توحد العرب في كتلة واحدة، وواجهوا إيران بقوة، وطردوها من الدول العربية التي تسيطر عليها، وملاحقتها في عقر دارها، وإسقاط حكومة الملالي، ودعم تشكيل حكومة جديدة متصالحة مع جيرانها العرب.

كلمات دالّة

#اليمن